«أبو الغيط»: جريمة الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا لا يمكن تحمله على أوضاع العمال في فلسطين    انطلاق دورة مهارات استلام بنود الأعمال طبقا للكود المصري بمركز سقارة.. غدا    انتشار بطيخ مسرطن بمختلف الأسواق.. الوزراء يرد    إزالة فورية للتعديات ورفع للإشغالات والمخلفات بمدن إدفو وأسوان والرديسية وأبوسمبل    توريد 27717 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    مرتبطة بإسرائيل.. إيران تسمح بإطلاق سراح طاقم سفينة محتجزة لدى الحرس الثوري    لقطات لاستهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي عناصر حزب الله في جنوب لبنان    "الفرصة الأخيرة".. إسرائيل وحماس يبحثان عن صفقة جديدة قبل هجوم رفح    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    السفير البريطاني في العراق يدين هجوم حقل كورمور الغازي    بعد الفوز على مازيمبي.. اعرف موعد مباراة الأهلي المقبلة    محمد صلاح على أعتاب رقم قياسي جديد مع ليفربول أمام وست هام «بالبريميرليج»    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    وزير التعليم يصل الغربية لتفقد المدارس ومتابعة استعدادات الامتحانات    بعد ليلة ترابية شديدة.. شبورة وغيوم متقطعة تغطى سماء أسوان    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق    10 صور من حفل عمرو دياب على مسرح الدانة في البحرين| شاهد    سينما المكفوفين.. أول تعاون بين مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير ووزارة التضامن    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    استاذ الصحة: مصر خالية من أي حالة شلل أطفال منذ 2004    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    المقاولون العرب" تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ السكان بأوغندا"    الإمارات تستقبل 25 من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    محافظ الغربية يستقبل وزير التعليم لتفقد عدد من المدارس    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    «اللتعبئة والإحصاء»: 192 ألفا و675 "توك توك" مرخص في مصر بنهاية عام 2023    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    أول تعليق من الإعلامية مها الصغير بشأن طلاقها من الفنان أحمد السقا    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة    محافظة القاهرة تشدد على الالتزام بالمواعيد الصيفية للمحال التجارية والمطاعم    هيئة كبار العلماء: الالتزام بتصريح الحج شرعي وواجب    متى يحق للزوجة الامتناع عن زوجها؟.. أمين الفتوى يوضح    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    وزارة الصحة: 3 تطعيمات مهمة للوقاية من الأمراض الصدرية    إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية الخطارة بالشرقية ضمن مبادرة حياة كريمة    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    استقرار أسعار الذهب في بداية التعاملات يوم السبت 27 أبريل 2024    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    الأهلي ضد الترجي.. نهائي عربي بالرقم 18 في تاريخ دوري أبطال أفريقيا    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    رسميا| الأهلي يمنح الترجي وصن داونز بطاقة التأهل ل كأس العالم للأندية 2025    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الدستور» تواصل نشر اعترافات د. مصطفي محمود الخاصة: عُمّر من الاضطراب
نشر في الدستور الأصلي يوم 31 - 12 - 2009


