التراجيديا Tragedy هي صفة المأساة، أو الرواية المحزنة، أو الفاجعة والكارثة. وهي أقرب الفنون جميعاً إلي مطابقة الحياة، لأنها تصور أفعالاً أعمالاً بطرق مختلفة مطابقة للواقع، وهي الصورة العليا للدراما Drama التي جاء تفسيرها في المعجم الوجيز ص 226 باب (درن)، مجمع اللغة العربية "أن الدراما: المسرحية الجادة التي لا يمكن اعتبارها مأساة أو ملهاة، وفيها معالجة لمشكلة من مشكلات الحياة الواقعية". والتراجيديا في التجربة البشرية ترجع إلي شخصية الإنسان وكل ما هو أساسي من أجل فهم هذا الشخص منذ خرج من الجنة مطروداً (آدم وحواء)، وذلك الصراع المادي الحسي بين الأخوين قابيل وهابيل، وتلك الصراعات المليئة بالروايات والقصص الحقيقية والوهمية، بينه وبين الطبيعة القاسية الشرسة، والحيوانات المفترسة الفتاكة ومكمن الصراع في كيفية السيطرة عليها وكان فن الكهوف والملاجئ، مروراً بتراجيديا البعث والخلود وتعدد الآلهة والرموز في الفنون الفرعونية، متسكملة وموازية في الفنون الإغريقية وتراجيديا الفلسفة والدين والقوة، ودراما الجمال وحركته والنسب والأفعال المهولة الخرافية، وفي دراما الفنون القبطية الشرقية والرومانسكية الأوروبية المبنية علي القصص والحكايات والوعظ، وفي حركة التوالد والتراكب والتصاعد والانبثاق والاتجاه إلي السماء من خلال التوحيد في الفنون الإسلامية، مسيطرة هائمة في أفكار ورسوم الفنون والحضارات الآشورية والبابلية، وأساطير دراما الفنون الهندية والصينية راسخة في عباداتهم وطرائق حياتهم التي يعيشونها. والتراجيديا في كل ذلك تحاكي تصرفات الأشخاص إذا كانت جادة أو هزلية أو تافهة أو شاذة، وهكذا فإنها محاكاة انتقائية نابعة خلاقة، وإن علاقة العلة بالمعلول تكمن وراء حياة الإنسان منذ البداية وحتي الآن وهي في أساسها واحدة. واستكمالاً لما ذكرناه في المقالة السابقة ففي لوحات الفرنسي جورج روو ( 1871 - 1958) نلاحظ المأساة والكارثة وحالة الاستكانة والضعف والخوف التائه واضح علي وجوه واجساد شخصياته، وعند هنري روسو ( 1844 - 1910) نجد في لوحته الغجري النائم ذلك الصراع بين الحلم والحقيقة في ضوء ملئ بالوحشة والرعب، أما الإسباني بابلو بيكاسو (1881 - 1975) فقد هاله الحرب فعبر بصورة تكعيبية عن المأساة في لوحته الجورنيكا ذات الرموز والحالات والألوان الكابية، وأميل نولده الألماني (1876 - 1956) فنجد الدراما بين الحقيقة والوهم والبحث عن الذات في لوحته توماس المرتاب (1912)، وكذلك النمساوي أوسكار كوكوشا ( 1886 م) وذلك الصراع بين احساساته وخطوطه المهتزة المنفعلة المليئة بالتوتر والقلق والغموض الأعمق داخل النفس الإنسانية، ونلاحظ الملهاة المأساوية عند الإيطالي ديكريكو ( 1888 - 1952) من خلال الوهم والصراع بين الخيال والظل والحقيقة وذلك علي الطريقة الافلاطونية، وعند ماكس أرنست الفرنسي وخاصة لوحة أوروبا بعد المطر والتي أظهرت التراجيديا من خلال الدمار والخراب الذي أصاب أوروبا أما الإسباني سلفادور دالي فكانت التراجيديا خلاقة متأججة، مثيرة خفية، ظاهرة، واضحة، خالصة تعبر عن المدي الحقيقي لذلك الصراع بين الإنسان وذاته والحياة والمجتمع وخاصة لوحة الحرب الأهلية، أما جاكسون بولوك الأمريكي (19-12 - 1956 ) فقد وضح الصراع الدرامي علي صفحات لوحاته من خلال تلك الصفعات والضربات والغور والدخول بفرشاته التجريدية بين صراعه الشخصي والنفسي مع الحياة وحالته الإنسانية التي وصلت إلي ذروة الصراع والدراما اللاشكلية. وفي مصر تظهر التراجيديا بمعانيها المختلفة وإتجاهاتها المتعددة وطرق أساليبها الممدودة مع العالم ففي لوحات الفنان راغب (1892 - 1982 ) ذلك الصراع بين الإنسان والحياة مستمدة من الاجداد في البحث والكشف عن لقمة العيش، ومحمود سعيد (1897 - 1964 ) في صراع الضوء مع الأجساد البشرية النحاسية البسيطة، ومحمود مختار (1891 - 1924 ) وتلك التراجيديا الموسيقية بين الهواء والرياح والأجساد الحجرية الناطقة بالاحساس والانفعال، وأدهم وانلي (1908 - 1956) وصراعات الخوف بين الفراغات القاتلة والحركة النفسية لأبطاله، وعند مرجريت نخلة (1908 - 1977 ) وذلك الصراع الدرامي بين الزيف والتجميل والسيطرة علي مقدرات الناس وذلك الزحام الباعث في لوحاتها البورصة، والفنانة إنجي أفلاطون (1924 - 1989) وذلك الصراع الباحث عن الخلاص والحرية، وحامد عويس (1919) وتلك التراجيديا بين النور والظلام والنفس والنظرة التائهة لأبطاله ذات الأجساد الضخمة القوية، والفنان راتب صديق (1917 - 1994) وهذه الصدمة لتلك الرواية والتجمهر النسائي المليء بالحذر والولوج إلي عالم المجهول، والفنان كمال خليفة، (1926 - 1968 ) وذلك التشويه لنسائه المجهولات المحرمات الباحثات عن المتعة، والفنان سعيد العدوي (1938 - 1973) ورسومه المليئة بالدراما الحركية الجسدية والاجتماعية وعلاقتهم بالحياة الاجتماعية والعناصر والرموز المشوهة في الحياة المادية، والفنان صبري منصور (1943) ونساؤه المنكفئات والمليئات بالرعب المشوهات بالصراع النفسي اللائي يأتين من عوالم أخري، والفنان فاروق شحاتة (1938) وأعماله المأساوية الضاربة في البحث عن العمق الوطني بين ضلوع المجتمع، وفي أعمال كاتب هذا المقال حيث تزداد التراجيديا ضراوة وعنفاً خطياً ولونياً معبرة عن الخيال والوهم وكذب الحقيقة. هذه أمثلة فنية موضحة مرارة الحياة بحقيقتها دون زيف أو مواربة، جانب لعب به الفن في مختلف العصور، فنجح في أن يبرز للناس والمجتمعات ما أرادوا أن يخفوا أعينهم عنه.