مع اقتراب بدء انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2014 تصاعدت حدة الجدل حول تقييم برامج المرشحين الرئاسيين عبد الفتاح السيسى وحمدين صباحى وخصوصا من الناحية الاقتصادية لاسيما مع إعلانهما عن أبرز ملامح ومشروعات برنامجهما للفترة الرئاسية البالغة 4 سنوات ما بين عامى 2014 و 2018. وقبل الدخول فى تفاصيل البرنامجين تجدر الإشارة إلى عدد من النقاط أبرزها ما يلى: • سنعتمد فى التقييم على أهم المشروعات التى تم إعلانها بشكل رسمى من قبل المرشحين وسنفترض أن تنفيذها لن يتجاوز الفترة الرئاسية الأولى ومدتها 4 سنوات. • سنفترض أن تلك المشروعات قابلة للتنفيذ من الناحية الفنية خلال المدة المذكورة وسنفترض ان جميعها مشروعات مدروسة ومجدية من الناحية الاقتصادية. • سنأخذ فى الاعتبار المعطيات الحالية للموازنة العامة للدولة من نفقات تتجاوز 750 مليار جنيه وايرادات تدور حول 400 مليار جنيه بعجز كلى يبلغ نحو 350 مليار جنيه وهو ما يتوافق مع التصريحات الرسمية لوزير المالية الحالى. • سنركز على التمويل باعتباره أحد العناصر المهمة والحاكمة فى تنفيذ تلك البرامج وتحويلها إلى واقع على الأرض، لاسيما وأن هناك شبه اتفاق بين الخبراء والمراقبين والمرشحين الحاليين والسابقين على معظم التحديات التى تواجه الدولة وكيفية التصدى لها والمشروعات الكبرى المطلوب تنفيذها. أولا: برنامج المرشح عبد الفتاح السيسى تضمن «برنامج المستقبل» للمرشح عبد الفتاح السيسى توجهات عامة وتركيزا على مشروعات قومية كبرى فى مجالات التعمير والتنمية البشرية والتنمية بشكل عام وأهمها محورقناة السويس وتعمير سيناء بتكلفة إجمالية 320 مليار جنيه واستصلاح 4 ملايين فدان بتكلفة إجمالية 80 مليار جنيه خلال 4 سنوات بمتوسط 20 ألف جنيه للفدان، وكذلك إضافة 22 مدينة صناعية و26 مركزا سياحيا،و8 مطارات بتكلفة إجمالية 80 مليار جنيه، إضافة إلى تطوير البنية التحتية والمرافق والكهرباء وشبكة الرى بتكلفة 100 مليار جنيه، وتطوير الخدمات الحكومية، وتطوير قطاع الصحة بتكلفة 100 مليار جنيه والتعليم بما يتضمن انشاء 20 ألف مدرسة بتكلفة 500 مليار جنيه مع تسريع وتيرة سداد الدين الحكومى (بزيادة الأقساط المدفوعة من 200 مليار جنيه سنويا حاليا إلى 250 مليار جنيه) وتلك التقديرات مبنية على ما تمت الاشارة إليه فى البرامج إن وجدت أو تقديرات سبق اعتمادها للمشروعات فى مصر بفرض عدم زيادة التكاليف. ووفق هذا السيناريو المتحفظ فى تقدير التكاليف من المتوقع أن تبلغ تكلفة تنفيذ المشروعات المعلنة فقط فى البرنامج نحو 385 مليار جنيه سنويا بعد تقسيم التكلفة الإجمالية البالغة نحو 1.54 تريليون جنيه على الفترة الرئاسية البالغة 4 سنوات يضاف إليها العجز الكلى المتوقع فى الموازنة والبالغ 350 مليار جنيه ليرتفع حجم التمويل السنوى الاضافى المطلوب لتنفيذ البرنامج إلى 735 مليار جنيه. ثانيا: برنامج المرشح حمدين صباحى ركز برنامج «هنعيش كويس»للمرشح حمدين صباحى على نحو 21 مشروعا عاجلا فى مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام وأهمها إضافة 7 مليارات ميجاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بتكلفة 50 مليار جنيه، ومحور قناة السويس وتعمير سيناء بتكلفة إجمالية 320 مليار جنيه، و5 ملايين من المشاريع الصغيرة و2000 مشروع فى الصعيد و400 منجم ومحجر بتكلفة إجمالية 260 مليار جنيه بمتوسط 50 ألف جنيه لكل مشروع صغير، ومشروع تأمين صحى شامل للمواطنين بتكلفة 20 مليار جنيه سنويا، إلى جانب مشروع استرداد أموال التأمينات والمعاشات التى استولت عليها الحكومة والمقدرة بنحو 500 مليار جنيه على مدى 4 سنوات، وكذلك مشروعات أخرى فى مجالات تطوير المرافق والقطاع العام بتكلفة 24 مليار جنيه سنويا إلى جانب إقرار