لا أستطيع أن أفهم هذه الحالة من الفرح والنشوي والزهو والانتصار التي يعيشها الآن الإعلاميون والصحفيون الذين يعملون في القنوات الفضائية والصحف الخاصة، ولا أستطيع أن أفهم مبعث هذه الحالة ولا أسبابها، هل لأن هؤلاء يحاولون أن يصدقوا ما تسوله لهم أنفسهم أنهم كانوا معارضين حقيقيين لنظام الرئيس مبارك؟، أم هي الانتهازية الإعلامية والصحفية للقفز علي الثورة وادعاء النضال والبطولة والمعارضة في ظل نظام الرئيس مبارك؟. أم نسي هؤلاء أن عملهم في الصحف والقنوات الخاصة لم يكن سوي تبادل أدوار لإضفاء صفة الحرية الإعلامية والصحفية علي نظام الرئيس مبارك؟، وأن دورهم لم يقل قط في أهميته عن دور الأحزاب الكرتونية الديكورية التي كانت تضفي علي نظام الرئيس مبارك صفة الديمقراطية والتعددية الحزبية، فقد سبق أن كتبت مقالا مطولا في عهد الرئيس مبارك لم تجرؤ صحيفة مصرية خاصة واحدة علي نشره، وكان بعنوان: (الإعلام المصري الخاص والرئيس مبارك)، ونشرته علي عدد من المواقع الإلكترونية بتاريخ 2010/3/15م، وسوف أعيد نشره الآن حتي يكتشف الناس حقيقة هؤلاء المحتفلين بالثورة من الإعلاميين والصحفيين العاملين في الإعلام والصحف الخاصة، وكذلك ليكتشف الناس مدي انتهازية هؤلاء ومدي كذبهم وخداعهم للشعب المصري، ومدي انقلابهم علي الرئيس مبارك الذي لولاه لما وصلوا إلي ما وصلوا إليه من مجد وترف وأجور وشهرة، ولطول المقال سوف أنشره علي جزءين، وهذا هو الجزء الأول: (عجيب أمر هذا البلد (مصر)، إذ بغتة ومن دون سبب ظاهر يبعث علي التصديق والاطمئنان تفتقت وانفتحت شهية النظام المصري علي حرية الرأي والتعبير والصحافة والإعلام، فاستبشر الناس خيرا، لكنني لم أستبشر، وعدم استبشاري بالحرية الإعلامية التي انطلقت علي حين غفلة من أهل مصر ومن دون مقدمات تذكر هو أن الشريط الجيني الوراثي للنظام المصري أو بالأحري الحزب الوطني بدءا من الرئيس مبارك وانتهاء بعامل النظافة البسيط في أصغر مقر ريفي من مقرات الحزب الوطني الحاكم لا يمكن أن يصدق عاقل أن شخصا واحدا في منظومة الحزب الوطني يحمل في جيناته جينا واحدا وظيفته بعث الإيمان بالحريات العامة أو الديمقراطية أو الإيمان بقيمة الإنسان وحقوقه وكرامته وكينونته، ولا يمكن لعاقل أن يصدق أن الإيمان بالحريات العامة والديمقراطية وحقوق الناس قد نزل هكذا بغتة علي قلب الرئيس مبارك ومن ثم علي قلوب أتباع حزبه، فلدينا مثل في الصعيد يقول: (الحداية لا تفقس كتاكيت)، وكذلك الثلاثون عاما الماضية من حكم مصر خير شاهد علي ما أقول. ولأننا نعيش في مصر بلد العجائب فقد آمن الشعب المصري وصدق أن (الحداية تفقس كتاكيت) وصدق أن النظام المصري هكذا بغتة وبين غفوة عين وانتباهتها ولوجه الله والناس والوطن وبعد ثلاثين عاما من الانفراد بالسلطة وحكم الفرد الواحد قد اقترف الإيمان بحرية الرأي والتعبير والصحافة والإعلام وتداول السلطة والديمقراطية