تحقيق وتصوير : هبة حسنى حياتهم مهددة، مساكنهم تحولت إلي خنادق مغلقة سجنوا بداخلها أطفالهم محرومون من اللعب في الشوارع فالموت ينتظرهم علي بعد مسافة قصيرة من المنازل هم ليسوا ضحايا إحدي الحروب ولكنهم ضحايا وجود المدفن الصحي للقمامة إلي جوار قراهم حاولوا التأقلم معه طوال 10 سنوات ولكنه حول حياتهم لجحيم بعد أن أصبح مصدراً للانفجارات والحرائق المتتالية التي تنذر ببركان غاضب من تحت الأرض لاختزانها غاز الميثان. «روزاليوسف» تجولت داخل 6 قري هدد ساكنوها بقطع الطريق إذا لم يتم نقل هذا لمدفن بعيداً عنهم. الجولة الأولي كانت من داخل عزبة الثروة المعدنية مركز الخانكة والتي لا يفصلها عن المدفن سوي خطوات قليلة فالطريق هو الفارق الوحيد بين مدفن القمامة مصدر الوباء والأمراض والأهالي الذين سكنوا تلك المنطقة منذ عام 1948 . ما أن دخلنا العزبة حتي يراودك شعور بأنها مهجورة لا حياة فيها فالمنازل مغلقة والنوافذ موصدة بإحكام ومغطاة بقطع من المشمع هواؤها يختلف كثيراً عن الهواء المحيط بالمدفن والمنبعث من داخله ليجعل عملية التنفس شاقة. هناك التقينا مصلح محمود عودة رئيس المجلس المحلي سابقاً الذي أكد أن سكان «قري» عرب العليقات القبلية والبحرية والثروة المعدنية، عرب جهينة، عرب الصوالحة، عزبة الإرسال الإذاعي، قرروا قطع الطريق العام الذي يربطهم بالمدفن لمنع وصول عربات نقل القمامة إليه وذلك بعد أن أصبح قنبلة موقوتة تنبعث منه الانفجارات والحرائق بشكل يومي وقد كاد أن يتسبب في احتراق أسطح بعض المنازل بسبب ما ينجم عن انفجار غاز الميثان والذي تتطاير نيرانه علي المنازل علي القمامة. وقد كان من المقرر أن تتولي شركة كندية جمع وحرق غاز الميثان لمنع الانفجارات ولكنها لم تبدأ عملها حتي الآن. ويضيف عودة كان المدفن غير صحي علي الإطلاق عبارة عن محجر خاص بشركة الثروة المعدنية علي عمق أكثر من 30 متراً وقد نتج عن التفجيرات التي كانت تجري لاستخراج الأحجار وجود مياه جوفية ثم ردمها دون مراعاة لأي اعتبارات بيئية حيث لم يتم تجليد المدفن بصب طبقات خرسانية علي جوانبة وداخل القاع وقاية من تسرب غاز الميثان المتولد من تراكم القمامة إلي المياه الجوفية والتربة وقد تم تقسيم المساحة المقام عليها المدفن والتي تزيد علي 55 فدانا إلي 3 خلايا تم الانتهاء من العمل بهم فالقمامة ستغطي العزبة إذا ما استمرت الحال علي ما هي عليه إذ يصل ما يقرب من 2862 طن قمامة يومياً مجمعة من مراكز محافظة القليوبية وبعض مناطق القاهرة وضواحيها. تركنا قرية الثروة المعدنية وانتقلنا في جولة ثانية إلي داخل عزبة الإرسال الإذاعي التي يصل عدد سكانها إلي 2000 مواطن علي خلاف الوضع داخل القرية التي يزيد سكانها علي 6000 نسمة فالوضع بداخلها لا يختلف كثيراً عن عزبة الثروة المعدنية وتم إبعاد المدفن نسبياً عن العزبة. قابلنا فاطمة عبدالمقصود