انتهت الفرحة وتفرغنا للشماتة والتشكيك!. أما الفرحة فهى لعودة الجنود المخطوفين فى سيناء بدون إراقة دمائهم ودماء أبناء سيناء الذين كانوا من الممكن أن يصابوا ويقتلوا فى حالة التدخل العسكرى للإفراج عن المخطوفين. وليس غريبا أن يشعر كل المصريين بالفرحة لكن الغريب أن تنتهى هذه الفرحة بسرعة ويبدأ الجميع فى تبادل طلقات الشماتة والتشكيك!. المؤيدون للرئيس لا يخفون شماتتهم فى المعارضة - خاصة جبهة الإنقاذ- ويقولون إنهم أصيبوا بخيبة أمل بسبب النجاح الذى حققته مؤسسة الرئاسة وطريقة إدارتها للأزمة. أما المعارضون للرئيس فقد بدأوا يتحدثون عن صفقات مشبوهة وتمثيليات ويقولون إن هناك دلائل قوية على أن حادث الاختطاف مفتعل لأسباب لا تخفى على أحد!. متى نخرج من هذه الدائرة الجهنمية؟!المسألة فى الحقيقة لم تعد مقصورة على المؤيدين المتمثلين فى فصائل التيار الإسلامى والمعارضين المتمثلين فى جبهة الإنقاذ وبعض الحركات والائتلافات الأخرى.. إنما اتسعت وأصبحت تمثل ظاهرة حتى داخل التيار الواحد. على سبيل المثال نسمع من داخل التيار الإسلامى (الداعية السلفى محمد الأباصيرى) اتهامات لتنظيم الإخوان بأنهم خططوا لخطف الجنود السبعة فى سيناء والاتفاق مع الجهاديين.. مضيفا أن ما حدث مناورة سياسية ولعبة من أجل عدم القضاء على الجهاديين.. ومؤكداً أن العملية العسكرية انتهت وأن سيناء سترجع فى أيدى الجهاديين مجددا أن الرئيس سيقوم بعد شهرين بالإفراج عن المعتقلين السيناويين والجهاديين. وتلعب التلميحات ويلعب الغمز واللمز دورا كبيرا فى اتساع مساحة الظاهرة.. ظاهرة تبادل طلقات الشماتة والتشكيك والتخوين!. وتسمع - على سبيل المثال أيضا - عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط - وهو من المؤيدين للرئيس.. تسمعه يقول إن تحرير الجنود السبعة فى سيناء حقن دماءنا وألّف بين قلوبنا وكشف لنا المنافقين فينا الحالمين بجنازة ليشبعوا فيها لطم الخدود وشق الجيوب.. ويضيف: الحمد الله أن عافانى من الحقد الأسود الذى لا يعمى الأبصار ولكن يعمى القلوب التى فى الصدور!. وفى المقابل نسمع من المرشح الرئاسى السابق أبو العز الحريرى اتهامات تتجاوز حدود التلميح والغمز واللمز فيصف إطلاق سلاح الجنود السبعة بالإفراج عن الجناة وليس الجنود المصريين.. ويقول إن النظام خدع الرأى العام بأنه تمكن من الإفراج عن أبناء القوات المسلحة إلا أن الحقيقة أنه أفرج عن خاطفيهم وهو ما يمثل فضيحة للنظام الذى أسقط هيبة الدولة. ومن الممكن أن نعتبر مثل هذه الاشتباكات وتبادل الاتهامات جزءًا من طبيعة المشهد السياسى العام وامتدادا له.. لكن الحقيقة أن هذه الاشتباكات واستمرار تبادل الاتهامات فيما يتعلق بسيناء يمثل خطرا حقيقيا يبعدنا عن جوهر القضية ويعمى أعيننا عن مخاطرها!. *** منذ قيام ثورة 25 يناير وسيناء تمثل أكثر من غيرها من محافظات مصر نموذج