يعتبر الشيخ الرئيس ابن سينا من كبار العباقرة والفلاسفة الحكماء الذين قدموا للبشرية خدمات كبري في مجال الفلسفة والطب والحكمة والموسيقي. خاض غمار الفلسفة والطب والشعر والموسيقي، فكسب قصب السبق، وجلس بأمان واطمئنان علي القمة ينشر درره وعلومه، والشيخ الرئيس ابن سينا شغل الأوساط العلمية، والفلسفية، والطبية، والأدبية، علي مر العصور بانتاجه الضخم الذي شمل جميع الموضوعات العلمية. ومما يثير الاعجاب بعبقريته الفذة شروحاته المفصلة الدقيقة، لما أتي به حكماء اليونان، والعرب، والفرس، والهنود، ولم يقف نشاطه العلمي عند حد الشروحات، والتدقيق، والتمحيص، والتفصيل، بل نراه يضيف إلي هذه العلوم اكتشافاته الخاصة، وأفكاره الخلاقة المبدعة، التي أحاطت بعناية ودقة جميع المعارف الإنسانية، أما في صناعة الطب، أو في معارف الفلسفة العقلانية. يعتبر الشيخ الرئيس ابن سينا الطبيب العالم الفيلسوف الموسيقي عبقرية فذة جديرة بالدهشة والاعجاب، له مكانة رفيعة رائعة في سجل الحكماء العباقرة الذين تدين لهم الإنسانية بالشيء الكثير في تطورها الفكري، وتقدمها الطبي والعقلاني، ولن يجود بمثلها الدهر خلال القرون والأحقاب، وتتميز أبحاثه وكتاباته بأمانة العالم البارع المبدع الخلاق، كسب قصب السبق في كثير من الآراء التي نسبها الغرب إلي نفسه ظلما بعد ابن سينا بعدة قرون. إن المتتبع لكلام ابن سينا يجد أن التمتع بالصحة النفسية مرتبط بالعلاقة القوية المتبادلة دون انقطاع بين النفس والبدن فلولا النفس ما كان الجسم لأنها منبع حياته والموجهة لأوامره والمنظمة لقواه ولولا الجسم ما كانت النفس لأن استعداده لقبولها شرطًَا لوجودها، والعناية بها مبدأ لوحدتها واستقلالها. بمعني آخر أن النفس التي تسكن بدننا غير مهيأة للعناية تكون أقرب إلي التقلبات النفسانية والاضطرابات العقلية بالقياس إلي القوانين. النزوعية التي تحدث الانفعال والخجل والضحك والبكاء والمتخيلة أو المستوهمة التي تحدث استنباط التدابير علي الأمور الكائنة الفاسدة واستنباط الصناعات وإن النفس التي تسكن بدننا مهيأة لقبولها شرطًا لوجود العناية بها للحفاظ علي وحدتها وقوتها تكون أقرب إلي الصحة النفسية بالقياس إلي القوة الذاتية كالتمييز بين ما هو قبيح وما هو جميل فيقول.. إن لكل قو نفسانية لذة أو خبرا تخصها كما أن لها ألما «أو شرا» يخصها فلذة القوة الشهوانية مثلاً: أن تتأدي إليها كيفية محسوسة ملائمة من الحواس الخمسة الخارجية ولذة القوة الغضبية الظفر ولذة القوة الوهمية الرجاء ولذة القوة الحافظة تذكر الموافقة الماضية وأذي كل واحدة منها ما يضادها وتشترك القوي النفسانية في أن الشعور بما يوافقها ويلائمها هو اللذة والخير الخاص بها وإدراك كل قوة منها لما يوافقها هو حصول كمالها وكمال هذه القوي النفسانية مراتب مختلفة فما كان منها كماله أتم وأفضل وأدوم فتكون لذاته أبلغ وأوفي. العلاج النفسي عند ابن سينا: الطب النفسي «النفس جسد» يعتبر الشيخ الرئيس ابن سينا مؤسس الطب النفسي في العالم العربي والغربي لأنه أول من نقل وحدة النفس والجسد إلي الميدان التجريبي ومن أهم تجاربه في هذا الميدان حسبما ذكره ابن سينا في كتابه «القانون في الطب» هو قيامه بربط ذئب وحمل في غرفة واحدة علي ألا يتمكن أحدهما من مطاولة الآخر. ثم اتخذ شاهدا علي تجربته حملاً آخر يعيش في ظروف طبيعية «عينة ضابطة» وكان يقدم لكليهما نفس كمية الطعام ومع ذلك بدأ الحمل المتعرض للخوف من الذئب بالهزال تدريجيا ثم مات بعد بضعة أيام في حين حافظ الحمل الآخر علي وزنه وعلي صحته وتتأكد أهمية هذه التجربة عندما نري أن علماءنا المعاصرين ينهجون نهجا ويكررونها بأساليب مختلفة.