العشماوي 70 عاما ساكني أحد منازل العزبة والتي تقول: عائلتي من أوائل من سكنوا العزبة تزوجت وانجبت 4 أبناء تزوجوا جميعا داخل المنزل بعد بعض التوسعات توفي والدهم بعد البدء في العمل بالمدفن بعام واحد لإصابته بالربو وقد لازمته أزمات التنفس ليدخل في غيبوبة لم يفق منها. وصل عدد العائلات الذين يقطنون المنزل 18 فرداً منهم 9 أطفال وتضيف فاطمة أصبح المنزل صيدلية كبيرة ومخزناً للدواء الذي يعالج الحساسية والحروق وضيق التنفس لأن الهواء محمل بالشبة وبالطبع أدي ذلك لأن يصبح أهالي العزبة زائرين مترددين باستمرار علي المستشفيات وتحولت المساكن إلي سجون تغلق أبوابها بعد وصول سكانها من أشغالهم خاصة أن الكلاب الضالة التي اتخذت من المدفن مأوي لها كثيراً ما تتجول داخل شوارع العزبة مهددة صغارها وكبارها بشراستها. محمود محمد إمام يروي أن بعض الكلاب تجمعت حول طفلة صغيرة وحاولت مهاجمتها إلا أن النيران التي استخدمها هو وزوجته أخافت الكلاب ليعودوا إلي مدفن القمامة مرة أخري ليبقي الخطر موجوداً يهدد جميع من يسكنون بطول الطريق المؤدي لذلك المدفن. وتستمر جولاتنا إلي العزبة الثالثة عرب الصوالحة ليشير مجدي عبدالله 30 عاماً أحد سكان القرية أن الأمر لم يقتصر علي الكلاب الضالة فقط فقد أصبحت رؤية الثعالب تتجول حول المنازل أمراً معتاداً كما أن المدفن تشتعل فيه الحرائق بشكل مستمر، والهواء ينقل الأكياس بحرق المنازل والأوراق المحترقة داخل جميع القري التي تقع علي الطريق العام. ويشير إلي أن الأهالي كثيرا ما طالبوا بنقل المدفن عن المنطقة السكنية إلا أن القائمين علي إدارته نفو وجود أي روائح كريهة تنبعث من داخله تؤذي السكان. واتهم مسعد رجب من السكان القائمين علي المدفن بالإضرار بالصالح العام لتركهم قطعان الكلاب تتجول حول منازلهم مؤكداً أنهم لم يتخذوا إلي الآن قراراً بشأن إبادتها خوفاً من استثمارهم من وراء القمامة إذ يؤجرون المقلب لأصحاب قطعان الأغنام ويتربحون من وراء ذلك وفي حالة ما إذا وضعوا مبيداً ليقضوا علي الكلاب فلن تسلم الأغنام من ذلك. ولا يختلف الأمر كثيراً داخل القري الأخري إذ تعاني من نفس المشاكل إذ أضافت نسرين عوض من سكان عرب جهينة أن الأضرار لا تقتصر فقط علي الثعالب والكلاب والباعوض والروائح الكريهة بل إن الشبة وهي مواد كيماوية ضارة تستخدم في عملية الردم داخل المدفن وكثيراً ما تتسبب في إلحاق الأذي بأبنائنا إذا تتطاير وتحملها الرياح ليصبح المارة عرضة في أي وقت للإصابة بالحروق وكثيراً ما عاد أبنائي إلي المنزل ممزقي الثياب من أثر تلك المادة الكاوية وتضيف نعمة عبدالله من سكان عرب العليقات لم يعد هناك فارق يذكر ما بين الرائحة داخل المنزل وخارجه فقد حاولنا بشتي الطرق باستخدام جميع وسائل النظافة والحماية منع تلك الرائحة من مهاجمتنا ولكن من الذي يستطيع منع الهواء من التسلل إلي جميع