دعا الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق سابقا والفقيه الدستورى إلى ضرورة توحيد الصف السياسى والتخلى عن المصالح الشخصية وترك الأفكار القديمة والبحث عن رؤى حقيقية تخدم الوطن رافضا وصف الواقع الحزبى بالمريض، ومؤكدًا فى نفس الوقت أنه لا توجد أحزاب حقيقية فى مصر لها شعبية ورصيد لدى الناس. وقال إن القوانين لا تقوى أحزابا، فالأحزاب هى التى تصنع القوانين، مؤكدًا فى حوار ل «أكتوبر» أن الأحزاب والقوى السياسية هى العقبة الحقيقية فى الحياة السياسية المصرية لبحثهم الدائم عن مصالحهم، وأنه لا يشعر بسوء النية لمن وضع قانون الانتخابات ولكنه مندهش من كم الأخطاء التى جاءت بالقانون.? بداية.. هل ترى أن هناك خطايا دستورية صنعت الأزمة الحالية؟ ?? لا تستطيع أن تقول إن هناك خطايا دستورية فهذا التعبير فيه الكثير من المبالغة ولكن أعتقد أن الضروريات الدستورية هى التى كانت خلف صنع الأزمة الحالية فنحن لا يمكن أن نسميها خطايا بل هى طموحات زائدة تضمنتها نصوص الدستور وربما كان سبابها طبيعة المرحلة التى وضع فيها الدستور وربما تكون أحد أسباب الأزمة الحالية. ? كيف ترى قانون الانتخابات بعد ثلاثة أشهر قضتها لجنة تعديل الدستور لتنفيذ حكمى المحكمة الدستورية؟ ?? أعتقد أنه أى ما كان الأمر فلابد أن نعبر هذه المرحلة الحرجة فقانون الانتخابات بطبيعة الحال كان يتضمن أوجه العوار وكانت هذه الأمور ظاهرة لمن يعرف على سبيل المثال النص المتعلق بمزدوجى الجنسية فقد كان واضحا وجود العوار وهو ما كان يعطى الحق لأصحاب الجنسيات الأخرى بالطعن، كما جاء قانون تقسيم الدوائر ليفضح عدم علم البعض لأنها عملية حسابية بحتة تعتمد على أرقام وإحصائيات يتم على أساسها التقسيم وجاءت المحكمة الدستورية وحسمت الأمر بالنسبة لهذه الأمور وربما أشارت أيضا إلى عدم دستورية نصوص أخرى بها عوار وإن كانت لم تحكم بذلك وأعتقد أن اللجنة قامت بتعديل هذه النصوص أثناء عملها ووفقا للصيغة الأخيرة. بينما المشكلة أننا أصبحنا لا ندرى هل هذه الأخطاء بقصد نية أو سوء نية، كما أن هناك أمرا آخر شديد الحساسية وهو أن القوى السياسية المختلفة دائما ما تتفنن فى إثارة المشاكل وخلق أزمات وعلى نفس النهج فهناك البعض متأهب لكى يطعن على القانون فور صدوره فهى مسألة سلوكيات فالقانون الذى صدر لم يكن الأسوأ من قوانين أخرى أجريت بها الانتخابات مرات ومرات فى مصر أما اليوم عندما عشنا الحرية مؤخرًا باتت القوة السياسية وبعض الأفراد لديهم شهوة الطعن والنقض ولا ينظر أحد لمصلحة مصر، فالبعض يسأل الآن قبل خروج القانون للنور هل يمكن الطعن على القانون بعد التعديل؟ طبعا الإجابة بنعم لأن حق التقاضى مكفول للجميع فأتمنى أن تبحث القوة السياسية عن مصلحة مصر قبل أن يبحثوا عن مصالحهم الشخصية فأكثر المشكلات التى صنعها الدستور الحالى ونعانى منها الآن هو موضوع الحصص التى تم تخصيصها لبعض الفئات وهى فكرة تتنافى مع الديمقراطية فى شكلها المجرد ولكنها طبيعة المرحلة. ? على أى أساس حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون تقسيم الدوائر؟ ?? لقد قرأت حيثيات الحكم الأول، وهو كان خاصًا بالتمثيل النسبى المتكافئ للكتلة السكانية، لأن الدستور وضع معيارًا سكانيًا للنظام الانتخابى فى حين أن ذلك كان قفزًا على الواقع، لأن الواقع كان يقول إننا نحتاج لإعادة ترسيم المحافظات، وبالتالى يمكن أن يحدث انتقال لكتلة سكانية من محافظة لمحافظة، أو تستحدث محافظة جديدة، فتدخل فيها كتلة سكانية جديدة من محافظة أخرى، إذن المرحلة الانتقالية هنا كانت تستدعى نصًا انتقاليًا يقول «استثناء من القاعدة العامة من الدستور يتم انتخاب أول برلمان على نفس نظام التقسيم الإدارى لمصر، على نفس الأقسام والمراكز»، وبذلك يمكن أن نعالج الواقع ونطمح للمستقبل، وهو ما لم يحدث، وبالتالى وضع المشرع فى مأزق أنه يريد تمثيل الفئات التى سميت مهمشة، ويريد تمثيلًا نسبيًا للسكان ما أربك المشرع، والأصل هو الدستور، والمشرع نظر لها من منظور المتكافئ والمتساوى، ما ترتب عليه أن هناك 18 دائرة فيها تجاوز للنسبة السكانية التى حددها المشرع، فكان هذا هو السبب فى عدم دستورية النص. ? لماذا كل هذا الوقت لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية؟، وهل هناك من لديه المصلحة فى ذلك؟ ?? لابد أن نعظم من مصلحة الوطن ففى حقيقة الأمر نحن نضع رئيس الدولة فى مشكلة حقيقية ولا نتركه لمهامه الأساسية ومخطئ من يظن أو يلمح إلى أن رئيس الدولة يرغب فى تعطيل الانتخابات لأنه ببساطة لديه أعباء ثقال ويضاف إلى ذلك أنه لا يجد من يتلقى الضربات عنه، المسئولية كاملة أصبحت عبئا يتحمله بالإضافة إلى أنه لا يجد من يسانده فى مواجهة بعض المؤسسات التى لديها ممارسات خاطئة. ? بماذا تفسر بعض أخطاء قانون تقسيم الدوائر مثل زيادة عدد الناخبين على عدد السكان فى دوائر مثل أكتوبر والشيخ زايد وكفر الشيخ؟ ?? فى الحقيقة يمثل ذلك مصدر دهشة ولكن ربما يكون ذلك ناتج وجود بعض الأخطاء فى الإحصائيات التى وصلت إلى اللجنة فالأخيرة ليست بالجهة المعنية بإعداد هذه الإحصائيات فربما تلك الأخطاء قد جاءت من جهات أخرى. ? بصفتك خبيرا دستوريا، ما هى ملاحظاتك على قانون الانتخابات الذى أعادته المحكمة الدستورية مرة أخرى إلى الحكومة لتعديله؟ ?? لجنة الخمسين كان يغلب عليها الطابع الليبرالى، وكان هذا واضحًا فى مسارات متعددة، أولها الانتقال المفاجئ للنظام البرلمانى دون التحضير لبيئة سياسية مناسبة لهذا التحول، ثم عدم وجود توازن فى الأعباء حين رفضت اللجنة النص الخاص بالضرائب التصاعدية على الأنشطة الرأسمالية والأرباح، رغم أن هذا كان السند الدستورى لإعادة التوازن الاجتماعى، ثم كان هناك توجه عام نحو تغليب المواد المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى لم تعن اللجنة بها كثيرًا كما اعتنت بغيرها، وكان فى مقدمتها الإلغاء المفاجئ لنسبة تمثيل العمال والفلاحين فى ظل غياب التنظيم السياسى لهم، لأنه كان محظورًا لمدة أربعين عامًا إقامة الأحزاب على أساس فئوى، هذا كله كان يمثل توجهًا من اللجنة وبالتأكيد اللحظة كانت صعبة، أن يتم أى شكل من أشكال الإعاقة لخروج مصر من المرحلة الخطيرة التى كانت تحياها، وبالتالى كان لابد أن يكون هناك دستور حتى لو تم تعديله بعد ذلك، والمفاجأة أن تعديل الدستور مطروح الآن على الأجندة الوطنية، وكل الأحزاب شعرت بأن هناك ما يستدعى أن نعيد فيه النظر، وبالتالى فهو جزء لا يتجزأ من مسئولية البرلمان القادم، فلابد أن يعمل من اليوم الأول له على تعديل الدستور. ? لماذا لم يتم مراجعة كل مواد القانون حتى نتجنب أزمة عدم الدستورية مستقبلا؟ ?? أفترض أن ذلك قد تم ولكن للأسف الشديد وبعد مرور شهور لم نطالع صياغة القانون فى صورته النهائية وسنفاجأ به قبل إجراء الانتخابات ويصبح الأمر أمرا واقعا فالقانون خرج من لجنة تعديل الدستور إلى مجلس الوزراء وبعده إلى مجلس الدولة ليراجع مخالفات الصياغة والمخالفات القانونية فى الصياغة وإبداء الملاحظات فيما يظهر عليها من عدم الدستورية. ? هناك بعض المواد يمكن الطعن عليها بعد إجراء الانتخابات لاكتساب العضو الصفة التى يمكن أن يطعن بها ويمكن أن يؤدى ذلك إلى حل المجلس؟ ?? من المفترض على لجنة تعديل الدستور أنها تكون قد راجعت كل نصوص الدستور مرة أخرى سواء كانت قد تم الطعن عليها أم لا والتى يمكن أن تثير شبهة عدم الدستورية حتى ولم يطعن عليها لكن اعترض على الرأى الذى يتحدث عن أمور قد استقرت حتى ولو كانت تتضمن بعض الأمور غير الملائمة مثل موضوع القوائم وعددها، فالبعض يثير أنها لا تحقق مصلحته الحزبية. ? هل هذه الأخطاء متعمد وجودها بمواد القانون حتى تكون المخرج فى بعض الأحيان؟ ?? لا أرى ذلك فلجنة تعديل الدستور تتضمن قامات كبيرة فى القانون ولا أعتقد فى أى حال وجود تعمد، فالتعطيل ليس فى المصلحة العامة فى كل الأحوال ولا أظن أن أى وطنى وحريص على هذا البلد يكون فى صالحه تأخير مجلس النواب، فالعالم كله ينتظر أن تستكمل مصر مؤسساتها البرلمانية. ? هل يمكن أن يحل نظام القائمة فشل الأحزاب الدائم فى الانتخابات؟ ?? من المفترض أن تعبر القائمة عن اتجاه حزبى معين أو عن اتجاه فكر سياسى اقتصادى معين فهل هناك قائمة لها توجه واحد يستطيع الناخبون على أساسه الاختيار، حتى مسميات القوائم لا تعبر عن مضمون محدد يستطيع الناخب أن يميز بين قائمة وأخرى فجميعهم لا يعبر لا عن فكر سياسى أو اقتصادى أو حتى أدبى ولديه دراسة بمنظومة العلاقات بين مصر وأى دولة أخرى فالأحزاب فى مصر لا تعبر عن اتجاه إذ إن نجاح القائمة سيعتمد على وجود شخص أو اثنين الجمهور يثق فيهما إذا الأحزاب كان من الممكن أن تدعم على المستوى الفردى ولكن نظام الكوتة الذى فرضه الدستور لإرضاء فئات اجتماعية معينة أدى إلى أن أصبحنا ملزمين بالأخذ بنظام القوائم وأصبحنا غير قادرين على ممارسة الحرية فى اختيار النظام الانتخابى. ? هناك من يؤكد أن ضبط تقسيم الدوائر مستحيل ومن ثم البرلمان المقبل معرض للطعن عليه فى أى وقت؟ ?? من المستحيل أنك تحقق المساواة الكاملة بين الدوائر المختلفة فهو أمر نسبى لأن عدد سكان دائرة معينة إذا كان مائة ألف نسمة على سبيل المثال ودائرة أخرى عدد سكانها يبلغ مائتى ألف نسمة فلا يعنى ذلك أن الدائرة الثانية تستحق نائبين وهكذا بينما هناك عوامل أخرى تحكم الأمور مثل التوزيع الديمغرافى للدائرة كما أن هناك بعض الدوائر لها أهمية خاصة مثل الدوائر الحدودية. ? كيف ترى الانتخابات البرلمانية المقبلة.. وموعد إجرائها؟ ?? إجراء الانتخابات أصبح ضروريًا أن يكون بعد حلول شهر رمضان لأن اللجنة قد تأخرت من الناحية الواقعية والانتخابات فى شهر سبتمبر بعد الإعلان عن فتح باب الترشيح بعده مرحلة الطعون وإعلان كشوف المرشحين ثم مرحلة فترة الدعاية ثم الانتخابات ثم الإعادة. ? هل يمكن وصف الواقع الحزبى بالمريض؟ ?? الواقع الحزبى فى مصر ليس مريضا فهو واقع ميت فليس لدينا أحزاب حقيقية فصحيح الدستور ينص على التعددية الحزبية فأى دولة فكرة الأحزاب تقوم فيها على أساس توجه فكرى أو اقتصادى أو ثقافى أو سياسى معين يميز الحزب عن الأحزاب الأخرى، لذلك نجد أن عدد الأحزاب محدود للغاية ولا يتعدى أربعة أحزاب لأن الأفكار ليست بهذا التنوع وما حدث فى مصر بعد ثورة 25 يناير قيام أحزاب عددها أصبح فكاهة يتندر بها البعض فقد سمعنا مرة أنها 70 حزبا ومرة أخرى أن عدد الأحزاب قد تخطى 100 حزب فلا يمكن أن يكون هناك عمل حزبى متنوع و حقيقى فى ظل بيئة حزبية غير مؤهلة محددة وواضحة وترغب فى تطوير المجتمع، لذلك من قال إنه يرغب فى وضع نظم انتخابية لتقوية الأحزاب ومساندتها قد ارتكب خطأ فادحا فالقوانين لا تقوى أحزابا بينما الأحزاب هى التى يجب أن يكون لها تواجد قوى فى الشارع المصرى، فالأحزاب توجد أولا وهى التى سوف تصنع القوانين فلا يمكن خلق الأحزاب بقوانين، أمر آخر هو أن برامج الأحزاب من المستحيل إيجاد فروق جوهرية فيما بينها وهو ما يؤدى بنا إلى نتيجة حتمية هى إعلان وفاة الحياة الحزبية فى مصر. ? ما مستقبل الإسلام السياسى فى البرلمان القادم؟ ?? أعتقد أن وجوده على الخريطة السياسية سيكون محدودا للغاية وأنا لا أخشى الإسلام السياسى الآن بينما أخشى الجهل السياسى لأن الإسلام السياسى أصبح مرفوضا تلقائيا من الشعب بينما الجهل السياسى هو الأخطر على الدولة فى المرحلة القادمة والانتفاعية السياسية. ? كيف تقرأ مشروع القانون الموحد الذى قدمته الأحزاب للرئيس وتناقشه اللجنة الآن؟ ?? هدف المشروع هو معاونة اللجنة فى بيان أوجه القصور فى الإطار العام لحكم المحكمة الدستورية. ? لماذا رفضت اللجنة المسئولة عن تعديل القانون الرقابة الدستورية السابقة على قوانين الانتخابية؟ ?? لأن اللجنة لا تملك ذلك، فالنص الدستورى يحذر الرقابة السابقة على القوانين. وقانون المحكمة الدستورية يقول إن المحكمة تراقب وتراجع القوانين واللوائح أى إن الرقابة لاحقة وليست سابقة وهناك إجماع فقهى على هذا المعنى، الأمر الثانى الرقابة السابقة لن تحول دون الرقابة اللاحقة. ? هل تحل القائمة الموحدة أزمة الأحزاب السياسية أم ستفتح الباب لصراع النسبة بينهما؟ ?? أنا لا أفهم معنى القائمة الموحدة لأنه كيف ستقام الانتخابات إذا كان هناك قائمة موحدة لأن من المفترض أن هناك اختلافا يؤدى إلى وجود تنافس بين أحزاب أو قوة سياسية معينة أو تحالفات والشعب يختار بين هذا وذاك والقائمة الموحدة هو أمر صعب الحدوث بل هو أمر مستحيل لأن المصلحة هى التى تحكم عمل الأحزاب وبالتالى لان تتلاقى المصالح، فالجميع يسعى إلى أن يكون له النصيب الأوفر وهو ما يفتح الباب للاختلاف. ? ما هى رؤيتك لإيجاد مخرج للأزمة الحالية؟ ?? أرى أن الإسراع فى إصدار قانون الانتخابات أصبح أمرا حتميا حتى نعبر بالوطن لبر الأمان فلا توجد مؤسسة تمارس الرقابة الآن على أجهزة الدولة سوى الإعلام.. والرئيس يتحمل عبئا ثقيلا لا يتحمله أحد غيره.