لعبت الحركة الطلابية المصرية دورا كبيرا في الحركة الوطنية الرامية إلى تحقيق طموحات الشعب المصري، وكانت بمثابة رأس الحربة والمبادر الأول في سجل النضال الوطني، دفاعًا عن القضايا الكبرى والمصيرية لمصر وللأمة العربية ولذلك لم يكن غريبا أن يقول المؤرخ الفرنسي والتر لاكير "لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر". أكثر من 100 عام.. أكثر من مئة عام سجل فيها طلاب مصر- بتضحياتهم ودمائهم الذكية- سطورًا متألقة وحافلة، دفاعا عن الحرية والكرامة والشرعية عرف طلاب جامعات مصر السجن والفصل والاعتقال، وسالت دماؤهم في تظاهراتهم داخل أسوار الجامعة وخارجها، وتألقت رموز منهم شبان وفتيات - جنبًا إلى جنب - مدافعين عن حرية الرأي والتعبير، وعن تراب الوطن واستقلاله. مقاومة الطغيان.. وعلى الرغم من التعسف والسياسات القمعية التي اعتادتها كل الحكومات التي تعاقبت على حكم مصر، منذ العهد الملكي، حتى الانقلاب العسكري الدموي في محاولتها المستميتة لإسكات صوت طلاب مصر "ضمير الوطن"، فقد فشلت كل هذه المحاولات، ليكون طلاب مصر على امتداد الوطن ودائمًا في الموعد وعلى مستوى التحديات الوطنية. كان للحركة الطلابية دور مهم في أغلب الأزمات السياسية في مصر، بداية من مواجهة الاحتلال الإنجليزي لمصر، مروراً بتظاهرات الطلاب المؤيدة للزعيم السياسي سعد زغلول بعد نفيه لجزيرة مالطة وأحداث ثورة عام 1919، ثم يوليو 1952، ثم تظاهرات الجامعات إبان حرب 1967، فضلًا عن التظاهرات المطالبة بالحرب لاسترداد سيناء حتى عام 1973، بالاضافة الي كفاح الطلاب في فترة حكم الرئيس الراحل انور السادات وحكم المخلوع مبارك. مصطفى كامل.. ويرجع فضل تنظيم الطلبة كقوة فعالة في مجال العمل الوطني إلى الزعيم مصطفى كامل الذي اهتم بتنظيم صفوف طلبة المدارس العليا لدعم الحركة الوطنية بتأسيس (نادى المدارس العليا) عام 1905 بهدف تنمية الوعي السياسي للطلبة وتعبئتهم ضد الاحتلال البريطاني، وبعد وفاته جاء بعده الزعيم محمد فريد ليرعى هذه النواة للحركة الطلابية ويطور دور الطلاب في الحركة الوطنية من خلال تنظيم الإضرابات وحركات الاحتجاج وتنظيم المظاهرات ضد الإنجليز والمتعاونين معهم مما أدى إلى نفيه، فانطلقت أصوات الطلاب تطالب ب " الاستقلال التام أو الموت الزؤام" وهى "المحطة الثانية" في تطور هذه الحركات وانتقالها من مرحلة الوعى "بالتنمية السياسية ويصطدم مع رفض المندوب السامي مرة أخرى السماح لسعد زغلول بالسفر وتحرك الطلاب في كل مكان وفي صباح اليوم التالي 9 مارس، تجمع الناس عند بيت الأمة". سعد زغلول.. ويعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، واقتراب موعد مؤتمر الصلح في باريس الذي سيتقرر فيه مصير الدول والشعوب قرر سعد زغلول وكيل الجمعية التشريعية المنتخب حضور المؤتمر للمطالبة بحق مصر في الاستقلال، ورفض المندوب السامي البريطاني السماح ل"سعد" بالسفر بدعوى أنه لا يعبر عن الشعب وإنما يعبر عن الباشوات، فقرر سعد زغلول جمع توقيعات من أعضاء