سبت النور 2024، سبب تسميته وأهم طقوس احتفالاته    المستندات المطلوبة للتصالح على مخالفات البناء.. تبدأ يوم الثلاثاء    نانسي عجرم ناعية الأمير بدر بن عبد المحسن: خسرنا إنسان وشاعر استثنائي    الدوري الإنجليزي، نيوكاسل يكتفي بثلاثية نظيفة في شباك بيرنلي بالشوط الأول    التشكيل الرسمي للخليخ أمام الطائي بالدوري.. موقف محمد شريف    وزير الرياضة يتفقد ورشة عمل حول الأمن المعلوماتي بشرم الشيخ    مدرب ريال مدريد السابق مرشح لخلافة توخيل    إعادة الحركة المرورية لطبيعتها على الطريق الحر بعد حادث تصادم    "الجثمان مفقود".. غرق شاب في قرية سياحية بالساحل الشمالي    بعد القاهرة مكة، أفلام مصرية جديدة "للكبار فقط" في موسم صيف 2024    دعاء تعطيل العنوسة للعزباء.. كلمات للخروج من المحن    أحدث 30 صورة جوية من مشروع القطار السريع - محطات ومسار    طلب برلماني بتشكيل لجنة وزارية لحل مشكلات العاملين بالدولة والقطاع الخاص -تفاصيل    إصابة 8 في انقلاب ميكروباص على صحراوي البحيرة    "الزراعة" تنظم سلسلة أنشطة توعوية للمزارعين في 23 محافظة -تفاصيل    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    أخبار التوك شو| الأرصاد تعلن تفاصيل طقس اليوم.. أسعار الذهب الآن في مصر    "علشان تأكل بأمان".. 7 نصائح لتناول الفسيخ في شم النسيم 2024    بطلها صلاح و«العميد».. مفاجأة بشأن معسكر منتخب مصر المقبل    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    كشف ملابسات فيديو التعدى بالضرب على "قطة".. وضبط مرتكب الواقعة    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 والثانوي الأزهري    تشييع جنازة الإذاعي أحمد أبو السعود من مسجد السيدة نفيسة| صور    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    ما حكم أكل الفسيخ وتلوين البيض في يوم شم النسيم؟.. تعرف على رد الإفتاء    بعد رحيله عن دورتموند، الوجهة المقبلة ل ماركو رويس    استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل وحل 154 منها بنسبة 99.76% بالقليوبية    رئيس الأعلى للإعلام يهنئ البابا تواضروس الثاني بمناسبة عيد القيامة المجيد    «الإسكان»: دفع العمل بالطرق والمرافق بالأراضي المضافة لمدينتي سفنكس والشروق لسرعة توفيق أوضاعها    خريطة القوافل العلاجية التابعة لحياة كريمة خلال مايو الجارى بالبحر الأحمر    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    محافظ المنوفية يحيل 37 من المتغيبين بمستشفيات الرمد والحميات للتحقيق    إيقاف حركة القطارات بين محطتى الحمام والعُميد بخط القباري مرسى مطروح مؤقتا    انطلاق ماراثون المراجعات النهائية لطلاب الشهادة الإعدادية والثانوية بكفر الشيخ    حسين هريدي: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    السيسي يعزي في وفاة نجل البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني    أبرزها متابعة استعدادات موسم الحج، حصاد وزارة السياحة والآثار خلال أسبوع    التموين: توريد 1.5 مليون طن قمح محلي حتى الآن بنسبة 40% من المستهدف    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    توفيق عكاشة: شهادة الدكتوراه الخاصة بي ليست مزورة وهذه أسباب فصلي من مجلس النواب    المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة "ابدأ" .. الليلة مع أسامة كمال في مساء dmc    روسيا تسقط مسيرتين أوكرانيتين في بيلجورود    دفاع طفل شبرا الخيمة يتوقع أقصى عقوبة لطفل الكويت معطي التعليمات    مستشار الرئيس للصحة: مصر في الطريق للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    ما حكم تهنئة المسيحيين في عيدهم؟ «الإفتاء» تُجيب    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    إيرادات فيلم السرب على مدار 3 أيام عرض بالسينما 6 ملايين جنيه ( صور)    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    مصرع 14 شخصا إثر وقوع فيضان وانهيار أرضي بجزيرة سولاويسي الإندونيسية    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دروس مستفادة من التسريبات.. "موجز حال الدولة المصرية"

حسنًا .. الآن قد سمع الجميع التسريبات الأخيرة من مكتب رئيس الجمهورية وعرف محتواها، فلا نريد هنا تحليل المحتوى بقدر ما نريد أن نفكر بصوت عالٍ في الرسائل التي تبعثها التسريبات حول وضع النظام الحاكم لبر مصر الحالي:
أولاً: علينا بداية تذكر أن نظام أرشيف رئاسة الجمهورية منذ الرئيس عبد الناصر قائم على التسجيل الصوتي والمرئي لكل ما يتم التحدث به بداخل أروقة الرئاسة أو من وإلى رئاسة الجمهورية، وهذا لحفظ جميع الاتفاقات الشفهية التي تعقدها الرئاسة، وقد تحدث الأستاذ هيكل عن هذا النظام برباعياته ملفات السويس، خاصة الكتاب الثاني "سنوات الغليان" ، وتحدث أيضًا أن تسجيلات الرئاسة موزعة بين رئاسة الجمهورية والخارجية والدفاع والمخابرات العامة، وتحدث به أيضًا من عملوا بالرئاسة بمذكراتهم مثل "سامي شرف" و"محمود الجيار" سكرتارية الرئيس عبد الناصر للمعلومات.
وببعض ما روي قصص لا تخلو من الطرافة مثل حديث محمود الجيار عن أنه عندما صحب الرئيس عبد الناصر سنة 68 لرحلة علاج بالاتحاد السوفيتي تكلم من المنتجع العلاجي للسيد عبد اللطيف البغدادي يطلب منه أن يتصل بالرئيس ليطمئن على صحته، فالوشاية للرئيس عبد الناصر فسرت هذا الأمر بالخطأ؛ فأصدر أمر باقالته ولم يشفع له ليعود لموقعه إلا وساطة الرئيس السادات ليطلب من الرئيس سماع تسجيل المكالمة حتى يعلم أن محمود الجيار كان يتحدث بصفة شخصية وليس باسم الرئاسة!
وأيضًا ما قد ذكره أحد ضباط المخابرات السابقين أن المخابرات العامة كانت تسجل مكالمات الرئيس عبد الناصر، وفي إحدى المكالمات قال الرئيس عبد الناصر للأستاذ هيكل إنه لا يصوم رمضان!
فما يجب الانتباه والتنويه إليه هنا هو أنه مع تعدد الأجهزة والأذرع الأمنية التي أنشأها الرئيس عبد الناصر، فإن جميع ما يصطلح على تسميته بالدولة العميقة أو الأجهزة السيادية كانت تسجل كل همسة وشاردة للأجهزة السيادية نفسها! وهو ما قد استفاض بشرحه الدكتور شريف يونس في كتابه "الزحف المقدس" وعبّر عنه ب "دولة التليفون".
فيجب استيعاب أن لدينا أرشيف كامل مسجل بل ومرئي لما جرى داخل أروقة الحكم طوال ما يزيد عن 60 عامًا بكل طلامسها وألغازها المستعصية على الحل من هزيمة 67، لحرب 73، للتحول الذي اتخذه السادات ناحية أمريكا، لكامب ديفيد، للصراع البيني بين مبارك والمشير أبو غزالة، لحروب الخليج الثلاثة، للعلاقة مع كيان العدو الصهيوني، لطلسم ملف الغاز والطاقة المصري وتكوين شركة الشرق للتوريث، لما جرى خلال ال 18 يومًا من الثورة المصرية، للأحداث الدراماتيكية التي تطورت لأحداث الاتحادية، إلى زلزال 30 يونيو، كل هذا الكم من المعلومات محفوظ بعقلية تمثال الكاتب المصري الفرعوني الشهير التي توارثتها البيرورقراطية المصرية العتيدة حتى من قبل أن يكون المحتل الإنجليزي تلك البيروقراطية من الأصل! وأن جميع ما سمعنا ما هو إلا قطرات هينة من فيض!
