فى بعض المناطق الأكثف ظلمة لبعض القارات تسن الدساتير كى تخترق وتكتب القوانين لكى تنتهك ويختار الجميع لكى يحكم ويظلم الفرد لتتجسد فى تلك الأماكن الانتهاكات الإنسانية وظلم الإنسان لأخيه الإنسان فى إبادة جماعية أحيانا أو فى صراعات عرقية واثنية أحيانا أخرى.. ولعل الصراع الذى شهدته رواندا وبروندى فى وسط القارة الأفريقية فى السبعينيات يعد نموذجاً لتلك الصراعات فقد ألقى الضوء على بشاعة تلك التجاوزات التى تتغذى على أجساد المئات من الضحايا وتطيح بأحلام الملايين من البشر فى أن يعيشوا بكرامة وحرية متجاورين فى عالم واحد، ويأتى الصراع الذى اندلع منذ أسابيع فى بروندى بسبب إعلان الرئيس بيير نكورونزيزا المنتهية ولايته عن رغبته فى الترشح لولاية رئاسية ثالثة ضارباً عرض الحائط بما جاء فى الدستور واتفاقية السلام التى أنهت حربا أهلية ضارية بين الهوتو والتوتسى وأدت لسقوط آلاف الضحايا، لينذر من جديد مستقبل هذا البلد الفقير الذى عانى من صراعات عرقية منذ إعلان استقلاله عن بلجيكا عام 1962وحتى إبريل الماضى عقب فشل المطالب التى أطلقها الرئيس السابق لجهاز المخابرات الحربية جودفراود نيو مبارى بعزل الرئيس نكورونزيزا عن منصبه الرئاسى والإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية جديدة، وهو ما تسبب فى اندلاع الاحتجاجات فى العاصمة بوجمبورا والتى أطلقتها المعارضة وتزايدت حدتها بعد الإعلان عن القبض على زعماء المعارضة وإعلان حظر التجوال، ولم يشفع للرئيس نكورونزيزا نجاح إدارته للبلاد منذ شغله لمنصبه الرئاسى، والتى استمرت لمدة 10سنوات ودفعته لهجر ملاعب الرياضة ليحترف لعبة السياسة، ولكن فيما يبدو لم تسمح له لياقته السياسية بمواصلة اللعب دون ارتكاب أخطاء قد تطيح بإنجازاته السابقة وتدفعه للجلوس على مقاعد الاحتياطى أو الاعتزال السياسى بهدوء وهذا ما ستفصح عنه نتائج المباراة حامية الوطيس التى يخوضها الآن وربما للمرة الأخيرة. وعن حياة نكورونزيزا فقد عرف عنه شغفه بلعبتى كرة القدم والجمباز والتى أنشأ أكاديمية لتعليم مهارات لعبها للبرونديين، وهو سليل لأسرة تمتلك تقاليد سياسية عريقة فقد كان والده حاكما لإقليمين شمال البلاد قبل إعلان النظام الجمهورى وقد تم اختياره نائبا بالبرلمان البروندى وتم اغتياله عقب اندلاع حرب أهلية شرسة عام 1972وتكررت أحداث هذه المذابح عام 1993وفقد فيها نكورونزيزا خمسة من أشقائه وكانت سببا فى اختياره قائدا لحركة الدفاع عن الديمقراطية وعقب اغتيال أول رئيس للبلاد من الهوتو ملكيور نداندى عام 1995، حيث إن كورونزيزا الذى ولد عام 1963ينتمى للهوتو العرقية والتى استبعدت عن الحكم لصالح التوتسى رغم أن الهوتو تمثل الأغلبية وصدر قرار بإدانته لارتكابه جرائم إبادة وصدرت ضده أحكام بالإعدام حتى تم العفو عنه عقب توقيع اتفاقية اروشا للسلم والمصالحة عام 2000 لتنهى حربا أهلية ويترشح نكورونزيزا للانتخابات الرئاسية ويفوز بفترتين رئاسيتين، ولعل أهم القرارات التى أصدرها فى عهده توفير التعليم المجانى والرعاية الصحية لكافة الأطفال فى المدارس الابتدائية، وهى إنجازات تحسب لصالحه.