الهيئات النيابية والعمد والأعيان وأعضاء المجالس المحلية بدعوى أنهم يمثلون الأمة ولكن الطلاب كان لهم رأي آخر حيث قرروا توزيع أنفسهم إلى لجان عمل تجوب المحافظات لتجمع توقيعات من كافة أبناء الشعب المصري عمال فلاحين وموظفين. دستور 23.. وبادر الطلاب بالتحرك علي نطاق واسع في القاهرة وقامت القوات البريطانية بمحاصرة الطلبة في ميدان السيدة زينب وقابلوهم بعنف شديد لدرجة جعلت الأهالي يتضامنون مع الطلاب وألحقوا خسائر بالقوة البريطانية التي طلبت تعزيزات أخرى من الجيش فأمكن تشتيت المتظاهرين ونقل الجرحى إلى المستشفيات واعتقل 300 طالب. بعدها صدر دستور 1923 الذي يحد بشكل كبير من اختصاصات الملك، وجرت الانتخابات التي لعب فيها الطلبة دورا كبيرا في فوز "سعد"، ومن رشحهم ب 200 مقعد من أصل 240 وتولى سعد رئاسة الحكومة. الاحتلال وحكومات القصر.. ازدادت شراسة السلطة في التعامل مع " الحركات الطلابية " فحاولت حكومات الأقلية الموالية للقصر أن تحد من حركة طلاب الجامعة وتقيم الحواجز في وجه النشاط السياسي للطلبة من ذلك القانون رقم 22 لسنة 1929، الذي أصدرته وزارة محمد محمود باشا بضغط من الإنجليز وهو القانون الخاص بحفظ النظام في معاهد التعليم ونصت مادته الأولى على "أن يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 6 أشهر أو بغرامة من 20 إلى 50 جنيها" وكانوا يهدفون من ذلك صرف أنظار الطلاب عن تدعيم المعارضة السياسية للانقلاب الدستوري عام 1930 – 1933 بتبني الحكومة وإدارة الجامعة لنشاط الطلاب الاجتماعي وتشجيعهم عليه كمشروع القرش وجمعية الطلبة لنشر الثقافة وغيرها. ورغم ذلك ظل طلبة الجامعة يمارسون دورهم في العمل السياسي الوطني – بصورة أو بأخرى طوال تلك الحقبة غير أنهم كانوا أصحاب مبادرات سياسية مهمة شكلت نقطة تحول في العمل الوطني في مراحل حاسمة من تطوره من ذلك انتفاضة الطلاب عام 1935 التي فرضت على الأحزاب السياسية تكوين "الجبهة الوطنية" ومن ذلك – أيضا – تكوين "اللجنة الوطنية للطلبة والعمال" عام 1946 التي طرحت نفسها كقيادة سياسية بديلة للأحزاب التقليدية. الانقلابات والنكبات.. لم ينته دور الجامعة في الحركة الوطنية بانتهاء ذلك الدور الكبير الذي لعبه الطلبة في الحركة بعد الحرب العالمية الثانية فقد استمر طلاب الجامعة وهيئة التدريس فيما بعد يعبرون عن الضمير الوطني في السنوات السابقة على انقلاب يوليو 1952، وبعد هزيمة يونيو 1967 والأحكام الهزيلة التي حكم بها على الضباط المتسببين في النكسة، أخذ السخط يتراكم في صدور الجماهير وخاصة العمال وطلاب الجامعة فعند إعلان أحكام قضايا التقصير والإهمال في سلاح الطيران التي اتهم فيها بعض الضباط (20 فبراير 1968) وكذلك أحكام ضباط المدرعات أحس الناس أن العقوبات التي جاءت بالأحكام لا تتناسب مع كارثة الهزيمة فانفجرت براكين الغضب الشعبي التي بدأت بعمال المصانع الحربية بحلوان الذين خرجوا في مظاهرة عامة متجهين إلى القاهرة فتصدت لهم قوات الأمن في (21 فبراير). وعندما وصلت