استيقظ محمد حبيب النائب الأول لمرشد جماعة الإخوان المحظورة ليجد نفسه خارج عضوية مكتب الإرشاد، وهو الذي كان يتأهب لتولي دفة القيادة خلفا لمهدي عاكف الذي فاقه في الانتخابات السابقة بفارق صوت واحد، بينما كان الأمر مختلفا بعض الشيء بالنسبة لعبدالمنعم أبو الفتوح عضو المكتب الذي لقي نفس المصير بعد أن ظل أربع سنوات بلا أي مهام، وهو ما كان بمثابة تمهيد للإطاحة به. لم يكن الانقلاب الذي اسمته قيادات المحظورة انتخابات سوي قمة جبل الجليد الذي ظلت مستوياته الدنيا تشهد تقلبات، حرص الجميع علي أن تظل خافية عن الأنظار وإن اتخذت مؤشراتها سبيلها للعلانية، وشهد العام 2009 ذروة هذه الصراعات الإخوانية التي أسفرت عن تغيير نوعي في بنية الجماعة التنظيمية والفكرية. البداية.. سوريا والجزائر تسارعت وتيرة الأحداث بعد وفاة السوري حسن هويدي النائب الثالث للمرشد للشئون الخارجية وعضو مكتب الإرشاد العالمي للإخوان في مارس من العام نفسه، حيث نشب خلاف بين قيادات الإخوان علي اختيار شخص محله حتي استقر الأمر علي اللبناني إبراهيم منير.. الحدث جدد مطالبات بتداول منصب المرشد بين الأقطار وعدم قصره علي إخوان مصر، وحسمته قيادات الجماعة بالتأكيد علي أحقية إخوان مصر بالموقع بسبب نشأة التنظيم هنا وكونها الجماعة الأم. الشهر نفسه شهد انقساما شهيرا في أ حد فروع التنظيم الإخواني، ألقي بظلاله علي الجماعة ككل، وهو الانقسام الذي وقع بين إخوان الجزائر وأسفر عن وجود جماعة برأسين أحدهما يمثله الوزير المغضوب عليه إخوانيا "أبو جرة سلطاني" والآخر هو "عبد المجيد مناصرة"، ونظرا للاتهامات المتبادلة والشتائم المتناثرة بين القياديين لم يجد مرشد الإخوان إلا أن يتبرأ من كليهما ويعلن فصلهما من الجماعة. سرعان ما بدأت إرهاصات عملية الانقلاب المدبر الذي كان آخر فصوله قبل أيام ، وذلك عندما ضغط التنظيم السري الذي بات يختلج في أحشاء الجماعة المحظورة علي مهدي عاكف ليجدد إعلان رغبته في عدم الاستمرار في موقعه، وهو في نفس الوقت إعلان من قيادات التنظيم أن مخططهم للسيطرة علي الجماعة دخل في مراحله الأخيرة، وتعمد أعضاء التنظيم إثارة ضجة حول الأمر إعلاميا بحيث يكون تمهيدا للأمر من ناحية، ووثيقة علي مرشدهم قبل أن يحل موعد رحيله. إضراب 6 إبريل.. أول اختبار تزامنت مع التفاعلات الداخلية عدة أحداث فرض التنظيم السري من خلالها كلمته علي الجماعة مثل رفض المشاركة في إضراب ابريل الوهمي خوفا علي التنظيم الذي توليه مجموعة القطبيين اهتماما لذاته باعتباره وسيلة إقامة دولة الخلافة وفق قاعدة فقهية تقوم علي أن "ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب"، وتحملت الجماعة في سبيل ذلك الانتقادات الحادة التي وجهتها لها أحزاب المعارضة والحركات الاحتجاجية الداعية إلي الإضراب التي دارت حول النظرة الاستعلائية للجماعة إلي باقي قوي المعارضة. شهد شهر مايو حدثا آخر كانت له نتائج فارقة في مصير الصراعات الدائرة داخل الجماعة، حيث نظمت الجماعة مؤتمرا صحفيا أدانت فيه الاعتداءات الإسرائيلية علي غزة وأعلن نائب المرشد تفاصيل الخطة الإخوانية للضغط علي مصر في مؤتمر التنظيم الدولي باسطنبول، أعقب ذلك أن ألقت قوات الأمن القبض علي 11 من قيادات الجماعة بالمحافظات في منتصف الشهر في القضية المعروفة إعلاميا باسم قضية التنظيم الدولي.. الواقعة أتت وفق ما تشتهيه سفن فريق القطبيين بقيادة محمود عزت أمين عام الجماعة حيث ضمت قائمة المتهمين في القضية وصل عددهم 25 متهما غالبية رموز المحسوبين علي الإصلاح مثل عبد المنعم أبو الفتوح