ضياء رشوان: الحوار الوطني يطالب بالإفراج عن الصحفيين المحبوسين (فيديو)    عمرو أديب معلقاً على واقعة مدرس الجيولوجيا:" تكلفة الحصة مليون و200.. توم كروز مابيخدهاش"    آخر تحديث.. سعر الذهب اليوم الاثنين 10-6-2024 في محلات الصاغة    خالد البلشي: تحسين الوضع المهني للصحفيين ضرورة.. ونحتاج تدخل الدولة لزيادة الأجور    بدء عمل لجنة حصر أملاك وزارة التضامن الاجتماعي في الدقهلية    مستعدون لاستلام السلطة، أول تعليق من لوبان على فوز اليمين الفرنسي    الاحتلال يداهم عددا من المنازل في مدينة قلقيلية    شقيقة كيم تتوعد برد جديد على نشر سيول للدعاية بمكبرات الصوت    التشكيل المتوقع لمباراة مصر وغينيا بيساو في تصفيات كأس العالم 2026    ميدو: مباراة بوركينا فاسو نقطة تحول في مسيرة حسام حسن مع المنتخب    ليفربول يعلن إصابة قائده السابق ألان هانسن بمرض خطير    مديرة مدرسة في المنوفية تتخلص من حياتها بحبة الغلة السامة    مواعيد امتحانات الدور الثاني لطلاب المرحلة الإعدادية بالإسكندرية    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر (موجة حارة شديدة قادمة)    «كنت مرعوبة».. الفنانة هلا السعيد عن واقعة «سائق أوبر»: «خوفت يتعدي عليا» (خاص)    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    دعاء رابع ليالي العشر من ذي الحجة.. «اللهم اهدني فيمن هديت»    «الإفتاء» توضح حكم صوم الحاج لأيام العشر من ذي الحجة.. شرط وحيد    سورة في القرآن احرص على قراءتها بالعشر الأوائل من ذي الحجة.. «اكسب أجرها»    وصفة سحرية للتخلص من الدهون المتراكمة بفروة الرأس    عددهم 10 ملايين، تركيا تفرض حجرًا صحيًا على مناطق بالجنوب بسبب الكلاب    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    تحرير 36 محضرا وضبط 272.5 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بمدينة دهب    عمر جابر ساخرًا: انضمامي للمنتخب بسبب صداقتي بمحمد صلاح "يحدث في عالم سمسم"    الفنانة التونسية لطيفة في حوار خاص مع "البوابة": والدتي كانت مصدر قوتي إلهامي.. أختار أغنياتي بناءً على شعوري الشخصي    خلاف بين كولر ولجنة التخطيط بسبب نجم الأهلي    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    استطلاع: 54% من مؤيدي بايدن يدعمونه فقط لمعارضة ترامب في انتخابات الرئاسة    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    أمر ملكى سعودى باستضافة 1000 حاج من ذوى شهداء ومصابى غزة استثنائياً    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    سقوط 150 شهيدا.. برلمانيون ينددون بمجزرة النصيرات    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحى ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن    لميس الحديدي تعلن إصابتها بمرض السرطان منذ 10 سنوات.. التفاصيل    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    حلو الكلام.. إنَّني أرقص دائمًا    «بنضم للمنتخب عشان صاحب صلاح؟».. عمر جابر يخرج عن صمته بتعليق ناري    رسالة غامضة من الممثل التركي كرم بورسين لجمهوره.. وهذا ما كشفه    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    صافرات الإنذار تدوى فى عكا وبلدات عدة شمالى إسرائيل    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    الحج السياحي | 1298 شركة تتنافس لتقديم خدمات مميزة للحجاج    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    بعد وفاة 40 مواطن لارتفاع الحرارة.. نائبة تطالب بوقف تخفيف الأحمال في أسوان    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    انتحار مديرة مدرسة بحبة حفظ الغلال بالمنوفية    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    "ابدأ": 70% من المشكلات التي تواجه المصنعين تدور حول التراخيص وتقنين الأوضاع    دعاء وفضل العشر الأوائل من ذي الحجة    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    زيادة أكثر من 200 جنيه، ارتفاع سعر دواء شهير لعلاج مرضى الصرع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يدخل التراب جنازير دباباتهم
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 13 - 04 - 2010

افتقدت اتصال يس يومي الجمعة والثلاثاء من كل أسبوع. كان الرجل في رحلة علاج بباريس اتصل بي مرة من هناك يطمئن علي الأحوال.. كيف تجري الحلقة اعتاد يس، واعتدت معه، علي رنات الهاتف تحمل ثناء علي حوارنا من.. علي الدين هلال، وحيدعبدالمجيد، أسامة سرايا، عمرو عبدالسميع، جمال زايدة، نبيل عبدالفتاح، سعد القرش، علي سعيد وآخرين كانوا أسرة لأسئلتي وبدوره كان يس ينقل لي حرارة أيديهم واليوم.