أنباء حوادث حلوان إلى الجامعة بعد ظهر نفس اليوم اجتمع الطلاب بأحد مدرجات كلية الآداب وشكلوا من بينهم لجنة لرفع رأيهم في الأحكام وفى أحداث حلوان وظلوا مجتمعين حتى المساء، وكانت المطالب محصورة في أمر النكسة والاحتجاج على الأحكام ثم أخذت تتسع لتشمل الحريات العامة، وتم إلقاء القبض على بعض أعضاء اللجنة التي شكلها الطلاب فانفجرت المظاهرات وتمت الاستجابة لمطالب الطلبة الخاصة بإعطاء مزيد من الاستقلال والفاعلية وحرية الحركة لاتحاداتهم والسماح للاتحادات بالعمل السياسي وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1532 لسنة 1968 بشأن تنظيم الاتحادات الطلابية منفذا لهذه المطالب. مقاومة السادات.. وبعد وفاة جمال عبد الناصر وتولي السادات السلطة في مصر بدأ عهد جديد في مصر يتسم بالانفتاح الاقتصادي والتبعية لأمريكا وللكيان الصهيوني والتخلي عن القضايا العربية، وكانت هذه السياسة الجديدة بعيدة كل البعد عن طموحات وآمال فرسان الحركة الطلابية المصرية الذين تصدوا للسادات من بداية عهده، مطالبين بالثأر وخاصة حين أعلن أن عام 1971 هو عام الحسم. العبور 73.. اجتاحت مظاهرات الطلبة جميع أنحاء الجمهورية مطالبة بالثأر، واجهتها سلطة السادات بكافة أشكال العنف من ضرب وتعذيب واعتقال فقد أعلن السادات أن عام 1971 هو عام الحسم ولم يحرك ساكنا و أعلن أن عام 1972 هو عام "الضباب"! ولهذا لن يستطيع الدخول في معركة مما أشعل نيران الغضب في صدور الطلاب وعمت مظاهراتهم جميع أنحاء مصر حتى بدأ السادات يشعر تجاهها بالقلق خوفا من أن يتضامن بقية طوائف الشعب مع الطلبة, ولهذا قرر السادات التعجيل في قرار العبور في السادس من أكتوبر 1973. انتفاضة الخبز 77.. كانت انتفاضة الخبز في يناير 1977 بمثابة جرس إنذار للسادات ومن خلفه اليمين المصري ينبه عن تزايد النفوذ اليساري بين الحركة الطلابية المصرية فتحالف السادات مع الجماعات الإسلامية في صفقة كان شرطاها الإفراج عن الجماعات الإسلامية مقابل ضرب " الولاد الشيوعيين" . ولكي يرتاح السادات من هذه التحركات الطلابية التي تعبر عن ضمير الأمة وقلبها النابض أصدر لائحة 79 التي ألغى من خلالها اتحاد طلاب الجمهورية الذي كان يمثل رأيا عاما غاية في الخطورة ويعبر عن الحركة الطلابية المصرية وذلك في محاولة لاغتيال هذه الحركة الشامخة, كما ألغى السادات اللجنة السياسية في اتحادات الطلاب وحرم كافة أشكال العمل السياسي داخل الجامعة. مبارك.. وبعد تولى مبارك السلطة سار على طريق سلفه وبالتالي كان من الطبيعي أن يتخوف من الحركة الطلابية المصرية التي أصدر ضدها قرار في تعديله للائحة 79 والصادر عام 1984، بموجب هذا القرار أصبح عمل الميليشيات العسكرية التي شكلها السادات داخل الجامعة وأطلق عليها كذبا اسم الأمن الجامعي لا يتوقف على حماية منشآت الجامعة فقط بل و"أمنها" حتى يسهل مهمة هذه الميليشيات في اعتقال وشطب من الانتخابات ومضايقة أي طالب جامعي. احتلال العراق.. وفي بداية التسعينات خرج فرسان الحركة