هل المال الحلال الطيب غاية فى حد ذاته، أم أنه وسيلة لغايات أفضل وأهم؟ الاجابة على لسان الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى سابقا بالأزهر، فيقول: ليس فى الإسلام غاية بعد توحيد الله وتنزيهه سوى كرامة الإنسان وحريته وقدرته على إعمار الأرض بكده البدنى أو المالى أو العقلى أو بها جميعا. فالمال هو وسيلة يقتدر بها الإنسان على ممارسة الخلافة فى الأرض فإذا لم يحسن أداء دوره إنتاجا وإعمارا وإنفاقا واستهلاكا وتنمية وادخار فقد خسر خسرانا مبينا. وكثيرا ما يحذر القرآن من فتنة المال: «سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» (11 الفتح) كل ذلك وغيره يحذرك من أن يتحول المال عندك من وسيلة تقدر بها على الدنيا إلى غاية، تجهد فى جمعه وكنزه ثم يتركك أو تتركه. .والإسلام يدعو أبناءه للكسب والعمل الحلال الطيب ثم يدعوهم إلى إنفاق الأموال إعمارا وإنتاجا أو إستهلاكا وعطاء ويحذرنا من التفاقر والكسل وعدم السعى كما يحذرنا من الاكتناز والبخل. وفى قارون وماله الذى مال به إلى الهلاك عبرة لمن يخشى فحينما كثر المال معه منعه المحتاجين وشحت به نفسه وادعى أنه اكتسبه بفضل قوته وعمله: «قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ» (القصص 78). وإذا فتح الله عليك أبواب المال فيزداد وينمو فاحذر غرور النفس فتظن أن ما جمعت يداك وقمت بإخراج الحقوق الشرعية لأصحابها منه فقد أصبحت حرا تفعل فى أموالك ما تريد... فالمال أولا وآخرا مال الله وما أنت إلا مؤتمن عليه لإحسان إدارته ومنعه من الفساد والإفساد فأنت أمام تحذير إلهى يقول لك: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (المؤمنون 5556) فليس كل ما تحصل عليه يعتبر مكافأة أو أجرا بل إن العطاء الإلهى دائما عطاء اختبار وبلاء.. كذلك فاحذر الطغيان فى المال فهذا تحذير إلهى آخر،يقول تعالى: «كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى» (طه 81). وقد فهمنا جميعا عدم الطغيان بالمال.. وغدا بإذن الله نكمل حديث المال.