وأنا ألوح ممتناً ومودعُا استعدت خمسة أسابيع أفسح خلالها عبد الله كمال صدره، وأفسحت «روزاليوسف» صفحاتها، وإيهاب كامل في وقته شكراً لكم ثقوا جميعاً بمودتي.
وإلي ذلك استعدت أسئلتي للأصدقاء الذين ذهبوا إلي باريس.. عن المطبات والحفر واليفط التي تبدو كعيب خلقي بالشوارع، هل لكل مبني لون منفر مختلف عن المبني المجاور، الكباري التي تسد الفضاء، كتمة النفس، الزحمة، العرق، حبال الغسيل، الخناقات والسباب المتبادل، جارك في الأتوبيس يدوس علي قدمك ويفعصها، دون اعتذار.. إلخ
وكان أصدقائي يضحكون من سذاجتي المفرطة، فأنا لم أذهب إلي باريس، ولا إلي أي مكان آخر خارج المحروسة لذلك، يقولون، أدمنت مثل هذا النوع الأبله من الأسئلة المهم استعدت ذلك كله يوم الجمعة الماضي، حين رن الهانف وأنا أكتب هذه الحلقة، الأخيرة، من حواراتي مع يس كان هو علي الطرف الآخر من الاتصال، قلت له: افتقدت اتصالاتك إيه الأخبار فأعطاني فكرة سريعة عن الفحوصات التي أجراها في باريس. عقب المكالمة قلت: باريس هي قدر يس.
هناك بدأ مشواره مع المستقبل، وكل عام يزورها أربع مرات وها هو يتلقي فيها العلاج إنها نداهته استولت علي خلاياه التي ترك خلية منها هناك للفحص شفاه الله. ادعوا له والآن تعالوا معي إلي باريس الستينيات، وإلي مصر التي نزور بلاداً غيرها ونسأل عن بلاد غيرها، بينما نحن، في حقيقة الأمر، نزورها ونسأل عنها ونعنيها.
استمرت بعثتك في فرنسا من 1964 إلي 1967 هل كانت سنوات غربة أم اغتراب؟
- أنا مكثت سنتين في «ديجون» كانت معي فيها زوجتي وابنتي . ولما «المهية» اتخفضت، عادوا إلي مصر وظللت سنة وحدي انتقلت خلالها إلي باريس في هذه السنة كنت أسكن في المدينة الجامعية بضاحية أنتوني جنب باريس كان معي الدكتور محمود عبد الفضيل، أستاذ الاقتصاد المعروف والدكتور سيد عبد المولي ومجموعة أصدقاء. أنا شعرت بالغربة لما ذهبت إلي باريس.
خاصة بعدما سافرت زوجتي وابنتي في «ديجون» لم تكن هناك غربة ولا اغتراب كنت منغمسا ً في التجربة الفرنسية أبحث في السياسة والفلسفة والأدب كنت مشغولاً، لكنني في باريس شعرت بالغربة.
