قصة طريفة ظل يرويها أحد أساتذة علم الاجتماع المصريين عندما سافر إلي ألمانيا لإعداد رسالته للدكتوراه ومازلت أتذكرها. فقد لاحظ هذا العالم مستوي الهمة والنشاط والجدية للشعب الألماني وحاول الاقتراب منهم أكثر رغم ما يعرف عن الألمان من اعتدادهم بأنفسهم وتحفظهم في علاقتهم بالآخر. وأثناء إقامته بألمانيا تعرف إلي اساتذة في ذات التخصص من بينهم أستاذ ألماني وزوجته وقد قام نوع من الصداقة بينهم حتي أنهم دعوه ذات مرة للغداء في منزلهم وذكر أن تلك تعتبر حظوة كبيرة. ولاحظ الباحث المصري مدي النظام في حياتهم فكل شيء محسوب حسابه. وبعد تناول الغداء جلس الجميع لاحتساء فنجان قهوة وبعد الانتهاء من القهوة وأثناء الدردشة سأل الأستاذ الألماني ضيفه هل أعجبتك القهوة؟ فرد الضيف نعم أعجبتني كثيراً.. فسأله المضيف هل تريد فنجاناً آخر؟.. أجاب مفيش مانع. ثم كان الرد غير المتوقع "للأسف نفد البن". وعلق الأستاذ المصري قائلاً: إنه ضمن ما لمحته أن كل شيء في حياتهم محسوب بالورقة والقلم حتي أنه لا ينفد شيء لديهم فجأة ويبدو أنه مدون لديهم أن ضيفا يعني فنجانا واحدا من القهوة علشان الميزانية مقاسة بالمسطرة". طبعاً لو حدث ذلك في مصر أو أي بلد عربي شقيق لكانت سيرة المضيف وعيلته علي كل لسان لأن ذلك يتنافي تماماً مع ثقافة الكرم لدينا. ولكن أيعني ذلك أن نشتري كل ما نجده في طريقنا وبكميات مهولة تفوق حاجتنا، بل وتفوق إمكانياتنا في معظم الأحيان؟ إنني لا أتورع أن أقول أن صفائح وصناديق القمامة والمهملات لدينا تكاد تنفجر خاصة في شهر رمضان بحجة أن رمضان كريم.. فلم كل هذا الإسراف؟.. ولم كل هذا الفاقد؟... نحن يا سادة مجتمع يسعي للنمو، ولا أقصد النمو البيولوجي، فكيف ننمو بهذا المنطق؟... لماذا نشتري ما يفوق حاجتنا ولا نستهلكه؟!. صحيح لا يجب أن نبخل عن أنفسنا، إلا أنه لا يجب أبداً أن نفسد حياتنا باسم الكرم فقد شاهدت بالخارج سيارة فارهة تقف وينزل منها رجل تظهر عليه النعمة ويدخل محل خضار فانتقي منه مكونات بسيطة جداً تكفي لإعداد طبق سلطة واحد فقط لا أكثر. وتساءلت هل تستطيع أنت أن تذهب لبائع خضار في مصر فتطلب منه ثمرة طماطم واحدة أو تفاحة واحدة. سريعاً سوف تتهم بالجنون ونظرات الاستياء من البائع، بل من الزبائن، ستضعك في حرج تحسد عليه فالصحيح لدينا أن تشتري بحد أدني لا تقل عنه حتي وإن كنت تعرف مسبقاً أنك لن تستفيد من معظم ما اشتريته.