وحديثًا نود الإشارة لموضوعين بهم قدر كبير من الطرافة بل والتسلية وهما:
مع قدوم زمرة رجال أعمال مبارك لسدة الحكم في حكومة نظيف وتزامن هذا مع ثورة الاتصالات وتقدمها عن التسجيلات البسيطة لدولة الستينات، تقدم هؤلاء الوزراء خطوة أخرى بدولة التسجيلات وهو مراقبة الإيميلات؛ فجميع الوزارات الاقتصادية التي تولاها رجال الأعمال استقدموا نظام لمراقبة إيميلات العاملين بدواوين الوزارات وخاصة وزارة المالية، وهؤلاء الوزراء بالمناسبة كانوا مصدر القلق الرئيسي لجنرالات الجيش، حيث كانت تعتبرهم المؤسسة العسكرية المهدد الرئيسي لها، وهذا القلق والتهديد هو ما أفضى لاحقًا لنزول الجيش الشارع يوم 28 يناير والبيان رقم 1 للقيادة العامة للقوات المسلحة، فكانت القوات المسلحة بدورها تسجل لهؤلاء الوزراء.
مع التوسع والتضخم بدور جهاز أمن الدولة منذ أن كان يرأسه "حبيب العادلي" قبل أن يصبح وزير الداخلية، وتحول جهاز أمن الدولة للتبعية المباشرة لرئيس الجمهورية وتضخمه، حيث كان من أسباب تضخمه أنه كان يسجل أيضًا لقيادات الجيش، والطريف هنا أن قيادات الجيش كانت تعلم بشأن تلك التسجيلات وأصبح معروفًا على نطاق واسع الآن أن اقتحام مقرات أمن الدولة عقب ثورة يناير مباشرة كان بالأساس للحصول على تلك التسجيلات لقيادات الجيش وهو ما تم لهم (تقريبًا)! فلعل تلك النقطة تحديدًا يمكن أن تمثل أحد المداخل التفسيرية لكيفية وصول تلك التسريبات إلينا.
ثانيًا: ما تبعث به تلك التسريبات من رسائل إلينا جميعًا:
علينا بداية فهم كيف تدار الدولة المصرية الحديثة منذ أن أسسها الرئيس عبد الناصر، فالدولة المصرية ما هي إلا عبارة عن أجهزة أمنية متعددة متناقضة ومتضاربة المصالح، والرئيس هو الوسيط بين كل تلك الأجهزة يحكم تناقضاتها ويوازن بينها، فمهمة الرئيس الأولى قبل أي شيء آخر هو إقامة توازن قوى بين الأجهزة السيادية يمنع تغول أحدها على الآخر، وأيضًا بالرجوع لمذكرات "محمود الجيار" سكرتير الرئيس عبد الناصر يعطينا فكرة معقولة عن ديناميات التفاعل بين تلك الأجهزة، ولعل من الطريف أيضا هنا ما ذكره الجيار عن قضية تنظيم 65 أو قضية "سيد قطب"، فهي قضية مازالت حاضرة إلى الآن في صراع الدولة ضد الإسلاميين.
