السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة    "الدفاع التايوانية" تعلن رصد 26 طائرة و5 سفن صينية في محيط الجزيرة    أوستن: لا مؤشرات على نية حماس مهاجمة القوات الأمريكية في غزة    انتهاء أزمة الشيبي والشحات؟ رئيس اتحاد الكرة يرد    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    نجم الأهلي يقترب من الرحيل عن الفريق | لهذا السبب    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين جائزة حرية الصحافة    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    اعرف طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    20 لاعبًا بقائمة الاتحاد السكندري لمواجهة بلدية المحلة اليوم في الدوري    سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    أول تعليق من أسرة الشهيد عدنان البرش: «ودعنا خير الرجال ونعيش صدمة كبرى»    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انخفاض جديد مفاجئ.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالبورصة والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    بشير التابعي: من المستحيل انتقال إكرامي للزمالك.. وكولر لن يغامر أمام الترجي    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    هالة زايد مدافعة عن حسام موافي بعد مشهد تقبيل الأيادي: كفوا أيديكم عن الأستاذ الجليل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواة الأحاديث.. المهمة التي تقترب من عظمة جمع القرآن

لم تكن مهمتهم سهلة أو المسئولية الملقاة علي عاتقهم يسيرة، تكاد تفوق في عظمها وجسامة مسئوليتها جمع القرآن الكريم، فقد كان العالم يسافر شهراً علي دابته للحصول علي حديث واحد،وكان يتحري الدقة الشديدة عند جمعه الأحاديث، فيروي أن أحد جامعي الأحاديث ذهب إلي شخص في بلاد الشام علم أن لديه حديثاً صحيحاً،متحملاً في سبيل ذلك مشاق وتعب الرحلة طوال ثلاثين يوماً وعندما وصل إليه وجد الرجل يتحايل علي دابته بتحريك طرف جلبابه الفارغ مشيراً إلي وجود طعام فيها فذهب عنه، فناداه صاحب الدابة وسأله: يا هذا أما جئت لتأخذ عني حديثا؟ فرد عليه: وكيف لي أن أصدق رجلاً كذب علي دابته ؟!
وكان أنس بن مالك إذا أراد أن يُحدّث عن رسول الله «صلي الله عليه وسلم» تغير لونه ثم قال : أو كما قال النبي صلي الله عليه وسلم.
هكذا كان الرواة في صدقهم ودقتهم فهم يعلمون عظم المسئولية الموكلين بها ومدي الحاجة إلي تحري الدقة في اختيار الأحاديث صحيحها من سقيمها، فقد روي عن الرسول صلي الله عليه وسلم أنه قال: مَن كَذَب عليّ مُتعمداً، فليتبوأ مقعده من النار.
كما كان الرواة يتميزون بقدرة هائلة علي الحفظ فقد كان أبو زرعة الرازي يقول عن نفسه:«أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان قل هو الله أحد.
تدوين الأحاديث
بدأ تدوين الحديث النبوي رسمياً في عهد عمر بن عبد العزيز بإشارة منه،فقد كتب إلي الأمصار يدعو العلماء إلي جمع الحديث وتدوينه،وكان مكمن الصعوبة في جمع الأحاديث يعود إلي أن أئمة السنة متفرقون في أنحاء البلاد ولا يعلم عدد أحاديث النبي صلي الله عليه والسلم ، لذا كان الأمر يحتاج إلي مناهج غاية في الدقة والصرامة لتبين الحديث الصحيح من غيره. وكان أول من جمع الحديث ابن جريح البصري،ومحمد بن إسحاق،ومعمر بن راشد،وسعيد بن أبي عروبة،والليث بن سعد،ومالك بن أنس.
