جاء المؤتمر الدولي الذي نظمته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة مؤخرا تحت عنوان الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف الأكثر عمقا وحشدا للعلماء من مختلف الدول الإسلامية. لمناقشة جميع جوانب هذه الظاهرة الفكرية, وبرصد ابرز ما دار من مناقشات في المؤتمر, واستطلاع رأي العلماء والمفكرين المشاركين في المؤتمر حول موضوعه يمكن أن نلحظ ما يلي: ففي جلسة احتشد لها كل المشاركين في المؤتمر, والآلاف من طلاب الجامعة الإسلامية, دعا إمام الحرم المكي د. عبدالرحمن السديس إلي إنهاء الجدل حول تعريف مصطلح الإرهاب, وقال: لقد تحرر المصطلح بتعريف الإرهاب بأنه العدوان الذي يمارسه الأفراد والجماعات والدول ضد الآخرين فلا حاجة للإغراق في تحديد الإرهاب, وعلينا الأخذ بقاعدة اعتبار المآلات التي يغفل عنها الكثيرون, وذلك بأن يتحري الإنسان عما يؤول إليه فعله, فإن كان يؤول إلي خير فعله وإلا فعليه أن يكف عنه, كذلك يجب إنجاز ميثاق شرف عالمي للفتوي يلتزم به الجميع. الأسباب والعلاج وأوضح د. السديس أن الإرهاب مرادف للحرابة والبغي والفساد في الأرض والخروج عن جماعة المسلمين وشق عصا الطاعة, وحصر أمام الحرم المكي أسباب الإرهاب في عشرة أسباب أبرزها الجهل بالكتاب والسنة وإهمال مقاصد الشريعة, والانحراف الفكري, والجرأة علي الطعن في كبار العلماء الحكماء والتطاول علي الفقهاء النبلاء والأخذ عن مرجعية غير موثوقة, وتعطيل العمل بقاعدة: اعتبار المآلات, وأسباب اجتماعية وإعلامية, وتغلغل الأفكار الهدامة وتسللها إلي شباب الأمة. ودعا لأن تتنادي الأمة إلي مشروع حضاري يعني بإشراقات الدين وجمالياته يبث بلغات حية إلي جميع أنحاء العالم, وأهمية إنشاء قناة فضائية متخصصة بالأمن تتصدي للإرهاب وتكافحه, وتطرح فيها القضايا محل الشبهة والإشكال. ظاهرة عالمية أما المشرف علي مجموعة مؤسسات الإسلام اليوم د. سلمان بن فهد العودة فقال: إن الإرهاب ظاهرة عالمية لا دين لها ولا لون, وقد قرأنا في الصحف أنه تم القبض في أمريكا علي مجموعات مسيحية متطرفة, وهناك ما يسمي الإرهاب الدولي وأبرز مظاهره إرهاب القوي الصهيونية. وأضاف العودة: نحن مطالبون بأن نخاطب شبابنا الذين يستمعون إلينا من منطلق الحب والشفقة والرحمة والخوف عليهم, وعلي دينهم الذي يشوه, ومستقبلهم الذي يبدو مظلما في ظل هذا الفكر المنحرف, مشيرا إلي أنه يجب أن يكون في عرض الأسباب قدر كبير من الموضوعية والحياد, فعرض الأسباب يجب أن يكون بعيدا عن التراشق أو الولاءات المتقابلة, أو تصفية الحسابات, فالإرهاب لا يفرق بين أحد وأحد, ومعه لن يستطيع الإنسان أن يعيش ولا يعمل ولا يعبد الله وهو قضاء علي البقية الباقية من الحياة في المجتمعات. الإرهاب والمقاومة وفي كلمته أكد الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب د. محمد بن علي كومان رفضه للتعريفات السياسية الغربية للإرهاب, والتي تسعي لحرمان الدول الواقعة تحت الاحتلال من حق المقاومة, مؤكدا تمسك العرب بالتعريف القانوني للإرهاب وقال: إن الالتباس بين تعريفات الإرهاب والمقاومة المشروعة أمر منته ولا يتم النقاش فيه فالاتفاقية العربية للإرهاب تتضمن تعريفا قانونيا دقيقا تم به التفريق بين الإرهاب وبين المقاومة المشروعة, وهذا هو محور الاختلاف بيننا وبين النظرة الغربية لهذا التعريف, فنحن لدينا التعريف القانوني والمجتمع الدولي سبق أن وضع حقا للدفاع الشرعي, وقد وضعناه في التعريف, أما ما يحدث في الغرب فهو تعريف