وجمال عبد السلام والمستشار فتحي لاشين. لحق بالمحبوسين من فريق أبو الفتوح جمال حشمت عضو ما يسمي بمجلس شوري الجماعة في شهر أغسطس علي خلفية ما قيل عنه انه انتخابات لمجلس الشوري العام التي لم تكتمل ولاقت اعتراضات واسعة من بين أعضاء التنظيم بسبب عمليات التزوير التي شابتها، وراح عبد المنعم أبو الفتوح يلوح بسلاح أخير في معركته مع القطبيين من خلال نشر مذكراته التي ركز فيها علي دوره فيما سمي بالتأسيس الثاني للجماعة، وفيما تولت بعض المواقع الالكترونية وإحدي الصحف الخاصة نشر المذكرات، رفضت قيادات الجناح الإعلامي للجماعة الخاضع لسيطرة القطبيين الإشارة إليها من قريب أو بعيد بل راحت تقلل من شأنها. اشتدت حدة الخلافات بين أجنحة المحظورة عندما قررت قيادات التنظيم الخاص المسيطرة علي قسم التربية بالجماعة أن تجري أكبر عملية تغيير في المناهج التربوية التي تدرس للقواعد خلال مراحل الانتماء المختلفة للتنظيم، إذ راح أعضاء هذا الفريق يعيدون طبع كتب سيد قطب التي تكفر الحاكم والمجتمع تحت مسميات مختلفة وبأسماء مؤلفين مستعارة، وتسابقت دور النشر الإخوانية علي طباعة هذه المقررات الجديدة في واحد من أبرز أشكال البيزنس الإخواني، وفي المقابل قام أنصار التيار المحسوب علي الإصلاح في الجماعة بتجميع عدد من الأبحاث لرموزهم الفكرية، تتناول فكرة العنف الديني وترد عليها، وضموها في كتاب "الإسلام والتطرف الديني" الذي شارك فيه كل من محمد سليم العوا والمستشار طارق البشري والمهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي الوسط والشيخ التونسي راشد الغنوشي. تصعيد العريان مرحلة الحسم داخل المحظورة تحددت بعد وفاة محمد هلال عضو مكتب الإرشاد في شهر أكتوبر، إذ كان من المفترض لائحيا أن يتولي عصام العريان مكانه لكونه حصل علي أكبر معدل تصويت في الانتخابات التكميلية التي قيل إنها أجريت في مايو من عام 2008، ومن خلالها صعد محمود عزت خمسة من رجاله كأعضاء في مكتب الإرشاد، ولكن ما تقوله اللائحة أمر وما ينفذه محمود عزت أمر آخر، إذ كتل جميع أعضاء مكتب الإرشاد ضد رغبة مهدي عاكف في تصعيد العريان فيما حاول محمد حبيب أن يتجنب الصراع مع فريق عزت فوقف علي الحياد من الأزمة. من داخل السجن كان خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد والمهيمن علي خيوط التنظيم وخزائن الأموال، يتابع المخطط الذي وضعه لركوب التنظيم ويتأكد من تنفيذه بدقة علي يد محمود عزت في تحالف "الراس" و"العضلات"، حتي حان موعد الحسم، فقام الأخير يلقي اللائحة وراء ظهره واتخذ قرار إجراء الانتخابات متجاهلا الاستطلاع الذي صوت من خلاله أعضاء مجلس الشوري لصالح التأجيل إلي يونيو المقبل، ثم عاد إلي مكتبه ليمسك قلما، ويكتب إلي أعضاء مجلس الشوري الذين اختارهم الشاطر من قبل ليسهل توجيههم. وضع الشاطر"الرأس المدبر" خطة السيطرة ونفذها محمود عزت "بيديه"، وتمكن القطبيون من "ركوب" الجماعة ليقودوها إلي مزيد من التشدد والانغلاق، الذي ظهرت ملامحه خلال البرنامج الذي وضعته الجماعة قبل ثلاث سنوات بدعوي توضيح رؤيتها في بعض الأمور للناس، إذ وقف عزت يقول لمجموعة الباحثين الذين استعانت بهم الجماعة بهذا الغرض: إن علي الرئيس في دولة الإخوان عندما يلتقي نظراءه أن يدعوهم للإسلام فان امنوا فبها ونعمت وإن أنكروا فحسابهم علي الله، وفق ما كشفه كل من عمرو الشوبكي وضياء رشوان الباحثين في مركز الأهرام في حينه. الأخوات يكشفن التناقض قضية أخري كانت محلا للصراع وأظهرت ضبابية الرؤية الإخوانية في الموقف من ولاية المرأة، فجرتها مناقشات