بعد نقاشات دامت لأكثر من 10 ساعات، وتجاذب وتراخي في الآراء، ومحاولات رئيس الحكومة البريطانية "ديفيد كاميرون" انتزاع موافقة من برلمان بلاده لبدء غارات بريطانية على سوريا، تنفس "كاميرون" الصعداء، بعدما أعلن البرلمان البريطاني موافقته على شن غارات جوية ضد تنظيم "داعش" في سوريا. صوت البرلمان البريطاني على قرار شن غارات جوية على متطرفي تنظيم "داعش" في سوريا، بعد أشهر من الجدل بين الحكومة وقوى المعارضة التي ترفض أي تدخل بريطاني في سوريا، وجاء التصويت بموافقه أغلبية الأعضاء على التدخل في سوريا وتوسيع النشاط العسكري البريطاني من العراق فقط ليشمل سوريا أيضًا، حيث صوت 397 بالموافقة مقابل 223 صوت بالرفض. محاولة "كاميرون" الأخيرة قبل بدء جلسة التصويت، حاول "كاميرون" اللعب على وتر الأمن القومي البريطاني وحماية البلاد من المتطرفين، كما حاول طمأنة الأصوات المعارضة للتدخل في سوريا بحجة أن احتمال أن تتعرض بريطانيا لهجوم إرهابي سيزداد إذا قامت بعمل عسكري ضد تنظيم "داعش" في سوريا، حيث قال: شن غارات جوية تستهدف تنظيم "داعش" في سوريا لن يزيد احتمال أن ينفذ المتطرفون هجمات على بريطانيا، فبريطانيا موجودة بالفعل في مقدمة الدول المستهدفة في قائمة داعش، إذا وقع هجوم على بريطانيا خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة فسيخرج من يحاولون القول إنه بسبب غاراتنا الجوية، لا أعتقد أن هذا هو السبب، التنظيم يسعى بالفعل لمهاجمتنا منذ العام الماضي"، وتابع "كاميرون"، "الطائرات الحربية البريطانية التي تقصف أهداف داعش في العراق منذ أكثر من عام، يجب أن تتصدى أيضا للتنظيم المتطرف في سوريا بدلاً من أن نولي أمن بريطانيا لدول أخرى". انقسام بريطاني عبر رئيس الوزراء "ديفيد كاميرون" عن سعادته بقرار مجلس العموم، معتبرًا التصويت على الضربات في سوريا بأنه "القرار الصحيح"، وقال "كاميرون" في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إن "البرلمان اتخذ القرار الصحيح للمحافظة على أمن البلاد، العمل العسكري في سوريا هو جزء من استراتيجية أوسع"، من جهته رحب وزير الخارجية البريطاني "فيليب هاموند" بنتيجة التصويت، قائلا إن بلاده أصبحت "أكثر أمنا بسبب الإجراءات التي اتخذها النواب اليوم". في مقابل السعادة الكاميرونية جاءت المظاهرات الشعبية المعارضة، حيث تجمع محتجون غاضبون أمام مقر البرلمان البريطاني تزامنًا مع الإعلان عن نتيجة التصويت، ورددوا شعارات منها "لا للقصف في سوريا" و"ديفيد كاميرون عار عليك"، محذرين من تداعيات هذه الضربات عليهم، كما أعرب متظاهرون عن اعتقادهم بأن القضاء على داعش يكون عبر قطع التمويل عنه ومنعه من الحصول على الأسلحة. على صعيد متصل؛ وقع العديد من رؤساء النقابات العمالية والفنانين والممثلين والأكاديميين في بريطانيا عريضة تطالب رئيس الوزراء البريطاني تجنيب الجيش التدخل في الحرب الجوية في سوريا، وقال ائتلاف "أوقفوا الحرب" الذي نسق هذه العريضة أنها سيتم تسليمها السبت المقبل في شارع "داوننغ" بقلب العاصمة لندن، إذ من المتوقع أن يتجمع الآلاف اعتراضًا على الضربات الجوية. وتضمنت الرسالة الموجهة إلى رئيس الوزراء أن "الاندفاع الحالي إلى قصف سوريا عقب أحداث باريس الرهيبة، سيشعل الحرب هناك ويزيد الشعور بالكره ضد الغرب"، مشيرة إلى أن "الولاياتالمتحدة التي تقصف التنظيم منذ عام اعترفت بأنه ما زال بالقوة نفسها ومستمرًا في التجنيد"، وذكرت الرسالة أن "حروب أفغانستانوالعراق وليبيا أوضحت أن التدخلات العسكرية الغربية أدت إلى دمار وخسائر كبيرة بالإضافة إلى تدفقات ضخمة من اللاجئين"، وحضت الحكومة على "وقف تسليح الأنظمة التي تدعم التنظيم، والبحث عن حلول سياسية لوقف الصراع لأنها السبيل الأمثل لإنهاء الصراع". ترحيب دولي رحب الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، بموافقة البرلمان البريطاني