وخلاصة ما ذكره الجيار أن كلاً من سكرتارية الرئاسة للمعلومات تحت رئاسة "سامي شرف" التي تحولت لمخابرات رئاسية والجيش والمخابرات العامة كان يقلقهم تنامي جهاز المباحث العامة (مسمى أمن الدولة بالستينات) تحت رئاسة "عبد العظيم فهمي" طوال فترة الخمسينات والذي أصبح من سنة 60 إلى سنة 65 وزيرًا للداخلية، وكان هدفها هو إقصاء فهمي من لعبة الحكم ووضع الداخلية والمباحث العامة تحت قيادة شخص من الجيش والمخابرات؛ فتم اختلاق قضية تنظيم 65، حيث تقوم المخابرات العامة تحت قيادة "صلاح نصر"، والحربية تحت قيادة "شمس بدران"، بإيجاد تلك القضية والمؤامرة الكبرى لإعادة إحياء تنظيم الإخوان والسعي لإشاعة الفوضى وقلب نظام الحكم في حين أن المباحث العامة كانت غافلة عن واجبها في الكشف عن تلك المؤامرة الكونية؛ ومن ثم تحقق لهم الهدف بإقصاء عبد العظيم فهمي من وزارة الداخلية ونفيه خارج البلاد كسفير لمصر بالمجر وتولية الداخلية ل "شعراوي جمعة" ضابط الجيش القادم من صفوف المخابرات العامة، وهذا قبل أن ينقلب سامي شرف وشعراوي جمعة وأمين هويدي بدورهم لإزاحة عبد الحكيم عامر وشمس بدران وصلاح نصر في الدراما التي لحقت الأسابيع التالية لهزيمة 67!
إذن لم يكن الأمر حرب على الإسلام أو حرب الجاهلية ضد الإسلام وأهله، وإنما حرب الجيش ضد الداخلية، ويمكن أيضًا الرجوع لكتاب المستشار طارق البشري "الديموقراطة ونظام 23 يوليو"، حيث أورد الكثير من الأمثلة عن تلك الحرب بين المباحث والمخابرات العامة والحربية والرئاسة.
ولكن تلك ليست الصورة كاملة فبداخل كل جهاز تناقضات وتوازنات يقوم عليها رئيس هذا الجهاز، فبداخل الداخلية تناقض آخر بالمصالح والنفوذ بين قطاع الأمن العام وأمن الدولة، وبداخل الجيش تناقض بالمصالح والنفوذ بين القائد العام ورئيس الأركان بعد تعديل قانون تنظيم القوات المسلحة سنة 68 وإنشاء جهاز الدفاع الوطني بهدف جعل رئيسين للمؤسسة العسكرية حتى يضمن الرئيس عبد الناصر عدم تكون مركز قوة داخل الجيش يزاحمه كما حدث مع عبد الحكيم عامر؛ الأمر الذي كان من العوامل الرئيسية لهزيمة 67 وكان يمكن التنبؤ به في الأزمة التي سبقت الهزيمة سنة 62 حين أمر المشير عامر بتوجيه قطع المدفعية ناحية بيت الرئيس بمنشية البكري والذي اُعتبر انقلابًا أبيضًا كما تبين لاحقًا من نص تحقيقات محكمة الثورة بهزيمة 67.
ويمكن لمس هذا التناقض بالمصالح بما رواه الفريق "سعد الشاذلي" بالتناقض بينه كرئيس أركان وبين المشير "أحمد إسماعيل" القائد العام للقوات المسلحة، مع ملاحظة أن هذا التناقض وتشعب المصالح مر بتطورات أخرى أكثر تعقيدًا مع حوادث مثل مقتل الفريق "أحمد بدوي" قبيل اغتيال السادات بشهور معدودة، ثم مع تنيحة المشير أبو غزالة مع فضيحة تمت أيضًا – للصدفة - بتسجيلات نشرها حينها الصحفي الشاب وائل الإبراشي وهي فضيحة لوسي ارتين.