: هذه شهادتي على موت عبد الناصر واغتيال السادات
د. مصطفى محمود
كانت سنوات الثورة وتولي العسكر حكم مصر بداية بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر أشد الفترات قلقا واضطراباً في التاريخ الحديث.. شهدت هذه الفترة صعود تيارات عاتية اكتسحت أمامها كل الأيديولوجيات الأخري، وارتفع المد القومي إلي الذروة إبان حكم عبدالناصر ثم ما لبثت أحلام البطولة والحرية والاشتراكية الثورية أن انهارت تحت أقدام جحافل جيش الدفاع الإسرائيلي الذي اجتاح سيناء، والضفة الشرقية والجولان.. كان هذا العصر هو عصر انسحاق الأحلام الكبري، استتبع بالضرورة حالة موات شامل علي جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والفكرية والأخلاقية والروحية، كان عصر الانهيارات الكبري والموت المؤجل، وكانت آثاره علي الضمير المصري والعربي أفدح مما يتصور أعتي المتشائمين، بدأت سلسلة طويلة من الصراعات في دوائر الحكم، واشتعلت الكراهية في جميع أرجاء الوطن العربي الكبير، وبدأت مراجعات كثيرة تطرح نفسها متسائلة: هل كان عبد الناصر، وهما من الأوهام؟ هل كان مسيحاً جديداً بالفعل أم أن الجميع اخترع صورة مثالية للمخلص وألبسها شخص عبد الناصر؟ مات الرئيس القائد مخلفا وراءه الكثير من الهموم والأحلام المجهضة، وبدأ عصر مختلف تماماً في الأهداف والتوجهات والسياسة، جاء السادات بما يشبه الثورة المضادة، وهو بالضبط ما كان يروجه الرجل، إذ كان يحلو له إطلاق مسمي «الثورة» علي كل قراراته وسياساته من قبيل «ثورة الانفتاح»، و«ثورة التطهير» وغيرهما، لكن الرجل نجح علي المستوي الرسمي في اكتساب شرعية جديدة أملتها تحدياته الهائلة، ونجاحه منقطع النظير في القضاء علي خصومه جميعاً، وحيدا منفرداً علي رأس السلطة كان السادات يطل علي العالم، وقد أعطاه زهو الانتصار الكبير في أكتوبر وجهاً جديداً من التعسف والانفراد بالقرار دون معارضة تذكر، ونجحت الكاريزما التي صنعتها النياشين العسكرية واحتفالات النصر في اكتساح العالم كله، وصلت ذروة استبداد الرجل بالقرار والمصير حداً جعل اغتياله حتمياً بمقتضي التجارب التاريخية.
هكذا رأي د. مصطفي محمود الراحل العبقري، وقد رسم سيناريو مكتملاً تماماً لعصري عبد الناصر والسادات حتي لحظة اغتيال الأخير في حادث المنصة، إنها شهادة حافلة بالرؤي والتفسيرات التي لا تنتجها إلا عقلية جبارة بحجم الراحل العظيم.
فيما يلي شهادة مصطفي محمود علي عصر مسكون بالقلق والاضطراب والأحداث التي كانت تمور تحت سطح الدعاوي المقنعة بالبطولة والمجد والافتعال، أدلي بها الراحل العظيم إلي الكاتب الكبير محمد فوزي.
ما رأيك في هذا الصنبور المنهمر من هجرة اليهود السوفييت؟.. كيف يري عقل د. مصطفي محمود هذا التدفق اليهودي إلي إسرائيل؟!
- هذا سوف يسبب مشكلة خطيرة.. وسوف يخلق وضعاً لا يحتمل الكلام، فالعرب واليهود سوف يزيح أحدهما الآخر.. التدفق اليهودي سوف يخلق ظروف حرب قادمة.. فمن الممكن أن تخلق حتمية صدام.
هل تؤيد قيام حزب للإخوان المسلمين بصيغة عصرية؟!
- والله أنا أخاف علي الإسلام من مزالق السياسة.. احتراف السياسة... فالسياسة علي رأي النكتة الإنجليزية الشهيرة حينما وجد شخص تابوتا مكتوباً عليه هنا يرقد السياسي العبقري والرجل الصادق.. فقال الرجل: «أول مرة أجد فيها اثنين مدفونين في تابوت واحد».
فالسياسة تحمل في ثناياها الكثير من الكذب والميكانيكية والانتهازية وأنا أخاف علي الإسلام من احتراف السياسة، فالسياسة يمكن أن تستلهم الإسلام ولكن أخشي أن يتحول الإسلام إلي احتراف سياسي.
وهل من أجل هذا لم تنضم إلي الإخوان المسلمين؟!
