مستقبل صناعة الثقافة في مصر بعد الثورة إلي أين؟ سؤال الإجابة عنه ليست بنفس سهولة طرحه، خاصة وأن الثورة فرضت التغيير علي كافة مؤسسات المجتمع، وإذا اكتفينا بجهات أربع رئيسية رسمية مسئولة عن الحركة الثقافية بمصر هي: "الهيئة العامة لقصور الثقافة"، و"قطاع الفنون التشكيلية"، و"المجلس الأعلي للثقافة"، و"الهيئة المصرية العامة للكتاب"، سنجد أنفسنا أمام مؤسسات ذات مشاريع ضخمة، وفلسفات إن اختلفت فإنها تتفق علي أنها تصب جميعا في تشكيل الوعي الثقافي بالوطن، ذلك الوعي الذي ننتظر منه حراكا ثقافيا حقيقيا يقدم لنا مبدعين في كل المجالات، لا "ضوضاء ثقافية" استعراضية استهدفتها قيادات سابقة، لم ننل منها سوي تجريد "الثقافة والفنون" من "الثقافة والفنون". لسنوات طويلة، ظل المجلس الاعلي للثقافة بوابة لما أطلق عليه وزير الثقافة السابق "حظيرة المثقفين"، مستخدما أدوات الترغيب والترهيب المتمثلة في منح التفرغ والجوائز، كف عن القيام بدوره الأساسي وهو نشر الثقافة بين الناس، وانفصل عن الجمهور في ركنه البعيد الهادئ بدار الأوبرا المصرية. عقب الثورة طاله ما طال باقي المؤسسات الثقافية من تغيير، ومن اعتراضات أيضا علي الأسماء المختارة من أجل القيادة، فرئيسه السابق أصبح وزيرا للثقافة ورئيسه الحالي يشيع بين الجموع حالة من عدم الرضا حوله، باعتباره اسمًا لم يكن معروفا ومألوفآ بما يكفي... ولكن ماذا عن دور المجلس في الفترة القادمة، وهل سيفي الدكتور عز الدين شكري بهذه المرحلة، وهل ينتظر منه الناس خيرا، وماذا عن المقترحات والملاحظات التي يراها المثقفون علي المجلس؟؟ كلها تفاصيل نستعرضها معا في التحقيق التالي: في البداية فتح الشاعر عبدالمنعم رمضان النار علي المجلس وأدائه خلال السنوات الماضية وقال: المجلس الأعلي للثقافة لم يلمع وتظهر أضواؤه للعيون سوي في عهدين اثنين، عهد يوسف السباعي، وعهد جابر عصفور، وتميز العهدين برغبة الأمين العام للمجلس في اصطياد المثقفين وحبسهم في دهاليز النظام، ويبدو أن النظام في الفترتين منح المجلس إمكانيات مالية تسمح له بهذا الترويض، وجاء فاروق حسني ومعه جابر عصفور بميزانيات ليست كبيرة جدا، ولكنها سمحت بمنح التفرغ، وعضويات اللجان والأسفار وطباعة الكتب، والجوائز، إلي آخره، فأصبح النظام أبا إلي أغلب المثقفين، انظر إلي حالة صلاح عيسي كمثال، وهو الذي أتي يسعي من أقصي اليسار. وأكمل: في ظل حكومة فاروق حسني، لم يحبس مثقف واحد في سجون النظام، علي الرغم من أن الفساد في تلك الفترة كان يفوق بكثير جدا الفساد في عهدي عبد الناصر والسادات، لأن فاروق حسني ومعه ياورانه جابر عصفور قررا أن يحبسا المثقفين في سجون المصالح الصغيرة، ونجحا في ذلك، وبالنسبة لعز الدين شكري، فأنا لا أعرفه ولا يمكن أن يكون لي حكم عليه، خاصة أنه لم يطلع علينا باقتراحات ثقافية أو استرتيجيات أو أي برامج طوال الفترة السابقة، وكأنه ليس من الجماعة الثقافية، وأحسد عماد أبو غازي علي قدرته علي التنقيب!، ما المطلوب إذا من عز الدين شكري؟ هل يجب عليه أن يحل مجلس الأمناء-المثقفين الكبار المختارين- الذي يحكم المجلس؟ وكل أفراده تم اختيارهم طوال العشرين سنة الماضية طوال فترة الفساد والتوازنات، وانتخاب مجلس جديد، من مثقفين خالين من الشبهات، هل يجب عليه حل كل اللجان التابعة للمجلس، وإعادة تشكيلها بصورة أخري يمكن الاتفاق عليها غير صورة الاختيار الرئاسي الأعلي، هل يمكن للمجلس الأعلي أن يكف عن تصوره أنه يدير الحياة الثقافية، ويتواضع ويتصور انه فقط خادم لها، لا أعتقد ذلك، فحكومة عماد أبو غازي رغم حبي له، أعتقد أنه ضحية إلي حد ما، تلك الحكومة حتي الآن لم تفصح عن وجه يختلف عن وجوه الوزراء والمسئولين الذين سبقوههم. وتابع: للاستغراب أقول أن الوزراء الذين اختيرو منذ 25 يناير وهم العصفور والصاوي و أبو غازي هم أنفسهم الذين كان يجتمع بهم ولي عهد الرئيس السابق لرسم سياساته الاستراتيجية التي ستتم في عهده، هذه المصادفة لا يجب أن تغيب عن بالنا، عماد أبو غازي نفسه لم يأت إلا من الباب الخلفي، باب الهيكل التنظيمي القديم للنظام، إنه اقتراح جابر عصفور علي يحيي الجمل، والكلام علي مسئوليتي، ولقد وقعت الثورة في الحقيقة بين جملين، الجمل الأول موقعة الجمل، والجمل الثاني يحيي الجمل، ونحن نحاسب الآن من تسببوا في موقعة الجمل، فمتي سنحاسب من تسببوا في يحيي الجمل. الدكتور محمد عبد المطلب، قال: لم أتعرف إلي عز الدين شكري بعد، ولم أقرأ له، ولا أستطيع أن احكم إلا بعد أن أجرب، وأعيش المجلس في رئاسته ثم أحكم، لكني أتمني أن يتخلص المجلس في المرحلة القادمة من المهرجانات الضخمة المكلفة والتي لا تقدم عائدا ثقافيا حقيقيا، ويجب الاهتمام بما يقدم من بحوث؟ وبالجمهور الذي يحضر هذه المهرجانات، أتمني أن أري مؤتمرات بنظام جيد، يشارك بها عدد محدود، له مهام محددة، يخرج بنتائج مؤثرة. وأكمل: الأمر الثاني الذي يخص المجلس يتعلق باللجان، أرجو أن يهتم المسئولون عن المجلس بتجديد الدماء في اللجان، فلا يعقل أن يدخل شخص اللجنة ويستمر فيها حتي الموت، أما الأمر الثالث فأنا أرجو أن يراعي المجلس في مطبوعاته، أن تكون ذات قيمة ثقافية عالية، وأن يبحث المجلس عن منافذ لتوزيع مطبوعاته، حتي تصل للقراء، فليس كل قارئ يستطيع الوصول للمجلس. وتابع: يسوئني جدا ما يحدث في لجان التحكيم في الجوائز، إذ يصر البعض علي حجب الجوائز، كما يؤسفني أن أقول إن بعض الجوائز فيها جزء من المجاملة خاصة الجوائز العليا، وأصح جائزة يحصل عليها المستحقون هي جائزة الدولة التشجيعية، لأنها تعتمد علي تحكيم وقراءة متميزة، عكس التفوق، والتقديرية، ومبارك، وقد أوضحت أن هناك خطأ بشع هو أن الجوائز التي تسمي لأشخاص هم الذين يجب أن يدفعوا قيمة الجائزة كالبابطين، وفيصل، ونوبل، التي يدفعها أصحابها أو أهلهم، أما أن تكون الجائزة باسم مبارك وتدفعها الدولة، فالخطأ ليس منه وإنما من المنافقين الذين أحاطوا به. الشاعر محمد سليمان، قال: كان هناك اقتراح في بداية هذا الشهر أن يتقدم أعضاء اللجان باستقالاتهم لإفساح المجال لتكوين لجان أخري تضم كتاب ومثقفين من الوجوه الجديدة، لكن اكتشفنا أن الدورة ستنتهي في آخر مايو، وبالتالي ستحل جميع اللجان وتشكل لجان أخري بعد شهور في سبتمبر وأكتوبر، إذا هناك فرصة طيبة أمام الأمين ليعيد تشكيل كل لجان المجلس، وتصبح هناك فرصة لضم عدد كبير من المثقفين. وأكمل: في أوائل التسعينات كنت عضوا في لجنة الشعر وقدمت اقتراح أن تقدم لجان المجلس اقتراحات لوزارات كثيرة كوزارة التعليم مثلا، وأن يتدخل المجلس في إعداد بعض المناهج في المدارس للنهوض بمستوي التلاميذ، لكن قوبلت بالمقولة الشائعة والرائجة أن اقتراحات المجلس استشارية وليس له قوة ولا قدرة علي فرض أو عرض اقتراحاته علي الوزارات غير وزارة الثقافة، والوزير يحاول الآن أن يعطي المجلس قوة أكثر وقدرة علي التخطيط وهذا في رأيي يعد نوعا من الإنجاز، ولكن الأهم أن تتجاوز توصيات اللجان مرحلة المقترحات وتلتزم بها الجهات المجهة إليها، وقد اقترحت مرة أن يكون هناك مجلس وزراء مصغر من وزير الإعلام والثقافة والتعليم يتعاونون معا باعتبارهم الهيئات المسئولة عن إعداد المواطن من