هو أبو بكر مليكة جرول بن أوس العبسى، لقب بالحطيئة لقربه من الأرض، فضلا عن ضعف جسمه ودمامة وجهة، ولد لجارية تسمى الضراء كانت عند أوس ابن مالك العبسى، ونشأ فى قبيلة عبس مغمورا مذلولا بسبب عدم صحة نسبه، وهو ما جعله يعيش وحيدا منفردا بأحزانه، منبوذا من القبائل الأخرى، فاتخذ الشعر سلاحا يهتك به أعراض الناس ويبتزهم ويدافع عدوان الآخرين عليه. ومع ذلك فقد كان شاعرا قوى العبارة بديع البناء غزير المعانى تتلمذ على يد الشاعر الكبير زهير ابن أبى سلمى، وروى له ولأبنائه من بعده، ولكنه اشتهر بالهجاء حتى أنه لم يسلم أحد من لسانه، وعندما لا يجد من يهجوه كان يهجو نفسه، فقد شاهد وجهه فى بئر ماء.. فقال: أبت شفتاى اليوم ألا تكلما بشر فما أرى لمن أنا قائله أرى لى وجها شوه الله خلقه فقبح من وجه وقبح حامله كذلك لم تسلم أمه أو السيدة التى قامت على تربيته من هجائه، فقد قال فيها: جزاك الله شرا من عجوز ولقاك العقوق من البنينا أغربالا إذا استودعت سرا وكانونا على المتحدثين؟ تنحى فاجلسى منى بعيدا أراح الله منك العالمين وقد ولد الحطيئة فى الجاهلية، ولكنه عاش طويلا وأدرك الإسلام فأسلم ثم ارتد وأعان المرتدين بشعره: أطعنا رسول الله إذ كان بيننا فيا لعباد الله ما لأبى بكر أيورثها بكرا إذا مات بعده فتلك وبيت الله قاصمة الظهر وفى عهد عمر بن الخطاب هجا الحطيئة الزبرقان بن بدر التميمى وكان سيد قومه يجمع منهم الصدقات يوزعها على فقراء المسلمين، ولم يصل للحطيئة شىء من العطايا فقال فيه: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس أى أنت المطعوم المكسو، فلا تدعى الكرم بتوزيعك صدقات قومك، فاشتكاه الزبرقان إلى الخليفة عمر فحبسه، فأخذ الحطيئة يستعطفه بأبياته المشهورة: ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم فى قعر مُظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر لم يؤثروك بها إذ قدموك لها لكن لأنفسهم كانت بك الأثر فامنن على صبية بالرمل مسكنهم بين الأباطح يغشاهم بها القدر فعفا عنه عمر بعد أن أخذ عليه عهدا إلا يهجو أحدا ويقال إنه اشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم! ومع ذلك فقد عاد للسباب والهجاء بعد استشهاد عمر، فقد سأل أمه عن أبيه، فلم تكن صريحة معه وخلطت عليه الكلام، فقال: تقول الضراء لست لواحد ولا اثنين، فانظر كيف شرك أولئكا وأنت hمرؤ تبغى أبا قد ضللته هبلت ألم تستفق من ضلالكا وكما كان الحطيئة هجاءً شتاما.. كان أيضا بخيلا، فقد روى أنه كان يجلس فى فناء بيته، فوفد عليه رجل غريب، فلم يحسن الحطيئة استقباله، ولكن الرجل غلبه التعب ونام بجوار المنزل فقال الحطيئة: سلم مرتين فقلت مهلا كفتك المرة الأولى السلاما ونقنق بطنه ودعا رءوسا لما قد نال من شبعا وناما ومع ذلك فقد كان الحطيئة شاعرا مجيدا.. قوى العبارة تغريز المعانى وها هو ذا يمدح إحدى القبائل التى أكرمته وأجزلت له العطاء: يسوسون أحلاما بعيد أناتها وإن غضبوا جاء الحفيظة والجُد أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البُنا وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا وعندما تقدم به العمر.. كان ينطق شعرا يتصف بالحكمة، ومما قاله فى ذلك: ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقى هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخرا وعند الله للأتقى مزيد ولعل أطرف ما قيل عن هذا الشاعر الهجاء، أنه عندما شعر بقرب أجله أوصى أن يعلق على كفنه: لا أحد ألأم من حطيئة هجا البنين وهجا المريئة فقال له من كانوا حوله: يا أبا مليكة، رحمك الله أوص، فقال: الشعر صعب وطويل سلمه إذا ارتقى فيه الذى لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه يريد أن يعربه فيعجمه فقالوا له: هذا مثل الذى كنت فيه، فقال: قد كنت أحيانا شديد المعتمد وكنت إذا غرب على الخصم ألد فوردت نفسى وما كادت ترد فقالوا له ماذا تطلب، فقال: تحملونى على أتان (بغل) وتتركونى راكبها حتى أموت، فإن الكريم لا يموت على فراشه، والأتان مركب لم يمت عليه كريم قط، فحملوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون عليها حتى فاضت روحه إلى بارئها!