يمثل الشباب القوة الضاربة في الموارد البشرية للدولة؛ وعلي الرغم من الجدل الذي يمكن أن يثار حول تعريف الشريحة العمرية للشباب، فإن المقصود بشكل عام ذلك القطاع العريض من الأفراد الذين يتم إعدادهم ليتولوا المهام المختلفة في إدارة شئون البلاد في جميع التخصصات والميادين، ومن هذا التعريف المختصر تنبع أهمية التعامل مع هذا القطاع والتي تتمحور أساساً حول ما يلي: 1- الحديث عن الشباب يعني تناول حقيقة قائمة وليست افتراضية، تنتشر في المجتمع بأسره؛ فالشباب هو نتاج للأسر التي تمثل في مجموعها الوحدات الرئيسية التي يقوم عليها المجتمع، وتنشأ السلطة لتوفير الأمن لها وحمايتها وتنظيم تعاملاتها في إطار متكامل. 2- يثير ملف الشباب ومشاكله، بشكل مباشر أو غير مباشر، المشاكل والتحديات التي يواجهها المجتمع كافة بمكوناته المختلفة من قبيل: بناء الإنسان، تكريس المواطنة، توفير فرص العيش الكريم، حماية الحق في الحياة، إتاحة الفرص لإشباع الحق في العمل، الحق في المشاركة السياسية بمستوياتها المختلفة، كيفية التعامل مع الأخطار التي تحيق بالبلاد سواء كانت نابعة من الداخل أم تفرض نفسها من الخارج. 3- إن ملف الشباب يدخل في اختصاصات جميع جهزة ووزارات الدولة بدرجة أو أخري، وعلي سبيل المثال تقع علي وزارة الداخلية مسئولية توفير الحماية لهم من الجرائم المختلفة خاصة المستحدثة منها كما أنها تتعامل مع هذه الشريحة أثناء قيامها بوظيفتها المتصلة بحفظ الأمن في ضوء ما أوضحته الدراسات وأثبتته البيانات من وجود ارتباط قوي بين انتشار الجريمة من جانب والشريحة العمرية الشابة من جانب آخر، وتتولي وزارة الخارجية الدفاع عن مصالحهم في حال تواجدهم خارج حدود الدولة، وتعتمد وزارة الدفاع عليهم في توفير القدرة اللازمة للدفاع عن الوطن من خلال جيش مدرب ومؤهل، وتقوم الوزارة المتولية مهام الشئون الاجتماعية بالتعامل معهم بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تعاملها مع أسرهم، وتتولي وزارة شئون الأسرة والسكان الإطار العام الذي ينمون فيه، وتختص وزارتا التربية والتعليم، والتعليم العالي بتوفير الخلفية التربوية والعلمية اللازمة لمساعدتهم علي الانخراط في الحياة المجتمعية والعملية بمستوي عال من المعرفة والقدرات والمهارات بما يساعد علي المساهمة الفعالة والجادة في جهود التنمية...الخ 4- يمثل الشباب أحد أهم القطاعات المستهدفة لتكريس مفهوم المواطنة، بل أن الأهتمام به يعتبر أحد المؤشرات القوية لقياس مدي التقدم الذي يتم إحرازه في هذا المجال، فمع إقرار هذا المفهوم كأساس يقوم عليه النظام السياسي الديمقراطي في البلاد، أضيف عبء كبير علي كاهل الدولة وأجهزتها تمثل في تحويل هذا المفهوم من مجرد نص يتصدر الدستور إلي واقع عملي علي أرض الواقع، خاصة في ظل ظاهرة عزوف الشباب، في قاعدته العريضة، عن القراءة ومتابعة التطورات الداخلية، أو هامشية المعلومات المتوافرة لديه عنها، وانشغاله بموضوعات أخري تختلف نوعيتها باختلاف البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها. وفي ضوء هذه الأهمية الحيوية لقطاع الشباب، تتعاظم التحديات والمسئوليات الملقاة علي عاتق الجهات المتولية والمتابعة لكل أبعاد هذا الملف سواء كانت حكومية أو حزبية أو منظمات المجتمع المدني، بما يفرضه ذلك من ضرورة التنسيق بينها والتكامل في أدوارها في إطار تحرك شامل علي المستوي