قديما أقسم المصريون القدماء ألا يلوثوا نهر النيل ووصفوه بإله الرزق وواهب الحياة وشريانها المتدفق داخل العروق من الجنوب إلي الشمال.. كما حظي بأهمية بالغة صورتها جدران المعابد برسوم أغرب من الخيال.. عروسة غاية في الجمال تلقي كقربان حتي يسير النهر في أمان. هيرودوت الذي انبهر بالنهر قال إن النيل أعطي مصر الكثير وعلمها الكثير ووصفها بمقولته الشهير “مصر هبة النيل”. وبعد مرور آلاف السنين جاء الأحفاد ولم يحافظوا علي قسم الأجداد ولوثوا طهارة النهر واعتدوا علي قدسيته وألقوا به ملايين الأطنان من الملوثات بعدما وقع النيل فريسة في أيدي أباطرة التعديات وضحية تضارب الاختصاصات بين الجهات الحكومية. قطرات المياه التي تتساقط علي الهضبة الإثيوية حيث منابع نهر النيل تقطع آلاف الكيلو مترات في المجري المائي وتندفع لتصل إلي 55.5 مليار متر مكعب إجمالي حصتنا من المياه وفقا لاتفاقية 1959 بين مصر والسودان التي سميت باتفاقية الاستغلال الكامل لمياه النيل، هذه القطرات تتعرض إلي حرب شرسة من جهات الصرف المباشر للملوثات الصناعية في المياه. وزارة البيئة أعدت قائمة سوداء ب15 مصنعاً ترفع راية العصيان في مواجهة القانون وتلقي بمخلفاتها الصناعية في مياه النيل سنوالي نشرها تباعاً. كشفت إحصائيات وزارة البيئة علي أن 90% من عدد المنشآت الواقعة علي نهر النيل والملوثة له البالغة 102 منشأة استجابت للإجراءات الحكومية وانتهت من توفيق أوضاعها البيئية بعدما كانت تلقي 4.47 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصناعي والصحي بشكل مباشر في نهر النيل ليتراجع هذا الرقم المرعب والمخيف إلي مليار متر مكعب. الصعيد في المقدمة وتصدرت محافظات جنوب الصعيد قائمة المحافظات الأكثر تلويثاً لنهر النيل ب19 مليوناً و989 ألف متر مكعب من المخلفات الصناعية يوميا، وجاءت محافظات وسط الدلتا في الترتيب الثاني ب12 مليون متر مكعب يومياً من مياه الصرف الصناعي بنهر النيل، تراجع هذا الرقم إلي 4 ملايين و345 ألف متر مكعب بعدما تمكنت الأجهزة الحكومية من إيقاف ومعالجة 6 ملايين و616 ألف متر مكعب. واحتلت محافظة القاهرة الترتيب الثالث بعدما رصدت تقارير وزارة البيئة صرف 9 ملايين و865 ألف متر مكعب في النهر تم إيقاف 7 ملايين و534 ألف متر مكعب وجاءت محافظات وسط الصعيد في الترتيب الأخير إذ تلقي 1.8 مليون متر مكعب في مياه نهر النيل. وأكد تقرير حديث للتوصيف البيئي بمحافظة الجيزة أن الصرف الصناعي أحد المصادر الرئيسية لتلويث مياه النيل وكشف التقرير عن عدم وجود محطات عمومية بالمحافظة لمعالجة الصرف الصناعي مما يترتب عليه تحويل الصرف إلي النيل مباشرة دون معالجة. وألقي التقرير بالمسئولية علي العديد من الجهات منها الهيئة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي والمعامل المركزية بوزارة الصحة ووزارة الري وجهاز حماية البيئة. شركة السكر شركة السكر والصناعات التكاملية بالحوامدية تتصدر الملف الأسود للشركات الملوثة للبيئة وترفع راية العصيان في وجه الإجراءات الحكومية لتوفيق أوضاعها رغم أنها إحدي شركات قطاع الأعمال إذ تلقي يومياً 3 آلاف متر مكعب من مياه الصرف الصناعي. “روزاليوسف” رصدت في جولتها النيلية بأحد اللنشات الخاصة ثلاثة مصبات مباشرة للصرف في مياه النيل أدت هو إلي هروب الأسماك وتلويث مياه الشرب وانتشار الأمراض الخطيرة. جريمة د.سهير أبوالعلا أستاذ البحوث المائية بالمركز القومي للبحوث أكدت أن قانون 48 لسنة 1982 يجرم إلقاء المخلفات الصناعية إلا بعد معالجتها والوصول بالمواصفات إلي ما ينص عليه القانون ولكن ما يحدث علي النيل جريمة تستوجب العقاب حيث يتم الصرف مباشرة دون معالجة مما يتسبب في مخاطر جسيمة علي صحة الإنسان بطريق مباشر أو غير مباشر. وأضافت أن مياه الصرف الصناعي تحتوي علي العديد من المعادن الثقيلة السامة مثل الزئبق والكروم والرصاص والقصدير والنحاس التي تجد طريقها مع المخلفات الصحية إلي نهر النيل وتحتوي مخلفات الصرف الصحي علي الملوثات العضوية وغير العضوية والبيولوجية. وأوضحت أن الملوثات العضوية تحتوي علي اليوريا والنيتروجين والأمونيا والفوسفات وهي مواد أكثر خطورة علي الإنسان والبيئة. 9 أمراض وأضافت د.سهير أبوالعلا أن من أكثر 9 أمراض تصيب الإنسان نتيجة تناول المياه بشكل مباشر أو تأثيرها علي الخضراوات والفاكهة التي يأكلها الإنسان ومن بين هذه الأمراض الإسهال والتيفود والدوسنتاريا الأميبية والتسمم المعوي وأمراض الكبد نتيجة احتوائها علي المعادن الثقيلة بتركيزات مرتفعة داخل ثمار الفاكهة والخضراوات وأوراق النباتات. علاوة علي تسمم التربة الزراعية بالمواد الخطرة التي تؤثر علي الأتزان البيولوجي الطبيعي في التربة بعد تسرب مياه الصرف الملوثة إلي المياه الجوفية. النيابة العامة ومن جانبه قال د.علي سديره نائب رئيس جهاز البيئة ومساعد الوزير لشئون المحافظات أن لجنة فض المنازعات بمجلس الوزراء تدرس حالياً ملفات المصانع التابعة لقطاع الأعمال لاتخاذ إجراءات رادعة وإلزام تلك المصانع لتوفيق أوضاعها. وأضاف تم إنذار باقي المصانع بالمخالفات الواردة من التفتيش البيئي تمهيداً لإرسال ملفاتهم للنيابة العامة. وأشار مساعد الوزير إلي رصد 416 مليون جنيه لتوفيق أوضاع باقي المصانع بالتعاون مع الهيئات الأجنبية.