على شن غارات جوية ضد جماعة "داعش" الارهابية في سوريا، وقال "أوباما" إنه "منذ بدء الحملة ضد داعش كانت المملكة المتحدة واحدة من أهم شركائنا في القتال ضد التنظيم"، مضيفًا "نتطلع لرؤية قوات بريطانية تحلق مع التحالف فوق سوريا وسنعمل على اشراكهم في أوامر المهام الجوية لتحالفنا بأسرع ما يمكن". من جهته أعلن الكرملين أن موسكو ترحب بأي عمليات لمكافحة الإرهاب، مؤكدًا أن روسيا منفتحة على تشكيل تحالف واسع ضد الإرهاب، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية "دميتري بيسكوف"، إن فعالية الخطوات الرامية إلى مكافحة الإرهاب يمكن أن تزداد كثيرًا في حال تنسيقها في إطار تحالف موحد، وأكد "بيسكوف" أن روسيا ما زالت الطرف الوحيد الذي يكافح الإرهاب بشكل قانوني. انطلاق المقاتلات البريطانية بعد ساعات قليلة من تصويت البرلمان، احتفلت بريطانيا بنجاح خطة "كاميرون"، حيث شنت مقاتلات بريطانية أولى غاراتها على تنظيم "داعش" مستهدفة حقول نفط يسيطر عليها التنظيم شرقي سوريا، وقال وزير الدفاع البريطاني "مايكل فالون" إن قاذفات بريطانية هاجمت حقول نفط في شرق سوريا في الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس، وأضاف "فالون"، "وافقت أمس على سلسلة أهداف في حقول نفط وفي آبار، ونجحت صواريخ التورنادو في ضرب تلك الأهداف". محاولات عديدة محاولات "كاميرون" الحثيثة لإقناع البرلمان بالموافقه على توسيع الغارات لتشمل سوريا لم تبدأ من كلمته في قاعه مجلس العموم قبل جلسه التصويت، بل سبقتها محاولات عديدة استعان خلالها ببعض الحلفاء الإقليميين والمستفيدين من إنضمام بريطانيا للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا. طرح "كاميرون" فكرة توسيع نشاط بريطانيا العسكري قبل هذه المرة على برلمان بلاده، إلا أن الفكرة تم رفضها وخسر رئيس الوزراء البريطاني حينها التصويت بأغلبية 285 صوتًا مقابل 272 صوت، وحينها تعهّد "كاميرون" بعدم تخطي قرار البرلمان. هذا التعهد لم يمنع "كاميرون" من المحاولة مرة ثانية، فسعى إلى إحباط مخاوف مجلس العموم من الإقدام على توجيه ضربات لتنظيم "داعش" في سوريا دون وجود استراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمة السورية، وهو ما دفع رئيس الوزراء البريطانى إلى وضع استراتيجية مستقبلية فيما يتعلق بالأوضاع الراهنة فى سوريا والسياسة التي ستتبعها بريطانيا مع تنظيم داعش المسلح فى المنطقة، وذلك بغرض تفادي الرفض البرلماني مجددًا. في ذلك الوقت جاء التيار ضد أهواء رئيس الوزراء البريطاني، حيث تم انتخاب المعارض "جيرمي كوربين" زعيمًا لحزب "العمال البريطاني" في سبتمبر الماضي، وهو ما أدى إلى تعقيد خطط "كاميرون"، حيث من المعروف عن "كوربين" معارضته لمشاركة بلاده في أي حروب خارجية، وهو ما يتضح من ترأسه لحركة "أوقفوا الحرب" في بريطانيا، التي تعارض أي حروب تشارك فيها بريطانيا من أفغانستانوالعراق إلى محاربة "داعش"، كما أنه يعارض بشدة مشاركة بريطانيا في قصف داعش في العراق، لتكون بذلك معارضة البرلمان البريطاني متناغمة مع معارضة رئيس حزب العمال "جيريمي كوربين". دعوة فرنسا أعضاء التحالف لتكثيف ضرباتهم على "داعش" بعد وقوع سلسلة هجمات إرهابية في العاصمة الفرنسية باريس مؤخرًا، أثارت حماس بريطانيا من جديد، فبدأت جهود "كاميرون" تظهر مرة أخرى على الساحة السياسية، ودعواته إلى توسيع نشاط بريطانيا ليشمل سوريا بجانب العراق تنطلق بنشاط، وبدأ في الالتفاف على قرار البرلمان البريطاني تارة، وإطلاق التصريحات والتهديدات تارة أخرى، وفي الوقت نفسه لم يتوانى "كاميرون" في اللعب على وتر ترهيب الشعب البريطاني من خطر داعش والإيحاء بأن أمن بلاده وسلامتها يتوقفان على العمل مع حلفائها، وذلك في محاولة لكسب ثقة وتأييد الجماهير البريطانية من جهة، والضغط على أعضاء البرلمان من جهة أخرى، وهو ما نجح فيه مؤخرًا.