عاصرت النكسة، علي البعد، هناك؟
- عاصرتها هناك وكانت خيبة كبري كان معنا حسام عيسي ونعمان جمعة وحسن حنفي كنا، قبل وقوع الكارثة، نتابع حشداً من المصريين علي شاشات التليفزيون وخطبة لعبد الناصر، عنترية، وصوراً لمظاهرات تهتف.. هنخش «تل أبيب» وأشياء من هذا القبيل تناقشنا، وقتها، في النادي المصري بباريس حول جاهزيتنا للحرب مع إسرائيل. هل نحن جاهزون أم لا عندما تكون خارج بلدك تكسب مزيداً من العقلانية.
لا تكون تحت ضغط غوغائي، سواء كان سياسياً أو شعبياً. بهذه العقلانية كنا، كمبعوثين، نتناقش. كان هناك مستشار سياسي في السفارة.. عز الدين شرف، أخو سامي شرف فرحنا نسأله في النادي: هل نحن جاهزون؟ قام أحد المبعوثين ووجه السؤال للرجل، فأخذته رجفة ورد عليه.. إزاي.. نحن أبناء صلاح الدين، وراح يزبد في خطبة عنترية وينشج في البكاء لدرجة أن السفير المصري راح يربت علي كتفه ويهدئ خاطره، كأن المبعوث المصري قد كفر بتوجيه هذا السؤال. المهم كان التليفزيون الفرنسي يعرض لقطات من القاهرة ولقطات من إسرائيل هناك كان الأسرائيليون يحفرون الخنادق ويستعدون للحرب لقطات القاهرة كانت للمظاهرات التي تهتف بدخول تل أبيب سألوا أحد الضباط الإسرائيليين، في التليفزيون الفرنسي: متي تهجمون عليهم قال: حين يدخل التراب جنازير دباباتهم، لأن الإسرائيليين لاحظوا أن هناك لواء مصرياً يحفر خنادق في سيناء. وفي اليوم التالي عدل عن الحفر في هذا المكان كانت هناك عشوائية وتخبط في كل شيء في 5 يونيو، بينما ننزل من «أنتوني» لنتفقد الأخبار والجرائد قرأنا مانشيتات الصحف الفرنسية. بالخط العريض.. القضاء علي الطيران المصري أخذتنا الصدمة لم نصدق وظللنا لأيام مذهولين كان هناك صراع داخل المبعوثين بين اليمين واليسار، الماركسيين والاشتراكيين والليبراليين.. إلخ.
وأنت، في أي جبهة كنت؟
- مع الاشتراكيين، حسن حنفي، حسام عيسي، رشدي راشد. كنا الجبهة التي تسيطر علي الندوات وغيرها من الأنشطة كانت جبهة اليمين خافتة بقيادة نعمان جمعة وأباظة بتاع الوفد.
محمود أباظة؟
- آه. وبعدين يا سيدي. وجدنا أن المسألة انتهت في ساعات. كنا نتناول غداءنا في مطعم الجامعة وشبعنا نكت من الطلبة اليهود وغيرهم امتنعنا، حتي الجوع، عن هذا المطعم، تجنباً للشماتة كنا ندبر أمورنا، الأكل وغيره، كل بمعرفته، كي لا يرانا أحد وينكت علينا في هذه اللحظة زار باريس وفد مصري كان في الجزائر ومر بالعاصمة الفرنسية اتحبس الوفد كان من بينهم أحمد بهاء الدين، محمود أمين العالم، لطفي الخولي وغيرهم قابلنا العالم، لم تكن الحرب قد انتهت، وناقشنا معه ما جري.. كيف جري ولماذا قبله قابلنا عز الدين شرف في السفارة سألناه عما حدث قال: صدرت أوامر للفرقة الرابعة، في سيناء، بالنوم !