الطلابية المصرية لينددوا بالعدوان الثلاثيني على العراق الشقيق، والذي اشترك فيه نظام مبارك وقاومتهم السلطة بكل عنف حيث ألقت عليهم القنابل المسيلة للدموع وأطلقت كلابها البوليسية وضربتهم بالمياه . وفي عام 98 خرج طلاب مصر عن بكرة أبيهم لينددوا بالقصف الأمريكي على العراق الشقيق، وفي 29 سبتمبر 2000 خرجت جموع الطلبة من جميع جامعات الجمهورية ومدارسها الثانوية والإعدادية وحتى الابتدائية للاحتجاج على اقتحام شارون للمسجد الأقصى في اليوم السابق وفي جامعة الإسكندرية اشتعلت مظاهرات سلمية ضخمة فواجهتها شرطة مبارك بالرصاص الحي مما أدى إلى استشهاد الطالب محمد السقا. وقد اشتعلت المظاهرات في كافة أنحاء مصر لدعم الانتفاضة الثانية وظلت هذه الفترة الأخيرة فترة مظاهرات دائمة من الطلبة احتجاجا على الوضع المخزي الذي تعيشه الأمة، وفي يوم 20 مارس 2003 بعد الهجوم الأمريكي على العراق تحرك فرسان الحركة الطلابية إلى ميدان التحرير. ثورة 25 يناير.. وفي 25 يناير شاركت الحركة الطلابية بقوة في التظاهرات التي تحولت إلى ثورة شعبية لأول مرة في تاريخ مصر الحديث وانضمت إليهم في ذلك أبناء الشعب المصري ونجحوا في تحرير ميدان التحرير أكبر ميادين القاهرة من نظام المخلوع مبارك. انقلاب 3 يوليو.. وتقف الآن الحركة الطلابية بعد انقلاب الجيش على السلطة الديمقراطية المنتخبة في 3 يوليو 2013 التي كانت ثمرة لثورة 25 يناير 2011، موقفا صلبا مناهضا لانقلاب العسكر، ورغم كل الإجراءات القمعية والدموية التي اتخذتها وقامت بها سلطات الانقلاب العسكري لقمع الانتفاضة الشعبية والحد من موجات التظاهر المناهضة للانقلاب والمطالبة بعودة الشرعية ، إلا أن قيادات الانقلاب وجدت نفسها في مأزق كبير تجاه التعامل مع التظاهرات الطلابية الحاشدة التي تنطلق بشكل يومي في شتى جامعات مصر. مواجهة انقلاب العسكر وتشكل التظاهرات الطلابية في جامعات مصر عامة وفى جامعة الأزهر خاصة صداعاً كبيراً في رأس قيادات الانقلاب العسكري وشوكة يصعب كسرها، وخاصة بعد تراجعهم عن منح الضبطية القضائية للأمن الإداري بالجامعات بسبب الضغط الشعبي المتزايد، وبدء الدراسة بجامعة الأزهر بعد تأجيلها لقرابة شهر بسبب تخوف الانقلابيين. ويعود تخوف الانقلابيين من الانتفاضة الطلابية بجامعة الأزهر إلى سببين رئيسيين: -الأول انتماء أغلب طلاب الأزهر إلى التيارات الإسلامية التي تمثل عصب الحركة المناهضة للانقلاب العسكري، إضافة إلى وجود بعض الحركات الطلابية المنظمة على رأسها "جيل النصر المنشود". - السبب الثاني ارتفاع عدد الطلاب بالجامعة حيث يصل عدد الطلاب إلى نصف مليون طالب وطالبة على مستوى الجمهورية. وتشهد جامعة الأزهر على التوالي منذ بدء الفصل الدراسي السبت الماضي، تظاهرات حاشدة ضد الانقلاب العسكري وقائده عبدالفتاح السيسي وكذلك ضد شيخ الأزهر أحمد الطيب ومفتى الجمهورية السابق علي جمعة، رافعين ومرددين الشعارات المناهضة للانقلاب، إلا أن قوات الأمن تقوم بقمع التظاهرات الطلابية داخل الحرم الجامعي