المونولوجات الفكاهية تشبه الرسوم الكاريكاتيرية فهى تسخر من عاداتك السيئة.. وتضحكك على نفسك.. أول مونولوج فكاهى فى مصر ظهر فى الأربعينات من القرن العشرين، كتبه ولحنه حسن كامل بعنوان «الصاحى والسكران» ينتقد فيه اندفاع الشباب فى تقاليد نقلها عن جنود الحلفاء فى الحرب العالمية الأولى، ثم كتب محمد عبد القدوس (قندس) مونولوج «كان مرة وأنا ماشى فى نواصى الشانزليزيه» ينتقد فيه شبابنا الذى كان يسافر إلى فرنسا للدراسة فيهملها جريا وراء جميلات باريس.. وكتب يوسف وهبى مونولوج «هشكو»، وكتب حسن فايق «شم الكوكايين خلاّنى مسكين» وكتب الصحفى الكبير والمحامى الشهير فكرى أباظة مونولوجات مماثلة وكان يلقيها بنفسه، وظهرت مونولوجات مماثلة لحسن رحمى المحامى وعبد الله شداد، ونقل المونولوجست حسن المليجى هذا اللون إلى الملاهى الليلية، وتشجعت بعض الفنانات على تقديمه ومنهن تيتا ومارى، فتحية محمود، أديا ليفى، هنريت، بهية أمير، فتحية شريف، نعمات المليجى، ثريا حلمى.. وظهر سيد سليمان ومحمد الجنيدى ومحمود شكوكو وإسماعيل يس الذى أضاف النكتة أثناء أداء المونولوج.. وظهر جيل جديد مثل سعاد أحمد وتيتا صالح وأحمد غانم وسيد الملاح ولبلبة وحمادة سلطان وفكرى الجيزاوى. كانت مونولوجات إسماعيل يس وشكوكو سببا فى انتشار المونولوج الفكاهى فى مصر ومعظم الدول العربية، ففى الكويت ظهر المونولوجست ملا مزعل، فى الستينات فى القرن العشرين متأثرا بإسماعيل يس وشكوكو ومعهما المونولوجست العراقى عزيز على، كان ملا يقدم مونولوجاته دون مصاحبة موسيقية، ثم ظهر هناك المونولوجست أحمد القلاف ليستخدم المصاحبة الموسيقية فى المونولوج، وجاء كل من محمد العامر وأحمد القطامى ومحمد لويس وتناولوا فى مونولوجاتهم موضوعات اجتماعية منها: «عناد المرأة، والتغير الذى يطرأ على سلوك المواطن عندما يجرى الدينار فى يده، فتغيّر سلوكياته إلى الأسوأ. وفى ليبيا تعرض المونولوج لموضوعات الأمية، وسوء التدبير المنزلى، وإقامة الأفراح على الطريقة الأوروبية، وإحلال فساتين الأفراح محل الأزياء الشعبية القومية، والبذخ، وعدم ضبط سلوكيات الأطفال أثناء الزيارات الاجتماعية. وفى تونس كان على الدوعاجى أول أديب ساخر. ثم تكونت جماعة «تحت السور» وانضم إليها بيرم التونسى لفترة وكتب الشاعر حسين الجزيرى قصيدة عن العادات السيئة للتونسيين فى شهر رمضان ولهفتهم على الأكل. وطّور صالح الخميس فن المونولوج وأكمل محمد الحداد ومحمد المورالى والهادى السملالى ما بدأه. وكان فن الدوباى - نسبة إلى قالب الدوبيت - غناء حرا فى بوادى وريف ومدن السودان، وقد ظل سائدا حتى عام 1956 عندما حصل السودان على الاستقلال فظهر عدد من نجوم المونولوج البدائيين الأميين ومنهم عبد الكريم بلبل والفاضل سعيد وجعفر عز الدين ومحمد سليم. وفى لبنان ظهر الشاعر الشعبى عمر الزعنى الملقب ب «موليير الشرق».. «فولتير العرب» و«ابن الشعب» و«ابن البلد»، قدم مونولوجات سياسية منها: «راحت عليكم ماحدا سائل» بعد أن لاحظ انشغال المجتمع بموضوعات سفور المرأة وحجابها عن احتلال لبنان، كما قدم مونولوجات «حاسب يا فرنك» عن قيمة الفرنك و«بلا مسيو بلا مستر.. بلا فرنسا بلا انجلترا» عن الحلفاء والمحور «ما بعدها عيطة.. ولا بدها شيطة.. وقع المقدور.. ولبست البرنيطة» عن التخلى عن الطربوش والإقبال على البرنيطة بدلا منه. عرف العراق فن «الإخبارى» وهو تعليق ساخر على خبر أو عادة سيئة، وكان عبود الكرخى يكتب الشعر الساخر لتؤديه فرقة «المربعات البغدادية» مع مطربها فاضل رشيد، وشجعت الإذاعة التى بدأ بثها هناك فى الثلاثينيات هذا اللون.. ثم ظهر على الدبو يقدم مونولوجات نقدية مثل «سكران بالك عنه» و»الطلاق» و»المطرحية»، وقدم حسين على أغانيه الكاريكاتيرية الهادفة، أما عزيز على فكان نجما فى هذا المجال، وخلّصه من الحركات البهلوانية والإيمائية أثناء الأداء واستخدم الأمثال الشعبية العراقية فى مونولوجاته عن السياسة والاحتلال والوطنية والدعوة للحرية. المونولوج الفكاهى رسالة توبيخ ساخرة تلقى الضوء على العيوب ونقط الضعف فى المجتمع وتفضح أشخاصا بعينها تخرج فى سلوكياتها عن الخط السليم، وكان محمود شكوكو وإسماعيل يس رائدين فى هذا الغناء الكاريكاتيرى وانتشر منهما إلى البلاد العربية ثم انقرض إلا من بعض الأشكال التى يقدمها شباب الأغنية، فإذا استمعت إلى أحدهم يهزّر أو يستظرف فى أغنية نكون قد عدنا إلى الغناء الكاريكاتيرى.