يعني إيه.. تساءلت ، فتقمص يس صوت الرجل، خافتاً وممطوطاً، كأنه يفضي بسر لصديق في أذنه، واضعاً يده علي جانب فمه، علي طريقة فيك من يكتم السر قال شرف ل « يس » وبقية المبعوثين: استعداداً للهجوم المضاد ثم أكمل يس:
- سألنا أستاذنا محمود أمين العالم ، وكان هو الآخر ، عائشاً في الغيبوبة إيه الأخبار يا استاذ محمود؟ قال: الأوامر صدرت للأسطول المصري بضرب تل أبيب كانت بلبلة عظيمة إلي أن تيقنا من الهزيمة. أنا رجعت من هناك أواخر 67 قبل السفر كان راتبي 45 جنيهاً بعد الرجوع خصموا 3 جنيهات لدعم المجهود الحربي ! كان لا يزال جو الهزيمة مخيماً علي القاهرة حين عدت كانت نكبة للمصريين.
هل تعتقد أن الأزمات التي تمر بها الأوطان والشعوب تخلق قيماً وعادات جديدة . ماذا أفدنا من درس النكسة؟
- النكسة كانت صدمة عنيفة جداً . وكما تعرف تنحي عبد الناصر ثم عاد يبني القوات المسلحة .
وكان للفريق محمد فوزي دور تاريخي في إعادة البناء وسعد الشاذلي انضباط حقيقي وتنظيم حقيقي، أبعد الفاسدين من شلة المشير عامر عن الجيش بدا أن هناك إرادة شعبية في قهر الهزيمة، ثم جاءت حرب الاستنزاف، فحرب أكتوبر. هذا يدل علي أننا استفدنا من الدرس وصنعنا المستحيل في حرب أكتوبر حققنا إنجازاً تاريخياً.
أنا أتحدث عن دروس الماضي التي تصب في المستقبل؟
- المسألة مراحل، أنا تهمني الآن المرحلة من 67 إلي اكتوبر 73 هذه مرحلة حاسمة في تاريخ مصر في هذه المرحلة نعم استفدنا وأنجزنا وتلافينا قصورنا وعجزنا وسلبياتنا العديدة في حرب يونيو، سواء في اتخاذ القرار السياسي بعبقرية السادات، أو في التخطيط الاستراتيجي للحرب علي ارفع مستوي، أو في العبور بسواعد الجنود المصريين. لا تنس أن طلبة الجامعة دخلوا الجيش، لأول مرة وكانوا أحد عوامل النصر اشتغلوا في بطاريات المدفعية المعقدة.. حساب مثلثات وغيره لا يصلح لها الجندي الأمي بتاع النكسة حدث انجاز تاريخي لكن 73 لم نستفد منها بالقدر الكافي من زاوية أنها كانت نموذجاً حضارياً للتنمية كان يمكن أن تكون هذه الحرب قاعدة لكيفية القضاء علي التخلف قاعدة للتنمية فشلنا فشلاً ذريعاً في هذا.
إذن تتفق مع من يقول بأن أكتوبر كان نصراً للسلاح لا للسياسة؟
- أظن ذلك.
أعود بك إلي فرنسا أي كاتب منها كان له تأثير عليك؟
- هذا سؤال صعب، لأنني، طوال عمري لا أؤمن بالكاتب الأوحد أن أقرأ لمختلف الكتاب، لكن «ريمون أرو» كان له أثر علي في القراءات السياسية جان بول سارتر في الفلسفة وهناك أسماء عديدة في تخصصات مختلفة برودل في التاريخ وغيرهم.
دعنا نتكلم عن البعثات التي كانت ، في الماضي، حجر الزاوية في بناء نهضة مصر . لم يعد المبعوث المصري الآن حفيد رفاعة الطهطاوي؟
- نظام البعثات اختلف لم يعد هناك بعثات أصلاً. فيه حاجة اسمها اشراف مشترك أشبه بالفسحة. الأستاذ المصري يروح هناك، الأستاذ الأجنبي ييجي هنا حاجة كدة.
وما ضرر ذلك؟
- نظام البعثات القديم كان يتيح للمبعوث أن يعيش حياة كاملة لمدة أربع سنوات.
بيئة كاملة؟
- بالضبط، يعيش فيها ويتفاعل معها، يبحث ويفكر ويري كيف يعيش هذا المجتمع ويمارس حياته بيئة كاملة كما قلت.
