ضربت الموجات الإرهابية التي ترفع رايات إسلامية في جنبات العالم طوال العقود الماضية, وأسالت انهارا من الدماء ونشرت الخراب والدمار. والمهم أثارت الفزع والمخاوف من الإسلام والمسلمين .. وقد نالت المملكة السعودية نصيبا من هذا الأذي. وكان الأمن يتحمل مسئولياته في مواجهة الإجرام الإرهابي, وفي الوقت نفسه نشط رجال الدين والمفكرون والمثقفون والإعلام في أداء دورهم ومنذ أكثر من عامين رأي المفكر الإسلامي البارز الدكتور محمد بن علي العقلا مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أن تكون المواجهة الفكرية للإرهاب وفكره بصورة أكثر عمقا وشمولا وذلك بأن يدعو علماء الدين والمفكرين والمثقفين البارزين بالعالم الإسلامي لمؤتمر يعقد بالجامعة لدراسة ومناقشة الظاهرة بكل أبعادها تمهيدا للتوصل إلي السبل الأنسب للمواجهة الفكرية. وفي البداية كان من المقرر أن يعقد المؤتمر بالمدينة وتحت مظلة الجامعة في عام2009 إلا أن الأمر تطلب الانتظار إلي نهاية شهر مارس2010. وفي أول عاصمة إسلامية لأول دولة إسلامية اجتمع قادة رجال الدين والفكر والثقافة ليقولوا كلمتهم في الظاهرة الإرهابية. ومن أهم ملامح هذا المؤتمر: * مشاركة هذا العدد الكبير من العلماء, حرصا علي تحمل المسئولية في المواجهة الفكرية بعد أن غابت هذه المواجهة طويلا. ومشاركة باحثات سعوديات بجانب غيرهن من جنسيات أخري ببحوث في المؤتمر لأول مرة. وهذه الخطوة التي تعد متغيرا جذريا في المجتمع السعودي, تأتي بعد السماح بالاختلاط في الجامعة التكنولوجية الجديدة التي أقامها الملك عبدالله عاهل السعودية. وقد بدأ يتردد أن النساء سيشاركن في جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأول مرة في تاريخ المملكة. وقد كسبت النساء السعوديات كثيرا من هذه المشاركة, وأوضحن للجميع تميزهن وقدرتهن وكفاءتهن, ويحسب للدكتور العقلا أنه فتح الباب أمام هذا المتغير الايجابي والتاريخي معا, وفي هذا الاطار فإن أكاديمية نايف للأمن تخطط لفتح باب الأكاديمية أمام الطالبات. * إفساح المجال أمام الباحثين والمشاركين لطرح وجهات النظر المختلفة, والاختلاف مع ما يطرحه الآخرون دون قيود أو حدود ومن أبرز النماذج ما طرحه أستاذ مغربي, من أن فكر التكفير نشأ في أقبية السجون واكتسب شراسته مما جري من تعذيب والقول بأن الفساد الإداري والسياسي وانسداد الأفق أمام الأجيال الشابة وعدم وجود قنوات اتصال بين الحكام والمحكومين في معظم الدول أسهم في تحول نسبة منهم إلي الإرهاب كرد فعل لمعاناتهم وعذاباتهم واحباطاتهم. وللرد علي ذلك, أوضحنا للباحث, أنه قد توقف عند حدود الإرهاب كرد فعل, ولكن ماذا عن الفعل؟ فقد انطلقت الموجات الإرهابية الشيوعية اعتبارا من خمسينيات القرن الماضي تحت رعاية الاتحاد السوفيتي لتخريب المجتمعات ولزعزعة الاستقرار في دول كثيرة بآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بالإضافة إلي دول أوروبية غربية, تمهيدا للوثوب إلي السلطة وهكذا فإن منظمات مثل الألوية الحمراء في ايطاليا والبادر ماينهوف في ألمانيا والنجم الأحمر في اليابان والدرب المضئ في بيرو والساند نيستا في نيكارجوا والتوبا ماروس في الأرجنتين لم تكن رد فعل بل كانت فعلا ومبادرة من جانب من أطلقوها كما أن الحسن الصباح وجماعة الحشاشين التي روعت العالم الاسلامي كانت فعلا بإرادة كاملة ولا يختلف الأمر بالنسبة لبن لادن. * وتحدث كثيرون عن ازدواج المعايير الدولية والإرهاب الإسرائيلي الذي يتجاهله العالم في حين يقف هذا العالم علي قدم وساق من أجل صاروخ فلسطيني لم يؤد إلي أية خسائر لا مادية ولا بشرية. * كانت المناصحة والحوار من الأعمدة الرئيسية, وقد أوضح الباحثون نجاح هذا الأسلوب, وفي نفس الوقت أعلنوا عن استفادتهم من كتب المراجعات المصرية التي أصدرتها الجماعات التي قادت موجات الإرهاب العاتية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. * وبالرغم من استمرار جلسات المؤتمر صباحا وظهرا ومساء طوال الأيام من28 إلي31 مارس, فإن المشاركة ظلت كثيفة ودار الحوار والنقاش بحيوية هائلة.