"كان نجيب محفوظ شخصا ذكيا جدا، وفي غاية الكياسة، حين ابتعد عن كل التنظيمات السياسية، فلم ينضم يوما إلي حزب، فبدا وكأنه مع الجميع، وضد الجميع في نفس الوقت".. بهذه الكلمات لخص الروائي خيري شلبي وجهة نظره في موقف نجيب محفوظ السياسي، وقال خلال الندوة التي نظمتها لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة بعنوان "نجيب محفوظ والسياسة": حين كان محفوظ يجلس معنا علي مقهي "ريش" كنا نحار في معرفة رأيه الحقيقي في هذا الأمر أو ذاك، وحين كنا نسأله في السياسة بشكل مباشر، كان يجيب إجابات غير قاطعة، وهذا شيء عظيم جدا، لأنه لا يملك الإجابة، ولا يدعي معرفة الحقيقة وحده، وكان حين يجيب يضع في اعتباره كل الآراء التي تناقض رأيه. وأكمل شلبي: كان لمحفوظ وجهة نظر خاصة في السلطة بأنواعها ظهرت في أعماله جميعا، فمثلا نجده يقدم وجهة نظر خاصة جدا في السلطة الأبوية عبر الثلاثية، وهي السلطة التي سعت أوروبا للتخلص منها فسقطت في مأزق كبير إذ ارتبط هذا- في رأي محفوظ- بتخلصها من إنسانيتها. وأضاف: ناقش محفوظ أيضا السلطة السياسية في رواية "الحرافيش" وقدم الزعماء والحكام تقديما يفيض بالسخرية، كان يهدف إلي تنوير الشعب المصري ودفعه إلي التمرد علي هذه السلطة وعلي أي سلطة غاشمة، وهو ما قدمه في الحكاية الأخيرة في الحرافيش "التوت والنبوت". من جانبه أكد أستاذ التاريخ الدكتور أحمد زكريا الشلق أن الباحث الذي لم يقرأ محفوظ لا يستطيع أن يكتب بحثا علميا جادا، وقال: ليس مطلوبا من المؤرخ أن يجمع المادة التاريخية دون روح، بل المطلوب أن يبعث فيها روحا ومغزي، وهو ما لا يتم إلا بقراءة أدب الفترة التي يبحث عنها. وميزة محفوظ أنه عاصر حكاما بداية من الخديو عباس حلمي الثاني حتي الرئيس مبارك، وقد سجل آراءه وآراء الناس حول طريقة حكمهم، وما عاصرهم من أحزاب سياسية، وميزته أنه كان يقدم تاريخا من نوع جديد، طازجا ويوميا، كان شاهدا علي العصر، ومؤرخا بالأدب. الناقد الدكتور عبد الرحمن أبو عوف، اختلف مع الشلق، وقال: التاريخ كان مجرد صورة، ووسيلة لعمل شامخ، ووصفه بأنه مؤرخ يصبح ظلما، فلا توجد رواية لنجيب محفوظ تخلو من النقد، بل أنه قدم برنامجا حزبيا متكاملا في شخصية جعفر الناجي في كتابه "قلب الليل" ليته عاش ليقدم هذا البرنامج ليكون أساسا لحزب جديد نراه هذه الأيام. الكاتب مصطفي بيومي وصف النظرية التي تحدث عنها أبو عوف بأنها فاشلة، معللا ذلك بموت جعفر الناجي في الرواية، ووصف الآخرين لنظريته بأنها" سمك لبن تمر هندي"، وقال: لقد عاصر محفوظ ثورتي (1919-1952) ولكن انحيازه كان كاسحا لثورة 19، أما 52 فقد عبر عن رأيه فيها علي لسان أحد شخوص روايته "حديث الصباح والمساء" حين قال: ماذا أفعل؟ أمامي رجل يحمل مسدسا ويدعي الزعامة..!