وفي القرن الثالث الهجري نشطت حركة الجمع والنقد، وتميز الصحيح من الضعيف ومعرفة الرجال ودرجاتهم من الضبط والاتقان وحالهم من الصلاح والتقوي أو الهوي والميل، ولذا ظهرت الكتب التي يري أئمة الحفاظ أن تجمع الحديث الصحيح فقط وفق شروط صارمة ومناهج محكمة ومن أوائل من صنف في الحديث الصحيح الدارمي وأبي داود والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
بدأ تدوين الحديث النبوي رسمياً في عهد عمر بن عبد العزيز بإشارة منه،فقد كتب إلي الأمصار يدعو العلماء إلي جمع الحديث وتدوينه،ولم تكن المهمة يسيرة أو المسئولية سهلة، تكاد تفوق في عظمها وجسامة مسئوليتها جمع القرآن في عهد الصديق أبي بكر،فالقرآن محفوظ في صدور الصحابة علي الترتيب الموجود بين أيدينا أما السنة فأئمتها متفرقون في أنحاء البلاد ولا يعلم عدد أحاديث النبي «صلي الله عليه والسلم»، وقد افتري الكاذبون علي النبي وقالوا علي لسانه الكذب،وهذا مكمن الصعوبة في جمع الأحاديث فهو يحتاج إلي مناهج غاية في الدقة والصرامة لتبين الحديث الصحيح من غيره.
البخاري
لقب بأمير أهل الحديث وقيل فيه:«كأنه لم يخلق إلا للحديث». وهو أشهر من جمع الأحاديث النبوية الشريفة وضمها في كتاب هو أشهر كتب الحديث النبوي علي الإطلاق.
قوي الذاكرة..دقيق التحري..لم يكتب حديثاً واحداً إلا وكان يغتسل ويصلي ركعتين قبل أن يدونه.
عن الإمام البخاري نتحدث، صاحب كتاب «الجامع الصحيح» المشهور باسم «صحيح البخاري» والذي يضم أكثر من 7 آلاف حديث اختارها من بين 600 ألف حديث كانت بين يديه بعد أن دقق في سندها والذي يعتبره العلماء «أصح كتاب بعد كتاب الله»، بدأ كتابته وعمره 18 عاماً وظل يجمع الأحاديث لمدة 16 عاماً.
اسمه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري نسبة إلي مدينة «بخاري» التي ولد بها يوم الجمعة 13 من شوال عام 194 هجريا ونشأ بها يتيماً حيث توفي والده وهو طفل صغير ورعته أمه وحببت إليه طلب العلم ودفعته إليه وهو في سن صغيرة، وكانت بخاري مركزاً من مراكز العلم تمتلئ بحلقات المحدثين والفقهاء فما كاد يتم حفظ القرآن حتي بدأ يتردد علي حلقات المحدثين ويحفظ الحديث وهو لم يكمل 10 سنوات من عمره وعندما تم 16 عاماً كان قد حفظ كتب أئمة الحديث في عصره مثل ابن المبارك ووكيع وغيرهما.
تنقل البخاري بين بخاري ومكة والمدينة والعراق ومصر والشام طلباً للحديث وله أكثر من ألف شيخ علي رأسهم الإمام ابن حنبل.
وكان يشترط شروطا خاصة في راوي الحديث وهي أن يكون معاصراً لمن يروي عنه وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معاً بالإضافة إلي الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع.
توفي البخاري وقد بلغ 62 سنة تاركاً إرثاً من العلم بجانب كتابه الأشهر «الجامع الصحيح» وكتب أخري منها «الأدب المفرد» و«التاريخ الكبير» و«التاريخ الصغير».
مسلم
لم يعرف مسلم بن الحجاج حين رحل عن بلدته بنيسابور طالباً للعلم أنه سيعود إليها مرة أخري وقد أصبح هو المعلم،وأي معلم ! ولكن شيوخه الذين تتلمذ علي أيديهم علموا بذلك،فقد تنبأ له شيخه إسحاق بن راهويه حين رأي حرصه ودأبه قائلاً: أي رجل يكون هذا؟! وعدَّه شيخه محمد بن بشارمن خير حفاظ الدنيا الأربعة.
ولد أبو الحسين مسلم بن الحجاج سنة 206ه ، بمدينة نيسابور، تلك المدينة العريقة التي اشتهرت بازدهار علم الحديث والرواية فيها،عني والده بتربيته وتعليمه فنشأ شغوفاً بالعلم مجداً في طلبه، سمع وهو في الثامنة من عمره من مشايخ نيسابور وارتحل طالباً للعلم فتنقل بين مصر والبصرة والحجاز والشام والكوفة وبغداد ولقي في رحلاته عدداً كبيراً من كبار الحفاظ والمحدثين تجاوز المائة.
وهو مصنف كتاب «صحيح مسلم» الذي يعتبر ثاني أصح كتب الحديث بعد «صحيح البخاري»، والذي قال عنه أبو علي الحسين بن علي النيسابوري: «ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث»،وقد استغرق مسلم في تأليفه خمس عشرة سنة حتي أتمه سنة 250 ه، وقد انتقي أحاديثه من ثلاث مائة ألف حديث خلص منه 3033 حديثاًَ من غير تكرار.