- أنا لم أنضم ولن أنضم لأي حزب في حياتي والله سبحانه وتعالي يقول: «وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً»، فأنا أريد أن أقابل الله سبحانه وتعالي يوم القيامة فردًا.. ولا أقول له عز وجل أصل الحزب عمل والمجتمع فعل.. فالله سوف يقابلنا يوم القيامة فرداً.. فرداً.. فالمسئولية فردية صرفة.
د. مصطفي محمود.. بعد مرور 35 عاماً علي محاولة اغتيال عبدالناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية.. هل كانت محاولة اغتيال حقيقية من الإخوان أم أنها من وحي الخيال؟
- إنها ومن وحي الخيال مائة في المائة.. إنهم كانوا يريدون أن يتخلصوا من الإخوان كقوي منافسة وإعدام مجموعة الإخوان المسلمين.. وهذا - في الحقيقة - تاريخ سيئ للغاية.
أنا أصدق ما يقال من أن حادثة المنشية بالإسكندرية لم تكن محاولة لاغتيال عبدالناصر، وإنما كانت في حقيقة الأمر تمثيلية!.. لكن أنا لا أستطيع أن أحكم علي الإخوان لأنني لم أكن واحداً منهم ولم أدخل في نسيجهم أبداً!
هل لو استمرت جماعة الإخوان المسلمين وتعاونت مع الثورة لتغيرت صورة مصر الآن؟!
- والله لا أدري فلا أستطيع أن أقول إن الإخوان المسلمين يمثلون نسيجًا واحدًا، فهناك شخصيات من الإخوان مستنيرة جدًا مثل: «د. كمال أبو المجد ود. عبدالعزيز كامل والشيخ محمد الغزالي» وهي شخصيات نضجت علي نار الزمن والتجربة والمعاناة.. بالتجارب الكبيرة التي مرت بمصر.. دخلوا السجون وأعادوا النظر في معارك هائلة وأصبح لهم رأي مستقل عن تجربة واضحة، هذا في الوقت نفسه الذي توجد فيه شخصيات غير ناضجة ومندفعة ومتعصبة.
والحقيقة أنني أفضل أن يكون دور الدين في هذه المرحلة الحزبية التي نعيشها هو إحياء الضمائر، فأخطر شيء يهدد المجتمع هو إدخال الدين في السياسة، فدور الدين يجب أن يقتصر علي توعية وإحياء ضمائر الناس.
بعض الكتب صدرت مؤخراً تؤكد أن عبدالناصر مات مسموماً؟!
- أنا سألت في هذا الموضوع واكتشفت أن عبدالناصر مات بمرض «السكر البرونزي» وهو نوع معين من أنواع السكر، والحقيقة أنه ليس هناك أسهل من أن يموت مريض السكر.. لو أهمل لحظة واحدة! الآن كلنا نعلم أن علاج السكر هو الأنسولين الذي من شأنه أن يخفض مستوي السكر في الدم. ولهذا لا بد أن يكون في جيب مريض السكر دائماً قطعة حلوي صغيرة.. ملبسة.. بنبوناية.. فمن الممكن أن تنجيه من الموت!.. لأن الهيبوكيميا قاتلة.. فمن الممكن أن يحقن مريض السكر بحقنة أنسولين وينام من غير ما يتعشي فتكون نهايته لأنه تحدث له هيبوكيميا أثناء النوم.. ومن الجائز أن زوجته لا تعلم فيموت لمجرد أنه لم يتناول العشاء أو لم يأخذ قطعة حلوي ويتفصد العرق من جبينه وينتاب جسمه شيء من البرودة من غير أن يأخذ قطعة من الحلوي.. فالذي يقال بالنسبة لعبد الناصر.. إنه مات بأزمة هيبوكيميا وتم تشخيص حالته خطأ وكان من الممكن بحقنة جلوكوز في الوريد أن تنتهي هذه الأزمة ولكن لا تعلم هل ربنا أراد ألا يعرف الطبيب الذي معه؟!.. وضحك مصطفي محمود وهو يقول: أو عرف الطبيب ولم يفعل!! هذه مسألة ثانية!
