رغم مرور عام علي ثورة 25 يناير التي قامت مطالبة بالعدالة الاجتماعية بما يضع حدا لمشكلة البطالة في مصر فإنه حتي هذه اللحظة لاتوجد بوادر أمل في حل هذه المشكلة فلم يتحدث أي حزب أو حركة أو مرشح للرئاسة عن خطة واضحة المعالم لحل مشكلة البطالة في مصر وهي المشكلة التي ينتج عنها ما يسمي «جرائم البطالة» وللوقوف علي أسباب ونتائج تلك الازمة نعرض لدراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حدد فيها المحافظات التي تكثر فيها جرائم البطالة وهي الدراسة التي خرجت لنا بنسبة تؤكد أن 29٪ من جرائم عنف الشباب الذي نشاهده بسبب معاناتهم من البطالة، فجرائم الشباب الذي يعاني من البطالة كانت موضوع بحث مطول اقامه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. الدراسة أكدت في بدايتها ارتفاع معدل البطالة التي بدأت منذ الستينيات بنسبة 2.1 وظلت في ارتفاع الي أن وصلت الي اكثر من 10٪ بين الشباب حيث يقع 98.8٪ من هؤلاء العاطلين في الفئة العمرية من سن 15 عاما حتي 35 عاما وكشفت الدراسة أن سياسات مصر منذ بداية السبعينيات من أهم العوامل التي ساهمت في زيادة معدلات البطالة في مصر والتي بدأت بسياسة التحرر الاقتصادي وتخلي الدولة عن سياسة تعيين الخريجين ثم خصخصة بعض وحدات القطاع العام التي قد تتطلب التخلص من العمالة الزائدة عن حاجة العمل بهذه الوحدات. ويأتي الشعور بالقلق والتوتر ازاء المستقبل خاصة المستقبل المهني وامكانية تحقيق طموحاته في العمل من أهم المشكلات التي تواجه الشباب الذي يعاني من البطالة. وهذه المعاناة يكون لها دور فعال تختلف حسب الطبقة الاجتماعية والتعليمية التي ينتمي إليها الفرد فتسهم مع العديد من المشاكل الناجمة عن الفقر والبيئة الاجتماعية في الاندفاع تجاه العنف فيلجأون التي ارتكاب أبشع الجرائم التي قد تصل الي حد القتل أو الاعتداء علي الممتلكات الخاصة أو العامة، وحتي مع توافر ظروف اجتماعية جيدة ومستوي معيشي مرتفع فإن البطالة ايضا تدفع للانحراف الذي يأخذ شكلا اخر عن انحراف الطبقات الفقيرة ويكون في الغالب ادمان المخدرات والكحوليات والمقامرة والبغاء ولكنها تتم في الخفاء وبطريقة لا تمكن الاجهزة الامنية من القبض عليهم. كما أن ما يتمتعون به من مظاهر الغني والنفوذ يساهم في ابعاد الشبهات عنهم، كما أن انحرافات افراد الطبقة المتوسطة التي يتمتع افرادها بقدر عال من التعليم تكون عادة مرتبطة بمجال عملهم مثل انحرافات موظفي الحكومة خاصة جرائم الرشوة والاختلاس، وفي الوقت الحالي توجد أنماط أخري من الجرائم مثل الجريمة المنظمة وغسيل الاموال وجرائم الحاسبات الآلية، ولكن غالبا ما نجد أن جرائم الطبقة الغنية والوسطي لا تتسم بالعنف وخاصة العنف الشديد الذي يميز جرائم الفقراء الا في حالات محددة غالبا ما تعكس ظروفاً قهرية متعلقة علي سبيل المثال بالدفاع عن الشرف أو لأسباب متعلقة بسوء التوافق النفسي. وسألت الدراسة التي أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية عن أنماط العنف لدي الشباب المتعطل عن العمل عدة اسئلة مثل: ما أنماط العنف لدي الشباب المتعطل عن العمل؟ وصورة ومدي خطورته وما ينجم عنه من أثار؟ وما مدي وجود اختلاف في قوة وأنماط العنف بين الشباب باختلاف السن والنوع والحالة التعليمية والحالة الاجتماعية؟ وحددت الدراسة جرائم الشباب المتعطل في أربع جرائم تمثل العنف الشديد وهي جرائم القتل والضرب المفضي الي الموت والضرب المسبب لعاهة والسرقة بالاكراه وكشفت الدراسة ان جرائم القتل تمثل أعلي نسبة من الجرائم التي يرتكبها الشباب سواء كان عاطلا أو غير عاطل بالنسبة لإجمالي الجرائم حيث تمثل نسبة 43٪ تليها جرائم السرقة بالاكراه بنسبة 41.8٪ ثم جريمة ضرب أمضي الي موت بنسبة 12٪ ثم جريمة ضرب أفضي الي عاهة بنسبة 3.2٪. ويمثل الشباب العاطل أعلي نسبة من الشباب المتهم في قضايا العنف بنسبة 29.6٪ وتليهم مباشرة فئة العمال العاديين والحرفيين بنسبة 21.7٪ ثم فئة المزارعين بنسبة 18.1٪ من الشباب وتلي ذلك فئة دون عمل بنسبة 9٪ ثم فئة الطلبة 7.6٪ وانتقلت الدراسة بعد ذلك الي الوضع المهني والبطالة لدي الشباب المتهم في جريمة القتل فكتشف أن فئة مزارع هي الفئة التي تقوم بنسبة 59.5٪ من جرائم القتل