القومي، وفي هذا الخصوص قد يكون من المفيد طرح بعض الأساليب الرئيسية التي يمكن أن تستند إليها هذه الاستراتيجية: 1- الأسلوب الوقائي: ويقصد بذلك التعامل مع القضايا التي قد يثيرها أو يتعرض لها الشباب بشكل استباقي منذ مرحلة الطفولة، والتي تشكل الخلفية الإدراكية والنفسية التي تنطلق منها نماذج سلوكيات الشباب في المرحلة العمرية اللاحقة. وعلي الرغم من أن البعض قد يجادل بأن هذا الملف يبعدنا عن الواقع الفعلي للشباب، فإنه من الثابت أن التعامل المسبق مع القضايا يمثل أفضل وأقل السبل تكلفة من محاولة علاجها بعد وقوعها. وتشكل كل من الأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية أدوات التحرك علي هذا المستوي. فبالرغم من أن الأسرة يتم توصيفها علي أنها النواة الرئيسة للمجتمع والحاضن الرئيسي لشبابها، فإن انشغالها عن القيام بدور التنشئة القويمة بالسعي وراء مصادر الرزق أو بالاهتمام بقضايا وقتية قد تكون ضرورية لمواصلة الحياة، يعني في جوهره تقصيراً ذ وإن كان غير مقصود ذ في أداء الدور الرئيسي المطلوب منها والذي لا يمكن حصره في مجرد توفير المسكن والمأكل وسداد المصاريف المدرسية...الخ وفضلا عن هذا فإن الأسرة تلعب دوراً محورياً في توجيه الأبناء إلي التخصصات التعليمية التي يمكنها أن تفتح أمامهم آفاق العمل في ضوء رصدها لاحتياجات المجتمع والسوق من جانب وتجاوبها مع توجهات التنمية من جانب آخر، كذلك فإن المؤسسة التعليمية في مستوياتها الأولي لديها رسالة تتجاوز حدود التلقين لتمتد إلي آفاق تشكيل الشخصية واكتشاف المواهب والتوجيه، وإذا كان المعلم ذكعنصر بشري- يواجه مشاكل متعددة في حياته، فإن رسالته تقتضي تنحيتها جانبا وأداء دوره بالشكل والطريقة السليمة مساهمة منه في توفير القدرات والعناصر اللازمة للتعامل مع هذه المشاكل حتي وإن كان ذلك علي المستوي البعيد. أما عن المؤسسات الدينية فإن تأثيرها المعنوي من خلال توضيح تعاليم وأسس الدين بأساليب واضحة بعيدة عن التشدد تساهم في تشكيل المواطن الصالح بما يعنيه ذلك من تكريس مفاهيم الخير والعدالة والنزاهة والتكافل والاجتهاد وحب الآخر وغيرها. 2- الأسلوب العلاجي: وهو المتصل بالتعاطي مع المشاكل الواقعية التي يواجهها الشباب من خلال توفير فرص التدريب وتنمية المهارات بما يسمح بالتعامل الفعال مع مشاكل البطالة وما يرافقها من تبعات سلبية عديدة سلوكية واجتماعية وأمنية. ويندرج تحت هذا الأسلوب تشجيع الشباب علي القيام بالمبادرة الشخصية المدروسة من خلال مشاريع تقوم الصناديق الاجتماعية بتمويلها بشروط ميسرة، أو حتي من خلال الجهود الذاتية التي تحتاج لرعاية وتوجيه، فمجرد قيام شخصيات وقيادات بتشجيع الشباب علي الانخراط في أنشطة جادة تبعد شبح البطالة عنهم وتجعل منهم جزءا من النشاط الاقتصادي في الدولة يمثل مساهمة مباشرة ومهمة في التعامل مع قضايا الشباب، ومن بين الأمثلة العديدة التي يمكن أن نسوقها في هذا الخصوص رعاية كاتب هذا المقال لمشروع قيام مائة وخمسين شابا بإطلاق مجمع تجاري متكامل يتعامل مع أجهزة الحاسب الآلي في الجوهرة مول بمدينة العاشر من رمضان، وإذا كان الأمر لا يحمل في طياته بشكل ضروري مساهمة مالية، فإن مجرد تقديم الدعم المعنوي والتشجيع علي المبادرة والمثابرة يمثل مدخلا رئيسياً يؤمل في إنشاره لتجنب العديد من المشاكل المجتمعية ولتوجيه طاقة الشباب إلي الإنتاج والتنمية.