الزلازل (الحقيقية والمجازية) عبارة عن أحداث تمثل لحظات فارقة في مصير وتاريخ البلدان. وتجدر الإشارة أن الزلزال هو عبارة عن ضربة وهزة مفاجئة لم تكن معلومة ولم يكن من الممكن توقعها. إن مصر واليابان اعتادتا علي الزلازل (بما في ذلك المعني المجازي) وتوابعها. لقد شهد كلا البلدين زلازل حقيقية وأحداثا جساما أودت بحياة الكثير من المواطنين الأبرياء. فاليابان عاني عبر التاريخ ومازال يعاني من زلازل مختلفة، آخرها زلزال شهر مارس الذي احدث كوارث إنسانية في البلاد. وكذلك شهدت مصر زلزالا حقيقيا في تسعينيات القرن الماضي وزلزالا من نوع آخر في الألفية الجديدة حيث مازالت البلاد تعاني من توابعها، وهو زلزال ثورة 25 يناير والأحداث التي تلتها من انسحاب الشرطة وهروب المساجين وانتشار الفوضي والبلطجة والاعتصامات والمظاهرات الفئوية التي تجتاح البلاد من أقصاها إلي أقصاها. من المعروف أن اليابان تعتبر من الدول التي اعتادت علي الزلازل عبر تاريخها لدرجة أن المواطنين يتوقعون أن تحدث زلازل بين طرفة عين وانتباهتها. ففي عام 1923م واجه اليابانيون زلزال كانتو ومركزه خارج العاصمة اليابانية مباشرة، وهو الزلزال الذي حصد أرواح مائة واثنين وأربعين ألف شخص في طوكيو. كما لم تتوقع اليابان أن تقدم الولاياتالمتحدة في أغسطس 1945م علي إلقاء قنابل نووية فوق رؤوس المواطنين في هيروشيما ونيجازاكي. ومنذ أيام قليلة شهدت اليابان زلزالا قويا ضرب شمال شرق اليابان في 11 مارس المنصرم وكانت قوته 8.9 درجات علي مقياس ريختر. وتبعه سوناما دمر مدينة فوكياشا حيث لقي آلاف المواطنين حتفهم. أما مصر فقد شهدت زلزالين كبيرين، أحدهما أدي إلي انهيار المنازل وحصد الكثير من الأرواح والآخر أدي إلي انهيار النظام. الزلزال الأول كانت قوته 5.8 بمقياس ريختر ووقع في أكتوبر 1992م حيث أدي إلي مقتل نحو ثلاثمائة وسبعين وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف شخص. أما الزلزال الآخر الذي وقع في 25 يناير فقد هز وأسقط أركان نظام ظل قائما لأكثر من 40 عاما. وفي الواقع فإنه كان مفاجئا ليس لأرباب النظام فحسب بل للقائمين علي المظاهرات أيضا. والدليل علي ذلك أن بعض المتظاهرين الذين شاركوا في أحداث جمعة الغضب في 28 يناير كانوا يتوقعون العودة إلي منازلهم بعد عدة ساعات من المشاركة. وكان بعضهم علي موعد بعد صلاة العصر. لم يكن أحد يدرك أنه سوف يمكث في الميدان لمدة أسبوعين وحتي رحيل الرئيس في 11 فبراير. وحتي الأمريكيين لم يتوقعوا أن تتحول التظاهرات إلي ثورة تقضي علي الأخضر واليابس في حديقة النظام. وكما للزلازل من ضحايا فإن الثورات أيضا لها ضحاياها وشهداؤها. لعل الفرق بين الزلازل الحقيقية والمجازية يكمن في أن الزلازل الحقيقية لا يمكن تجنبها ولا يمكن تحديد الأسباب التي تؤدي إليها إلا بعد حدوث الزلزال بينما الأحداث الجسيمة والثورات التي تشبه الزلازل فيمكن معرفة وتحديد الأسباب التي تؤدي إليها ومن ثم تجنبها. فاليابان رغم إمكاناتها العلمية والتكنولوجية العالية لم تستطع أن تجنب شعبها الزلازل الني تقع من حين إلي آخر. أما زلزال ثورة 25 يناير في مصر فكان من الممكن تلافيه لو أدرك القائمون علي البلاد الأسباب التي أدت إليها. صحيح أن الأمور كانت سيئة في المعمورة حيث انتشر الفساد والتعذيب واكتملت الصورة المشينة بالمهازل التي شهدتها الانتخابات البرلمانية السابقة التي أسفرت عن إقصاء كل القوي السياسية وإبعادها من تحت القبة. الغريب أن أقطاب النظام والحزب الوطني كانوا يستفزون مشاعر الناس كلما فتح أحدهم فمه ليتحدث عن نزاهة الانتخابات وعن الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها الحزب في أرجاء المعمورة وعن جمال مبارك الذي وصفه أمين التنظيم السابق أحمد عز في أحد المؤتمرات بمفجر ثورة التحديث والتطوير. لقد تحدث الرئيس أمام مجلسي الشعب والشوري في ديسمبر 2010م ساخرا من المعارضة التي تسعي لتشكيل برلمان مواز حيث قال: خليهم يتسلوا. كما أن الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء السابق في أكثر من مناسبة استهان بالشعب المصري قائلا إن الشعب غير ناضج وغير مستعد للديمقراطية. وحتي بعد أن قامت الثورة التونسية في 17 ديسمبر خرج علينا مسئول حكومي قائلا إن مصر ليست تونس ومعني ذلك إن الشعب المصري لا ولن يستطيع أن يقوم بثورة مباشرة وأن الشرطة المصرية تتمتع بقدرة أكبر من الشرطة التونسية وأن الجيش المصري سوف ينحاز إلي النظام وليس للشعب كما فعل الجيش التونسي. لقد أثبتت الأيام أن مصر مثل تونس بل ربما أكثر تصميما وعزيمة. لقد صمد النظام التونسي أمام ثورة الشعب لمدة 28 يوما بينما لم يبق النظام المصري سوي ثمانية عشر يوما. كما أن الجيش المصري انحاز منذ البداية للشعب حيث أصدر بيانا في الأسبوع الأول من الثورة بأن القوات المسلحة لم ولن تلجأ إلي استخدام القوة ضد الشعب المصري. عاشت مصر حرة أبية.