هل أصبحت فرنسا دولة عنصرية ؟.. هذا السؤال طرح على نطاق واسع بعد تشبيه مجلة «مينوت» اليمينية المتطرفة لوزيرة العدل الفرنسية ذات البشرة السمراء «كرستيان توبيرا» بالقردة، حيث نشرت المجلة الأسبوعية صورة للوزيرة على غلافها ووصفتها بالذكية مثل القرد وبامتلاكها ضحكة تشبه الموز. وقد أثار هذا الأمر سخط السياسيين الفرنسيين اليساريين واليمينيين على حد السواء بالإضافة إلى غضب الرأى العام فى فرنسا، كما سارعت الصحف للتنديد بهذه العنصرية الزاحفة على فرنسا فتراوحت العناوين فى كبريات الصحف الفرنسية بين « يكفى» فى ليبراسيون، و«العنصرية لن تمر» فى لوموند، و«التنديد الشريف» فى لوفيجارو. كما تساءلت صحيفة «لوباريزيان» عما إذا كانت فرنسا قد تحولت إلى بلد عنصرى.. ونقلت الصحيفة عينات ونماذج للتعليقات والكتابات ذات الطابع العنصرى التى تعج بها مواقع التواصل والشبكات الاجتماعية، كما ذكرت الصحيفة أن طفلة تعرضت لوزيرة العدل فى أحد الاجتماعات بالقول «كلى موزة يا قردة». وكانت مرشحة الجبهة الوطنية لبلدية «ريتيل» الفرنسية آن صوفى لوكلير نعتت فى وقت سابق توبيرا بأنها تشبه القرد. وبعد ساعات قليلة من انتشار الخبر والصورة أعلنت النيابة العامة فتح تحقيق بسبب إهانة توبيرا نتيجة الطابع العنصرى الذى تحمله الصورة وتم إحالة التحقيق إلى وحدة مكافحة الجرائم الواقعة ضد الأفراد فى شرطة باريس وقد تم سحب 40 ألف نسخة من الصحيفة. كما خرجت وزيرة العدل الفرنسية كرستيان توبيرا عن صمتها للمرة الأولى منذ شغلها المنصب فى 2012 لتتحدث عن مسلسل الإهانات العنصرية التى تتعرض لها حيث ذكرت أنها تعرضت لإهانات متصلة بالقرد والموز منذ فترة طويلة ولم يتحدث أحد عن تلك الإهانات مشيرة إلى خطورة ارتفاع المد العنصرى الذى أصبح متأصلا فى المجتمع الفرنسى. وعلى الجانب الآخر ورغم الجدل الذى أثارته هذه القضية إلا أنها لم تجد أى تعاطف من جانب النخب الإعلامية والسياسية التى أخذت فى الدفاع عن صورة فرنسا ورفضت تهم العنصرية الموجهة لها حيث علقت عضوة الحزب الاشتراكى الحاكم والمرشحة السابقة فى الانتخابات الرئاسية سيجولين رويال بالقول إن فرنسا ليس بلدا عنصريا ، كما سعى رئيس الحكومة جان مارك إلى نفى ما يقال عن تغير مواقف المجتمع الفرنسى. ومن جانبه، أدان مكتب مفوضية الأممالمتحدة لحقوق الإنسان الهجوم العنصرى على وزيرة العدل كرستيان توبيرا ذات البشرة السمراء وأكد روبرت كولفين المتحدث باسم مكتب المفوضية أن هذا الاعتداء غير المقبول على سياسية بارزة بناء على لون بشرتها يعتبر دليلا صارخا على ارتفاع نبرة العنصرية والخوف من الأجانب، وأكد كولفين أن القادة السياسيين يتحملون مسئولية خاصة لقيادة الطريق فى مجال مكافحة العنصرية وكراهية الأجانب مكررا توصيات الأممالمتحدة لحقوق الإنسان الموجهة إلى فرنسا من قبل اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصرى لتكثيف جهودها للتصدى لموجة العنصرية. ورأت جمعية فرنسية مناهضة للعنصرية أن هذا الهجوم ضد الوزيرة ليس عملا معزولا، مشيرة إلى أن هذا السلوك يندرج ضمن استراتيجية شاملة لليمين المتطرف الذى يحاول إضفاء الشرعية على استخدام الكراهية والعنصرية ، فى الوقت الذى تتعرض فيه فرنسا إلى اتهامات قوية من قبل لجان الأممالمتحدة بخصوص التمييز العنصرى الذى انتشر فى البلاد مؤخرا.. وانتقدت أيضًا منظمة العفو الدولية فرنسا لطردها 10 آلاف من الغجر من مستوطنات غير رسمية فى النصف الأول من هذا العام، كما طالب الاتحاد الأوروبى فرنسا فى سبتمبر الماضى باحترام حقوق الغجر وذلك بعدما اقترح وزير الداخلية الفرنسى مانويل فالس أن يعود الغجر إلى أوطانهم، كما أثارت تصريحات عمدة مدينة «شوليه» وعضو البرلمان جيل بوردوليكس موجة من الغضب والتنديد بالعنصرية بعد تصريحاته التى قال فيها لمجموعة من الغجر ممن رفضوا إخلاء حقل يتبع البلدة التى يسكنون بها «ربما لم يقتل هتلر ما يكفى منكم». ويرجع البعض ارتفاع اللهجة العنصرية التى اجتاحت فرنسا الفترة الماضية إلى صعود حزب الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بزعامة مارين لوبان، وكشف استطلاع للرأى أن 34%من الفرنسيين يؤمنون بأفكار الجبهة الوطنية التى تدافع عن الثقافة الفرنسية ورفضها للآخر، كما يعتبر نسبة كبيرة من الفرنسيين أنه يصعب على من ينحدرون من أصول افريقية العيش فى فرنسا. وتشير دراسة سويدية إلى أن فرنسا هى البلد الأكثر عنصرية فى أوروبا حيث أعرب نحو 27% ممن شملتهم الدراسة عن عدم رغبتهم فى أن يسكن بلدهم أجناس مختلفة عن الجنس الأوروبى وهو الأمر الذى أسفر عن تصدر فرنسا قائمة البلاد الأكثر عنصرية متقدمة عن الولاياتالمتحدة وروسيا.