العمليةالإرهابية على هذا النحو تنبئ بالكثير، فالإرهابيون محترفون ولديهم المال والأفراد والأفكار التى يناورون بها ويفاجئون بها قوات الأمن، وهناك أيضًا التدريب والخبرات المستقاة من فكر الجماعات الإرهابية عبر العالم. وحين كنت أفحص المعلومات عن هذه العملية الإرهابية قفز إلى ذهنى هذا الحادث الأليم الذى راح ضحيته رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى يوم 5 فبراير 2005 ومعه عدد من رفاقه، وهو الحادث الذى اتهمت فيه سوريا لبعض الوقت باعتبارها كانت بمثابة الوصى على الحياة السياسية اللبنانية آنذاك، وبعد عدة سنوات اتهمت عناصر من حزب الله اللبنانى، وما زال التحقيق الدولى جاريا، ولا يوجد ما يدل على التوصل إلى المتهمين الحقيقيين لهذه الجريمة النكراء. والحق أن ما قفز إلى ذهنى هنا هو الطريقة التى تمت بها جريمة قتل رفيق الحريرى، حيث ذكر أن هناك من قام بحفر جزء من الطريق الذى اعتاد أن يمر عليه رفيق الحريرى، ووضع فيه كميات من المتفجرات تم تفجيرها فى لحظة مرور سيارة الحريرى التى كانت تسبقها وتلحقها سيارتان مجهزتان بأجهزة حديثة توقف عمل الاتصالات اللاسلكية فى دائرة كبيرة، وبما يحول دون إحداث أى تفجير عن بعد بطريقة لا سلكية. الغرض من التذكير بما حدث للحريرى قبل تسع سنوات هو أمر بسيط للغاية، ذلك أن تكتيكات الحفر وتخزين المتفجرات فى أماكن يمر عليها مركبات متنوعة لغرض تفجير إحداها ليست جديدة فى حد ذاتها، ومن تابع الحرب بين مجموعات المجاهدين الأفغان التى تدربت على أيدى الاستخبارات الأمريكية مع القوات السوفيتية فى أفغانستان فى الثمانينات يدرك أن تكتيك تعطيل المركبة فى جزء من الطريق وتفخيخ الجزء التالى له هو أمر معروف منذ زمن بعيد. وبالنسبة للحالة اللبنانية فإن التحقيقات الدولية لم تصل إلى نتيجة محددة، ونظرا لتوافر أجهزة حديثة فى ركب الحريرى فقد تبين آنذاك أن الجهة التى دبرت الأمر تخطيطًا وتنفيذًا ليست جهة عادية، بل جهة لديها امكانيات تقنية عالية يمكنها إفساد عمل أجهزة ركب الحريرى بكل سهولة. وما زال افتراض أن جهة لديها قدرات تقنية عالية كانت وراء قتل الحريرى قائما ولم يهتز، بل إن مرور هذا الوقت الطويل دون التوصل للطرف الفاعل دون أدنى تشكيك، يزيد هذا الافتراض صلابة وقوة. بالنسبه لحالتنا فى مصر، من اليسير القول بأن هؤلاء الإرهابيين لا يعملون بعيدًا عن مظلة وتبعية جهاز استخباراتى شديد البأس، يضع الأفكار ويُسهل الحصول على التقنيات ويُدرب الأفراد عليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويرسل التعليمات ويراقب التنفيذ دون أن يبدو فى الصورة على الإطلاق. وهدفه من كل ذلك أن يظل الجيش المصرى وقوات الأمن فى حالة استنفار وفى حالة ضغط شديد، لعل ذلك يؤدى إلى إحداث ثغرات هنا وهناك، ثم قصور فى الأداء يتسع رويدا رويدا، ثم يكون بعدها لكل حادث حديث. ما يحدث فى سيناء ليس بعيدا عن تخطيط دول لا تريد الخير لمصر وتسعى فى خرابها ومعنى القول