دعوات الجهاد بسوريا التى أطلقها شيوخ الفتنة على الفضائيات وأطلقوها فى مؤتمرات بكثير من الدول العربية، وعلى رأسها مؤتمر «ستاد القاهرة» الذى وقف فيه الرئيس المعزول محمد مرسى ينادى بأعلى صوته «لبيك سوريا» معلنًا فتح باب الجهاد إلى سوريا، وذلك خلال فترة حكم الإخوان وسيطرتهم على منابر المساجد بالدولة، كانت سببًا رئيسيًا فى التحول الفكرى لهيثم إبراهيم عيسى، المصرى ذو الأربعون عامًا، والذى ترك خلفه زوجته وثلاثة أبناء ووالدته المُسنة وسافر إلى سوريا لينضم لداعش، ظنًا منه أنه بذلك ينصر دين الله أو كما قال: « دعينا لشيء من دين الله نعلمه، فلبينا النداء». تفاصيل كثيرة مر بها «أبو مسلم المصري»، الشاب ذو الواحد وأربعون عامًا، خلال فترة وجوده مع تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا، يكشفها خلال حواره فى برنامج «بالورقة والقلم» على قناة «ten «. إليكم نص الحوار.. ■ فى البداية عرفنا بنفسك وعن حياتك قبل الانضمام لداعش؟ - اسمى هيثم إبراهيم عيسى من مصر وأبلغ 41 عامًا، متزوج الآن من زوجتين إحداهما هولندية الجنسية والأخرى روسية، وكنت متزوجًا فى مصر ولكنى طلقتها أثناء فترة انضمامى لداعش. عندما كنت فى مصر عملت بمجال المحاسبة فى مصنع أسمنت بسيناء، وكان لدى مكتب سفريات للحج والعمرة، وعائلتى كلها موجودة بمصر وأولادى من زوجتى المصرية أيضًا وهم ثلاثة محمد وسها ومليكة، وأنجبت من زوجتى الروسية ابنًا معها فى المخيم، وتركت زوجتى الهولندية حامل قبل دخولى للسجن ولا أعلم عنها شيئا إذ ما كانت قد وضعت أم لا. ■ هل انضممت إلى أى من الجماعات الإرهابية أو جماعة الإخوان فترة الجامعة؟ - لم أنضم إلى أى من الجماعات الإسلامية فترة انضمامى للجامعة ولم أكن مُلتحيا وبدأت فى الالتزام الدينى بعد خروجى من الجامعة بخمس سنوات، ولم أؤد الخدمة العسكرية، بدأت عملى مباشرة بعد تخرجى ثم انخرطت فى الالتزام الدينى عقب ذلك من خلال عملى بمكتبى الخاص برحلات الحج والعمرة. ■ ما التطورات التى حدثت فى حياتك جعلتك تصل إلى مرحلة الانضمام لداعش؟ - بسبب الأحداث التى حدثت فى كل العالم العربى منها مصر وتونس واليمن وليبيا وبطبيعة الحال الوضع فى سوريا كان أشد، فاستمعت إلى فتاوى العلماء الذين أفتوا بالجهاد فى سوريا لنصرة الإسلام وسافرت لكى أؤدى واجبى فى مساعدة إخوانى المسلمين بعد الأحداث التى حدثت فى سوريا وهزت كل مسلمى العالم، وهذه الفتاوى كانت فى كل الدول العربية ومنها مصر فقد أقيمت مؤتمرات كبيرة نظمها العلماء والمشايخ ودعوا فيها إلى الجهاد فى سبيل الله بسوريا وكانت هذه المؤتمرات مذاعة وبثتها وسائل الإعلام. ■ من هم المشايخ الذين أثروا فيك وأخذت منهم فهمك الدينى؟ - هى مراحل مرت عليّ بحياتى منها المرحلة الأولى وهم مشاهير المشايخ على التليفزيون مثل محمد حسان ومحمد حسين يعقوب ومحمد عبدالمقصود وفوزى السعيد وغيرهم، والمرحلة الثانية بعد بدء التزامى فى رحلات الحج والعمرة والاستماع إلى مشايخ السعودية فى الحرم المكى والنبوى بعضهم أعلم اسمه وبعضهم يخطبون فينا ويؤثرون بأنفسنا دون أن نعلم حتى اسماءهم. وما هو الدافع الذى جعلك تنضم إلى داعش؟ - قرار انضمامى لداعش ليس قرارا فرديا يخصنى وحديّ فهناك الآلاف من المسلمين من جميع أنحاء العالم من مختلف الجنسيات وكثير منهم مصريون سلكوا نفس المسلك، وذلك لهدف واحد وهو أننا دُعينا لشيء من دين الله نعلمه ألا وهو مساعدة المسلمين والمستضعفين فى سوريا والعيش كمسلم فى ظل شريعة الإسلام، وليس معنى وجودى فى سوريا وانضمامى لداعش أننى راضً عن كل أفعالهم ولكنى بقيت لآخر لحظة لأنى لم أكن لأترك المصابين والأطفال والنساء هناك فى الحصار، فبقيت معهم لآخر لحظة وأنا راض بقضاء الله وقدره. ■ ومتى أخذت قرار انضمامك لداعش؟ - أخذت القرار فى قطر، فقد خرجت من مصر إلى قطر بعد الأحداث الصعبة والمتخبطة التى عاشتها مصر ومنها أن الإخوان المسلمين الذين سعوا إلى الحكم وبعد وصولهم للكرسى لم يطبقوا ما نادوا عليه من شريعة الله، ثم الأحداث التى توالت هذا الأمر بالقبض على أفراد الجماعة وزجهم فى السجون، والمتابعات الأمنية التى تعرضنا لها خاصة أننى كنت قد قضيت سنة فى السجن فترة 2004 بعد أحداث طابا وكنت من المُتابعين أمنيًا. ■ وهل لك علاقة بأحداث طابا؟ - ليس لى علاقة مطلقًا ولكن فى الأحداث الأمنية تتوسع دائرة الاشتباه ويتم القبض على الجميع وبعد التحقيقات وقضاء فترة من الأيام فى السجن يتم سجن ومحاكمة الجناة والإفراج عن الباقى. ■ قلت أنك قد أخذت قرار انضمامك إلى داعش من قطر، احك لنا ما حدث هناك وكيف تبلورت الفكرة فى عقلك؟ - سافرت إلى قطر بتأشيرة زيارة وتقدمت هناك لشركات خاصة بالحج والعمرة، وقوبلت بشركة منها، وعملت هناك ما يقرب من عام، ثم قمت بعمل إقامة بقطر حتى أتمكن من السفر إلى تركيا ومن بعدها إلى سوريا. ■ ومن ساعدك فى تنفيذ مخططك؟ - كان معى صديق مصرى سافر إلى قطر قبلى بفترة واتفقنا معًا أن نسافر إلى تركيا ومن بعدها إلى سوريا، فتواصل صديقى مع مصرى آخر يعيش فى سوريا وأوصلنا الأخير بمهربين اثنين أحدهما تركى والآخر سعودى وساعدونا فى رحلتنا من تركيا إلى سوريا، فبعد وصولنا إلى اسطنبول أخذنا باص جهزه المهربون لنا أوصلنا إلى «غازى عنتاب» ومنها أوصلونا إلى سوريا فى باص به العديد من الأخوة والأخوات والأطفال، ووصلنا إلى الحدود السورية ودخلنا إلى منطقة الراعى، وتحركنا بسهولة حتى وصلنا إلى «الرقة». ■ متى كانت رحلة سفرك، ولماذا اخترت «الرقة» تحديدًا؟ كانت تقريبًا فى أكتوبر عام 2015، لم اختر الرقة من تلقاء نفسى فهناك فى داعش بمجرد دخولك إلى منطقة الحدود التابعة للدولة الإسلامية فإن قوات الأمن هناك تأخذ منك جوازات السفر ثم يتم توجيه عدد من الأسئلة الشخصية لنا لمعرفة اختصاص كل شخص وتوزيعه فى المكان المناسب له، فقد جعلونى أنا وصديقى نمكث معًا فى الرقة. ■ ما جنسية رجال الأمن على الحدود؟ - الذين تعاملوا معنا كانوا سوريين ولا أعلم إذا كان هناك جنسيات أخرى أم لا، ولكن السوريين هم أفضل الأشخاص فى حماية الحدود على اعتبار أنهم أدرى الناس ببلدهم ويعرفون كل مكان بها أفضل من أى شخص آخر. ■ كيف تعاملوا معك بعد معرفة هويتك واختصاصك؟ - قاموا بتوزيعنا كل وفق اختصاصه ومؤهلاته فصديقى كان يعمل بالدعوة فأرسلوه للعمل بالمساجد والدعوة، ولأن عملى كان مجال المحاسبة فأرسلونى للعمل بديوان الصحة كنت أقوم فيها بوظيفة مرتبط بالأدوية أشبه بالمشتريات عندنا فى مصر، وكنت أحصل على كفالة 50 دولارا حتى يستطيع الشخص العيش، وهم يوفرون لك السكن وفيما يخص الأكل فأحيانًا يوفرون له الوجبات أثناء العمل وأحيانًا يمشى الشخص نفسه بالكفالة التى يعطونها له، وبعد ذلك انتقلت لخدمة ديوان الأسرى والشهداء وأكملت بهذا العمل لأنه من وجهة نظرى كان أكثر شيء إنسانيا فكنت أقوم بخدمة أطفال وعوائل الأسرى والشهداء التابعين لداعش، من حيث توفير السكن والأكل والشراب والعلاج لأن المنطقة كانت مُحاصرة ويوميًا ضرب بالطيران والصواريخ. ■ أتعنى أنك لم تشارك فى أى عملية عسكرية قامت بها داعش؟ - لم أشارك فى أى عملية عسكرية ولو شاركت هقول فى كل الأحوال أنا هتعدم وكل الناس هنا فى المخيمات تعرفنى باسم « أبو مسلم المصري»، الإعلام والكل يعتقد أن داعش مجرد جماعة تقوم بتنفيذ تفجيرات وهجوم عسكرى فقط، والحقيقة التى لا يعلمها الكثيرون أن الجماعة الإسلامية أقامت دولة فيها مؤسسات جيش ومؤسسات مدنية كل واحد منهم له دور يقوم به، وأنا عملت بديوان الصحة وهو يختص بالعلاج وديوان الأسرى والشهداء وهو يختص بتقديم العون والمساعدة لأسر وعوائل الأسرى والشهداء كما ذكرت مُسبقًا وهذه الأمور بعيدة تمامًا عن العمل العسكري، أما الأمور الأمنية والتفجيرات والحروب فهناك ديوان عسكرى يختص بهذه الأمور. ■ هل ما رسمته فى ذهنك عن الدين الحقيقى وسافرت إلى سوريا بحثًا عنه وجدته فى داعش؟ - كما قلت مسبقًا أننا أتينا إلى سوريا لنصرة دين الله والنيات يعلمها الله سبحانه وتعالى، ولكننا لم نهزم بطائرات أمريكا وإنما بما لاقيناه فى الداخل من ظلم، إذا فبالنسبة لى الظلم كان أحد أسباب هزيمة داعش فنحن هزمنا من الداخل قبل أن نهزم من الخارج، والدولة لم تكن على منهاج النبوة أو الخلافة الرشيدة، وأنا لم أنظر لقيادات داعش أو أشبههم بالصحابة والخلفاء والجيل الفريد السابق مطلقًا، ولكن فى نفس الوقت الظلم الذى تعرضنا له هنا لا يجعلنى أترك ما جئت من أجله. ■ اعرض لنا بعض أوجه الظلم التى تتحدث عنها؟ - ظلمنا بطريقين الأول ظلم داخلى من القيادات وأصحاب المناصب، فى شقين الأول فى عدم توزيع المال بالطريقة الشرعية التى نصت عليها أحكام الشريعة، والشق الثانى هو تسويد الأمور لغير أهلها، بمعنى أنهم لم يضعوا كل واحد فى مكانه الصحيح وقاموا بتسويد البعض وإعطائهم مناصب كبيرة وهم لم يرتقوا لذلك، والدليل على ذلك أنه فى الآخر لم يتبق سوى المساكين والأبرياء، أما الأمراء وأصحاب المناصب فهربوا وتركوا الأمور والمستضعفين وسرقوا كل الأموال معهم ومن يتم القبض عليه منهم أو قتله لا يكون ذلك فى «الرقة» ولا «الباغوز» محل النزاع وإنما فى تركيا وبعض البلدان الأخري، وهم من دعونا أولا لنصرة دين الله ولكنهم فى النهاية فروا هاربين. والظلم الآخر من الخارج من الإعلام فكل المسلمين الذين هاجروا إلى سوريا جاءوا بحثًا عن دولة إسلامية تطبق شرع الله ولكن كل الإعلام يشبهوننا بالإرهابيين بالرغم من أن مخابرات العديد من البلدان كانت تضع جواسيس وسطنا وتعرف كافة الأمور التى تدور معنا. ■ وهل تم اكتشاف أى من هؤلاء الجواسيس الذين تتحدث عنهم؟ - لم أكن فى ديوان الأمن أو العسكرى ولكن كانت الأخبار تتداول عن الإمساك بالعديد من الجواسيس، وسمعت أنه تم القبض على العديد منهم، وتابعين لمخابرات وجنسيات مختلفة. ■ وكيف كانت تتعامل داعش معهم؟ - بالتأكيد يتم قتلهم هذا أمر مفروغ منه ■ قلت مسبقًا أن الأمراء سرقوا الأموال وهربوا، فمن أين لهم بهذه الأموال وما مصادر تمويلهم؟ - الأموال كانت تأتى من أكثر من مصدر، ولكن أكبر مصدرين هما البترول، لأن الأراضى التى تحكمها الدولة الإسلامية بها بترول، ثانيًا من الغنائم، وجميع هذه الأموال كان يتم وضعها فى ديوان الغنائم، وهناك بالطبع مصادر أخرى للتمويل ولكن هذان هما المصدران الرئيسيان للتمويل. ■ وما الغنائم بالنسبة لهم وكيف يتم الحصول عليها؟ - ما يتحول إلى ملك لهم هو الآلات والدبابات وكل المعدات العسكرية تعتبر غنائم وملكا لهم وهذه هى أكثر الغنائم التى يتم تحصيلها، وأموال المؤسسات الحكومية مثل البنوك والمصارف وكل مؤسسات غير خاصة يكون كل ما فيها من أموال ومعدات ملك لهم، وتعتبر غنائم. ■ وما نوع المضايقات التى يتعرض لها سكان المدن التى يدخلونها الدواعش؟ - المواطنون لا يواجهون أى مضايقات، وإنما يطلق عليها «حسبة» وهى محاسبة الناس على بعض الأمور الخاطئة مثل أمرهم للمواطنين بغلق محلاتهم وأماكن عملهم والتوجه للصلاة، وبالنسبة للمرأة ترتدى الزى الإسلامى النقاب وتغطى وجهها وجسمها كاملًا، ومنع التدخين ولكن الحسبة لا تدخل البيوت لذلك فإن الناس كانت تقوم بالتدخين سرًا لكن لو رأوه فى الشارع سيتم محاسبته. ■ وماذا إذا رفض أى مواطن الانصياع لهذه الأمور؟ - هذه الأمور واجبة وتطبيقها واجب على الكل والرافض لهذه الأمور ويعتبرها مضايقات فكان عليه أن يرحل ويترك هذا المكان ويعيش بأماكن أخرى. ■ ذكرت أنهم يحللون الغنائم من المدن التى يدخلونها، إذا فما ذكر عن موضوع السبايا صحيح؟ - أعلم أنك تتحدث عن موضوع الإيزيديات، ولكننى عندما سافرت إلى سوريا كانت فى أكتوبر 2015 بعد هذه الحادثة ولم أرها بعيني، ولكنى أيضًا كنت متواجدا ب»الرقة» وهى بلاد إسلامية وكل المتواجدين بها مسلمات وبالتأكيد لن يتم أخذ النساء المسلمات سبايا. ■ لماذا لم تهرب بعد رؤيتك لكل هذه الأمور الخاطئة والمخالفة للشرع؟ - لكى تترك داعش لابد من أن تدفع أكثر من 6000 دولار للمهربين حتى تتمكن من الهرب، و90% من الذين يقومون بذلك ويتمكون من الهرب من داعش يتم القبض عليهم عن طريق قوات الأمن بالدول الأخرى فنحن منبوذون من الجميع، أما إذا تم القبض عليه من داعش فإنه يقتل إذا لم يستتب. ■ بماذا تنصح من يحاولون السير على نفس منهجك والسفر إلى سوريا؟ - أدعو الجميع إلى رؤية الأمر على حقيقته وألا يخطو أى خطوة إلا إذا كانوا يعلمون جيدًا حقيقتها، وأن يتعلقوا ويزنوا الأمور جيدًا لأن ما حدث ليس مجرد تجربة بسيطة وإنما هو تاريخ سيكتب. ■ هل استشعرت الندم ولو لمرة واحدة؟ - شعرت بالندم على بعض الأمور ولكن بعض الأمور الأخرى لم أندم عليها، فقد ندمت على تركى لأمى وأبنائى وفراقهم وعدم قدرتى على التواصل معهم، فأمى سيدة كبيرة ولا تعلم حقيقة ما أقوم به فهى تعتقد أننى سافرت للعمل بالخارج وعندما كنت أتواصل معها كانت تسألنى عن أحوالى بالعمل، وندمت على أن هذه الأمور حدثت من أجل دعوة بعض الأشخاص الذين لا يتصفون بالصفة التى تتوفر فى كل الرجال وهى الشهامة والرجولة، فقد تركوا الأبرياء والمستضعفين وفروا هاربين بعدما سرقوا الأموال، ما أدى إلى حدوث أمور ما أنزل الله بها من سلطان.