وأيهما يرجح د. مصطفي محمود؟!
- ما اعرفش!! لكن الغالب في ذهني أن عبدالناصر مات بهيبوكيميا من غير دس السم له كما يتردد! ثم إن عبدالناصر مات منذ عام 67، عبارة لا أنساها قالها لي أنور السادات أيامها: «يا مصطفي.. عبدالناصر مات بعد الهزيمة وأصبح شخصاً آخر.. أنا لم أصبح أعرفه».!!
هل تعتقد أن ثورة يوليو انتهت أم أنها لا تزال باقية في منجزاتها؟!
- لا.. ثورة يوليو انتهت.. انتهت بعد سقوط معالم اليسار عالمياً وسقوط الاشتراكية في حد ذاتها.. لأن الثورة كانت هي مجرد الاشتراكية.. ثورة يوليو انتهت بمضمونها مؤخراً ولكن هي كانت منتهية قبل ذلك من أيام 1967 وهذه هي نهايتها الحقيقية.. فالنظام الثوري انتهي بالكامل بهزيمة 1967!
فهناك فرق بين الشيء مات وإعلان الوفاة.. فإعلان الوفاة جاء متأخراً!.. فحدث استدراك!
فلقد حدثت الوفاة علي أقساط! والثورة انتهت علي مراحل! كانت أول مرحلة أو أول قسط: حين طرد السادات الخبراء الروس وألغي الشمولية وأنشأ القطاع الخاص وفتح ذراعيه لعصر الانفتاح.. كان هذا أول قسط. أما القسط الثاني: فهو بيع القطاع العام الذي بدأ الآن ومع بداية بيع القطاع العام وتصفيته أستطيع أن أقول إن ثورة 23 يوليو 1952 انتهت بمزجها تماماً!
ولكن كل الذي أتمناه الآن أننا نستطيع أن نحقق التعددية الحزبية بمفهومها الصحيح.. لكن أنا لا أتوقع أن يحدث ذلك الآن.. فأمانا مائة عام علي الأقل لتحقيق ذلك فالمسألة ليست سهلة!
لو بيديك تقرير مصير الأحزاب في مصر.. هل كنت تجيز الحزب الناصري علي خريطة الأحزاب المشاركة في الحياة السياسية في مصر؟!
- لا.. الحزب الناصري ليس له معني علي الإطلاق.. الحزب الناصري يأتي ليمنع الأحزاب الأخري فهو بذلك يلغي رخصة وجوده من الأول!.. ثم هل هناك شيء اسمه ناصري!! ليس هناك شيء اسمه ناصري وتيتوي ولينيني وتروتسكي.. كل هؤلاء عبارة عن سلالة ماركسية الدم والنشأة.. عبدالناصر لم يأت بأي جديد.. هو نقل بالمسطرة كلاماً قاله غيره.. يعني تمصير ما يقال.. مثلما يقال عن قصة ممصرة.. عبدالناصر ترجم كلام ماركس إلي العربية.. وليس عبدالناصر وحده.. الجميع فعل ذلك: تيتو فعل ذلك.. وكاسترو فعل ذلك في كوبا. ولكن هل هنا كاستروية وتيتوية ولينينية؟! الجميع واحد!
وهل كنت تجيز خروج حزب الإخوان المسلمين إلي الحياة السياسية؟!
- والله أنا ضد دخول الدين في السياسة نهائياً.. ورأيي هذا أقوله بعد أن أمعنت التفكير حقيقة.. فأنا أعتقد أن السياسة خليط من الكذب والالتواء والانتهازية ولا بد من تنزيه الدين عنها.
وما رأيك فيما يقال إن الدين يمكن أن يهذب السياسة؟!
- والله يهذب الإنسان نفسه الأول.. فالدين يهذب به الإنسان أولاً.