بأن ما يحدث فى سيناء ليس بعيدًا عن تخطيط دول لا تريد الخير لمصر وتسعى فى خرابها، فأدنى ذرة من العقل تؤكد أن وجود ألف أو ألفين أو حتى خمسة آلاف من العناصر الإرهابية يتمركز عدد منهم فى سيناء أو فى مناطق صحراوية فى الغرب باتجاه الحدود مع ليبيا، لن يستطيعوا أن يواجهوا الجيش والشرطة المصرية، ولن يستطيعوا أن ينالوا من عزيمة جنود مصر وشعبها، ولن يتمكنوا بإذن الله تعالى من تحقيق أهدافهم الخسيسة فى إقامة دولة هزلية تحت مسمى الخلافة كالتى نراها فى أجزاء من العراقوسوريا بزعامة المدعو البغدادى. ولكنه الكِبر معجون بالعمالة والخيانة للدين وللوطن الذى يدفع هؤلاء الإرهابيين إلى مثل هذه الأعمال الشريرة لصالح قوى الشر الأكبر فى المنطقة وفى العالم معا. وليس معنى أن هناك قوة أكبر توجه هؤلاء الإرهابيين لأغراض أبعد كثيرًا مما يعلنونه بأفواههم، أن نشعر بقدر من الثقة فى النفس أو نركن إلى صحة موقفنا أخلاقيًا ودينيًا ووطنيًا ونتصور أن هزيمة هؤلاء أصبحت قريبة. بل العكس هو الصحيح، فالمطلوب منا كمصريين، أفرادا ومؤسسات، حكاما ومحكومين، مدنيين وعسكريين، أن نعلى من همتنا وأن نرفع من طاقاتنا فى مواجهة هذا التهديد، وأن نتعامل معه بكل حذر واستعداد حتى يأذن الله تعالى بالقضاء عليه كاملا. ويقينًا فإن خبرات الإرهابيين تتطور وتتغير من حيث الأساليب والتكتيكات والأدوات، وبالتالى فإن مهمة الأجهزة الأمنية أن تكون أكثر تقدمًا عن فكر الإرهابيين، وأن تسبقهم فى التنبؤ والتوقع بخطوات كثيرة، وأن تحول دون وصولهم إلى مبتغاهم فى إحداث الإضرار فى الجنود أو المنشآت. وهنا يأتى دور التدريب للضباط والجنود وتثقيفهم على التصرف السليم مع جديد التكتيكات الإرهابية. والحاصل أن هناك تقدما فى الأداء الأمنى يمكن ملاحظته بسهولة، خاصة فى جمع المعلومات وتوجيه عدد من الضربات الاستباقية التى حالت دون وقوع خسائر كبيرة، وكشف العديد من الخلايا الارهابية، وآخرها ما حدث عندما تم القبض على الإرهابيين الإخوان الذين أطلقوا على أنفسهم كتائب حلوان أو غيرها، وثبت أنهم ليسوا إلا عناصر بعضها إجرامى، وبعضها الآخر ضحل عديم الثقافة والفكر والإيمان غرر بهم الإخوان واستخدموهم لأغراضهم الدنيئة دون أدنى أسف عليهم. خبرات الإرهابيين تتطور من حيث الأساليب والتكتيكات والأدوات، وبالتالى فإن مهمة الأجهزة الأمنية أن تكون أكثر تقدما عن فكر الإرهابيين، وأن تسبقهم فى التنبؤ والتوقع إن مثل هذا الأداء الأمنى الراقى فى حالة هذه الكتائب البائسة لابد أن يكون له صدى مباشر فى تلك المواجهات التى تجرى هناك فى أقصى شمال شرق البلاد. وإذا كان صحيحا أن هناك بعض الرسائل والتعليمات التى أمكن للأمن أن يكتشفها فى المداهمات الاستباقية لعدد من البؤر الإرهابية فى شمال سيناء وبها تعليمات بأن تنسحب عناصر حماس من سيناء فى غضون شهر على الأكثر، فربما يدلل هذا على أن التكتيكات الإرهابية وما بها من مناورات والتى يمارسها الإرهابيون ضد الجيش