الطفولة للتخرج، ولكن وزارة التربية والتعليم ترفض تدخل المجلس. وتابع: فيما مضي كان هناك إطار سياسي معين تتحرك فيه الدول، وهو مبدأ شراء الولاء وتحويل الناس إلي حراس يحرسون النظام، وبالتالي كان فاروق حسني ينفذ هذا المبدأ في دائرة وزارته، ومن المعروف أن الكتاب في مصر والعالم العربي لا يستطيعون الاعتماد علي عائد كتاباتهم كي يعيشوا وبالتالي معظمهم ينتظر من الدولة أن تحتضنه بالنشر ومنح التفرغ، وأحيانا يطمعون في الجوائز والسفريات، وقد تم تدعيم ذلك بمشاريع مثل القراءة للجميع الذي كان يمنح مكافآت ضخمة في البدايات، فكان هناك حشود من الكتاب تسعي إلي فاروق حسني الذي لم يطرق باب أحد، الكاتب مع الظروف المحيطة به سعي لأن يكون في الصفوف الأولي، وكثيرون ممن يرفعون راية الثورة الآن كانوا يسعون للتكسب بكل السبل ويلهثون وراءه، نفس الوجوه التي كانت تسعي وراء النظام وتصفق له، تهلل للثورة الآن، وتزعم أنها من بشر بها، هناك دائما من تخصصوا في سرقة الثورات وسنحتاج إلي زمن ليتم تحويل وتغيير الواقع الثقافي والتخطيط له وهذا أهم شيء لتثقيف المواطن و إعداده، كل هذا التحول سيغير مجري الحياة الثقافية. وأضاف سليمان أعرف أن عز الدين شكري، روائي ودبلوماسي، كنت أتوقع أن يأتي أحد من الحقل الثقافي، كاتب أو أديب، لكن هناك مشكلة حقيقية يجب أن نتحدث عنها، وهي غياب الكوادر، فمن يجلس علي الكرسي الأعلي يقوم بخنق وتجريف كل الكوادر، لدينا الآن في الوزارة بين ثلاثة إلي أربعة أشخاص يحركهم الوزير من مكان إلي مكان، وقد آن الأوان أن نطيح بهذا النظام الذي دمر وخرب وأهان المصريين جميعا، وأن نرد الاعتبار للأجيال الجديدة. الروائية سلوي بكر قالت: أولا علي رأس المجلس الآن رجل هو مبدع في المقام الأول، وأديب، نحن نتوسم فيه كل خير، فيكون أداؤه أداء رجل مبدع لديه خيال وليس أداء موظف تقليدي يفتقد إلي روح المغامرة والمرونة، عقدنا معه اجتماعاً كمجموعة من المثقفين واستمع إلي مقترحات الجميع وقيلت وجهات نظر وآراء مفيدة جدا فيما يتعلق بأداء المجلس وعمله وإعادة هيكلة لجانه لتكون معبرة بالفعل عن الجماعة الثقافية، وخلال الاجتماع اقترحت المخرجة المسرحية عبير علي ان يكون هناك ورشة عمل بحيث تعد للقاء موسعًا مع جماعة أوسع من المثقفين للنظر في دور المجلس ووظيفته وهيكله خلال الفترة المقبلة بعد الثورة، وجار الإعداد له الآن. وخلال اللقاء مع شكري وكان هناك مقترح أن تضخ في المجلس دماء جديدة من الشباب، وأن يخرج من الغرف المغلقة ويتوجه بشكل أوسع إلي أكبر جمهور ممكن، ولكن إذا عاد المجلس إلي دوره القديم فسوف يكون أمرا مؤسفا، ولكن هذا يتوقف علي الجماعة الثقافية ومدي قدرتها علي الفعالية، وأن تكون مشاركا حقيقيا في عمل المؤسسة الثقافية. القاص سعيد الكفراوي قال: دور المجلس كان دائما محصورا في النخبة بين أهل المهنة، ولم يحدث التأثير الفاعل في الواقع المصري لأسباب عدة، فالحقبة لم تكن تهتم بالثقافة، وكان الإعلام بدوره فاسدًا همش الثقافة، كما لم يقم المجلس بحركة إعلام حقيقية بحيث يكون له دور في الشارع، وربما اهتم أكثر بالثقافة الرفيعة.. ثقافة النخبة، خاصة أن المرحلة الماضية كانت مرحلة فساد و إفساد، كان هم الناس العام هو المادي والتافه والهابط من الفنون والرياضة، وغابت القضايا الحقيقية من الساحة المصرية كقضية حرية التعبير والفنون الرفيعة، وقضية تفاعل الثقافة مع الناس والكشف عن جوهر هذه الأمة الكامن والذي خرج في 25 يناير، كل هذه الأسباب جعلت من دور المجلس الأعلي للثقافة دورًا محدودًا يمارس بين النخبة المصرية.