ما بين مؤيد ومعارض، تعيش بريطانيا حاليا حالة من الانقسام، وذلك منذ أن طرح رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون قانونا للتصويت عليه فى البرلمان يسمح بشن غارات جوية على تنظيم داعش فى سوريا، وإقراره بالفعل نهاية الأسبوع الماضى بموافقة 397 نائبًا مقابل معارضة 223. وكان كاميرون أثناء عرض خطته لمكافحة الإرهاب أمام مجلس العموم، قد أكد على أن الوقت قد حان لاتخاذ بلاده قرارا بالانضمام للضربات الجوية ضد تنظيم الدولة فى سوريا، مضيفًا أن بريطانيا لا يمكن أن تترك مهمة أمنها لدول أخرى، وحذر وزير الدفاع البريطانى مايكل فالون من أن الخطر الذى يهدد بريطانيا من قبل داعش يعتبر قويا وأن مجزرة على غرار باريس قد تحدث بسهولة فى لندن. فى المقابل، رفض جيريمى كوربين، رئيس حزب العمال، تدخل بريطانيا فى الحرب بسوريا، لأنه يرى أنه نزاع لا يمكن حله عن طريق القصف، مشيرًا إلى أنه لم يقتنع بالمبررات التى قدمها رئيس الوزراء فى دفاعه عن نية بريطانيا توسيع العمليات ضد داعش فى إطار التحالفات الدولية لتشمل سوريا بعد أن كانت مقتصرة على العراق، وعمل كوربين على دفع كتلته فى البرلمان لرفض قانون كاميرون إلا أن كثيرًَا من نواب حزبه رفضوا طلبه وطالبوا بتصويت حر بدلا من التوجيه للاعتراض. وقد أثار رفض كوربين حالة من الانقسام داخل الحزب نفسه بين مؤيد للقانون ومعارض له، ودفعت حالة الانقسام هذه عددا من كبار نواب الحزب إلى دعوة زعيمه كوربين للاستقالة من منصبه بسبب تلك التوترات، حيث يرى عشرات النواب من العمال ضرورة مشاركة بريطانيا فى الحملة العسكرية ضد داعش، وهم من اعتمد عليهم كاميرون هذه المرة، وذلك بعد فشله المتكرر فى إقناع البرلمان البريطانى عدة مرات سابقة بوجهة النظر الحكومية. وفى أعقاب طرح القانون تجمع آلاف من البريطانيين فى محيط الحكومة البريطانية فى لندن، رفضا لشن حملة جوية على تنظيم داعش فى سوريا. وكانت هذه هى التظاهرة الأضخم فى لندن، حيث احتشد أكثر من أربعة آلاف متظاهر، مذكرين بويلات حرب العراق، ومشددين على أن التدخل الجوى البريطانى فى سوريا لن يقضى على الإرهاب، وأن بضعة مقاتلات بريطانية لن تقدم أو تؤخر فى سير المعارك هناك، بل على العكس قد تترتب عليها تداعيات خطيرة على الأمن القومى البريطانى. فى حين أظهر استطلاع للرأى أجرته صحيفة «ديلى ميل» البريطانية، أن 60% من البريطانيين يوافقون على مشاركة سلاح الجو الملكى البريطانى ضد تنظيم الدولة الإسلامية فى العراقوسوريا مقابل 24% يعارضون ذلك. كما أظهر الاستطلاع موافقة 50% من البريطانيين على مشاركة القوات البريطانية فى القتال البرى، فيما عارض ذلك 31%، وترتفع نسبة دعم المشاركة العسكرية إلى 59% إذا تمت إلى جانب دول أخرى مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا، وإلى نسبة 68% إذا سمح بها مجلس الأمن. وفى السياق ذاته، رأت صحيفة «الإندبدنت» البريطانية أن سياسة الحرب فى سوريا معقدة جدا ولا مفر من سقوط بريطانيا فى هذا المستنقع. من جانب آخر نشرت الصحيفة مقالا للكاتب «صاموئيل هورنى»، قال فيه إن الحرب الحالية على هذا التنظيم تعتبر خطأ كبيرا ولا يمكنها وقف انتشار التطرف عند الشباب المسلمين والشابات المسلمات فى بريطانيا، وهو ما يفرض مخاطر متزايدة تهدد الأمن القومى للبلاد، وأضاف أن هذه المشكلة لا تواجه المملكة المتحدة وحدها بل تواجه أوروبا كلها على النطاق الأوسع وتتطلب معالجة مختلفة بعيدة عن الحلول العسكرية التقليدية. كما اتخذت صحيفة الأوبزرفر موقفا رافضا لتوسيع الضربات الجوية البريطانية لتشمل سوريا، وحشدت الصحيفة أصوات عدد من المحللين والكتاب للوقوف أمام مسعى كاميرون للحصول على تفويض لإرسال المقاتلات البريطانية إلى عاصمة تنظيم الدولة.