ولكن يجب الانتباه أن هذا التناقض ليس هو التناقض الوحيد داخل القوات المسلحة، فالقوات المسلحة كأي مؤسسة يوجد بها الانقسام بين محافظين وإصلاحيين، وهذا الانقسام منبته الاختلاف حول موقع القوات المسلحة بتركيبة نظام الحكم، وهل هي تحكم من الخلف على النمط الباكستاني أو التركي ما قبل أردوغان وما بعد انقلاب سنة 60 على عدنان مندريس أو تتصدر للحكم مباشرة وما يتبعه هذا من نفوذ القوات المسلحة بتوزيع ثروات الدولة وتغير بالعقيدة القتالية للقوات المسلحة وتعاملها مع البنتاجون وهنا نشير اختصارًا إلى ثلاث حوادث وهي على التوالي:
دور القوات المسلحة في تنحية "كمال الشاذلي" من دوائر الحكم وهذا كان عقب تقديمه مقترح أو مشروع قرار بإيجاد اكتفاء ذاتي للقوات المسلحة من المشاريع الاقتصادية يجعلها منفصلة عن التدخل بالاقتصاد المدني، وهو ما رفضته القوات المسلحة رفضًا باتًا أدى لتنحية كمال الشاذلي نفسه عكس ما هو شائع أن تلك التنحية كانت عن طريق الحرس الجديد من رجال أعمال جمال مبارك.
ما اقترحته الإدارة الأمريكية على القوات المسلحة من أن يتم ضم أهداف مكافحة الإرهاب للعقيدة القتالية للقوات المسلحة، وهو ما اقترحه الدكتور "محمد البرادعي" صراحة ورفضه بحينه المشير "طنطاوي"، وهو ما يطبق الآن سواء بالحملة على سيناء أو إنشاء قوات التدخل السريع بالجيش التي تكون مخصصة لهذا الغرض تحديدًا.
سأل سامي عنان، أحد المرشحين السابقين لرئاسة الجمهورية والذي كان يمتلك حظوظ ليكون المرشح التوافقي بين الإخوان والجيش قبل أن يأخذ الإخوان قرار الترشح للرئاسة، عن رأيه في النموذج التركي لوضع القوات المسلحة وهو ما رفضه هذا المرشح؛ وأخذ هذا من حظوظه في أن يكون الرئيس بالرغم من العلاقات الشخصية والأسرية التي تربطه بأعضاء المجلس العسكري حينها ... وللمزيد حول تلك الإشكالية من الممكن الرجوع لكتاب "ستيفن كوك" الباحث الأمريكي بالكونجرس لشؤون الشرق الأوسط المعنون ب "القيادة من الخلف".
ثم نجد التناقض الأخر بداخل جهاز المخابرات العامة وهو أن جهاز المخابرات العامة مكون من ثلاثة أجهزة وهي: جهاز الاتصال الذي كان يرأسة "رأفت شحاتة" مدير المخابرات العامة وقت رئاسة الدكتور "مرسي"، وجهاز التقديرات والمعلومات الذي كان يرأسه الفريق "حسام خير الله" المرشح السابق للرئاسة، وجهاز الأمن القومي الذي تعاقب على رئاسته "فريد التهامي" المدير الحالي للمخابرات العامة، ثم "محمد شفيق" - شقيق الفريق أحمد شفيق - وقت رئاسة الدكتور مرسي، وينقل عن الدكتور "سيف عبد الفتاح" وقت أن كان مستشارًا للرئيس مرسي تعجبه الدائم من عدم إقالة الدكتور مرسي لمحمد شفيق بالرغم من علمه أن الرجل يعمل ضده بشكل مباشر!!
التناقض داخل المخابرات يكون دومًا في تولي مسؤولية جهاز الأمن القومي شخصية من داخل الجيش، ثم لاحقًا يتولى مدير جهاز الأمن القومي إدارة المخابرات العامة ككل، وهنا كان أول تغيير أجراه الدكتور مرسي وهو تولية شحاتة مسؤولية إدارة المخابرات، عكس التقليد الشائع الذي يجعل للجيش درجة من الحوكمة على المخابرات، وهو ما عبر عنه مرسي في أحد لقاءاته مع الإعلامي "عمرو الليثي" وقت أزمة فرض حظر التجوال على بورسعيد حين قال إنه "أول رئيس يعهد بتولي المخابرات لواحد من أبناء الجهاز".
