تخريب للعقل الجمعي المصري أقل ما يوصف به هذا الدور الذي تلعبه صحف الفتنة ففي هذه الحلقة نلقي الضوء علي تطرف من نوع خاص جناحاه الجنس والخرافة وإن كان وثيق الصلة بالتطرف الديني، فتلك الصحف التي ينبغي أن تصدر لتخاطب العقل وتدعو لإعماله وتمارس الدور التنويري تذهب إلي النقيض لمخاطبة الغرائز الجنسية ضاربة بالآداب العامة عرض الحائط مروجه للدجل والخرافة. المدقق فيما تنشره صحف الجنس والخرافة من مضامين لا يندهش عندما نعلم أن المصريين ينفقون مليارات من الجنيهات سنويًا علي الخرافة والسحرة والمشعوذين وأن هناك قرابة 275 خرافة علي الأقل تتحكم في حياة المصريين والمؤسف أنه وفقا لدراسات بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية فإن 63٪ من المصريين بينهم 20٪ من الصفوة يؤمنون بالخرافة وأن نسبة المؤمنين بخرافة الربط الجنسي في ليلة الدخلة تصل إلي أكثر من 60٪ من أهل الريف والمدينة .. والربط مصطلح يقصد به استخدام الجن في إعاقة الزوج والزوجة عن ممارسة علاقاتهما الجنسية المشروعة في الليلة الأولي للزفاف. والأكثر إثارة أن الدراسات البحثية خلصت إلي أن 300 ألف شخص في مصر يزعمون علاج الأمراض بتحضير الأرواح وأن ربع مليون دجال يمارسون الشعوذة في عموم الوطن العربي الذي ينفق بحسب الدراسة قرابة 30 مليارًا سنويًا علي الخرافة والأطرف أن 50٪ من نساء مصر يؤمن بالخرافات ويترددون علي المشعوذين سرًا وعلانية. تلك النتائج الصادمة تتطلب بحث في مضامين وسائل الإعلام خاصة الصحافة التي يستقي منها الإعلام المرئي والمسموع مادته لإجراء المتابعات إضافة إلي أن أغلب برامج التوك شو يقوم علي إعداده صحفيون. في مصر 77 صحيفة تصدر بترخيص أجنبي إضافة إلي أعداد كبيرة من الصحف التي تصدر بلا تراخيص نهائيا والتي يطلق عليها مصطلح صحف بير السلم وسنتناولها في حلقة خاصة، أغلب تلك الصحف أجنبية الترخيص تروج للدجل والخرافة وتعتمد علي الجنس. المؤسف أن صحفًا يفترض فيها الرصانة تقع في نفس الأخطاء فقد رصد تقرير المجلس الأعلي للصحافة للممارسات الصحفية الصادر عن شهر مارس الماضي مخالفة جريدة الفجر للآداب العامة والذوق العام في عددها الصادر 20 فبراير 2009 في الصفحة الأخيرة حيث نشرت تقريرًا مصورًا بالألوان تحت عنوان أسرار صناعة الملابس الداخلية المثيرة حيث توسعت في نشر صور لفتيات عاريات إلا من قليل الملابس الداخلية. تقارير الممارسات الصحفية عن الأشهر الستة الماضية كشفت أن عدم مراعاة الأداب والترويج للخرافة تقع في المرتبة الثانية والثالثة من الملاحظات حيث بينها الملاحظات المتعلقة بعدم الدقة، فجريدة الملتقي الدولي الجديد قبرصية الترخيص نشرت موضوعًا في عددها الصادر 5 مارس الماضي تحت عنوان جيران القاتلة يستغيثون: العفاريت تسكن الشقة والأشباح تطارد السكان . نموذج آخر صحيفة الخبر العربية عدد 2009/5/4 نشرت بالصفحة الأولي عنوانًا غريبًا هو أبو المحاسن ها يفرقع السيكو سيكو .. هاية. فيما نشرت صحيفة الجريمة بتاريخ 7 مايو في الصفحة رقم 6 تحت عنوان قصة ملكة الجن الأحمر مع ابن الأكابر بمصر