المبعوث المصري في جيلك هل كان جاداً؟
- بشكل عام نعم. ولكن كان هناك مبعوثون رجعيون، عادوا كما ذهبوا كان منهم من يضع القرش علي القرش ليشتري سيارة علي حساب أشياء أساسية كالترفيه، شراء الكتب لمهمته العلمية.. كانت هناك أنماط مختلفة لكن، بصفة عامة، كان لدي الجميع استعداد مبدئي أن يستفيد من البعثة علي أفضل وجه.
ومراكزنا الثقافية بالخارج هل تؤدي دورها؟
- لا أعرف كيف هي الآن إنما، قبل ذلك، كانت هذه المراكز شعلة نشاط كنا نعقد الندوات، كما قلت لك وكنا نناقش المسئولين المصريين الذين يزورون باريس مرة ناقشنا المشير عامر مناقشة عنيفة قرر علي أثرها أن يعقد مؤتمراً للمبعوثين في الإسكندرية بالاتفاق مع عبدالناصر.
ماذا بقي من فرنسا «ديجول» ؟
- يعني إيه فرنسا «ديجول».
فرنسا سارتر وأندريه مالرو، فرنسا المقاومة، الكاتبة، فرنسا المفكرة يا أستاذ؟
- بقي منها الاستقرار السياسي ديجول أعاد صياغة القانون الفرنسي وتحول النظام إلي نظام رئاسي قضي علي الاضطراب والفوضي التي كانت سائدة قبله كانت هناك وزارة تشكل كل شهرين تلاتة. كما كان يحدث في مصر، قبل الثورة ديجول هو صاحب الفضل في استقرار فرنسا.
فرنسا اليوم أصبحت ضاحية تعصب للسامية؟
- يعني إيه ..؟ مش فاهم.
يعني أن فرنسا.. الحرية، الإخاء، المساواة تحاكم جارودي وكل من تسول له نفسه التشكيك في المحرقة المزعومة إياها؟
- لا أوافقك علي هذا التوصيف المرسل في فرنسا اليوم اتجاهات تقدمية عظيمة هناك متعصبون.. هناك لوبيون، هناك متعصبون، لكن هذا لا يمنع وجود تيارات أخري تجابه التعصب هناك مظاهرات تخرج لنصرة القضية الفلسطينية بالآلاف فرنسا مثل أي مجتمع غربي فيه كده وفيه كده هناك تقاليد لا حدود لها، أرساها الجناح التقدمي.
أعود معك إلي الصحافة .والمتصلين بها سبق أن تجاذبنا أطراف الاختلاف حول بعض القضايا واليوم أجدني بحاجة إلي معاودة السؤال حول الصحافة تعرف أنها الرئة التي يتنفس بها المجتمع . مصفاة وأي شائبة قد تعوق تيار التنفس شهيقاً وزفيرا المهم، يري البعض أن دور الأهرام قد تراجع وكثيراً ما يستخدم هذا التعبير بالحق وبالباطل. يقولون إن الأهرام ينقصه اتقاد الشرارة وعليه أن يعود إلي موقع الصدارة في الضخ.
- معناه إيه الكلام ده؟!
صيغتك هذه.. يعني إيه، أو معناه إيه الكلام ده؟! وسيلة تخدمك في إنجاز كل الأغراض..
السخرية، التهكم، النفي، بهدلة المعني، لا الرد عليه ولك فيها مآرب أخري؟
- صحيح يعني إيه الكلام ده؟
تحول كثيرون من قراء الأهرام إلي غيره من الصحف الخاصة والمستقلة، ومنها المصري اليوم؟
- المصري اليوم أقرؤها في خمس دقائق الأهرام يحتاج مني لساعتين، في الأهرام هناك تحليلات سياسية بالغة العمق يكتبها باحثون في المركز أو محللون في الأهرام. فيها معرفة وأساتذة وهناك تحقيقات صحفية علي أعلي مستوي في الأهرام هناك قوالب صحفية متعددة يا عزيزي غير موجودة لا في المصري ولا في غيرها موجودة فقط في الأهرام اليوم، وأنا أقرأ الصحافة مع حمدي رزق في برنامجه، نوهت بتحقيق في الأهرام كتبته صحفية عن مسألة التعاقد مع المستثمرين الأجانب بدون معرفة باللغات أو القوانين الأجنبية هذا تحقيق رفيع المستوي لا تجده في المصري اليوم ولا في أي جريدة أخري قد تجد في «الشروق» بعض التميز في صفحة الرأي، لأنهم يترجمون مقالات كثيرة من الخارج أما المصري اليوم، اللي عاجباك قوي، هناك نمطية في المقالات.
