في الحلقة السابقة شرحنا تجربة هرمان إيلتز سفير الولاياتالمتحدة في السعودية قبل أن يعين سفيرا لبلاده في القاهرة والتي تعرض فيها إلي أزمة اليمن والخلافات بين السعودية ومصر بسبب تواجد القوات المصرية هناك خلال عهد الرئيس عبدالناصر وموقف الولاياتالمتحدة الذي كان متقاربا إلي حد ما مع موقف القاهرة بالتعارض مع موقفي بريطانيا والسعودية. يتحدث إيلتز عن موقف السعودية تجاه الرئيس عبدالناصر الذي كان يقود القومية العربية في هذه الفترة فيقول أنه بالرغم من انتقادات عبدالناصر لنظم الملكية إلا أن الأخيرة كانت بالتأكيد تؤيد القضية العربية وفي مواجهة هذه الانتقادات سعت السعودية في موقفها ضد عبدالناصر ولس ضد إسرائيل إلي لعب دور إقليمي نشط تمثل في إنشاء ما يسمي بالوحدة الإسلامية وليس بالحلف الإسلامي كما كان يحلو للبعض أن يطلق عليه يضم ليس فقط الدول العربية ولكن الدول الإسلامية الأخري وفي حين أن هذا التجمع لم يكن له تواجد فعلي علي الساحة الدولية إلا أنه كان قبل حرب 1967 أي خلال عامي 1966 و1967 عامل توازن أمام حركة القومية العربية بزعامة عبدالناصر. بعد نشوب حرب عام 1967 قامت الحكومة السعودية لمدة أسبوعين بحظر شحنات البترول إلي الولاياتالمتحدة وأخبر الملك فيصل إيلتز - طبقا لرواية الأخير - أنني لا أريد أن أفعل ذلك ولكنني مضطر بسبب الضغوط الداخلية في بلدي نفسه كان الملك فيصل خارج السعودية حينما نشبت حرب 1967 وبعد أيام من نشوب الحرب كانت هناك مظاهرات حاشدة في مختلف أنحاء السعودية ضد الولاياتالمتحدة التي كان ينظر إليها علي أنها حليف قوي لإسرائيل وفي الظهران دمر المتظاهرون مقر شركة أرامكو الأمريكية للبترول كما استولوا علي مطار البعثة العسكرية الأمريكية في المدينة وتم قصف إحدي مباني السفارة الأمريكية في جدة إلي جانب مقر شركة رايتيون العسكرية الأمريكية في المدينة ومقر بعثة التدريب العسكري الأمريكية وحينما عاد الملك فيصل إلي السعودية بعد أيام قليلة من نشوب الحرب كان ظاهراً للعيان مدي الشعور المعادي للولايات المتحدة في البلاد ليس فقط بين الرأي العام السعودي بل بين أفراد الجيش السعودي نفسه وخاصة في الأيام الأولي للحرب حينما بالغت مصر وسوريا والأردن في عدد الطائرات الإسرائيلية التي تم اسقاطها وهو أمر لم يحدث. أصدر الملك فيصل بعد عودته أمراً بوقف تصدير النفط إلي الولاياتالمتحدة وطلب من شركة أرامكو تنفيذ ذلك وتبين بعد ذلك أن الحظر لم يستمر أكثر من عشرة أيام فقط وهو أمر لم يكن مقلقاً علي الإطلاق وحتي هذا الحظر تم خرقه في أحيان كثيرة الولاياتالمتحدة علي سبيل المثال كانت لديها مدمرتان في البحر الأبيض تم ارسالهما في الأيام الأخيرة من مايو 1967 لمساعدة السعوديين الذين كانوا يتعرضون لضغوط مصرية في جنوب منطقة جيزان ونجران بل ودخلت إحداهما بقيادة ادميرال أمريكي إلي ميناء جيزان ثم جاءت الحرب وما نتج عنها من حظر بترولي علي الولاياتالمتحدة بسبب تأييدها لإسرائيل. يتذكر إيلتز أنه ذهب لمقابلة الملك فيصل وقال له: إذا لم يتم تزويد هاتين المدمرتين بالوقود فستصبحان دون جدوي في مياه البحر طلب فيصل وزير النفط السعودي اليماني واتفق الثلاثة علي خطة