القديمة.. تزوجته وعاش معها كأمير.. وفشل عدد كبير من الدجالين في مواجهتها. وفي الوقت الذي ترصد فيه التقارير تجاوزات بشأن آداب نشر الجريمة في الصحف القومية والحزبية والخاصة الصادرة بتراخيص عن المجلس الأعلي للصحافة فإن تلك الملاحظات في الغالب تتركز في نشر أسماء وصور الأحداث والقليل منها ما يروج للجنس والخرافة. إلا أن الصحف الصادرة بتراخيص أجنبية تتجاهل نشر الصور والأسماء وأرقام المحاضر ليس بهدف مراعاة آداب المهنة لكن لكون تلك الوقائع مفبركة في أغلبها حيث تتجاهل نهائيًا ذكر أرقام محاضر الشرطة المتعلقة بالوقائع المنشورة. أبرز تلك الصحف حوادث المشاهير الأسبوعية صاحبة الترخيص اللندني التي دأب القائمون عليها الترويج للجنس والخرافة منذ أن كان الإصدار باسم حوادث اليوم حيث اضطروا لإيقاف جريدة حوادث اليوم بعد ملاحقات قضائية لإصدار حوادث المشاهير فقد خصصت الجريدة بابًا خاصًا للخرافة تحت عنوان عجائب ففي العدد 27 سبتمبر نشرت الجريدة موضوعًا مختلقاً بعنوان وقائع أغرب حفل زواج بين العفريت الماجوسي ومنيرة بحضور العوالم حيث زعم المحرر حضوره لجلسة علاج قام فيها المعالج بتحضير جني يلبس السيدة مؤكدًا للقراء أنه سمع الحوار بين الجني والمعالج بل اختلق حوارًا نسبه للجني!! وفي العدد رقم 3 أكتوبر بالصفحة رقم 17 موضوع بنفس الباب بعنوان سمير: تزوجتني جنية رغمًا عني وجعلتني أطلق زوجتي بالثلاثة. فيما تلعب صحيفة الأفوكاتو علي وتر الإثارة الجنسية وتخاطب المراهقين حيث تعتمد علي الموضوعات والقصص التي يؤلفها عدد من المحررين من غير دارسي الإعلام ولا أعضاء نقابة الصحفيين حول العلاقات الجنسية للفتيات بحيث يخرج القارئ للصحيفة بصورة ذهنية أن حالة الانحلال الأخلاقي باتت ظاهرة بالمجتمع ويلجأون في ذلك إلي الاستعانة بصور مثيرة جنسيًا من الشبكة الإلكترونية الإنترنت مع إخفاء الأعين وتوظيف الصور لتلائم المادة التحريرية المختلقة حيث لا أسماء ولا أرقام لمحاضر الشرطة التي حررت للوقائع ولا أسماء ضباط الضبط القضائي إلا فيما ندر فها هو العدد الأخير من جريدة الأفوكاتو الصادر بتاريخ 8 أكتوبر رغم تواجده بالأسواق منذ صباح أمس الأول يحمل العديد من القصص الجنسية المختلقة مثل موضوع بعنوان سميرة فرفشت مع زملائها بالجامعة ثم تزوجت ابن البواب ليسترها.. وكانت فضيحة في ليلة الدخلة! والأخطر والأسهل في الفبركة الصحفية هي أبواب الاعترافات حيث نشرت الجريدة بنفس العدد قصة مجهلة بعنوان مرام طالبة الفنون دمرت نفسها في سوق المتعة بحثًا عن الشهرة! المهم أن الصفحة الأخيرة تحمل عنوان 7 طرق للحصول علي حياة جنسية سعيدة. الملاحظ أن تلك الصحف تغيب عنها الهدف الإصلاحي في معالجة الجرائم فهدفها الإثارة وتتجاهل المسئولية الاجتماعية وتعتمد الفبركة ومعظم محرريها غير مؤهلين يكتفون باختلاق الوقائع الكاذبة رغم زخم ملف الحوادث بالقضايا الحقيقية التي يمكن تناولها والأخطر أن أغلبها يستعين برئيس تحرير نقابي ليضع اسمه علي المطبوعة لاستكمال الإجراءات مقابل مبلغ مالي شهري دون أن يكون له أي علاقة بالمادة التحريرية.