أنا أترجم ما يقوله الناس، ما يتردد في الشارع وأصوغه في سؤال رأيي أو ذوقي لا مجال للإفصاح عنه هنا أما إذا كنت تسألني الرأي فأظن أنني غير معجب بجريدة بعينها قد يعجبني مقال هنا، أو إخراج صفحة هناك أو عمود.. إلخ المسألة تشبه، بالنسبة لي، الغناء أوالكتابة أحب أغنيات معينة، لكني لا أحب مطرباً بالذات علي طول الخط الصحف هكذا هناك صحف لا تطاق وهذه هي الغالبية، وأخري تفتقدها إذا انقطعت عنها بعض الوقت؟
- هناك كتاب، في المصري اليوم، أخمن، منذ البداية، ما يكتبون ولهذا لا أقرأ لهم.
مثل؟
- لن أقول لك أسماء أنا، كقارئ محترف، أعمل مسحاً يومياً للجرائد علشان أرمي ما لا أريد لماذا أضيع وقتي مع كتاب تافهين يحكم قراءتي منهج الاستبعاد أستبعد الإنشاء أما الأشياء المهمة فأبقي عليها وأقرأها علي مهل جرائد المعارضة بعضها عبارة عن موضوعات إنشاء تافهة وأعمدة تافهة، جرائد متخصصة في الهجوم علي النظام، زي «الدستور» وغيرها، المصري اليوم قد تتميز ببعض الأخبار، لكنها ليست عميقة ميزة الأهرام أن فيها تخصصاً دقيقاً، خبير زي عماد جاد لن تجد مثله في المصري اليوم متخصص وخبير في الشأن الإسرائيلي وغيره الأهرام مؤسسة وفكر المؤسسة مختلف في موضوعات التسليح تجد محمد عبد السلام وغيره وهكذا في القضية الفلسطينية عندنا وحيد عبد المجيد أستاذ الموضوع، العلاقات الدولية هناك حسن أبو طالب في سياسات الأديان تجد نبيل عبد الفتاح أنت تتحدث عن أساتذة لهم ثقل في تخصصاتهم، بالإضافة إلي قدرتهم علي العمل الأكاديمي، لديهم القدرة علي الكتابة الصحفية ولن تجد شيئاً من ذلك في مكان آخر سوي الأهرام.
ما الأثر الذي تركته في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية وتعتز به؟
- عملت «الموديل»، النموذج نفسه هناك قيم أرسيتها حافظ عليها الدكتور عبد المنعم سعيد وتجاوزني في أشياء عديدة، وأنجز، بدوره، طريقة ومطبوعات.. إلخ، تذكر أنه لم يعين أحداً في هذا المركز بالواسطة أو المحسوبية تنشئة الباحث العلمي الديمقراطية في التخطيط والتنفيذ والحوار المفتوح كل هذه أشياء كرستها وأصبحت من تقاليد المركز الراسخة.
