رغم أنه من المبكر أن نسأل من الذي كسب ومن الذي خسر من الاتفاق الاول الذي تم التوصل إليه في فيينا تحت رعاية د.محمد البرادعي لإعادة تخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج، إلا أن البعض بالفعل بدأ في طرح هذا السؤال وفي مقدمة هؤلاء الايرانيون أنفسهم الذين يقولون إنهم حققوا ما يطلبون ويبغون من المباحثات مع الغرب.. فهم ظفروا بمسودة اتفاق، سوف تتحول إلي اتفاق بعد التوقيع عليها، تقضي بامداد مفاعلهم النووي في طهران للنظائر الطبية بالوقود الذي يحتاجه، الأمرالذي سيؤمن لهذا المفاعل الاستمرار في العمل وعدم التوقف الذي كان يهدده إذا ما نفد ما لديه من وقود يكفيه حتي نهاية العام المقبل. كما أن الإيرانيين يقولون ايضا إنهم ظفروا أولا بمباحثات مباشرة مع الامريكيين في فيينا ومن قبل في جنيف بعد أن كانت واشنطن ترفض التفاوض المباشر معهم، وظفروا أيضا بموافقة أمريكية علي تقديم مساعدات تقنية نووية لهم لمفاعلهم النووي. وكل ذلك يعتبره الإيرانيون مكاسب بل وانتصارات حققوها في اشتباكهم مع الغرب حول برنامجهم النووي.. فهم لم يتوقفوا عن تخصيب اليورانيوم كما كانوا يريدون، وحصلوا بالإضافة إلي ذلك علي ما يحتاجونه من وقود لمفاعلهم النووي، وعود بمساعدات أمريكية. ولعل ذلك يكفي الحكم الإيراني لتسويق المباحثات حول البرنامج النووي الإيراني ومشروع هذا الاتفاق للإيرانيين، دون أن يبدو أنه اضطر إلي تقديم تنازلات حول البرنامج النووي، حتي لاتهتز صورته داخليا. لكن الحكم الإيراني يتغافل بذلك أنه بالفعل وعلي أرض الواقع قدم بالفعل تنازلات للغرب حول برنامجه النووي. فهو قد قبل في فيينا ومن قبل في جنيف ما كان يرفضه من قبل.. فالعرض الروسي بإعادة تخصيب اليورانيوم الايراني، ضعيف التخصيب المنتج في موقع ناتانز، في روسيا مقدم لطهران منذ أكثر من عام مضي، وطهران كانت ترفضه أو علي الاقل تتفادي الاعلان عن قبوله، أو تتلكأ في القبول به رغم الالحاح الروسي عليها وهو الالحاح الذي اقترن بممارسة الروس بعض الضغوط غير المباشرة علي طهران، تمثلت في تأخير مساعداتهم للإيرانيين في تشغيل مفاعل بوشهر النووي.. وهذا معناه أن الايرانيين قبلوا الآن ما كانوا يرفضونه من قبل. كما أن طهران قبلت أيضا وبشكل صريح فتح كل منشآتها النووية الثلاثة، بما فيها المنشأة الجديدة في قم، أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا أيضا كانت تمانع فيه من قبل، وكثيرا ما عطلت زيارات مفتشي الوكالة الدولية لها، كما أخفت عن الوكالة الدولية أمر منشآتها النووية الجديدة لتخصيب اليورانيوم في قم.. وهذا يعد تنازلا إيرانيا مهما أجبر الغرب الايرانيين عليه، وها هم مفتشو الوكالة يتأهبون لزيارة منشأة قم بعد أيام قليلة فقط. إذن.. إيران لم تحقق كل ما تريده حتي الآن في مفاوضاتها مع الغرب حول ملفها النووي حتي وإن ادعي المسئولون الايرانيون عكس ذلك، بل إنها اضطرت لتقديم تنازلات مهمة حتي تضمن تطبيع علاقاتها مع الغرب وتأمين وقود نووي لمفاعلها للنظائر الطبية. كما أن المفاوضات الايرانية مع الغرب لم تنته بعد بمشروع اتفاق إعادة تخصيب اليورانيوم الايراني في الخارج.. بل إن هذه المفاوضات مازالت في بدايتها بعد وفي نهاية هذا الشهر سوف تستأنف في جنيف مجددا للنقاش حول أمور عديدة وشتي خاصة أن الأمريكيين ومعهم الحلفاء الأوروبيون مازلوا يعلنون تمسكهم بمنع ايران من انتاج اسلحة نووية، ويدرك الأمريكيون أن إعادة تخصيب اليورانيوم الايراني في الخارج لا تكفي للتأكد من أن عمليات التخصيب في إيران لم تنتقل من مرحلة التخصيب المنخفض إلي مرحلة التخصيب العالي الذي يمهد لانتاج القنبلة النووية.. فإيران سوف تحتفظ بربع ما لديها من يورانيوم منخفض التخصيب، فضلا عن أنها يمكنها في غضون ستة عشر شهرا من تعويض ما سينقل خارجها من هذا اليورانيوم لإعادة تخصيبه. ولعل الضمان الوحيد المتاح للتأكد من أن إيران لاتنتج سلاحا نوويا هو استمرار التعاون وبشكل تام بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران بما يتيح لمفتشي الوكالة دخول المنشآت النووية في أي وقت. فهل ستوافق طهران علي ذلك.. وما هو الثمن الذي ستحصل عليه مقابله؟..