يتم بمقتضاها ألا تدخل المدمرتان ميناء جدة كما حدث في السابق علي أن يقوم السعوديون بإرسال ناقلة بترول في منتصف الليل لتزويدهما بالوقود وبهذه الطريقة فأن الملك فيصل قد ساعدنا ولكن غير ذلك فأن الحظر استمر لمدة عشرة أيام. في مؤتمر الخرطوم بعد الحرب أصبح دور السعودية فجأة في النزاع العربي الإسرائيلي دورا محوريا علي عكس ما كان في السابق قد يكون من المبالغة القول أن الملك فيصل أصبح زعيم العالم العربي ولكن نظراً لأن السعودية كانت تملك المال ومصر لا تملكه فقد كان الملك فيصل في الخرطوم هو الذي أقنع القيادتين الليبية الملكة الليبية في ذلك الوقت والكويتية بالانضمام إلي السعودية بتقديم معونات مالية ضخمة إلي مصر لمساعدتها أثناء إغلاق القناة حيث فقدت مصر كل دخلها من إيرادات القناة. ومنذ هذه الفترة إزداد دور السعودية في العالم العربي وليس في الشئون الإسلامية فقط السعوديون كانوا ضد إسرائيل بشدة ولكنهم كانوا مقتنعين أنه لا يمكنهم فعل الكثير ضدها ولذلك كان موقفها مزدوجا أولاً في تدعيم عبدالناصر ماليا وإلي حد أقل كل من سوريا والأردن وثانيا الضغط المستمر علي الولاياتالمتحدة لإجبار إسرائيل علي الجلاء عن المناطق العربية التي احتلتها في ذلك الوقت لم تكن لعبدالناصر علاقات دبلوماسية مع واشنطن التي قطعها خلال الحرب ولذلك أصبحت السعودية التي كانت الدولة العربية الوحيدة التي يعتقد أن لها علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة هي الناطقة بلسان العالم العربي. يقول إيلتز أنه كان يقدر تقديراً عاليا الملك فيصل الذي كان معتل الصحة خلال فترة عمله في جدة.. الملك فيصل في رأيه كان صاحب مباديء إسلامية قوية وكذلك نحو العروبة ولم يكن مندفعا في اتخاذ قراراته بل كان يفكر مليا قبل اتخاد أي قرار وكان مؤمنا بالتوازن في سياسته فمن ناحية كان يريد قيام علاقات طيبة بين العرب والولاياتالمتحدة بالرغم من تأييد الأخيرة لإسرآئيل وفي نفس الوقت عمل من أجل وحدة العالم العربي كان مسلما ورعا ولكن لم يكن متطرفا وكان أيضا رجلاً عصرياً حيث عاش وتنقل لمدة طويلة في الغرب الذي عرفه جيداً وخاصة الولاياتالمتحدة في أي حالة تتعارض فيها مبادئه الإسلامية مع ما يؤمن به من إدخال الأساليب الغربية فأنه كان دائما ينحاز إلي الجانب الإسلامي وقال إيلتز أن الملك فيصل لم يكن كمثال عدد من معاونيه حيث كان متواضعا فالقصر الذي كان يبنيه لنفسه استغرق انشاؤه 13 سنة بسبب أنه كان ينفق عليه من أمواله الخاصة وليس أموال الدولة وعندما تم الانتهاء من بناء القصر لم يعجب به واستمر في العيش في منزل قديم متواضع يملكه في جدة. يشرح إيلتز طبيعة العلاقات السعودية الأمريكية بعد الحرب فيقول أنه لمدة ستة أشهر رفض العسكريون السعوديون التعامل بأي شكل من الأشكال مع بعثة التدريب الأمريكية فقد كانوا حانقين جدا ضد الولاياتالمتحدة كما قاطعة عدد من السعوديين الذين كان يعتبرهم من أصدقائه كما تحدث عن إنسحاب القوات المصرية من اليمن. بعد انتهاء عمل إيلتز كسفير في السعودية عام 1970 عين نائبا لقائد كلية الحرب الأمريكية لمدة ثلاث سنوات وبعدها رشح سفيرا لبلاده في مصر وهو ما نتعرض له في الحلقة