وأيضًا للتذكرة فإن الرئيس الأسبق مبارك قد أخذ قرارًا هامًا يوم 24 يناير 2011 أي قبل يوم واحد من ثورة يناير بفصل جهاز الأمن القومي عن المخابرات العامة وجعله تابع مباشرة لرئاسة الجمهورية، وهو ما أعقبه بالتوازي جعل أحمد شفيق (شقيق رئيس الجهاز) رئيسًا للحكومة؛ وهو ما عمق الأزمة والتناقضات داخل الأجهزة السيادية.
ما سبق هو شرح موجز لدولة ملوك الطوائف حسب المصطلح الشهير الذي صكه الدكتور أشرف الشريف، والذي اقتصرنا فيه على الأجهزة الأمنية ولم نتطرق لبقية ملوك الطوائف كالقضاء ورجال الأعمال والأزهر والكنيسة والبيروقراطية، والذي جعل تلك الدولة الحديدية شديدة المركزية هشة وبالون منفوخ يوشك أن ينفجر، وما كان ينقصه إلا غياب موقع رئيس الجمهورية عقب ثورة يناير لاشتعال الصراع بينها على الموارد والنفوذ والذي لم يعالجه وجود رئيس منتخب هو الدكتور "مرسي"، حيث لم يتم التعامل معه كرئيس على محمل الجد كما كان الحال مع خلفه المستشار "عدلي منصور"، بل بعهده تزايد الصراع بين تلك الأجهزة بسبب وجود وافد أو لاعب جديد من خارج سياق الدولة متمثل في الإخوان.
وقد أخذ هذا الصراع بُعدًا ومراحل جديدة مع إقرار دستور 2013 وصعود المشير السيسي إلى سدة الرئاسة، حيث إن هذا الدستور نسف تركيبة الحكم المتوارثة منذ 23 يوليو إلى صالح تركيبة جديدة أكثر هيراركية تجعل الجيش على قمة هرم السلطة يليه المخابرات العامة تحت سيطرة كاملة للجيش وهذا من خلال مادة المحاكمات العسكرية التي تجعل أعضاء المخابرات العامة عسكريين؛ وهو ما يعني عمليًا تحول المخابرات العامة من هيئة مدنية كما كان وضعها قبل 30 يونيو إلى جهاز عسكري تابع للقيادة العامة للقوات المسلحة يليه الداخلية مع وجود نفوذ مستقل لكهنة السلطة متمثلين بالقضاء وهو ما يبدو أنه لم يعجب بقية أركان السلطة، ومن الممكن استشفاف هذا السخط خلال السنة الانتقالية تحت الرئاسة الافتراضية لعدلي منصور حيث شهدت إقالة ما يقارب من 40 ضابطًا من قيادة المخابرات العامة، ثم جاءت التطورات الأخيرة بقانون جعل المنشآت العامة مؤسسات عسكرية، ثم نزول الجيش للشارع وهو ما يعني عمليًا سحب كافة صلاحيات وأدوار الداخلية خاصة مع تصريح قائد قوات الصاعقة أن نزول الجيش للشوارع هو مهمة غير محددة بأجل، وهذا أيضًا تم بالتوازي مع قانون تنظيم المناطق الحدودية الذي يسحب أي دور للداخلية في تأمين المناطق الحدودية ويعهد به كاملاً للقوات المسلحة.
مع كل هذا هناك قصة صراع نفوذ طويلة بداخل الدولة بأمثلة وحوادث عديدة لا يتسع إليها هذا المقال الموجز، فضلاً عن أن هناك ما لا ينفع قوله، ولكن تلك الخلاصة يمكن أن تكون إطار تفسيري معقول لكيف خرجت إلينا التسريبات وما سيأتي لاحقًا من فصول الصراع داخل الدولة بين ملوك الطوائف؛ يجعل المستقبل القادم مخيفًا بالفعل، ويجعل النموذج السوري بالخمسينات والستينات من الانقلابات المتوالية يبدو ترف مما يحمله لنا المستقبل!
المصدر: نون بوست


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.