بعد فترة غياب طويلة عن الجمهور بسبب الأحداث السياسية وتراجع المستوى الفنى..عادت خشبات مسرح الدولة لتضئ من جديد بمجموعة من العروض الجيدة، وعلى رأسها عرض «طقوس الموت والحياة» للكاتب المتميز الدكتور عصام عبد العزيز على مسرح الطليعة. وتقول الناقدة والكاتبة حنان غانم عن المسرحية : «ما يكاد المشاهد يجلس فى مقعده لكى يشاهد هذا العرض حتى تعتريه الرهبة سواء من جانب الكلمات التى تجعل المشاهد يواجه قدره وحياته وذاته وذلك من خلال الكلمة التى كتبها المؤلف فى النشرة المسرحية الخاصة بالعرض، أو من جانب الديكور المسرحى الذى يبعث الرهبة فى النفوس والمصاحب لإضاءة خاصة تتغير بتغير الموقف الإنسانى الذى تمر به الشخصيات الدرامية أو من جانب الموسيقى المسرحية التى تهز المشاعر أو من جانب الأداء الرائع للممثلين، والذى قام المخرج الشاب مازن الغرباوى بتصميم الحركات والتحكم فى الأداء الذى يتوافق مع النبض الدرامى المنبعث من النص الذى كتبه د. عصام عبد العزيز أستاذ الدراما وفن الكتابة بأكاديمية الفنون. وتضيف حنان: «فالمشاهد يقرأ تلك الكلمات: (عزيزى المشاهد.. حين تجلس فى مقعدك داخل تلك القاعة الصغيرة لكى تشاهد الشخصيات الإنسانية وهى تجسد لك (طقوس الموت والحياة).. ستجد أن تلك الشخصيات فى حالة حصار، إنها محاصرة بالحوائط الأربعة التى تحيط بهم من خلال لحظات العرض.. محاصرة من القدر الذى يطاردهم ويقتفى أثرهم بألعابه القاسية.. ولكن لا تنس لحظة واحدة.. أنك شريك أساسى فى تلك اللحظات القاسية وسوف تعانى أيضا مع تلك الشخصيات التى تحترق أمامك ومن أجلك فى بوتقة هذا العرض .. ولا مفر لك ولنا من هذا الحصار . إن الحياة تبعث الحب والموت قاس وله رهبة ولكن لا موت بلا حياة ولا حياة بدون موت . إنه نظام هذا الكون والذى يشعر فيه الإنسان بالحصار الدائم بين الحب والحياة ومواقف القدر فى تلك الحياة .. فإذا دفعك هذا العرض لتواجه ذاتك ومجتمعك وحياتك .. نكون بذلك قد دفعناك إلى التفكير وحققنا معا نظرية التلاحم بينك وبين الممثل الذى يحترق أمامك وذلك لكى ننصهر معا خلال هذا العرض فنولد مرة أخرى من جديد ولدينا رؤية أعمق وأشمل لتلك الحياة . وتستطرد حنان غانم قائلة: «مرة أخرى.. عزيزى المشاهد أنت شريك فعال فى هذه التجربة والتى أحب أن أسميها (تجربة انصهار الذات) حيث يطهر الألم الإنسان خلال طقوس القدر والحب والحياة والمصادفة .. وفن المسرح قادر على تحقيق ذلك). العرض يقدم لنا موضوع الحياة والموت والتضحية وذلك من خلال تجسيد لحظات درامية لامرأة فقدت زوجها، حيث كان عماد حياتها وخاصة إنها امرأة عاقر ...ولذا نجدها تقسم أن تظل بجوار قبر الزوج الحبيب انتظارا لحدوث معجزة كونية وهى أن يبعث مرة أخرى إلى الحياة من أجلها أو أن يضم هذا القبر جسدها لكى يجمعها مرة أخرى بزوجها، إذ إنها لم تفارقه فى الحياة فكيف لها أن تفارقه فى الموت! ولا تمضى سوى ساعات حتى تدخل امرأة أخرى مع طفلها لكى تقدم طقوس الموت على هذا القبر قبر زوجها ولكى يتعلم الطفل كيفية تأدية الواجب نحو أبيه المتوفى . غير أن الصدمة التى تحدثها تلك الزيارة تقلب الموازين كلها.. فهل تركها وتزوج بأخرى لكى ينجب حيث إنها عاقر! أم كان زوجا خائنا! وينشأ الصراع الدرامى بين الاثنين.. حتى تتكشف الحقيقة وهى أن تلك الأم لم تكن تعرف أين قبر زوجها ولا تريد أن تجهد نفسها فى البحث فوقع الاختيار على هذا القبر صدفة. ثم نرى العريف الذى يحرس جثة الثائر المتمرد والذى يقع فى حب تلك الأرملة الحزينة .. ويشعر الاثنان بنوع من الالتقاء الروحى بينهما إذ إن الحياة مستمرة.. وعندما يكتشف أن الجثة قد سرقت يحاول العريف الانتحار خوفا من المحاكمة، غير أن تلك المرأة تفتدى العريف بجثة زوجها. ومن خلال تلك المفارقات والمواقف الدرامية.. يعيش المشاهد مع جميع اللحظات الدرامية ويتفاعل معها بسب الأداء الرائع والمتكامل لمجموعة رائعة من الممثلين .فقد أدت نهى لطفى دور المرأة الأرملة بقدرة رائعة خلال تجسيد اللحظات الدرامية المتغيرة من لحظة إلى أخرى. ويصاحب هذا الأداء التعبير بالجسد من خلال الحركة والرقص الحركى المعبر عن اللحظة الدرامية ، وتجسد فاطمة محمد دور الأم والتى لا تبالى بشىء سوى المال وتجيد دورها من خلال الحركة والصوت والغناء الذى ينبعث من القلب فى تموجات من النواح.. وكذلك الطفل حازم عبد القادر والذى أظهر موهبة رائعة فى تجسيد دوره . أما محمود عزت فهو موهبة متفجرة بطاقته وحركته وصوته، ويؤدى دور العريف،فيما يجسد مايكل ناجى دور الجندى من خلال أداء كوميدى يكسر به من حدة المواقف الدرامية المتتابعة.