تقرير : نانيس البيلي لعبت الحركة الطلابية المصرية دورًا كبيرًا في الحركة الوطنية على مدارعقود طويلة، كما كانت أروقة الجامعات المصرية ميداناً سياسياً ترفع فيه أصوات الطلاب و مثلت جرس إنذار للسلطة الحاكمة ولذلك كان المؤرخ الفرنسي"والتر لاكير" صادقاً حينما قال " لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر" شهدت الفترة الآخيرة اقتحام الأمن لعدد من الجامعات مثل جامعات "القاهرة وعين شمس والأزهر" وأدانت الحركات الطلابية والنشطاء السياسين ذلك لأنه بمثابة انتهاك للحرم الجامعى، وقد أسفر عن ذلك مقتل طالب بكلية الهندسة. عقب ذلك أصدر إتحاد طلاب جامعة القاهرة بيانا, أكدوا فيه رفضهم التام لعودة الحرس الجامعي وقانون التظاهر وحرصه الدائم على ألا تسيل قطرة دم واحدة داخل الجامعة، مؤيدا بذلك حق جميع الطلاب في التظاهر، والتعبير عن آرائهم بحرية تامة طالما أن ذلك لا يخل بالسلمية، ولا يتعارض مع أخلاقيات الحياة الجامعية كما أعلن اتحاد الجامعة تضامنه الكامل مع الطلاب المعتقلين. وفى أعقاب ذلك أعلن الاتحاد انسحاب ممثل "طلاب مصر" من "الخمسين" بعد مقتل طالب الهندسة،حيث قرر "مجلس اتحاد طلاب جامعة القاهرة" مجتمعاً ، انسحاب ممثل اتحاد طلاب مصر"هشام أشرف" من لجنة الخمسين ، احتجاجاً على ما شهدته الجامعة يوم الأربعاء من أعمال عنف بين طلاب الإخوان وقوات الأمن. كما قرر انسحاب "اتحاد جامعة القاهرة" من ميثاق الشرف الأكاديمي الذى تعده الآن جامعة القاهرة تحت رعاية د. جابر نصار، وتجميد عضوية اتحادات جامعة القاهرة, ووقف جميع الأنشطة إلى أجلٍ غير مسمى، وذلك على مستوى الجامعة. وقال الاتحاد، فى بيان له أمس الأول، "إن ما حدث أمس من تعدٍّ على الحرم الجامعى وإصابة عدد من الطلاب واثنين من أفراد الأمن، نتيجة استخدام قوات «الأمن» العنف المفرط، ومقتل الطالب محمد رضا بثلاث طلقات خرطوش، أمر مرفوض بكل الطرق". وتابع الاتحاد "أن انسحاب ممثل اتحاد طلاب مصر من لجنة الخمسين جاء تعبيراً عن رفضه للنظام وانتهاكاته، إضافة إلى تجميد عضوية اتحادات جامعة القاهرة، ووقف جميع الأنشطة إلى أجلٍ غير مسمى على مستوى الجامعة". مصطفى كامل رائد الحركة الطلابية ويرجع فضل تنظيم الطلبة كقوة فعالة في مجال العمل الوطني إلى الزعيم مصطفى كامل الذي اهتم بتنظيم صفوف طلبة المدارس العليا لدعم الحركة الوطنية بتأسيس "نادى المدارس العليا" عام 1905 بهدف تنمية الوعي السياسي للطلبة وتعبئتهم ضد الاحتلال البريطاني. محمد فريد يكمل المشوار وبعد وفاة مصطفى كامل جاء الزعيم محمد فريد ليرعى هذه النواة للحركة الطلابية ويطور دور الطلاب في الحركة الوطنية من خلال تنظيم الإضرابات وحركات الاحتجاج وتنظيم المظاهرات ضد الإنجليز والمتعاونين معهم مما أدى إلى نفيه، فانطلقت أصوات الطلاب تطالب ب " الاستقلال التام أو الموت الزؤام" وهى "المحطة الثانية" في تطور هذه الحركات وانتقالها من مرحلة الوعى بالتنمية السياسية إلى تنظيم المظاهرات والاحتجاجات. تفويض سعد زغلول بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، واقتراب موعد مؤتمر الصلح في باريس الذي