معاشات لفئات محرومة منها المرأة وذوى الإعاقة بتكلفة 12 مليار جنيه سنويا، فضلا عن تطبيق نصوص الدستور برفع نسبة الانفاق على التعليم والبحث العلمى من الناتج بزيادة 30 مليار جنيه سنويا، وتلك التقديرات مبنية على ما تمت الاشارة إليه فى البرامج إن وجدت أو ما سبق اعتماده لمشروعات مشابهة فى مصر بفرض عدم زيادة التكاليف. ووفق هذا السيناريو المتحفظ فى تقدير التكاليف من المتوقع أن تبلغ تكلفة تنفيذ المشروعات المعلنة فقط فى البرنامج نحو 386 مليار جنيه سنويا بعد تقسيم التكلفة الاجمالية البالغة نحو 1.47 تريليون جنيه على الفترة الرئاسية البالغة 4 سنوات يضاف إليها العجز الكلى المتوقع فى الموازنة والبالغ 350 مليار جنيه ليرتفع حجم التمويل السنوى الاضافى المطلوب لتنفيذ البرنامج إلى 718 مليار جنيه. فجوة التمويل وبصرف النظر عن تقييم المشروعات المطروحة فى البرنامجين وأهميتها وأفضليتها وجدواها وعوائدها الاقتصادية والاجتماعية على مصر ومواطنيها سنركز فى تحليلنا للبرنامجين على مدى قدرة كلا المرشحين على توفير التمويل اللازم للتنفيذ فى ضوء عدد كبير من المعطيات التى يجب ألا تكون غائبة عن الخبراء الذين قاموا بوضع تلك البرامج وأبرزها ما يلى: • كلا المرشحين يحتاج لتدبير تمويل إضافى يزيد على 700 مليار جنيه سنويا بما يعادل 100 مليار دولار من الداخل والخارج لوضع برنامجه موضع التنفيذ العملي. • أقصى تمويل سنوى إضافى عن الوضع الحالى يمكن الحصول عليه من الداخل والخارج حاليا لن يتجاوز 300 مليار جنيه على اقصى تقدير وذلك استنادا لأكثر الافتراضات تفاؤلا والتى ترتكز على ترجيحات تقوم على تخفيض عجز الموازنة بقيمة 100 مليار جنيه سنويا، وزيادة استثمارات القطاع الخاص المحلى بقيمة 50 مليار جنيه سنويا وزيادة تحويلات المصريين فى الخارج لأغراض الاستثمار بمقدار 15 مليار جنيه ( 2 مليار دولار) سنويا ، واستمرار المساعدات الخليجية السخية وزيادتها إلى 84 مليار جنيه (12 مليار دولار) سنويا، واستئناف المساعدات الأمريكية والدولية بقيمة 16 مليار جنيه ( 2.2 مليار دولار) سنويا، وتضاعف الاستثمارات العربية والأجنبية إلى 35 مليار جنيه ( 5 مليارات دولار). • الحصول على التمويل مشروط باستقرار الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية الذى يعد عنصرا حاكما فى جذب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية واستئناف عجلة الإنتاج وتشغيل المنشآت الصناعية والخدمية المتوقفة وعودة السياحة. • فى أفضل الأحوال ستظل هناك فجوة تمويلية ستواجه كلا المرشحين تقدر بنحو 400 مليار جنيه ستضع مشروعات البرنامجين على المحك ما لم يتم تقديم تعهدات وتصورات واضحة بشأن تلك القضية وكيفية معالجتها. • برنامج المرشح رغم أهميته البالغة فىمعرفة التوجهات والإقرار بالالتزامات التعاقدية مع الناخبين على تنفيذ إلا أنه لا يعد ولا يجب أن يكون العنصر الوحيد فى تقييم المرشحين. • أى برنامج لا بد أن يتضمن إصلاحا جذريا للأداء الحكومى عبر التصدى بشكل حاسم لمشاكل الإهمال وسوء الإدارة والفساد وبما يؤدى إلى الاستغلال الكفء للموارد الحكومية والتخلص التدريجى من عجز الموازنة خصوصا وان أى حكومة مدينة وفقيرة ستكون ضعيفة وغير قادرة على تنفيذ خططها وتعهداتها، وستفشل فى نيل ثقة المواطنين فى الداخل والمستثمرين والممولين من الخارج. وفى النهاية يجب التأكيد على أن هناك فروقا فردية بين قدرات وإمكانات كل مرشح وخلفيته وتوجهاته ومدى تعاون مؤسسات الدولة ولاسيما المؤسسة العسكرية وتجمعات رجال الأعمال والقوى السياسية والفاعلة محليا وكذلك القوى الخارجية ولاسيما دول الخليج والغرب، وهو ما يمكن أن يحدث تغيرا جذريا فى المعادلة سواء سلبا أو إيجابا وهو ما تؤكده التجارب السابقة فى مصر والعالم أيضا.