وأن محافظة اسيوط تحتل المركز الاول في هذه الجريمة وأرجعت السبب الي العلاقات الاجتماعية والاسرية في هذه المحافظة بأنها تبني علي العصبية العائلية وبالتالي تزداد جرائم القتل بها إما بسبب الثأر أو بسبب الانتقام المتولد من مشاكل أو نزاعات بين العائلات ثم فئة بدون عمل وعاطل 25٪ ثم فئة طالب. أما جريمة ضرب أفضي الي موت فكانت نسبة مرتكب هذه الجريمة من العاطلين 17.4٪ ومن بدون عمل 9.8٪ إلي نسبة العاطلين وبدون عمل يمثلون 27.2٪ وهي قريبة لنسبة مرتكبي هذه الجرائم من شباب الحرفيين والعامل العادي 27.4٪ ثم بعد ذلك فئة المزارع أو الطلبة، وتأتي محافظات القاهرةوالاسكندريةوالغربية أوائل المحافظات التي بها أكبر نسبة من الشباب العاطل ارتكب فيها هذه الجرائم. ثم انتقلت الدراسة الي جرائم ضرب وإحداث عاهة واكتشفت انخفاض نسبة المتهمين من الشباب في هذه الجريمة بشكل ملحوظ بالنسبة للجرائم الاخري وخاصة القتل والسرقة بالاكراه حيث إن نسبتهم لا تتعدي 3.2٪ من اجمالي المتهمين من الشباب في قضايا العنف. كما أن أكبر نسبة من مرتكبي هذه الجريمة تقع في فئة عامل عادي وحرفي بنسبة 33٪ من اجمالي الشباب المتهم في هذه الجريمة وتلي هذه الفئة مباشرة فئة عاطل بنسبة 19.6٪ وهذه الجريمة تتركز بشكل واضح في القاهرةوالاسكندريةوالغربية. وانتقلت الدراسة الي جريمة السرقة بالإكراه وكشفت النقاب عن حقيقة مخيفة وهي أن نسبة من المتهمين في جريمة السرقة بالإكراه من الشباب من فئة المتعطلين عن العمل بنسبة 35٪ من اجمالي الشباب المتهم بهذه الجريمة وهذا يعني أن جريمة السرقة بالإكراه تقدم اكثر الجرائم الي تتصل مباشرة بالفقر والحرمان حيث نجد أن نسبة مرتكبي هذه الجريمة من فئة عاطل تفوق نسبة فئة عامل وحرفي وذلك علي عكس النتائج المتعلقة بالجرائم الاخري وظهرت هذه الجريمة بشكل واضح فيمحافظة الاسكندرية وتليها القاهرة ثم الغربية ثم الدقهلية. وأكدت الدراسة عن الحالة الاجتماعية للشباب العاطل مرتكبي الجرائم الي الارتفاع النسبي لفئة العزاب في ارتكاب الجرائم عنها بالنسبة للمتزوجين وارجعت الدراسة السبب الي أن المتزوجين يكونون اكثر استقرارا في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية من العزاب. وانتهت الدراسة الي عدة حقائق عن جرائم الشباب الذي يعاني من البطالة، وهي أن المجتمعات الحضرية بصفة عامة تزداد فيها الجرائم عن المجتمعات الريفية ليست بسبب الكثافة السكانية ولكن بسبب طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمعات الريفية من تجانس كبير بين أفرادها. في حين نجد أن العلاقات الاجتماعية في المدينة تفتقر التجانس فيما بينها بسبب الاختلاف في المستويات الاجتماعية أو الاقتصادية خاصة بين جماعات المهاجرين الذين يغيرون أماكن سكنهم فينتقلون الي أماكن ذات تقاليد وعادات متعارضة مع القيم السائدة في مدنهم. كما انتهت الدراسة الي أنه بالرغم من ان محافظة الاسكندرية تأتي في المرتبة السابعة من حيث عدد السكان علي مستوي الجمهورية فإن نسبة الجرائم تزيد بها علي غيرها من المحافظات التي تتفوق عليها من حيث عدد السكان مثل محافظة الجيزة. وبالتالي زيادة السكان في حد ذاته ليس هو العامل الاساسي في هذه الظاهرة ولكن يمكن تفسيره فهذه النتيجة في ضوء الانشطة الاقتصادية السائدة في محافظة الاسكندرية حيث تعتمد محافظة الاسكندرية أساسا علي النشاط السياحي الذي يتميز بالموسمية. ومن ناحية أخري يلاحظ انخفاض نسبة المتهمين في كثير من المحافظات التي تعد محافظات حضرية مثل محافظتي الجيزة والقليوبية بل تكاد تتقدم في بعض المحافظات مثل السويس وبورسعيد ودمياط بالاضافة الي المحافظات الصحراوية. بالرغم من أن محافظة الجيزة من المحافظات التي توجد بها كثافة سكانية عالية وتأتي في المرتبة الثانية بعد القاهرة من حيث عدد السكان ومع ذلك بيانات البطالة تشير إلي انخفاض نسبة البطالة بها الي 5.3٪ وهي بذلك تقل عن المعدل العام للبطالة ويرجع ذلك الي أن محافظتي الجيزة والقليوبية تشهد ان تكاملا اقتصاديا حيث يتواجد بهما النشاط الصناعي إلي جانب النشاط الزراعي. كما أن محافظة مثل دمياط تعتبر من المحافظات قليلة السكان والتي تشتهر بصناعة الاثاث وتتيح العمل لابنائها في اطار عائلي.