وحقوق الناس في الحياة، وكان من أوائل المصدقين بهذا هم الإعلاميون المصريون الذين يدَّعُون المعارضة والاستقلالية من الذين يعملون في الفضائيات والصحف الخاصة، باستثناء ثلاثة فقط، هم: (عبد الحليم قنديل، إبراهيم عيسي، وائل الإبراشي)، وانطلق الإعلاميون والصحفيون يتهللون فرحا ودعاء وثناء علي الرئيس مبارك أن كان أول المؤمنين والداعين إلي الحرية في مصر، وأول من مَنَّ وتفضل وتكرم وتصدق علي المصريين بهذه الحرية، فانطلق الإعلاميون والصحفيون الذين لا لون لهم ولا طعم ولا رائحة ولا مبدأ ببرامجهم وصحفهم يتعقبون الفساد ويتربصون بالمفسدين في جميع القطاعات، ففوجئوا بطوفان متراكم متتابع من الفساد الذي لا قبل لهم ولا لبرامجهم ولا لصحفهم به، وراحوا يتساءلون في ذهول ومكر وخبث ولؤم: من المسئول عن هذا الطوفان من الفساد؟، وكأنهم لا يعرفون حقا من المسئول!، ثم يقول أمثلهم طريقة: المسئول عن هذا الفساد هي الحكومة، الحكومة فحسب، وهنا يكون مشروع لي ولغيري أن يسأل هؤلاء الإعلاميون والصحفيون الماكرون الخبثاء المخادعون، وأقول: أليس الرئيس مبارك هو وحده دون غيره من قام بتعيين تلك الحكومة وتعيين جميع وزرائها وزيرا وزيرا كما عين كل الحكومات السابقة خلال الثلاثين عاما الماضية، وهو وحده من يملك إقالتها ومحاسبتها ومعاقبتها إن هو أراد ذلك؟، أم أن الرئيس مبارك هو رئيس شرفي لمصر يملك ولا يحكم؟، أم أن هذه الحكومة قد جاءت إلي السلطة عبر انتخابات نزيهة ونظيفة ولا دخل للرئيس بها؟!. وعلي أي أساس علمي عقلي منطقي واقعي يفصل الإعلاميون الكذابون الخبثاء بين ما وصلت إليه مصر من ترد وانهيار وبين الرئيس مبارك؟، أليس هو المسئول الأول عن كل شيء في مصر من واقع رئاسته للدولة منذ ثلاثين عاما؟. وللإجابة عن هذه التساؤلات المشروعة نقول: إن هؤلاء الإعلاميين الكذابين الخبثاء يتعامون ويتغافلون عمدا مع سبق الإصرار والترصد عن حقيقة ما جاء في الدستور المصري من صلاحيات لرئيس الجمهورية تجعل منه الحاكم الأوحد الذي بيده مقاليد كل شيء، وله الأمر وحده، ولا حاكم غيره، وليست الحكومة أو رئيس الحكومة ولا الوزراء كما يكذب الإعلاميون ويخدعون الناس، فرئيس الوزراء وجميع وزرائه لا يملكون من أمر الناس ولا من أمر أنفسهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الرئيس لمن يشاء ويرضي، وهذه الحقيقة يعرفها جميع الإعلاميين والصحفيين كما يعرفون أبناءهم، لكن زهو النجومية والشهرة وبريق المال الأخاذ يخرس ألسنتهم عن التفوه بتلك الحقيقة، فكل إعلامي أو صحفي لا ينطق بهذه الحقيقة ويعلنها للناس في صراحة وشجاعة وهي أن الرئيس مبارك هو وحده دون غيره المسئول عما وصلت إليه الأوضاع في مصر من ترد وانهيار فهو إعلامي جبان يكذب علي الناس ويخادعهم ولا يملك بين جنبيه ذرة من الرجولة أو الكرامة أو الشرف وليس في وجهه قطرة ماء. (والبقية تأتي). * باحث إسلامي يقيم في اسيوط