الاستهانة بالدولة وتحدى السلطة!. منذ قيام الثورة شهدت سيناء حوادث غريبة وعجيبة.. شهدت تفجير خطوط الغاز تجاوزت عشرات المرات.. وشهدت مجزرة رفح التى راح ضحيتها 16 ضابطا وجنديا.. هناك أيضا اعتداءات وقعت على معسكر القوات الدولية لحفظ السلام واعتداءات على مصنع للأسمنت فى وسط سيناء تابع للقوات المسلحة.. ثم هذا الهجوم الشرس الذى وقع على حى الزهور بالشيخ زويد والكمين الذى نصب للجيش فى منطقة العوجة وأدى إلى إصابة سبعة جنود مصريين.. كل ذلك بالإضافة للهجوم الذى تعرض له كمين للجيش فى مطار العريش وقسم للشرطة فى نخل، ثم حوادث الاختطاف التى تعرض لها بعض السياح وتم بعدها الإفراج عنهم بالإضافة إلى حادث اختطاف الضباط الثلاثة وأمين الشرطة الذين لا يزالون مختطفين حتى الآن دون أن يعرف أحد مصيرهم.. وأخيرا حادث اختطاف الجنود السبعة الذين تم الإفراج عنهم مؤخرا. كل هذه الحوادث تضعنا أمام حقائق مؤكدة أولها أن سيناء أصبحت - شئنا أم أبينا - وكراً للإرهابيين والجهاديين التكفيريين.. ثم أنها أصبحت - سيناء- مخزنًا كبيرًا للأسلحة المهربة داخل مصر ومن بينها أسلحة ثقيلة مثل مضادات الطائرات والدبابات والمدرعات وغيرها. وليس هناك خلاف على أن اتفاقية كامب ديفيد وما تفرضه من قيود على القوات المسلحة فى سيناء.. ساهمت إلى حد كبير فى تفريع سيناء من العناصر والآليات التى كان من الممكن أن تردع هؤلاء الإرهابيين والتكفيريين. فى نفس الوقت لا نستطيع أن نتجاهل أن جسور الثقة مقطوعة بين أبناء سيناء وبين أجهزة الأمن المصرية خاصة أجهزة الشرطة وأمن الدولة. بعد ذلك كله وربما قبله فإننا لا نستطيع أن نتجاهل أن سيناء بصفة عامة تعانى من نقص كبير فى الخدمات والمرافق وأنها تكاد تكون محرومة من أى تنمية حقيقية اللهم إلا بعض الاستثناءات القليلة مثل شرم الشيخ. وتقودنا كل هذه الحقائق إلى نتائج أولها أن الوضع فى سيناء لم يعد ممكنا السكوت عنه وأن الوقت قد حان لكى تقوم القوات المسلحة بدورها الطبيعى فى تطهير سيناء من الإرهابيين والتكفيريين ومن الأسلحة المهربة.. ويقتضى ذلك إرادة سياسية حقيقية بالإضافة إلى ضرورة تعديل اتفاقية كامب ديفيد. لابد أيضا أن يكون هناك حل حقيقى ودائم لمسألة الأنفاق التى تربط غزةبسيناء.. والأفضل أن يتم هذا الحل بالتوافق مع حماس. فى نفس الوقت لابد أن تتجه الدولة لبحث جميع مشاكل أبناء سيناء والعمل على إذابتها.. ولابد أن تبذل أجهزة الأمن جهدها لترميم جسور الثقة بينها وبين أبناء سيناء. يضاف إلى ذلك أن الدولة مطالبة بتسيير قطار التنمية إلى سيناء وبأقصى سرعة. باختصار لابد من استعادة سيناء مرة أخرى.. صحيح أنها عادت لأحضان الوطن قبل أكثر من 30 عاما.. لكننا لم ننجح فى استعادتها حتى الآن!. *** استمرار معادلة الشماتة والتشكيك سيبعدنا عن الطريق الصحيح.. وإذا ابتعدنا عنه ضعنا وضاعت سيناء!. هل تتحمل مصر ذلك؟!.