واعتمد في ترتيبه للأحاديث علي أن تكون سهلة التناول وجمعها في كتب تشتمل علي عدد من الأبواب منها كتاب الإيمان،والطهارة،والصلاة وتنتهي بكتاب «التفسير» وهو الكتاب الرابع والخمسون.
واهتم العلماء بوضع الشروحات لصحيح مسلم مثل: المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي، وإكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض، وكذلك المختصرات بعد تجريده من أسانيده وأحاديثه المكررة مثل: مختصر حديث مسلم للقرطبي.
وقد تلقت الأمة بالقبول صحيح مسلم وقرنته بصحيح البخاري وعدت ما فيهما من الحديث صحيحاً مقطوعاً بصحته. فرحم الله الإمام مسلم بن حجاج،وتلقي روحه الطيبة في شهر رجب سنة 261ه ودفن في مقبرته بنصر آباد في نيسابور.
النسائي
صاحب كتاب «السنن» وهو أحد أهم علماء الحديث النبوي وكتابه من الصحاح الستة، هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني النسائي، ولد بنسا في سنة 215هجريا وطلب العلم وهو في سن صغيرة فارتحل إلي قتيبة في سنة 230 هجرياً فأقام بمدينة بغلان سنة، ومن شيوخه إسحاق بن راهويه وهشام بن عمار.
كان من بحور العلم مع الفهم والإتقان ونقد الرجال وحسن التأليف، سافر طالبا العلم في خراسان والحجاز ومصر والعراق والجزيرة والشام ثم استوطن مصر ووفد الحفاظ إليه ولم يبق له نظير في هذا الشأن،وحدث عنه الكثيرون منهم أبو بشر الدولابي وأبو جعفر الطحاوي وأبو علي النيسابوري وغيرهم.
كان الناس دائمي الحديث عن اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار وعن شروطه الدقيقة في تدوين الأحاديث النبوية لتحري صحتها فكان شيخا عالما نضر الوجه رغم كبر سنه يرتدي الملابس النوبية محبوباً ممن حوله وكان يسكن بزقاق القناديل بمصر.
قال عنه الحافظ أبو علي النيسابوري:الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي، وقال أبو الحسن الدار قطني: أبو عبد الرحمن مقدم علي كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
وكانت وفاته في شعبان سنة 303 هجريا ودفن في مكة بين الصفا والمروة تاركا مجموعة من الكتب أهمها كتاب «السنن» وهو الذي عرف به وكتب أخري أهمهما كتاب «خصائص علي» وكتاب «عمل اليوم والليلة» وكتاب «التفسير» وكتاب «الضعفاء».
الترمذي
«صنفت هذا الكتاب وعرضته علي علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به،ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي ينطق» قالها أبو عيسي محمد بن عيسي بن سورة الترمذي عن صحيحه «الجامع للسنن» والمعروف بسنن الترمذي.
وأثني عليه الشوكاني قائلاً :«كتاب الترمذي أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأحكمها ترتيبًا، وأقلها تكرارًا، وفيه ما ليس في غيره من المذاهب ووجوه الاستدلال، والإشارة إلي ما في الباب من الأحاديث، وتبيين أنواع الحديث : من الصحة والحسن والغرابة والضعف، وفيه جرح وتعديل».
وقد كانت المؤشرات جميعها تدعونا للتوسم في أبو عيسي الترمذي منذ ولد بمدينة ترمذ في مطلع القرن الثالث الهجري الذي يعد العصر الذهبي لتدوين السنة النبوية وظهور كتب الصحاح سنة 209ه، في بلاد ما وراء النهر(نهر جيحون)، أرض علماء الحديث المشهورين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن حجاج النيسابوري في قرية بوغ بمدينة ترمذ.
وكان يضرب به المثل في الحفظ والورع والزهد،قال عنه الحاكم : سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ عَلَّك يَقُوْلُ: مَاتَ البُخَارِيُّ فَلَمْ يُخَلِّفْ بِخُرَاسَانَ مِثْلَ أَبِي عِيْسَي، فِي العِلْمِ وَالحِفْظِ، وَالوَرَعِ وَالزُّهْدِ، بَكَي حَتَّي عَمِي، وَبَقِيَ ضَرِيْراً سِنِيْنَ.