وماذا يضر لو أن الدين هذب السياسيين بأن جعلهم أخلاقيين؟!
- ما نجعلهم أخلاقيين من غير أحزاب! إنت فاكر أن هناك حزباً ممكن أن يخرج صادقين!! علي أساس إشاعة السلام في العالم؟!
هذه ليست في حاجة إلي أحزاب يا عزيزي.. الأخلاق والاستنارة الأخلاقية والإشراق عملية تحدث داخلك لكنها ليست عن طريق حزب، ولماذا حزب بالذات؟... لأنه إذا حدث ودخل في حزب أو تنظيم فإنه بذلك يدخل في «العدة» وهذه «العدة» فيها الكذب والانتهازية والنفاق.. هذه هي السياسة!. ثم إن الإسلام في تاريخه لم يكن «سياسة ودينًا» إلا في مرحلة واحدة فقط.. النبي صلي الله عليه وسلم.. وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب فقط.. وهؤلاء استثناء.. هات لي سيدنا عمر بن الخطاب وأنا أعمل به أعظم حزب ولكن من أين آتي به؟... هؤلاء نماذج نورانية شربت من ينبوع النبوة في مرحلة رائعة.. هؤلاء جاءوا في زمن من الصعب تكراره.. نماذج.. آيات من الإنسانية، مقاييس بشرية لا تتكرر ولكن الله سبحانه وتعالي قادر علي أن يخلق نماذج أخري.. ولكن هات لي واحداً من هؤلاء النماذج الخيرة وأنا أسير وراءه وأكوّن به حزباً.. أنا لم أر أحداً من هؤلاء حتي الآن؟! كل الموجودين للأسف الشديد لا يصلحون بالمرة.. ولكن الله سبحانه وتعالي مثلما خلق أم كلثوم وراء البهيمة من غير كونسرفتوار وانبهر بها أعظم الملحنين في عصره: الشيخ أبو العلا محمد حين سمعها لأول مرة وقال: كيف يخرج هذا الكلام من واحدة لا تعرف الموسيقي؟. لما ربنا يريد فلا مرد لمشيئته. إنما من علي الساحة الآن لا يصلحون؟.
ماذا كانت علاقتك بالرئيس الراحل أنور السادات؟!
- أنا كنت أحب السادات جداً. أتذكر أنه قبل رئاسته للجمهورية اتصل بي تليفونياً ليهنئني عن كتابي «القرآن.. محاولة لفهم عصري» خاصة مقالة «لا إله إلا الله» وقال لي يومها: أريد أن أراك.
وبالفعل زرته في فيلته بالهرم وأحسست يومها بأن السادات ابن بلد وإنسان ظريف للغاية وقال لي: أنا رأيت لك برنامجاً عن سعاد حسني وحين سألتك المذيعة عن صوت سعاد حسني قلت: إن صوتها منعش! وراح السادات يضحك وهو يقول لي: إيه قصدك يا درش من منعش!!
ولقد قابلت السادات بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية بعد أن اتصل بي وقال لي:
أنت إنسان مفكر وخلفيتك الثقافية والعلمية رائعة ولهذا فأنا حريص دائماً علي متابعة مقالاتك ومؤلفاتك.. وأنا محتاج لك في إنشاء مجلس مستشارين مثل مجلس المستشارين الأمريكي، وعرض السادات عليَّ عدة مناصب.
ما هذه المناصب التي عرضها عليك السادات.. هل عرض عليك أن تكون وزير صحة أم وزير ثقافة؟!
- لا.. لم يكن منصب وزير صحة.. ولكن مناصب تتعلق بالثقافة والفن.. وقد عرض عليَّ السادات يومها بالذات أن أكون رئيساً لمجلس إدارة دارة الهلال بالإضافة إلي كوني مستشاراً له.
ولماذا رفضت إذن مجلس إدارة دار الهلال؟!
