مشكلة تلوث ضخمة يعانى منها نهر النيل وروافده من الترع المنتشرة على طول وعرض مصر حيث يستقبل النيل على مدار الساعة كميات كبيرة من ملوثات الصرف الصحى والزراعى والصناعى والعديد من التجاوزات البشرية نتيجة للأنشطة السياحية والنقل وغيرها وتعد السبب المباشر لإصابة المواطنين بقائمة كبيرة من الأمراض وفى مقدمتها التهاب الكبد الوبائى وغيره من الأمراض السرطانية وأمراض الفشل الكلوى والأمراض الجلدية وأمراض التسمم الغذائى وخلافه ...وبما يحقق خسائر جسيمة فى الأرواح وتكلفة باهظة للعلاج واستخدام كميات مضاعفة للكلور فى تنقية مياه الشرب اللازمة للمواطنين. هذه الملوثات تتسبب فى مشكلة أخرى وهى أن هناك نوعًا من الطحالب تنمو على سطح الماء بعد انتشار تلك الملوثات وصلت فى بعض المجارى المائية إلى درجة أنها غطت سطح المياه تماما مثلما حدث فى مناطق كثيرة من ترعة المحمودية وهى المصدر الوحيد للمياه العذبة بمحافظة الإسكندرية وما يتبع ذلك من تلوث وأمراض تنتقل للإنسان. ووسط تجاهل من المسئولين لمحاولة إيجاد حل لتلك المشكلة يتوصل فريق علمى من جامعة الإسكندرية إلى طريقة علمية لتنقية مياه النيل وروافده من تلك الطحالب من خلال معالجات بيولوجية ودون استخدام أى كيماويات أو مبيدات تزيد من تلوث المياه،والطريقة تساهم فى ذات الوقت فى مضاعفة الإنتاج السمكى وإنتاج أسماك للفقراء. ( أكتوبر) التقت د.عبد العزيز نور أستاذ تغذية الحيوان والأسماك بكلية زراعة الإسكندرية وقائد الفريق العلمى للتعرف على تلك الطريقة الجديدة الواعدة. ? ما الذى يؤدى إلى انتشار الطحالب على سطح المياه بتلك الطريقة وهل لها تأثير ضار؟ ?? هذه الطحالب التى تنتشر على سطح مياه النيل والمجارى المائية خلقها الله وسخرها لتكون أول ما يتعامل مع هذه الملوثات حيث تقوم بامتصاص المازوت والفسفور من المياه الملوثة وتعيش عليها، ولكن انتشار هذه الطحالب بشكل كبير تفقد البيئة المائية للاتزان الحيوى حيث تتسبب فى مقتل ما يليها من كائنات فى الهرم الغذائى المائى وانهيارالسلسلة الإحيائية الطبيعية بما فيها الأسماك نتيجة لتدهور جودة المياه، وهذا يعتبر تفسيرًا مباشرًا لأسباب انخفاض كميات إنتاج الأسماك فى نهر النيل (كمًا ونوعًا). ? وماذا عن الطريقة التى توصل إليها الفريق العلمى لتطهير المياه من الطحالب؟ ?? استطاع فريق البحث استخدام نوع معين من الأسماك لتنقية مياه نهر النيل وملحقاته تنقية بيولوجية آمنة من خلال استزراع أنواع من أسماك صديقة للبيئة من عائلة الكارب وفى مقدمتها أسماك الكارب الفضى والشائع تسميتها بأسماك السلفر أو «المبروك الفضى» ذات المقدرة الفائقة على جمع الطحالب الدقيقة والهوائم الموجودة على سطح المياه أثناء التنفس والحصول على الأكسجين الذائب منها فيتم تجميع هذه الطحالب الدقيقة والهوائم على صورة كور على خياشيمها. ? وهل لهذه السمكة القدرة على التهام هذه الطحالب ؟ ?? خياشيم السمكة ذات المقدرة الفائقة على الفلترة الميكانيكية للطحالب تقوم بتجميعها على صورة كور على الخياشيم حيث يتم ابتلاعها والحد من تواجد هذه الهوائم بنسب تتراوح ما بين 40 و50% للهوائم الحيوانية والنباتية على التوالى. ? وهل للأسماك القدرة على التهام كميات كبيرة من الطحالب؟ ?? تشير النتائج العلمية لدراساتنا المنشورة عالميا أن هذه السمكة سريعة النمو وتحقق من كيلو إلى كيلو وربع فى عامها الأول ومن اثنين ونصف إلى ثلاثة كيلو للسمكة فى العام الثانى ومن أربعة إلى خمسة كيلو للسمكة فى العام الرابع وهكذا إلى أن تصل إلى وزن 27 كيلو جرامًا وطول حوالى المتر، ومن المدهش أن نعرف أن كل كيلو جرام من الزيادة فى الوزن يستهلك ثمانين كيلوجرامًا من الطحالب الدقيقة بما لايدع مجالا للشك فى المقدرة الفائقة لهذه الأسماك الصديقة للبيئة وأخواتها على تنقية مياه نهر النيل وملحقاته من التلوث بتقنية صديقة للبيئة بمفهوم التنقية البيولوجية الآمنة بما يسمح باستعادة التوازن الحيوى المائى الذى يسهم بدوره فى تحسين جودة المياه وزيادة الإنتاج السمكى وعودة الأسماك المنقرضة نتيجة التلوث لتعيش فى مياه النيل بما يحقق التنوع فى أنواع الأسماك وعودة الأسماك عالية القيمة الغذائية مثل سمكة قشر البياض وخلافه. ? وهل تصلح السمكة للأكل خاصة مع الخوف من ترسب المعادن الثقيلة الموجودة بالملوثات الموجودة بالمياه فى جسم الطحالب وانتقالها إلى السمكة ومن ثم إلى جسم من يتناولها؟ ?? الثابت علميا أن الطحالب لا تمتص المعادن الثقيلة من المياه،لأن الطحالب تعيش على سطح المياه ولا تعيش تحت السطح إلا على مسافة لا تزيد على 15 سنتيمترًا لأنها تحتاج إلى الشمس، أما المعادن الثقيلة فتترسب فى قاع المياه، وبالتالى لا تصل إلى جسم السمكة بعد التهامها للطحالب، وبالتالى تكون أسماك الكارب صالحة للاستهلاك ولا خوف منها خاصة مع الأحجام الكبيرة التى تصل إليها وإمكانية إنتاج «الفيليه» منها، وقد قمنا بتربية هذه السمكة فى بحيرة المنزلة والمعروف أنها شديدة التلوث وقامت وزارة الصحة والطب البيطرى بتحليل عينات من السمكة وثبت إنها سليمة تماما ولا تحتوى على أى ملوثات، لذلك فتربية هذه الأسماك مفيدة من عدة نواح أولها تنقية المياه،ومنها أيضا مضاعفة الانتاج السمكى سواء عن طريق إعادة التوازن البيولوجى إلى المياه وعودة نمو أنواع الأسماك المختلفة، أو من خلال إنتاج أسماك الكارب نفسها والتى تصل كما قلت إلى أحجام كبيرة جدا وبالتالى تساهم فى الأمن الغذائى. وأسماك الكارب الفضى لا ينصح بصيدها قبل بلوغها وزن الكيلو حيث يتحول السفا الى عظام يصعب انتزاعها من اللحم كما يسهل إنتاج «الفيلية». ? هل تم إجراء تجارب لاستزراع السمكة على أرض الواقع ؟ ?? نعم هناك تجارب تم تطبيقها وقصص نجاح تحققت على أرض الواقع من خلال تطبيق نتائج البحوث العلمية على أرض الواقع وقد بدأنا بتطبيقها فى فرعى النيل بدمياط ورشيد بالتعاون مع جامعة الإسكندرية، ثم طبقناها ببحيرة المنزلة والانتقال حاليا إلى مرحلة جديدة من التطبيق فى ترعة المريوطية بمحافظة الجيزة بطول كيلومتر من المسطح المائى، وقد بدأت بشائر الخير فى الظهور فى الأسواق البعيدة حيث تم نشر خبر صحفى يقول «أسماك مجهولة تغزو أسواق أسيوط وسعر الكيلو من 3-6 جنيهات» والسمكة المجهولة فى أسيوط اتضح لنا أنها الكارب الفضى وما نصبو إليه ونطمح فيه وهو تحقيق الوفرة من الغذاء الرخيص للفقراء. ? لماذا لم تحاولوا تطبيق التجربة على المستوى القومى؟ ?? حدث أن قدمنا مشروعا قوميا للمسئولين فى وزارات الرى والزراعة والبيئة وغيرها يهدف إلى تخليص نهر النيل العظيم وملحقاته من الآثار الضارة على المياه من الملوثات وإنتاج مليون طن من الأسماك الرخيصة للمواطنين سنويا وتوفير فرص ومجالات عمل متعددة للشباب كما نهدف الخطة إلى مضاعفة إنتاجنا السمكى فى خلال خمس سنوات وبلوغ ثلاثة ملايين طن سنويا دون أية زيادة فى فاتورة استيراد الخامات العلفية اللازمة للتوسع فى انتاج البلطى المستزرع بل تحقيق الاكتفاء الذاتى من الأسماك بدلا من استيراد أربعمائة ألف طن سنويا فى الوقت الحالى بل تصدير الفائض لتسديد جزء كبير من فاتورة استيراد القمح . وأؤكد على أهمية تضافر الجهود بين كل من الجهات المسئولة والجمعيات الأهلية والأفراد لإنتاج مايلزم من اصبعيات سنويا من أسماك «المبروك الفضى» من مفرخات صناعية وأحواض رعاية اليرقات وخلافه للمساهمة فى الحد من تلوث مياه النيل وملحقاته وكذلك توفيرها لمشروعات للاستزراع السمكى للشباب وبأقل تكلفة ممكنة حيث إنها تتغذى فقط على الغذاء الطبيعى ولا تتناول أى أعلاف صناعية مما يساهم في الحد من تكاليف الإنتاج (بدون تغذية ) والحد من البطالة والفقر وتحسينا للحالة الغذائية والصحية للمواطنين بالإضافة إلى زيادة الدخل القومي للبلاد والحد من استيراد الأسماك، خاصة أن هذه السمكة تعتبر (سمكة الأمل لمصر ). ? لماذا لم يحاول الفريق العلمى المساهمة فى تطهير ترعة المحمودية وهى المصدر الوحيد للمياه العذبة بالإسكندرية من الطحالب وكذلك بحيرة مريوط التى تعانى من مشكلة تلوث حادة ومزمنة من خلال تطبيق المشروع؟ ?? بحيرة مريوط لم نستطع العمل فيها لوجود جهات معينة تسيطر على البحيرة ولا تسمح لأحد بالعمل بها، أما ترعة المحمودية فنحن على أتم استعداد للمساهمة فى حل المشكلة بها إذا أراد المسئولون ذلك وطلبوه منا ويسروا لنا العمل بالترعة، المشكلة واضحة والحل واضح ويحتاج فقط إلى إرادة للعمل والحل. فهل يستجيب المسئولون أم تظل الأبحاث العلمية رهينة الأدراج؟