ويبلغ عدد أحاديث جامع الترمذي 3956 حديثاً،وقد اعتني العلماء بشرحه وأفردوا له الكثير من الكتب ومن أهمها كتاب «عارضة الأحوذي في شرح الترمذي» للإمام أبو بكرالأشبيلي المعروف بابن العربي المالكي،وكتاب «قوت المغتذي علي جامع الترمذي» للإمام السيوطي، و«تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي» للعلامة محمد عبد الرحمن المباركفوري، ويعد من أشهر الشروح في عصرنا الحالي. وتوفي أبو عيسي في الثَالِثِ عَشَرِ من شهر رَجَبٍ، سَنَةَ 279 ه ببلدته في مدينة تِرْمِذ.
أبو داود
يعد إمام أهل الحديث في زمانه وصاحب كتابه المشهور بسنن أبي داود، ولد أبو داود سليمان بن الأشعث سنة 202ه في إقليم صغير يُدعي سجستان وتنقل بين العديد من مدن الإسلام، ونقل وكتب عن العراقيين والخراسانيين، والشاميين،والمصريين.
ذهب أبو داود إلي بغداد ومنها إلي البصرة، ويروي في سبب رحيله إليها: إنه ذات يوم طرق باب أبي داود طارق، فإذا بالأمير أبو أحمد الموفق ولي عهد الخليفة العباسي يستأذن الدخول فأذن لهو، سأله: ما جاء بالأمير في هذا الوقت؟! فقال: خلال ثلاث، أما الأولي: أن تنتقل إلي البصرة فتتخذها وطنًا، ليرحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض، فتعمر بك. والثانية: أن تروي لأولادي كتاب (السنن). والثالثة: أن تفرد لهم مجلسًا لأن أبناء الخلفاء لا يجلسون مع العامة! فقال أبو داود: أما الثالثة فلا سبيل إليها لأن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء.فكان أولاد الموفق العباسي يحضرون ويجلسون وبينهم وبين العامة ستر.
وقد جمع أبو داود كتاب «السنن» وعرضه علي الإمام بن حنبل فاستجاده واستحسنه، ولم يقتصر في كتابه علي الحديث الصحيح بل شمل الحديث الحسن والضعيف والمحتمل وما لم يجمع علي تركه، وقد جمع فيه 4800 حديث انتخبها من 500 ألف حديث جمعها في 35 كتاباً مقسمة علي عدة أبواب عني فيها بجمع أحاديث الأحكام.
ولكتابه عدة شروح منها: مرقاة الصعود إلي سنن أبي داود للإمام السيوطي،وغاية المقصود في حل سنن أبي داود لمحمد شمس الحق عظيم آبادي،وله مؤلفات أخري منها: البعث والدعاء، ودلائل النبوة، وقد توفاه الله سنة 257 ه بالبصرة.
ابن ماجة
كتابه يغني عن التعليم والتدريس بالجوامع..لأنه جامع وشامل لكل ما يمكن دراسته في الحديث..هكذا وصفه شيخه وهكذا كان نتاج الإمام أبو عبد الله بن ماجه القزويني مؤلف كتب «السنن» و«التاريخ» و«التفسير» وأحد أشهر وأهم جامعي ومصححي الحديث النبوي الشريف وهو حافظ قزوين الأول في عصره.
ولد عام 209 هجريا وسمع الأحاديث من حفاظ كثيرين منهم علي بن محمد الطنافسي الحافظ وجبارة بن المغلس والذي يعد من أقدم شيوخه.
وقد كان ابن ماجه حافظاً للحديث وناقداً له عن صدق وعلم واسع، وأجمع العلماء علي أنه ثقة ومحتج به ومعرفته بالحديث واسعة حيث تنقل في رحلة البحث والجمع والتدقيق بين مكة والشام والعراق ومصر ليجمع حوالي أربعة آلاف حديث يضمها كتابه «السنن» في ألف وخمسمائة باب، وعدد كتب سنن ابن ماجه تبلغ 32 كتاباً وعندما عرضت هذا السنن علي أبي زرعة الرازي -وهو من أشهر الحفاظ وعلماء الحديث- نظر فيه وقال ممتدحاً: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها. في إشارة لشمول الكتاب علماً كبيراً يغني عن حلقات الدراسة في الجوامع، ثم قال : لعل لا يكون فيه تمام 30 حديثا مما في إسناده ضعف أو نحو ذلك.