- قلت له: شوف يا ريس.. أنا عجزت عن إدارة أصغر وحدة وهي زوجتي وأولادي، فإذا كنت قد فشلت في إدارة أصغر وحدة فكيف تتصور أنني يمكن أن أنجح في إدارة مؤسسة كاملة قوامها ألفا شخص وإدارة وحسابات وخلافه.
فيومها انفجر السادات ضاحكاً وقال لي:
«يا مصطفي.. هو فيه واحد بيعرف يدير مراته؟»
لكني مع ذلك أصررت علي الرفض المطلق لأي مناصب.
وقلت له: سوف تخسرني ككاتب وتكسبني كمدير سيئ! وفي نفس الوقت لن أجد وقتاً لأكتب فيه وفي هذه الحالة سوف تخسر فيَّ الكاتب والمدير؟!
ولقد عُرضت عليّ مناصب كثيرة في عهد السادات سواء منه شخصياً أو من محمد عبدالقادر حاتم وزير الإعلام وقتها ولكن كان موقفي واقتناعي ثابتاً في كل الأحوال، وهو أنني لا أصلح إلا كاتباً وقد اقتنع أخيراً بوجهة نظري.
والحقيقة أنني أحببت أنور السادات لأنني وجدت فيه مصرية خالصة.. السادات كان يحب أن يعيش حياته ويحب غيره أيضاً أن يعيش حياته.. كان يحب أن يعيش ويسعد، وغيره أيضاً يعيش ويسعد. لم يكن ناقماً علي الأغنياء أو متشوقاً لهدم الشخصيات الكبيرة.. السادات لم يكن يحمل في قلبه حقداً لأحد مطلقاً.
من قتل أنور السادات من وجهة نظرك؟!
- من الواضح ومن ملفات القضية أن الجماعات الإسلامية المتطرفة هي التي قتلت أنور السادات.. وهذه الجماعات في حقيقة الأمر نتجت عن سلسلة الإخوان المسلمين الذين تعرضوا للقهر والتعذيب في السجون فخرجت عنهم سلسلة همجية تريد أن تحطم وتكسر وتنتقم من ضمنهم: الإسلامبولي الذي اغتال السادات.. وهذا الرأي هو ما أرتاح إليه شخصياً. فقد قيلت أقاويل كثيرة منها: إن المخابرات الأمريكية لها أصابع في عملية اغتيال السادات.
وهل تعتقد أن المخابرات الأمريكية لها دور في عملية اغتيال أنور السادات؟!
- والله لا أستطيع أن أفتي في هذا الموضوع مطلقاً لأنه في النهاية الذي قتل السادات هو الإسلامبولي فأين دور المخابرات الأمريكية هنا مع الإسلامبولي؟.
قد لا يكون دور المخابرات الأمريكية متوقفاً عند الإسلامبولي فقط وإنما يمتد إلي تهيئة المسرح السياسي نفسياً واجتماعياً لحدوث هذا الاغتيال.
الحقيقة أن الخطوة التي أقدم عليها السادات كانت خطوة جريئة ورائعة، فرغم أنه انتصر وعبر وحطم خط بارليف فإنه مد يده لإسرائيل يطلب السلام.. وهذا في رأيي منتهي بعد النظر.. كانت خطوة رائعة وهائلة.. وأنا أعتقد أن عبقرية السادات تكمن في هذا!
لماذا؟! لأن العرب قد وصلوا إلي حالة من التفكك والضعف نتيجة كراهية بعضهم البعض لدرجة أن الاعتماد علي إحدي الدول العربية وقتها كانت مغامرة غير مأمونة العواقب، ولم يكن أمام السادات إلا اختيار السلام وكان لا بد من التقاط الأنفاس اقتصادياً بعد فترة طويلة من تدمير البنية المصرية التي لم يقتصر التدمير فيها علي المرافق والبنية الأساسية (تليفونات وطرق وإسكان ومياه وكهرباء ومواصلات) فقط ولكن للأسف الشديد كان هناك تدمير للنفوس المصرية أيضاً، فقد ترك عبدالناصر تركة مهلهلة ونفوساً مهلهلة تأكل في بعضها.. وخلق الصراع الطبقي وتحولت مصر إلي مسرح للحقد يأكل بعضه بعضاً.. ولم يضع حلاً لما يحدث من أزمات.
