أثناء زيارته لموسكو ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو لتناول العشاء في مطعم بوشكين الشهير، وداخل المطعم التقي رئيس الوزراء الإسرائيلي برئيس الوزراء اليوناني الذي كان يزور العاصمة الروسية هو الآخر، وبناء علي رغبة الأخير تناول الرجلان عشاءهما علي مائدة واحدة.. وامتد العشاء لنحو الساعتين، حاول خلالهما نتانياهو إقناع رئيس الوزراء اليوناني بخطورة البرنامج النووي الإيراني، وتحديداً خطورة امتلاك إيران سلاحاً نووياً، وأهم حجة لجأ إليها نتانياهو لإقناع جورج بابا ندريو بذلك هو التحذير من أن امتلاك إيران سلاحاً نووياً سيجر المنطقة كلها إلي سباق تسلح نووي، وأن الدول المرشحة لامتلاك السلاح النووي في تقدير إسرائيل هي تركيا ومصر والسعودية. ومفهوم بالطبع أن يضع نتانياهو تركيا في مقدمة دول المنطقة التي ستخوض منافسة لامتلاك سلاح نووي.. فهو يتحدث لرئيس الوزراء اليوناني الذي كان مشغولا بشدة وقتها بأزمة بلاده الاقتصادية وفتور حماس الأوروبيين لمساعدتها، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد بالطبع جذب انتباهه وإثارة قلقه بذكر تركيا في مقدمة المتنافسين لامتلاك سلاح نووي في ظل علاقات التنافس القديمة بينها وبين اليونان، خاصة أن مشكلة تقسيم قبرص التي عكرت العلاقات التركية اليونانية مازالت موجودة. لكن اللافت للانتباه أن نتانياهو ذكر أيضا في قائمة الدول التي ستخوض هذا التنافس كلا من مصر والسعودية، وهنا يكشف رئيس الوزراء الإسرائيلي عن نواياه الحقيقية تجاه دولتين مهمتين وأساسيتين في المنطقة، صحيح أن التوتر مازال يشوب علاقات إسرائيل بتركيا، إلا أن ثمة تعاوناً خاصة في المجال العسكري بينهما قد يطبع الموقف الإسرائيلي تجاه تركيا إذا ما شرعت في التسلح النووي، كما أن تركيا حريصة علي الانضمام لأوروبا وحريصة علي الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد لا يكون رد فعل إسرائيل لامتلاك تركيا سلاحاً نووياً في ظل هذه الأوضاع مثل رد فعلها تجاه إيران التي يعلن قادتها أنهم يبغون تصفية الدولة العبرية. وبغض النظر عن ذلك فإن ما يهمنا هنا أن الإسرائيليين الذين يمتلكون ومنذ سنوات طويلة ترسانة للسلاح النووي يخشون من أن تفكر كل من مصر والسعودية في ذلك، ويحاولون منع ذلك حتي يظلوا هم وحدهم الذين ينفردون في المنطقة بامتلاك هذا السلاح المدمر.. فهم حتي لو لم يستخدموه مرة واحدة خلال حروبهم التي يشنونها علي العرب إلا أن امتلاكهم هذا السلاح كان له تأثيره بالفعل علي الطريقة اللطيفة التي تعامل بها الأوروبيون والأمريكيون معهم، وعدم إقدامهم علي ممارسة ضغوط عليهم للانسحاب من الأراضي التي احتلوها عام 1967. رغم معاهدة السلام التي تربط بين مصر وإسرائيل والتي رتبت علاقات دبلوماسية وتجارية بينهما، مازال الإسرائيليون يخشون مصر أيضا ويتحسبون لقوتها ولا يبغون أن تزيد هذه القوة أو تتعاظم.. ورغم أن السعودية هي صاحبة المبادرة العربية التي تمنح إسرائيل تطبيعاً كاملا مع كل الدول العربية إذا انسحبت من الأراضي العربية المحتلة إلا أن الإسرائيليين يخشون السعودية أيضا ويتحسبون لقوتها. ولعل ذلك يتفهمه كل الإخوة العرب الذين يحاول بعضهم الانتقاص من دور كل من مصر والسعودية في المنطقة أو الالتفاف حوله بدلا من دعم هذا الدور.. فما يفعلونه لا يخدم سوي إسرائيل وحدها.