بعد أن قررت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة مؤخرا إغلاق مجموعة قنوات الناس، والخليجية ، والحافظ ، والصحة والجمال ، وعدد من الفضائيات السلفية بسبب مخالفتها شروط التراخيص وبثها لدعاوى الفتنة المذهبية والتحريض الديني . جاءت تصريحات فضيلة الإمام الأكبر لتصب الماء على نار الفتنة بين السنة والشيعة التي اشعلتها الفضائيات السلفية من جانب والشيعية من جانب آخر ، فقد أعلن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، رفضه تكفير الشيعة، مؤكداً فى أن الاختلاف من سنن الكون التي يقرر القرآن الكريم حقيقتها ، رافضا خروج بعض الفضائيات بفتوى تحكم بكفر الشيعة، مبينا أن ذلك شيئا مرفوضا وغير مقبول ولا نجد له مبرراً لا من كتاب ولا سنة ولا إسلام، فنحن نصلى وراء الشيعة ولا يوجد عندهم قرآن آخر . شرارة الحبيب لم تكن إساءة الشيعي الكويتي ياسر الحبيب لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هي الشرارة الأولى لاشعال حريق الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة،عبر القنوات الفضائية،وليست هي الملمح الوحيد للصراع السلفي الشيعي عبر النقوات الفضائية الدينية التي تلعب دورا بالغا في المشهد الإسلامي، بعد تجاوز عددها خمس وخمسين قناة إسلامية سنية وشيعية ، أدخلت الدعوة والفتنة الى منطق السوق والربح والخسارة ، وأسست لما يمكن اعتباره علاقة استهلاكية بالدين . فأعلنت فضائيات تابعة ل "أهل السنة" الحرب على الطائفة الشيعية، وفي الطرف المقابل من ساحة الحرب اصطفت فضائيات شيعية متطرفة وصل بها التطرف حد التطاول على أمهات المؤمنين زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم والتعرض بالسوء للصحابة والخلفاء الراشدين رضوان الله عنهم. تكفير الصوفية الحرب السلفية الشيعية التي تدار عبر الفضائيات التي تبث عبر النايل سات ليست وقفا على الشيعة وحدهم ، فقد وجهت القنوات السلفية أيضا سهامها الى الطرق الصوفية في مصر ، وشهدت العلاقات بين الطرق الصوفية والسلفيين توتراً جديداً يهدد باشتعال الخلافات الفقهية القديمة بين الطرفين ، التي تشتعل لفترات ثم تهدأ الجبهة فترة لتعود للتسخين من جديد.وكان آخرها مؤتمر الطريقة العزمية حول إسلام والدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد اكد أتباع الطرق الصوفية أن ام خير الخلق في الجنة ، ورد السلفيين في برنامج خالد عبد الله بقناة الناس بأنها في النار ، ، كما فجرت الطريقة العزمية التي يرأسها الشيخ علاء أبو العزايم أزمة جديدة بين السلفيين ، عقب اتهامها لجماعة أنصار السنة المحمدية بأنها جماعة تكفيرية واتهام مؤسسها عبدالرزاق عفيفي بتكفير الحاكم ، كما اتهمتها بتبني الخط التكفيري بدليل أن الدكتور – أيمن الظواهري - زعيم تنظيم الجهاد ونائب رئيس تنظيم القاعدة – نشأ وتربى في كنف ورعاية أنصار السنة المحمدية . وحفلت برامج القنوات السلفية والشيعية باشتباكات بين الفريقين عندما تناول الصوفيون والشيعة مفتي السلفيين وفقيههم "ابن تيمية"واتهموه بالتشدد ، ثم احتدم الخلاف بينهما عبر الفضائيات في قضايا مثل إثبات صفات الله وأمور تتعلق بالعقيدة. مؤامرة غربية ملامح هذا الصراع الفضائي بين السلفيين والشيعة والصوفية عبر الفضائيات ودوافعه يكشفها الدكتور عمار علي حسن الباحث في شئون الحركات الاسلامية : إن مشاهير الدعاة من السلفيين أمثال أبو إسحاق الحويني ومحمد حسين يعقوب ومحمد حسان وغيرهم من شيوخ السلفية استخدموا القنوات الفضائية ، مثل قناة الناس و قناة الرحمة وغيرهما من القنوات الفضائية كمنصات لإطلاق قذائفهم ومدفعيتهم الثقيلة ضد الشيعة والصوفية، حتى أن بعض دعاة السلفية أصدر فتاوي بكفر بعض الصوفيين في حين اكتفى البعض الآخر ب "تفسيقهم" ليس هذا فقط بل إن السلفيين خلطوا بين الصوفية الفلسفية التي يمثلها ابن عربي والصوفية العملية الموجودة في مصر الآن وكفروا الجميع. ويتفق عمار علي حسن مع الشيخ علاء أبو العزايم شيخ الطريقة العزمية على أن السلفيين في مصر هم امتداد لفكر ابن تنمية المتشدد الذي لا يتناسب و لا يتوافق مع طبيعة مصر ومجتمعها متعدد الاديان ، خاصة أنهم اتهموا الصوفية بانها خرجت من التشيع، وأن فكرهم يعتمد على التهييج والكذب على الخصوم وعدم الرغبة في الحوار و المصارعة بالألفاظ بعيداً عن الحجة بالدليل و البرهان كالكتاب و السنة ، وأنهم يمارسون الشرك الخفي وأنهم وتبركون بالأضرحة ويلجأون للأولياء الصالحين لقضاء حاجاتهم ولا يلتزمون بالفرائض المعلومة من الدين بالضرورة. . مواجهة شاملة والسؤال الذي يطرح نفسه : هل ينهي قرار إغلاق عدد من القنوات الفضائية الدينية حالة الجدل الفقهي والصراع المذهبي بين السلفية والشيعة؟ يجمع خبراء الإعلام وعلماء الدين على أن المواجهة يجب ان تكون متعددة المحاور ، وأن أبعاد الأزمة أكبر بكثير من مواجهتها بقرار اغلاق 4 قنوات فضائية دينية ، حيث ترى الدكتور نادية مصطفى أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومدير مركز الحوار بجامعة القاهرة أن ظهور قنوات الفتنة المذهبية لم يحدث إلا بعد احتلال أمريكا للعراق فقد ظنت الولاياتالمتحدة أن السيطرة على العراق ومن بعده الأمة العربية كلها لن يحدث إلا من خلال زرع الشقاق المذهبي بين العرب بعضهم البعض وهكذا قامت أمريكا بتشجيع أشخاص موالين لهم بإنشاء قنوات فضائية شيعية هي بعيدة كل البعد عن المذهب الشيعي ،وراج الإعلام الطائفي بصورة غير مسبوقة في مواجهة إعلام سلفي متشدد الأمر الذي يزيد من حالة الاحتقان المذهبي ويطرح في القنوات الفضائية المعبرة عن الطرفين قضايا هامشية للخلافات تزيد من حدة التوتر والعداء والانقسام المذهبي وتمثل العراق مجالا واضحا لذلك حيث تعددت القنوات الفضائية ذات الانتماء المذهبي الطائفي وتركز على إثارة المشاعر العامة والابتعاد عن الموضوعية. بينما أبدى الدكتور سامى الشريف أستاذ الإعلام تأييده لقرار غلق قنوات تجاوزت حدود عقدها وترخيصها مخالفة ما أجيز لها فى الترخيص، ومن هنا من حق المنطقة الإعلامية الحرة إغلاقها بصرف النظر عن ممارسة هذه القنوات إذا كانت تثير النعرات الطائفية أو تغير عقول الناس من خلال عرضها للخرافات. ودعا إلى اتخاذ وقفة حاسمة ضد القنوات التى تهدد الوحدة الوطنية وتثير النعرات المذهبية ، ومواجهة هذا الإعلام المنفلت الذى تجاوز كل حدود. أما الدكتور محمود علم الدين رئيس مركز بحوث الرأى بجامعة القاهرة فيرى أن هذه القنوات صنعت مناخا من الاحتقان الطائفى من خلال معالجة عدد من القضايا الدينية التي تؤدي تأجيج الصراع الطائفى . مرجعية فقهية واذا كان خبراء الإعلام يرون أن إغلاق تلك القنوات الدينية ضرورة مهنية فإن علماء الدين يرونه ضرورة شرعية حفاظا على وحدة الأمة الإسلامية ، وانتقد الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف ما تثيره بعض القنوات الدينية من قضايا مذهبية محذرا من خطورة ذلك على مصلحة الأمة الإسلامية وأمن الوطن الذى يعتبر خط أحمر لا ينبغى تجاوزه، مطالبا وسائل الإعلام بتدعيم روح الانتماء والمواطنة بين المواطنين، موضحا أن الحديث عن الفتنة الطائفية والمذهبية والتفرقة بين أبناء الأمة الإسلامية لا تخدم الإسلام . أما الشيخ سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف فيرى أن التدين الحقيقي لا يمكن أن يبرز من خلال القنوات الفضائية، مطالبا بتفعيل دور المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي جنبا الى جنب مع دور مؤسسات المجتمع الأخرى كالمدارس والأندية والمساجد المسجد ثم يأتي الإعلام كدور مؤسس في تثقيف والتوعية. فضائيات التكفير الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق يرى أن حالة الفراغ الديني بين الناس، والأمية الدينية التي تعاني منها قطاعات كبيرة من المجتمع أدى بها إلى أنها أصبحت في مرمى القنوات الفضائية الدينية وسط حالة من انسحاب كامل للمؤسسات الدينية الرسمية المعتدلة في العالم الإسلامي ، وهذه الثقافة القائمة التي تروج للفتنة المذهبية بين السنة والشيعة عبر الفضائيات لا يمكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمثل " خير أمة أخرجت للناس " وتثير الفرقة والصراع الذي نهى الله تبارك وتعالى عنه حين قال " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " وهي أيضا بعيدة كل البعد عن منهج الدين الحنيف الذي أمرنا بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأن نجادل الناس بالتي هي أحسن فلا الفضائيات السلفية السنية خدمت مدرسة السنة والجماعة , و لا الفضائيات الشيعية المتطرفة خدمت مدرسة أهل البيت ، وكان الأولى بفضائيات الفتنة أن تتعلم من أسباب تدهور الخطاب الإسلامي ، كما ساهم فقهاء الفتنة في الفضائيات في نشر فكر التكفير و التمزق والطائفية , وقد آن الأوان أن تغلق فضائيات الفتنة الناطقة بإسم هؤلاء أو أولئك , وآن الأوان لتنطلق قنوات العقل السليم التي تقدم الإسلام دينا وسطيا حضاريا مستنيرا , لا إسلام الفتنة بين عنصري الأمة .