هل أخرج السادات الجماعات الإسلامية من السجون ليغتالوه؟!
- من الواضح أن الجماعات الدينية المتطرفة هي التي اغتالت السادات، وهذا أحد أخطاء السادات ومن الغريب أن السادات هو الذي أخرج الإخوان المسلمين من السجون.. أخرجهم بالفعل من السجون وأعادهم لوظائفهم ثانية!
الذي حدث أن السادات في موجة الغضب الأخيرة التي انتابته لم يعد يفرق بين الأبيض والأسود وأصبح معتزًا برأيه ولا يطيق أي رأي يعارضه.. فخرج واحد من الجماعات المتطرفة ليغتاله!.. ولا شك أنه واحد منهم!
د. مصطفي محمود ما تقييمك لحكم السادات؟!
- أنا أعتقد أن السادات بطل حقيقي وزعيم شجاع بمعني الكلمة، وهذا ليس لأنه بطل حرب أكتوبر فحسب، بل لأنه بطل السلام أيضاً وليس هناك من يملك شجاعة الرأي أكثر من السادات.
فالسادات أعاد لنا سيناء وما كانت تعود لولا شجاعته.. منتهي الشجاعة من السادات أن يذهب إلي دار أعدائه ويقابلهم ويدعو إلي السلام.. العرب كانوا معترضين علي تفكير واتجاه السادات ولكن الآن كل الجهود والمساعي تحاول أن تحقق ما كان يصبو إليه السادات وحققه، أصبح أملهم الآن هو الجلوس مع إسرائيل؟! السادات كان مفكراً وشجاعاً وسياسياً خلاقاً.. وقد حاول إصلاح مصر ولكن يصلح إيه ولا إيه؟!
ولكن وجهت انتقادات كثيرة للسادات خاصة فيما يتعلق بعصر الانفتاح ومساوئه؟
- نحن عشنا عصر الانفتاح.. والحل ليس هو الانغلاق، يا عزيزي لا بديل عن الانفتاح.. فإذا كان الانفتاح هو الذي أدي إلي كل هذا الفساد، فإن السبب في ذلك هو الكبت لمدة عشرين عاماً تحت حكم جبار!
ليس الانفتاح هو السبب، ولكن الذي فعله عبدالناصر من خلال الصراع الطبقي وحكم الحزب الواحد والسجون والمعتقلات وفجر الصراع الطبقي وفجر معه الأحقاد بين الناس، وكانت النتيجة أن مصر كانت مثل مرجل يغلي بالأحقاد، لو فتحت أي جزء منه سوف يندفع البخار منه.
وهل تتصور مثلاً أن روسيا يمكنها أن تخرج من الحكم الواحد والاقتصاد الشمولي قبل مائة عام علي الأقل؟! فالمسألة ليست سهلة.. ليست مجرد تغيير نظام فالذي حدث داخل الإنسان نفسه لا يستهان به.. فقد حدثت شروخ كبيرة داخل الإنسان لن تلتئم بسهولة!
فالهزيمة أخلاقية داخل البشر أنفسهم!
أصبح هناك نوع من العدوانية بين الإنسان وأخيه الإنسان، ألا تري المسلم يقتل أخاه في لبنان.. ثم إن جعجع نفسه يقتل «عون».. المسيحي أيضاً يقتل أخاه المسيحي في لبنان.. وشيعة إيران وشيعة أمل نفس الإسلام.. ولكن لماذا يقتلون بعضهم البعض إذن؟!.. السبب في ذلك هو العدوانية.. انحلال النظام.. النظام انحل فتحول الأفراد إلي وحوش يأكلون بعضهم البعض.. وكان هذا يمكن أن يحدث في مصر لولا أن السادات فعل هذه الطفرة الكبيرة.. واستطاع أن يطرد الروس من مصر!