والأمن ليست تكتيكات محلية، ولكنها قادمة من وراء الحدود. كما يدلل أيضا على أهمية التعامل مع هذه العناصر الإرهابية باعتبارها مرتزقة حرب حتى ولو كان بعضهم من أبوين مصريين ويحملون الجنسية المصرية. وما دام الأمر فى سيناء وهى التى تحتضن أبناءها بجذورهم العربية والدينية الأصيلة، فليس أقل من حشد ذلك الانتماء بين أبناء سيناء ليكونوا ظهيرا لجيشهم العظيم. والدلائل الجارية تؤكد أن شرفاء سيناء أيًا كانت القبيلة التى ينتمون إليها يقفون ضد هذه العناصر الإرهابية، ويتعاونون مع سلطات بلدهم لكشفها والقضاء عليها. ولعلى هنا لا أبالغ حين أصف موقف أبناء سيناء بالوطنية الفطرية الغالية، وهم الذين لم يتورطوا فى مواجهات ذات طابع قبلى أو ثأرى مغلفا بطابع شخصى أو عائلى مع العناصر الإرهابية أو من السيناويين الذين تورطوا مع هذه الجماعات الشيطانية، حين لجأ الأخيرون إلى أسلوب دنىء تمثل فى قتل بعض الرموز القبلية وبعض الأشخاص وفصل رؤوسهم وتشويه سمعتهم الوطنية باعتبارهم عملاء للموساد الإسرائيلى. لقد كان واضحا لكل ذى عقل أن الغرض الأكبر من أفعال الإرهابيين الدنيئة التى تمس شرف أبناء سيناء ووطنيتهم، بث الرعب والخوف وإثارة التوتر القبلى والعشائرى ووضع السلطات بين فكى الرحى، أعلاها اقتتال بين أبناء العشيرة الواحدة، وأدناها أفعال الإرهابيين أنفسهم. بيد أن وعى السيناويين ووطنيتهم أفشلت هذا المسعى الدنىء، وهو الوعى الذى نعول عليه جميعا فى هزيمة الإرهاب والإرهابيين شر هزيمة. كل الدلائل تؤكد أن شرفاء سيناء أيا كانت القبيلة التى ينتمون إليها يقفون جميعا ضد العناصر الإرهابية، ويتعاونون مع سلطات بلدهم لدحرها وحين نتحدث عن الوعى يبرز أمامنا تصريح الرئيس السيسى بأن مواجهة الإرهاب ليست أمنية فقط. ولكنها شاملة ومتعددة الأبعاد، منها ما يتعلق بإزالة أسباب الفقر ومنع استغلاله من أجل تجنيد الشباب لصالح جماعات الإرهاب، ومنها ما يتعلق برفع مستويات الانتماء الوطنى وزيادة درجات الحصانة الفكرية والشعورية لدى كل المصريين جميعا، خاصة الفئات الشابة إزاء الأفكار الهدامة وغير السوية دينيا وأخلاقيًا ووطنيًا، ومنها ما يتعلق برفع درجة كفاءة وفعالية المؤسسات الأمنية وتطوير أداء أبنائها بصفة مستمرة بلا انقطاع. وفى مسيرتنا المصرية طوال العشرين عاما الماضية ثبت باليقين القاطع أن اللبنة الأولى فى هزيمة الإرهاب هى الفكر والثقافة والعقل المنفتح، والايمان الوسطى الناتج عن استيعاب صحيح الدين الاسلامى ومقاصده ومراميه العليا، جنبا إلى جنب الوضع الاقتصادى المناسب للغالبية العظمى من الشعب، ونشر الحقوق والفرص بالعدل والإنصاف. هذا الوعى لا يقل أهمية عن عنصرى العزيمة والإرادة اللذين تتحلى بهما القيادة السياسية، فهو مكمل لهما، وهو الحصن الحصين للإرادة السياسية العليا، وهو الظهير الذى يحول دون التراخى أو التراجع أو القبول بأنصاف الحلول. ففى مواجهة الإرهاب والإرهابيين إما نصر مبين وإما شهادة، ولا ثالث لهما.