يعد مصطلح التماسك الاجتماعي، أو البناء الاجتماعي والمعروف سياسيًا بالوحدة الوطنية، أحد مصطلحات علم الاجتماع التي تستعمل في وصف الحالات التي يرتبط فيها الأفراد، أحدهم بالآخر بروابط اجتماعية وحضارية مشتركة، ويستعمل عادة في تفسير أسلوب تماسك أفراد الجماعات الصغيرة الذي يكون إما بدافع الإغراء أي إغراء الجماعة الصغيرة لأعضائها أو بدافع المصالح والأهداف أي المصالح التي يحققها أعضاء الجماعة خلال انتسابهم لها. تعتمد درجة التماسك الاجتماعي لأي مجتمع، علي طبيعة الجماعات والمنظمات والمجتمعات التي تؤثر تأثيرًا كبيرًا ومباشرًا علي أنماط سلوك الأفراد داخل المجتمع وهو يستعمل عادة من قبل علماء الاجتماع في حالة الجماعات الاجتماعية الصغيرة والكبيرة خصوصًا عندما تتوفر في هذه الجماعات الصفات التالية: اعتماد الفرد علي المقاييس والقيم المشتركة، تماسك أفراد الجماعة بسبب المصالح المشتركة وأخيرًا التزام الفرد بأخلاقية وسلوكية جماعته. أي أنه علاقة تعبيرية إيجابية تقع بين شخصين أو أكثر. ومن المعروف أيضًا أن التماسك الاجتماعي ما بين أبناء الوطن الواحد، يظهر جليا عندما يواجه الوطن بعض المحن أو الأزمات، وبخاصة عندما يكون هذا الخطر خارجيا، فتتوحد الأمة وتقوي روابطها دفاعًا عن وطنها الذي يضم الجميع دون تمييز أو تفرقة. فوحدة الوطن هي الغاية، وهي الوسيلة للتماسك والتضامن. مؤخرًا عقد منتدي حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، لقاء فكريا بعنوان مستقبل التماسك الاجتماعي في مصر، بمقر ديوان عام محافظة المنيا، وبرعاية محافظها الدكتور أحمد ضياء الدين، وافتتحه مدير عام الهيئة القبطية الإنجيلية الدكتور نبيل صموئيل أبادير الذي أكد أن مصر تعد من أوائل دول العالم التي عملت علي تأسيس الدولة المدنية الحديثة منذ عهد محمد علي، وظلت علي هذا الحال حتي يومنا هذا، مؤكدة علي حق الفرد في اختيار دينه وعقيدته باعتبار أن الدين علاقة شخصية تجمع ما بين الإنسان والله، وهو ما أكد عليه الدستور المصري، مما زاد من قوة التماسك الاجتماعي في مصر علي مدي التاريخ، ودعا الدكتور أبادير إلي ضرورة تفعيل مفهوم المواطنة، وتحويله إلي واقع معاش، وليس شعارات نستخدمها كلما دعت الحاجة. مشددًا علي ضرورة الوقوف بالمرصاد لكل من يحاول العبث بوحدتنا وتماسكنا الاجتماعي، وأن نشترك معا في مواجهة الأسباب والتحديات التي يمكن أن تنال من وحدة الوطن وتماسكه. محافظ المنيا الدكتور أحمد ضياء الدين أكد أن التماسك الاجتماعي هو الأصل والقاعدة في العلاقة التي تربط ما بين أبناء الوطن الواحد، بغض النظر عن الدين أو العقيدة أو الجنس. ودعا إلي ضرورة العمل والتلاحم والحوار وإعادة تهيئة المؤسسات التربوية ومؤسسات المجتمع المدني وتطوير الخطاب الديني لتحقيق المعايشة المصرية المستمرة علي مر العصور بين أبنائها المسلمين والمسيحيين دون الالتفات أو التوقف أمام إنسان سلبي أو مأجور يهدف إلي إحداث الانشقاق والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد مؤكدًا أن التماسك الاجتماعي هو جوهر الرسالات السماوية وهو واقع نعيشه وماضي وموروث ومستقبل لمواجهة التحديات ومحاولات البعض من النيل من هذا التماسك. وحمل فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الشريف الأسبق، وسائل الإعلام المختلفة، لا سيما القنوات الفضائية المتطرفة، مسئولية زعزعة التماسك الاجتماعي بين الأشقاء داخل الوطن وخارجه، مؤكدًا أن الإسلام أمر بالبر في الحوار مع أهل الكتاب. وأستشهد عاشور باحتفال الشعب المصري بحصول مصر علي كأس الأمم الأفريقية الأسبوع الماضي قائلاً: أن مثل هذا الاحتفال التلقائي خير دليل علي تماسك الشعب المصري بغض النظر عن أي هفوات تصدر هنا أو هناك. ومن خلال رؤية مستقبلية للتماسك الاجتماعي في مصر، أشار الدكتور القس أندريه ذكي نائب مدير عام الهيئة القبطية الإنجيلية لشئون البرامج، إلي أن التماسك الاجتماعي ليس مفهومًا نظريًا فحسب، لذلك علينا أن ننظر إليه في إطار نظرة تكاملية تعيد التوازن للمجتمع علي أرض الواقع من خلال تفعيل مجموعة من القيم مثل: ربط المساواة بالعدالة - تعزيز فكرة التعددية - فصل التعددية عن الامتيازات بمعني عدم منح امتيازات معينة لفئة ما دون غيرها - تحقيق مبدأ المساواة بين الجميع. ورفض الدكتور أندريه زكي الاستمرار في إطلاق العديد من الألقاب التي تعيق التماسك الاجتماعي، مع ضرورة الخروج من الأطر النظرية إلي خلق برامج مشتركة تحقق تماسكا فعليا بين الجميع. وفي محاولة لتحليل الواقع سياسيا، أكد الدكتور حسن أبو طالب مدير معهد الأهرام الإقليمي للصحافة أن المبالغات التي كثيرًا ما تبرزها بعض وسائل الإعلام هي التي تزيد المشكلة تعقيدًا. مطالبا بدراسة هذا الموضوع جيدًا، وتحليله سياسيًا، محذرًا من خطورة عواقبه، ومشيرًا إلي ما يجري حاليًا في اليمن، وأفغانستان، والصومال. وطالب الدكتور حسن أبو طالب بضرورة إعادة قراءة التاريخ، وتفعيل مبدأ المواطنة علي أرض الواقع، مع التأكيد علي الثوابت المشتركة بين المواطنين جميعًا، من خلال الحوار باعتباره الحل الأمثل لكل ما نتعرض إليه من مشكلات علي كافة الأصعدة.