إن في رأيي أن السادات فعل بروسترويكا مصغرة في مصر.. السادات كان جورباتشوف علي واسع!!
هل ما فعله السادات هو بروترويكا مصغرة؟!!! أريد أن أفهم العبارة الغامضة عليَّ!
- لا شك أن جورباتشوف لم يعمل شيئاً غير ما فعله السادات في مصر! والذي عشناه جميعاً وهو الخروج من الشمولية الاقتصادية ومن الحزب الواحد إلي التعددية ومن الانغلاق إلي الانفتاح ودخول الكوكاكولا والديسكو إلي روسيا أحدث نوعاً من التغيير، وأحدث أيضاً فساداً داخل روسيا ذاتها!
فالذي غير الناس يا عزيزي ليس هو الانفتاح، ولكن الكبت والقهر ونظام الحزب الواحد والسجون والمعتقلات والأحقاد والصراع الطبقي.. كل ما في الأمر أن السادات فتح المرجل فخرج الصديد.. لكن هذا الصديد لم يكن نتيجة حكمه ولكن هذا تراكم من عشرين عاماً لحكم عبدالناصر!!
هل كانت أحداث سبتمبر 1981 هي آخر مسمار في نعش السادات.. ما الذي أسقط السادات قبل اغتياله؟!
- أنا أعتقد أن السادات حين فاجأ العالم بلعبة السلام وضع إسرائيل في مخنق ضيق وكشفها أمام العالم وكان نتيجة لهذا أنهم فقدوا سيناء فلم ينس له اليهود ذلك أبداً.. فلقد كانت ضربة معلم وأثبت من خلالها السادات أنه سياسي محنك وكبير فكانت النتيجة أنهم تحالفوا مع بعض الأجهزة الإعلامية لإفساد السادات، وأنا لا أنسي أيام الضجة الإعلامية التي صاحبت اسم السادات في أجهزة الإعلام المختلفة في العالم والصحف العالمية، ومنها: جريدة التايمز والنجومية الهائلة التي كانت تصاحبه حين يسافر إلي أمريكا.. السادات كان مكتسحاً للإعلام العالمي.. رأيت بعيني وسمعت بأذني وأنا أرافق السادات في إحدي رحلاته إلي أمريكا أحد نواب الكونجرس الأمريكي يقول علناً في حفل العشاء: «يوم أن خلق الله أنور السادات تفرغ له لأنه لم يكن من الممكن أن يخلق أحداً بجانبه!!!».
أقول لك رأيت بعيني وسمعته بأذني، وأيامها قيل لنا لا تنشروا هذا الكلام في الصحف لأن الدين في بلدنا لا يسمح بذلك! أرأيت ماذا كانوا يفعلون في السادات.. الكرسي قد يغيرك.. ولكن ما بال أن يقال لك ربنا لما خلقك لم يستطع أن يخلق بجانبك أحدًا..؟!
ماذا يجري لك.. ماذا يجري بداخلك؟!
- لقد ملأوا السادات بالغرور والتعالي.. ليس في أمريكا فقط بل في صحف أوروبا كلها.. الرجل السياسي الأول.. وأشيك رجل في العالم وغيرها من الألقاب العديدة التي لقب بها السادات.. طبعاً هذا غير مواكب المنافقين في مصر وشلة «الهتيفة» التي لم تمل من التصفيق أبداً سواء أكان علي صواب أو علي خطأ. ولهذا لم يكن غريباً علي السادات في أيامه الأخيرة أنه كان لا يطيق الرأي الآخر مطلقاً مع إيمانه المطلق بأنه زعيم لا مثيل له في العالم وأنه لا يحق لأحد أن يعارضه في رأي مهماً كان.. وأصبحت اللحظة مناسبة لاغتياله وهو ما حدث بالفعل!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.