الواد سيد ابن أختي التحق بالمعهد العالي للإعلام الواطي، وهو معهد خاص يقبل الراسبين في الثانوية العامة بشرط ألا يزيد عدد المواد الراسبين فيها علي خمس مواد.. غير أن تقاليد الدراسة فيه منضبطة وصارمة وربما يكون هو المعهد الوحيد في مصر الذي يتجمع فيه الطلبة في الفناء صباحا وينشدون نشيد المعهد وهو.. يا أمريكا يا إمبريالية، وشك للحيط وقفاك لي.. مش حا نبيع مش حانبيع ولا حا نوافق علي التطبيع.. إلي آخره. بعد ذلك يهتفون ثلاثا: إلحقوا الوطن، ثم يدخلون قاعة المحاضرات. في أول محاضرة في العام الدراسي دخل عليهم عميد المعهد وقال لهم: الجيل السابق عليكم في أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته بل وربما في بداية الستينيات أيضا، كان علي موعد مع المجد أما أنتم فعلي موعد مع الفلوس، لقد بذلنا في اختياركم جهدا كبيرا، حرصنا فيه علي أن تكونوا محرومين من الموهبة، ناقصي الإدراك، عظيمي الجهل، مجردين تماما من الإحساس بالمسئولية، وذلك تصديقا لحديث قدسي يقول فيه جل جلاله: وعزتي وجلالي، لأرزقن من لا حيلة له حتي يتعجب أصحاب الحيل. لا تسيب داخل جدران المعهد، كل من يثبت عليه أنه قرأ كتابا واحدا في حياته خارج المقرر الدراسي، سيفصل علي الفور، كل من يثبت عليه أنه يجيد لغة أخري سيتم التخلص منه في نفس اليوم، سوف تتعلمون في هذا المعهد أهم خصلة في الحياة وهي التظاهر، يعني أن تتظاهروا بكل ما ليس فيكم، ستكذبون باستمرار وإتقان إلي الدرجة التي تفشل فيها أعقد أجهزة كشف الكذب عن كشفكم، ستبدون اهتماما بالشعب المصري يفوق ما كان يشعر به الملك مينا بينما أنتم لا تهتمون إلا بما تحصلونه من أموال.. لا أهمية للحقيقة لأن الحقيقة أصلا لا وجود لها، المهم هو الإثارة، كل ما هو مثير هو حقيقي.. تذكر دائما أنك مثير، أنت زلزال، أنت عاصفة، أنت ضابط مباحث وأنت وكيل نيابة وأنت القاضي، وأنت الغفير وأنت الوزير بل ورئيس الوزراء، وربما تكون أعظم من هؤلاء جميعا، وفي كل الأحوال عليك أن تعرف أن الناس سيلتفون حولك ويزداد إعجابهم بك عندما تحرضهم علي كراهية أمريكا والغرب، لا رقيب عليك إلا ضميرك وضميرك لحسن الحظ لا وجود له. انتهت محاضرة العميد ودخل أستاذ الصحافة المرئية وقال: عندما يعض الكلب رجلا فهو ليس خبرا، الخبر هو أن يعض الرجل كلبا، هذا ما تعلمناه في الماضي غير أنني تعلمت بعد ذلك بسنوات طويلة أن الخبر الحقيقي هو أن يعض الرجل كلبا في نفس اللحظة التي تعضه فيها زوجته، غير أن السؤال هو.. هل أنت في حاجة لحادث حقيقي لكي تكتب عنه خبرا؟ تستطيع أن تتجول لسنوات بين أقسام الشرطة والمستشفيات ولا تعثر علي شخص واحد عض كلبا، هنا يبدأ دور الخيال، ابدأ البرنامج بعدة لقطات في مستشفي للحيوانات، ثبت الكاميرا علي كلب صغير شكله جميل مربوط بالشاش، ثم انزل بصورة لشخص شرس.. ابدأ التعليق.. هل تصدق أن هذا الشخص الهمجي عض هذا الكلب البرئ الجميل.. من الغريب أنها ليست المرة الأولي التي يعض فيها كلبا، فقد اكتشفنا أنه مسجل خطر عض كلابا، معنا الآن الأستاذ فلان الفلاني أستاذ الطب النفسي الحيواني.. أيوه يا دكتور. فيقول الدكتور: بين كل ألف كلب يوجد كلب واحد يعض البشر بدافع من سوء التربية، وبين كل مائة ألف رجل يوجد واحد فقط يعض الكلاب.. فاصل ونعود.