المتابع للبرامج الحوارية بالقنوات الفضائية المختلفة يحزن جدًا لما وصلنا إليه.. فمصر كلها تحولت إلى خبراء استراتيجيين ونشطاء سياسيين.. والفارق بينهما فى السن فقط.. فإن كنت شابًا ولسانك ليس حصانك فأنت تصلح لأن تكون ناشطًا سياسيًا، أما إذا كنت رجلًا «كبارة» وأحلت للتقاعد فأنت تصلح لأن تكون خبيرًا استراتيجيًا، حيث تستضيفهم هذه القنوات يوميًا ليصدعوا رؤسنا بكلام فارغ.. والإفتاء - عمال على بطال - فى كل شىء، فقد وصل الأمر إلى أنه بمجرد أن تفتح التليفزيون إلا ويخرج عليك إما خبير استراتيجى وإما ناشط سياسى.. (يانهار أسود).. هذه المهنة الجديدة لا تحتاج لأى مؤهلات أو مسوغات تعيين.. وأهم مؤهلاتهم هو الصوت العالى وأن يكون صاحبها سليط اللسان.. وحامل هذه المسميات كل ما عليه أن ينام طوال النهار ليسهر طوال الليل يتنقل بين القنوات الفضائية كالنحلة التى تتنقل من زهرة إلى أخرى لترتشف دولاراتها، أقصد رحيقها والإجابة عن أى سؤال ولا مانع من ترديد بعض الكلمات الأجنبية لزوم إقناع المشاهد «الغلبان» بعمق الثقافة وسعة الاطلاع، فضلًا عن الإظهار بأنه عالم بباطن الأمور، وأنه يقول لنا أسرارًا لا يعرفها أحد غيره.. وأنه على صلة ب «اللهو الخفى» الذى يسرب له هذه الأسرار، فقد سمعت أحدهم يؤكد أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك قد توفى وأن الموجود حاليًا ما هو إلا شبيه له.. وآخر يؤكد أن عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية ورئيس المخابرات الأسبق مازال على قيد الحياة.. وأنه سيظهر فى الوقت المناسب.. تصوروا.. فالأمر تحول إلى «سبوبة» يتربح منها حامل هذه المسميات الذين لا يتحرجون من الانتقال من قناة فضائية إلى أخرى فى نفس الليلة ليقولوا نفس الكلمتين.. ويقولوا ما يشاؤوا.. فالكلام عندنا والحمد لله ليس عليه جمرك. هؤلاء - للأسف - بيسمموا أفكار البسطاء بكلام مرسل وإحداث البلبلة داخل البلاد.. هذه الظاهرة فى ازدياد، حيث أصبح لدينا خلال السنوات الماضية عدد هائل من هؤلاء الخبراء والنشطاء.. لا أعرف من أين أتوا؟ وأين كانوا قبل ثورة 25 يناير؟ ومن الذى منحهم هذه المسميات.. لتصبح مهنة من لا مهنة له بدلًا من الجلوس على المقاهى.. وقد ساعد على انتشارها الإعلام وارتفاع نسبة البطالة فى مصر التى وصلت إلى 14%. إننى أتساءل أين الدولة من هؤلاء النصابين؟ فوجود هؤلاء دليل قاطع على حالة الفوضى التى مازالت تعيشها البلاد ويعيشها مجتمعنا.. وأقول لهم (اللى اختشوا ماتوا).