سياسي للإرهاب, وهم يأخذون الوقائع ويفصلون التعريف عليها ويعتبرون هذا عملا إرهابيا وهذا غير إرهابي ليس علي سند قانوني وإنما علي سند سياسي وهذا ما نرفضه في العالم العربي وفق ما ورد في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب, ونحن نطالب بالتعريف القانوني لأن القانون قاعدة عامة مجردة, وما يقع تحت التعريف يعتبر إرهابا وما لا يقع تحت التعريف لا يعتبر إرهابا. احتضان الشباب طالب د. محمد علي محجوب وزير الأوقاف الأسبق وصاحب الخبرة الواسعة في مجال الحوار مع عناصر الفكر المتطرف في مصر في القرن الماضي, بتشكيل فريق عمل من المنظمات العربية والإسلامية, وكذلك إنشاء إدارة بالجامعات العربية تعني بمعالجة قضايا الشباب وعرضها علي الحكام وصناع القرار, وقال: لقد جاء المؤتمر في توقيت في غاية الأهمية لأن الإسلام مستهدف للأسف الشديد من قلة من أبنائه جاهلة بتعاليمه ومبادئه ومن قوي خارجية تسعي لتشويه صورة الإسلام والمسلمين وتحطيم شبابه, وشباب الأمة هم العدة والجنود لحمايتها فإذا نفذ الفكر المتطرف لعقول الشباب تفقدهم الأمة ومتي فقدت الأمة شبابها فليس بعدهم ما تفقده ومن أجل هذا جاء المؤتمر مشيرا إلي أن الإرهاب لا وطن له ولا دين ولكن للأسف بسبب الحاقدين علي الإسلام بات كل ما هو إرهاب ينسب إلي الإسلام, مع العلم بأن الإرهاب بدأ أساسا من دول غير إسلامية وترعرع في مناخ يدعي أصحابه أنهم أصحاب حضارة وفكر وهم لا يتحدثون عن بلادهم وإنما يتحدثون عن الإسلام للنيل منه ومن شابه لذا فالإرهاب يبدأ أولا بالفكر, والفكر قد يحول الإنسان بالعقل والعلم إلي ملاك وقد يحوله إلي مجرم آثم لا يرجي منه خير. من جانبه أكد د. أحمد عمر هاشم الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر أن هناك مخططا عالميا لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد العربية والإسلامية, لذا يجب أن تكون هناك جبهة مقاومة للتطرف مدللا بقوله: لماذا يظهر الإرهاب في السعودية, وهي دولة مطبقة للشريعة وتسهم في تحقيق رغد العيش لمجتمعها وتعمل علي توفير جميع الاحتياجات لمواطنيها؟!. ودعا د. هاشم إلي ضرورة الحوار مع من وقعوا فريسة لهذا الفكر مقترحا أن يتم هذا الحوار بشكل معلن وتتم دراسته من جميع جوانبه ويجب أن تتعاون كل الدول الإسلامية ضد الإرهاب نظرا لأنه أصبح ظاهرة عالمية تستهدف الشعوب ومقدرات الحياة لأن الإرهاب لا عقل له ولا بلد له ولا دين له. ازدواجية المعايير ومن جهته, أكد د. محمد السيد داود عضو هيئة التدريس بجامعة البحرين أن التشكيل القائم حاليا في مجلس الأمن والتفرقة في عضويته بين العضوية الدائمة وغير الدائمة, وأن نظام التصويت علي قراراته وإعطاء الأعضاء الدائمين فيه حق النقض( الفيتو) يمثل اخلالا صريحا وصارخا بمبدأ المساواة بين الدول, ويمثل ازدواجية حقيقية في التعامل بين الدول, وعدد صور الازدواجية من خلال ضرب الأمثلة الواقعية والحية. ويشير د. داود إلي قضية التعامل مع محاكمة ارييل شارون رئيس وزراء إسرائيل الأسبق والرئيس السوداني عمر البشير في شأن ما هو منسوب إليهما من ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية, حيث يعتبر إفلات شارون من أية اتهامات أو محاكمات علي الرغم من جرائمه البشعة في صبرا وشاتيلا وقانا وبحر البقر وشبعا وغزة, في الوقت الذي توجه فيه الاتهامات إلي الرئيس السوداني عمر البشير علي جرائم مشكوك في نسبتها إليه في اقليم دارفور, حيث يعتبر ذلك مثالا صارخا للازدواجية في إنشاء النصوص.