تخصيص المقاعد الإضافية للنساء في مجلس الشعب، حيث رفض النواب القانون بمجرد أن علموا بمضمونه وبعد أن دارت حول الأمر مناقشات حادة داخل الجماعة استقر القرار علي إظهار الموافقة المبدئية علي القانون علي أن يدرس الأمر قبل موعد الانتخابات في 2010 وهو الحل الذي لجأت إليه قيادة المحظورة حتي لا تنتقد بسبب موقفهم المصادر علي حق المرأة الذي يظهر بجلاء من عدم تمثيل الأخوات في مكتب الإرشاد وقصر دورهن علي الحشد في الانتخابات. غموض التحالف مع إيران الانقسامات بين قيادات الإخوان ظهرت بوضوح في خلاف شهير وقع بين اثنين من قيادات الجماعة خلال العام الماضي حول موقفهم من إيران ومن الشيعة بصفة عامة، حينما دخل القيادي الإخواني يوسف ندا في مشادات كلامية وشتائم متبادلة عبر المقالات مع محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد سلفي المزاج، بعد أن دعا الأول إلي التعامل مع إيران باعتبارها دولة إسلامية تسعي لقيادة المنطقة في مواجهة الولاياتالمتحدةالأمريكية، فيما كان الأخير ينظر للمسألة من ناحية عقائدية ويدعو للتفريق بين الشيعة كمذهب وإيران كدولة. ظهر انعكاس الخلافات الإخوانية في انحسار عمل الجماعة بالأوساط الطلابية داخل الجامعة، نظرا للتناقص الرهيب في أعداد المنتمين للجماعة حتي أنهم لم يعودوا قادرين علي تنظيم وقفة احتجاجية واحدة في جامعة القاهرة بعد شطب أسماء من ترشح منهم لعدم انطباق شروط الترشيح فيما كانوا يكسرون أبواب الجامعة وتستمر مظاهراتهم حتي الثامنة ليلا في السنوات الثلاث السابقة. ثورة الشباب.. فضحت الجماعة السيطرة القطبية ظهرت تداعياتها علي قطاع الشباب والمدونين منهم بصفة خاصة، فبعد أن دعم خيرت الشاطر انتشار عناصر الجماعة عبر شبكة الانترنت بدعوي نشر الفكر الإخواني، وجد القطبيون أن الأمر تحول إلي كم هائل من الانتقادات لأفكار الجماعة وأوضاعها التنظيمية، فما كان منهم إلا أن اخذوا يشددون علي ضرورة تماسك الصف الإخواني وعدم ترك مساحة للمغرضين من أعداء الجماعة في اختراقها وتوجيه الضربات إليها، وشهد العام 2009 تراجعا تاما لظاهرة المدونين الإخوان التي أرقت قيادات التنظيم السري ولم يتحملوا سهام نقدها الموجهة إليهم. انعكست الهيمنة القطبية علي قيادة المحظورة من خلال حالة التفكك التي ضربت صفوفها في النقابات المختلفة والتي سببت هزيمة فاضحة لها علي جميع المستويات، فلم تفلح محاولات النائب محمد سعد الكتاتني في التوفيق بين جمال تاج الدين مسئول ملف المحامين السابق ومحمد طوسون الذي تولي خلفه فكان السقوط المهين في النقابة العامة وساعد القانون الجديد الذي جرت وفقه الانتخابات في إسقاط مرشحي الجماعة في النقابات الفرعية، إذ قسَّم النقابة الفرعية الواحدة إلي عدة فرعيات؛ بحيث كشف عدم قدرة الجماعة علي الحشد، وجاءت نتائج التحقيق الذي أجرته الجماعة في الأمر لتؤكد أن الخلافات بين العناصر كانت أحد أسباب الهزيمة إضافة إلي كون العملية تتطلب قدرات تنظيمية وجماهيرية لا تملكها الجماعة. الشهور المقبلة ستشهد مزيدا من وضوح الرؤية حول مستقبل الجماعة إذ يتوقع أكثر المحللين تفاؤلا أن يشهد العام المقبل، تراجعا في أداء الجماعة السياسي لصالح التركيز علي النواحي التربوية والتنظيمية، فيما يذهب البعض إلي أن الجماعة سوف تعود إلي السرية مرة أخري وهو احتمال يقلل منه البعض في ظل مجموعات أصحاب المصالح التي تكونت داخل الجماعة بعد نجاح 88 من عناصرها في دخول البرلمان في دورته الأخيرة.. بين هذا وذاك تبقي الصراعات هي أبرز ملامح العام المقبل بعد أن تصدرت المشهد خلال عام مضي.