سيتقرر فيه مصير الدول والشعوب قرر سعد زغلول، وكيل الجمعية التشريعية المنتخب حضور المؤتمر للمطالبة بحق مصر في الاستقلال، ورفض المندوب السامي البريطاني السماح ل"سعد" بالسفر بدعوى أنه لا يعبر عن الشعب وإنما يعبر عن الباشوات، فقرر سعد زغلول جمع توقيعات من أعضاء الهيئات النيابية والعمد والأعيان وأعضاء المجالس المحلية بدعوى أنهم يمثلون الأمة ولكن الطلاب كان لهم رأي آخر حيث قرروا توزيع أنفسهم إلى لجان عمل تجوب المحافظات لتجمع توقيعات من كافة أبناء الشعب المصري عمال فلاحين وموظفين. دستور1923 وتشكيل سعد زغلول الحكومة بادر الطلاب بالتحرك علي نطاق واسع فى القاهرة وقامت القوات البريطانية بمحاصرة الطلبة في ميدان السيدة زينب وقابلوهم بعنف شديد لدرجة جعلت الأهالي يتضامنون مع الطلاب وألحقوا خسائر بالقوة البريطانية التي طلبت تعزيزات أخرى من الجيش فأمكن تشتيت المتظاهرين ونقل الجرحى إلى المستشفيات واعتقل 300 طالب. بعدها صدر دستور 1923 الذي يحد بشكل كبير من اختصاصات الملك، وجرت الانتخابات التي لعب فيها الطلبة دورا كبيرا في فوز "سعد"، ومن رشحهم ب 200 مقعد من أصل 240 وتولى سعد رئاسة الحكومة. قانون للحد من الحركة الطلابية ازدادت شراسة السلطة في التعامل مع " الحركات الطلابية " فحاولت حكومات الأقلية الموالية للقصر أن تحد من حركة طلاب الجامعة وتقيم الحواجز في وجه النشاط السياسي للطلبة، من ذلك القانون رقم 22 لسنة 1929، الذي أصدرته وزارة محمد محمود باشا بضغط من الإنجليز وهو القانون الخاص بحفظ النظام في معاهد التعليم ونصت مادته الأولى على "أن يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 6 أشهر أو بغرامة من 20 إلى 50 جنيهاً". ورغم ذلك ظل طلبة الجامعة يمارسون دورهم في العمل السياسي الوطني بصورة أو بأخرى طوال تلك الحقبة غير أنهم كانوا أصحاب مبادرات سياسية مهمة شكلت نقطة تحول في العمل الوطني في مراحل حاسمة من تطوره. حادثة كوبري عباس حادثة كوبري عباس هي حادثة شهيرة في تاريخ مصر الحديث، حدثت في عهد وزارة محمود فهمي النقراشي عام 1946 م في عهد الملك فاروق، و بالتحديد في يوم 6 فبراير 1946م. فبعد اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر في فبراير 1945م كلف الملك فاروق محمود فهمي النقراشي بتشكيل الوزارة من أحزاب الأقلية و هي الحزب السعدي الذي ينتمي له النقراشي وحزب الأحرار الدستوريين وحزب الكتلة بزعامة مكرم عبيد. و بعد تولي النقراشي الوزارة أعاد فتح باب المفاوضات مرة أخري مع بريطانيا حول الجلاء و حاول إحياء اتفاق "صدقي- بيفن" الذي أفشلته المظاهرات الشعبية و استقالة صدقي، فتقدمت حكومته في 20 ديسمبر 1945 م بمذكرة للسفير البريطاني بطلب بدء المفاوضات حول الجلاء ، وكان الشعب المصري تحدوه آمال عريضة في قرب الاستقلال بعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية و تأسست الأممالمتحدة التي أخذت تلعب دوراً مناصراً للشعوب في تقرير مصيرها. و لكن الرد البريطاني في 26 يناير 1946 عاد وأكد علي الثوابت الرئيسية التي قامت عليها معاهدة 1936م و التي أعطت مصر استقلالاُ منقوصاً