الأنحاء وتضيف أنه كان من المقرر أن يتم نقل المدفن خارج تلك الكتلة السكنية وتزرع غابات من الأشجار نستفيد منها فيما بعد ولكن يعد ارتفاع خلايا المدافن عن الحد المسموح به حيث امتدت ل40 متراً و30 متراً بالعمق و10 أمتار فوق مستوي الشارع مما يضر بصحتنا ويهدد قرانا بكوارث مؤكدة لتلك الأسباب سنمنع السيارات من الوصول للمدفن حتي لو استمرت الحال شهوراً عدة. أما سعدية أحمد عبدالسلام 64 عاماً فتري أن المدفن يستخدم طريقتين للقتل واحدة تؤدي إلي الوفاة البطيئة إذ إن الرائحة تؤثر علي الجهاز التنفسي للسكان والثانية وفاة سريعة فسيارات نقل القمامة تسير بسرعة جنونية وقد تسببت ذات يوم في مقتل شاب لا يتجاوز 30 عاماً كما أنهم لا يراعون أي اعتبارات صحية إذ إن معظم تلك العربات مكشوفة لا غطاء لها ومن ثم فمع السرعة الجنونية تتطاير أكياس القمامة علي الطريق وإلي جوار مساكنا لتتحول بذلك القري إلي مقالب قمامة غير معترف بها. محمد بركات عضو مجلس محلي المحافظة سابقاً يشير إلي أن الشبة المستخدمة في عمليات الردم هي مواد كيماوية لا تجعل الأرض بعد ذلك صالحة للبناء أو الزراعة فأرض هذه الخلايا لا تصلح حاليا ولا مستقبلاً لأي نشاطات وقد تردد منذ أكثر من 3 سنوات أن إدارة المدفن ستجري عملية جمع وحرق غاز الميثان بمعرفة شركة كندية حتي تهبط تلك الارتفاعات عن سطح الأرض ولم يتحقق أي من ذلك حتي الآن ومن المقرر أن تتخلص العزبة من المدفن والرائحة النتنة بحلول عام 2012 بعد أن وصل ارتفاع القمامة إلي ما يقرب من 10 أمتار فوق سطح الأرض بخلاف 30 متراً في الأعماق. وفي المقابل نفي عرفة عبدالجواد رئيس مركز ومدينة الخانكة وجود عزبة جوار المدفن وأكد أن الأمر لا يخرج عن كون وجود 10 منازل مهجورة كما أكد أن الطريقة المستخدمة في دفن القمامة صحية ولا يتخلف عنها أي روائح كريهة علي الإطلاق. وفي سياق متصل يقول علي عبدالرحمن شعلان المدير التنفيذي للمدفن بشأن ارتفاع القمامة عن سطح الأرض بمقلب أبوزعبل إنه لا توجد قمامة مكشوفة بالمدفن الصحي حيث تتم تغطية جميع المخلفات الواردة بأتربة بصفة مستمرة طوال اليوم ويؤكد أنه يجري حالياً جمع وصرف غاز الميثان بمعرفة الشركة الكندية التي رست عليها المزايدة العلنية بتاريخ 2008/1/3لحرق الغاز المتولد بيولوجيا بالمدفن الصحي ونظراً لندرة الأرض المطلوبة لإقامة خلايا بمدفن صحي بالمحافظة فقد تم تعظيم الاستفادة من الخلية رقم 2 بالتوسع الرأسي في دفن المخلفات خاصة أن أرض الخلايا لا تصلح حالياً أو مستقبلاً في أي أعمال بناء أو زراعات فتم الارتفاع بها إلي مستوي الخلية رقم «2» 6 أمتار عن سطح الأرض ومن المعروف أن المخلفات الصلبة تهبط عن مستواها ومع مرور الأيام ومنتظر أن تهبط الخليتان لأكثر من 4 أمتار بعد استخراج غاز الميثان والمشروع ليست له آثار بيئية سلبية سواء علي الهواء أو الماء أو التربة.