تتلمذ علي يده عدد هائل من العلماء منهم :أحمد بن إبراهيم القزويني وإبراهيم بن دينار الحوشبي الهمذاني وغيرهما.
وتوفي-رحمه الله- يوم الاثنين 22 رمضان عام 273 هجريا.
الدارمي
وضعوه في قائمة أفضل أربعة حفاظ ، بشهادة محمد بن بشار، فقد قال: «حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخاري.»
ولد عبد الله الدارمي سنة وَذَبَّ عَنْهَا الكَذِبَ، وَكَانَ مُفَسِّراً كَامِلاً، وَفَقِيْهاً عَالِماً.
وقد حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ - وَهُوَ أَقدَمُ مِنْهُ - وَرَجَاءُ بنُ مُرَجَّي، وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ،وغيرهم كثيرون.
وقَالَ عنه إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيَّ يَقُوْلُ: يَا أَهْلَ خُرَاسَانَ! مَا دَامَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَيْنَ أَظهُرِكُمْ، فَلاَ تَشتَغِلُوا بِغَيْرِهِ.
ويعد كتابه «سنن الدارمي» من أصح كتب الحديث،جمعه الدارمي علي عدة أبواب منها كتاب المقدمة والجهاد والفرائض والوصايا وفضائل القرآن.
و اشتهر «سنن الدارمي» عند المحدثين ب (المسند) علي خلاف اصطلاحهم. فقال السيوطي في التدريب :«ومسند الدارمي ليس بمسند، بل هو مرتب علي الأبواب».
وقال العراقي: «اشتهر تسميته بالمسند كما سمي البخاري كتابه بالمسند، لكون أحاديثه مسندة».
قال: «إلا أن فيه المرسل والمعضل والمنقطع والمقطوع كثيراً».
توفي سَنَةِ 255ه، يَوْمَ التَّروِيَةِ بَعْدَ العَصرِ، وَدُفِنَ يَوْمَ عَرَفَةَ، يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وقال فيه الخطيب البغدادي: «كان أحد الرحالين في الحديث، والموصوفين بحفظه وجمعه، والإتقان له، مع الثقة والصدق والورع والزهد، وكان يضرب به المثل في الديانة والحلم والرزانة.»
أبو زرعة الرازي
«أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان قل هو الله أحد»..إنه أبو زرعة الرازي متحدثاً عن علمه بحديث رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أما العلماء فأطلقوا عليه لقب «سيد الحفاظ» لشدة حفظه وإتقانه للأحاديث النبوية الشريفة.
اسمه عبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ يَزِيْدَ بنِ فَرُّوْخٍ ويقال له الرازي نسبة إلي الري بزيادة زاي وهي بلده، وكان تلميذا للإمام أحمد بن حنبل الذي قال عنه : «صَحَّ مِنَ الحَدِيْثِ سَبْعُ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ وَكَسْرٌ، وَهَذَا الفَتَي -يَعْنِي: أَبَا زُرْعَةَ- قَدْ حَفِظَ سِتَّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ».
وقال عنه أبو بكر بن أبي شيبة-أحد علماء عصره- :«مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ».
رحل أبو زرعة إلي الحرمين والعراق والشام والجزيرة وخراسان ومصر وروي عن كثيرين فروي عن أبي عاصم وأبي نعيم وقبيصة بن عقبة ومسلم بن إبراهيم وغيرهم كما روي عنه كبار علماء الحديث علي رأسهم الأئمة مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وإسحاق بن موسي الأنصاري. ولأبي زرعة الرازي مسند حديث بالإضافة إلي عدد من الكتب، وتوفي أبو زرعة- رحمه الله -بالري سنة 264 هجرياً في يوم اثنين وكان آخر يوم في السنة، وروي أنه عند وفاته اجتمع عنده عدد من العلماء الرازيين فأرادوا تلقينه الشهادة فاستحيوا منه لأنه هو الورع التقي فرأوا أن يتذاكروا في حديث التلقين فشرع أحدهم بإسناد حديث ثم وقف أثناءه فقال أبو زرعة : حدثنا بندار وساق إسناده إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلاّ الله....» وتوفي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.