يتمثل في بقاء قوات بريطانية في مصر لتأمين قناة السويس، فكان الرد البريطاني بمثابة صفعة لكل آمال الشعب المصري، فاندلعت المظاهرات العارمة للطلبة في كل أنحاء مصر تطالب بالجلاء و قطع المفاوضات.. وفي يوم 9 فبراير 1946م خرج الطلبة في مظاهرة من جامعة فؤاد الأول (القاهرة) إلي قصر عابدين و سلكوا طريق كوبري عباس، و تصدي لهم البوليس وحاصرهم فوق الكوبري و تم فتح الكوبري أثناء محاصرة الطلبة، فسقط العديد من الطلبة من فوق الكوبري في النيل. الحركة الطلابية وثورة 23 يوليو 1952 ولعل هذه الواقعة " حادثة كوبري عباس" كانت أحد محركات الثورة الطلابية ضد القصر والتي رحبت بحركة الضباط الأحرار والتي سميت فيما بعد بثورة 23 يوليو عام 1952. الطلاب في عهد "ناصر".. من السرية إلي الحرية صار العمل السياسي داخل الجامعة يتسم بالسرية في عهد عبدالناصر، وهو ما يناهض الشخصية الثورية التي عُرِفت عن عبدالناصر، ولم يتم استئنافه إلا في الستينات، غير أنه كان مقتصرًا على أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي ومنظمة الشباب، أما القوى السياسية الأخرى فغير مسموح لها بالعمل السياسي، واستكملوا اجتماعاتهم سرًا. وعقب نكسة يونيو 1967 استمر كفاح الطلاب ليشعل الجامعات ويحفز الجيش على رد الهزيمة، وكانت مظاهراتهم سبباً في أن يعقد الرئيس جمال عبد الناصر في منتصف ليل 21 فبراير 1968 اجتماعاً لمجلس الوزراء، ويصدر قرارا بإلغاء الأحكام الهزيلة التي صدرت ضد قيادات الجيش المتسببين في الهزيمة، وإحالة القضية إلى محكمة عسكرية عليا أخرى وتمت الاستجابة لمطالب الطلبة الخاصة بإعطاء مزيد من الاستقلال والفاعلية وحرية الحركة لاتحاداتهم والسماح للاتحادات بالعمل السياسي، كما صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1532 لسنة 1968 بشأن تنظيم الاتحادات الطلابية منفذا لهذه المطالب، وبدأت الجامعة تموج بالحركة وعاد الطلاب يعبرون عن آرائهم بحرية داخل الجامعة وارتفعت يد منظمة الشباب عن الجامعة. العهد الذهبي للحركة الطلابية تصاعد النشاط الطلابي داخل الجامعات في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وأسفر عن بروز شخصيات سياسية بارزة من بينها المرشحين الرئاسيين السابقين حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح والرئيس المعزول محمد مرسي، كما برزت أسماء أخرى كثيرة على رأسها أحمد بهاء الدين شعبان وأمين إسكندر. صباحي.. ناصري تحدى السادات واجه حمدين صباحي عندما كان طالبا بكلية الإعلام السادات وذلك حين أتيح له أن يلتقي معه في حوار تلفزيوني، انتقد فيه أداء السادات في أمور عدة، منها السعي لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد قبل أن يتم توقيعها، ونتيجة لذلك واجه صباحى صعوبات وعوائق عديدة أثناء بحثه عن فرصة للعمل فى الإعلام ردا على موقفه في المواجهة مع السادات. أبو الفتوح.. رئيس اتحاد الطلاب يواجه رئيس الجمهورية دخل عبد المنعم أبو الفتوح فى مواجهة مع الرئيس الراحل أنور السادات، وذلك خلال حديثه مع السادات عام 1979 عندما كان أبوالفتوح رئيس اتحاد طلبة جامعة القاهرة، حيث سأل السادات ماذا تريد الدولة من الشباب المصري؟؟ لماذا تتم إقالة رموز الشعب مثل الإمام الغزالي من إمامة مسجد عمرو بن العاص، وتتعامل الداخلية والأمن المركزي بوحشية مع المظاهرات؟، كما اتهم أبوالفتوح النخبة بنفاق الرئيس السادات من علماء ووزراء، مما أثار حفيظة الرئيس السادات، وحينها قال له رئيس الجمهورية "اقف مكانك انت بتكلم رئيس جمهورية، التزم حدود الأدب، إلزم مكانك". المرأة عنصر فاعل فى الحركة الطلابية ولم تكن المرأة المصرية في معزل عن هذه الحركة، ولكنها كانت في طليعتها وبرزت عدة أسماء ساهمت بصورة فاعلة في تقوية فكر المقاومة داخل القطاع الطلابي في مصر. وبرزت عدة أسماء منها سهام صبري، إحدى رموز النساء في الحركات الطلابية، والتي لعبت دورا مهما في الحركة في سبعينيات القرن الماضي لمواقفها الجريئة عندما نظمت جماعة "أنصار الثورة الفلسطينية" مؤتمر يناير 1972 لاستجلاء موقف السلطة من الحرب على إسرائيل، إثر خطاب السادات الذي برر فيه مرور عام الحسم. خفوت الحركة الطلابية في عهد "مبارك" بعد تولى مبارك السلطة سار على طريق سلفه "السادات"وبالتالي كان من الطبيعي أن يتخوف من الحركة الطلابية التي أصدر ضدها قرار في تعديله للائحة 79 والصادر عام 1984 فحينما جاء مبارك وتولى السلطة أحال دور اتحاد الطلبة على مدار الثلاثين عاما من حكمه من خلال اللائحة الطلابية التى قام بتعديلها، ليقتصر دور اتحاد الطلاب فقط على الأنشطة الفنية والحفلات والندوات، وأصبح النشاط السياسى محظورا حتى لا يستطيع الطلاب أن يعبروا عن آرائهم بحرية داخل الجامعة أو ترتفع أصواتهم، ولكن ذلك لم يمنع الحركات الطلابية لإخوانية من الظهور مرة أخرى. الحركة الطلابية وثورة 25 يناير شاركت الحركة الطلابية بقوة في في ثورة 25يناير ، وبعد رحيل مبارك عقب ثورة يناير عادت الحركة الطلابية من جديد إلى ساحات الجامعات آملين في تحويل ساحات الكليات إلى "ميدان تحرير" جديد ،هدفه تطهير الجامعات المصرية من رموز وحلفاء النظام السابق، ولكن على مدار عامين ونصف، اشتعل عدد ضخم من الاحتجاجات الطلابية، واجهتها الإدارات الجامعية بموجة واسعة من القمع، من فصل تعسفي للطلاب، واستخدام الحرس الجامعي الجديد ليقوم بنفس دور الأمن المركزي في عهد مبارك. كما نادت الحركة الطلابية بعد ثورة 25 يناير بوضع لائحة طلابية ديمقراطية بدلاً من لائحة سنة 1979 والتي منحت الأمن والإدارة سلطة التدخل الكامل في النشاط الطلابي. الحركات الطلابية المتأسلمة…أحلام لم تكتمل في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي قامت الحركات الطلابية المتأسلمة باستغلال الجامعة سياسياً لإيصال أصواتهم الانتخابية في انتخابات اتحادات الطلبة ، ولكن باءت محاولتهم بالفشل فلم يحصلوا على الأصوات التي حلموا بها لتنهار كافة امنياتهم واحلامهم بثورة 30 يونيو التى أطاحت بمرسي. ولا تزال الجامعات المصرية تعانى اليوم حالة من اللاسيطرة، والاستقطاب السياسي، فلم يعد لاتحاد الطلاب أي سلطان حقيقى داخل الجامعة، خاصة أن الوقفات والاحتجاجات أصبحت عادة يومية لكل صاحب حاجة أو منتمي لفصيل داخل الجامعات.