وأعود أسأل: ماذا يعني لك حسنين هيكل؟
- هيكل شخصية فريدة كان صاحب رؤية حضارية نادرة ثم إن الرجل قادر علي التواضع وقد رويت لك من قبل طريقته الغريبة في الدأب وحب المعرفة مرة أردت أن أدرس أسلوب هيكل فأعدت قراءة « إيران فوق بركان» هذا الأسلوب ابتدعه لنفسه منذ الصغر: story teller
راوي قصة
- يجمع بين الرواية والحدث والوثيقة في ضفيرة واحدة ثم هو متعدد المصادر ولديه ذاكرة قوية هيكل كانت لديه هذه الهبة العميقة.. تشجيع المواهب حتي لو لم يعرف الشخص دعني أحكي لك قصة كنت طرفاً فيها لما أسست وحدة المجتمع الإسرائيلي، بالمركز القومي للدراسات السياسية والاستراتيجية، كتبت مقالة عن طبقات المجتمع الإسرائيلي وقدمتها لحاتم صادق، مدير المركز في ذلك الوقت، مقالة مجعلصة، كلها زلط وطوب ومصطلحات معقدة من إياها. لم أكن قد تعودت علي أسلوب الصحافة كان هناك إحساس بأن المقالة لها قيمة ولكنها ينبغي أن تخفف فاقترح حاتم أن تعاد صياغتها، علي أن يقوم بهذا الدور مكرم محمد أحمد مكرم كتيب وصاحب أسلوب ولا تهمه المصطلحات الأكاديمية، فطلع منها تحفة ووافقت، لكن حاتم عرض الموضوع، برمته، علي هيكل فرفض وأصر علي أن تنشر المقالة كما هي وبقالبها العلمي، كباحث في المركز القومي للبحوث فكرت في إصراره، ما مغزاه؟
هيكل كان يريد أن يؤسس لخطاب علمي جديد عن إسرائيل، بدلاً من الإنشاء والخطابة التي كانت سائدة قبل 67 أو هذا ما فهمته في مرة أخري، ولم يكن يعرفني، كتبت مقالة عن «التحليل السياسي للشخصية الإسرائيلية» وسلمتها لحاتم صادق، لنشرها بالأهرام قال لي: ما فيش مكان اتجمعت المقالات، لكن ليس لها مكان فتضايقت، لأني كتبت هذه المادة في ثلاثة أشهر لكني كتبت خطاباً ساخراً لهيكل، قلت له : كتبت كذا وكذا والموضوع كيت وكيت، وهذه المادة موجودة الآن بمتحف المقالات المجموعة بالأهرام لن تنشر، إلا إذا اطلعت عليها بنفسك، أخذ هيكل المسألة بجدية صارمة وأرسل في طلب المقالات وأشر عليها تنشر يومي السبت والأحد كان المسئول، أيامها، عن صفحتي الرأي هو محمد سيد أحمد، رحمه الله ناداني محمد وسألني: فيه إيه فيه إيه فعملت نفسي مش فاهم قال لي: هيكل أشر علي مقالاتك للنشر مسلسلة دا بيرفض ينشر أي حاجة مسلسلة حتي لأحمد بهاء الدين ما فيش حد بينشر مسلسل في الأهرام إزاي ينشر لك إنت! قلت لمحمد: روح إسأله ونزلت المقالات، بينما كان حاتم صادق يصيف في الإسكندرية فاكر أنا فوجئ بالنشر تماماً ظني أن هيكل أحس بأن موهبة ما يراد التضييق عليها، لأمر ما هناك قصص كثيرة أتذكرها عن هيكل ومواقفه.
أعتقد أن الخلاف، بحدة، واحد من المقاييس التي يقاس بها الأشخاص والأدوار أن يراك المعجبون بك فوق مستوي البشر علي حين ينزل بك آخرون إلي الحضيض وهذا ما حدث ويحدث لهيكل؟
- أتفق معك تماماً.
في ظنك، هل كان بإمكان هيكل أن يرشد من قبضة العسكر، ولم يفعل بالقدر الكافي؟
- لا، المسألة كانت أعقد من هذا بكثير تتجاوز قدرات الأفراد، هذه بنية نظام، علي بعضه، نظام فيه موازنات معقدة ثم لا تنس كانت هناك صراعات داخل مجلس قيادة الثورة نفسه عبد الناصر أقصاهم كلهم، ما عدا أنور السادات.
ماذا يبقي من هيكل متعه الله بالصحة؟
- الكثير
أحمد بهاء الدين؟
- أحمد بهاء الدين هو الضمير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.