توريد 67 ألف طن قمح إلى شون وصوامع الوادي الجديد منذ بداية الموسم    اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب    عمرو أديب: فرق الدوري الإنجليزي مبترحمش.. الصناعة بتجيب فلوس مش عزبة زي عندنا    حبس موظف بمحكمة أسيوط لحيازته كنزا أثريا في شقته    المخرج حسام جمال: "إلى ريما" مأخوذ عن رواية في قلبي انثي عبرية"    محافظ كفر الشيخ: تقديم خدمات طبية ل645 مواطنا بالقافلة العلاجية المجانية بمطوبس    مصر تواصل الجسر الجوى لإسقاط المساعدات على شمال غزة    تعليق ناري من أحمد موسى على مشاهد اعتقالات الطلاب في أمريكا    شرايين الحياة إلى سيناء    لميس الحديدي: رئيسة جامعة كولومبيا المصرية تواجه مصيرا صعبا    "مستحملش كلام أبوه".. تفاصيل سقوط شاب من أعلى منزل بالطالبية    جريمة طفل شبرا تكشف المسكوت عنه في الدارك ويب الجزء المظلم من الإنترنت    قطارات السكة الحديد تغطي سيناء من القنطرة إلى بئر العبد.. خريطة المحطات    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية «بيكلموني» التريند في 3 دول عربية    عزيز الشافعي عن «أنا غلطان»: قصتها مبنية على تجربتي الشخصية (فيديو)    حزب أبناء مصر يدشن الجمعية العمومية.. ويجدد الثقة للمهندس مدحت بركات    "اشتغلت مديرة أعمالي لمدة 24 ساعة".. تامر حسني يتحدث عن تجربة ابنته تاليا    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    افتتاح المدينة الطبية بجامعة عين شمس 2025    غدا.. إعادة إجراءات محاكمة متهم في قضية "رشوة آثار إمبابة"    80 شاحنة من المساعدات الإنسانية تعبر من رفح إلى فلسطين (فيديو)    ما هي مواعيد غلق المحال والكافيهات بعد تطبيق التوقيت الصيفي؟    صور.. إعلان نتائج مهرجان سيناء أولا لجامعات القناة    سمير فرج: مصر خاضت 4 معارك لتحرير سيناء.. آخرها من عامين    حبست زوجها وقدّمت تنازلات للفن وتصدرت التريند.. ما لا تعرفة عن ميار الببلاوي    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    «الحياة اليوم» يرصد حفل «حياة كريمة» لدعم الأسر الأولى بالرعاية في الغربية    أمل السيد.. حكاية مؤسِّسة أول مبادرة نسائية لتمكين المرأة البدوية في مطروح    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    طاقة نارية.. خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد من هذا القرار    أنس جابر تواصل تألقها وتتأهل لثمن نهائي بطولة مدريد للتنس    بالصور.. مجموعة لأبرز السيارات النادرة بمئوية نادى السيارات والرحلات المصري    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    عاجل.. وزير الخارجية الأميركي يتوجه إلى السعودية والأردن وإسرائيل مطلع الأسبوع    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة| الأنابيب الكيني يفوز على مايو كاني الكاميروني    ليفربول يُعوّض فينورد الهولندي 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع المدرب الجديد    النيابة تطلب تحريات إصابة سيدة إثر احتراق مسكنها في الإسكندرية    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    بلينكن في الصين.. ملفات شائكة تعكر صفو العلاقات بين واشنطن وبكين    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    ضبط عاطل يُنقب عن الآثار في الزيتون    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    عمرو صبحي يكتب: نصائح لتفادي خوف المطبات الجوية اثناء السفر    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مليارات «دول الخليج» هل تمنح «قبلة الحياة» للاقتصاد المصرى؟!
نشر في أكتوبر يوم 25 - 08 - 2013

يتأرجح الاقتصاد المصرى صعودا وهبوطا على وقع الأحداث السياسية وصخب النخب المتناحرة على موقع الصدارة فى مؤسسات الحكم والتشريع، ومع كل قنبلة غاز أو طلقة خرطوش يدوى صداها فى الشارع تنزلق المؤشرات الاقتصادية نحو المنطقة الحمراء دون وعى من بعض اللاعبين على الساحة السياسية بأن الاقتصاد والسياسة ثنائية لا يمكن انفصام أحدهما على الآخر.
وبتعبير أكثر دقة يمكننا القول بأن الحالة الاقتصادية تجرى فى «الأوانى المستطرقة» للمناوشات السياسية وتتراقص على إيقاعاتها، ولأن عالم الاقتصاد لا يعرف سوى الحقائق والأرقام، فإنه منذ خروج الجماهير قبيل 30 يونيو 2013 سواء المؤيدة للرئيس المصرى السابق د. محمد مرسى أو المطالبين برحيله فإن الاقتصاد المصرى بدأ حالة من النزيف الحاد غض عنها الإعلام الطرف فى مقابل إزاحة جماعة الإخوان المسلمين من سدة الحكم. وبحسب دراسة للخبير فى صندوق النقد الدولى، الدكتور نبيل حشاد، بلغت حجم الخسائر التى تكبدها الاقتصاد المصري، بسبب زيادة حالة الاحتقان السياسى والحذر والترقب، الذى تزايدت حدته بشكل كبير مع قيام الأمن المصرى بفض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة بنحو 100 مليار جنيه.
الآثار الاقتصادية
وقد تتعاظم هذه الآثار الاقتصادية السلبية للاحتقان السياسى، فى ظل استمرار سيناريو تخفيض التصنيف الائتمانى السيادى لمصر، خصوصا أنها حاليا تقف على نفس مستوى التصنيف الائتمانى لليونان وهو (تريبل سى)، وبالتالى فإن التخفيض الجديد يعنى مزيدا من التدهور فى التخفيض يتبعه بالضرورة تخفيض التصنيف لجميع المؤسسات العاملة بالسوق المصرية، وفى مقدمها البنوك، وهو ما يترجم فى زيادة وزن المخاطر بالنسبة لمصر، الذى يبلغ حاليا 150%. ويترتب على زيادة المخاطر بطبيعة الحال ارتفاع تكلفة الاقتراض من الخارج، حيث تقترض مصر حاليا بأعلى معدلات الفائدة فى العالم (نحو 4.6%)، وهى فائدة السندات الأخيرة لقطر. ومن المؤكد أنه فى حالة عدم انفراج الوضع السياسى ستتراوح خسائر الاقتصاد المصرى ما بين 1 و2% من الناتج المحلى الإجمالى، والكلام للدكتور حشاد، حيث تقدر هذه النسبة بنحو 50 مليار جنيه على مستوى الاقتصاد الرسمى، و60 مليار جنيه على مستوى الاقتصاد غير الرسمى، إلى جانب نحو 50 مليار جنيه خسائر سوق المال.
وذهب تقرير صادر عن بنك « كريدى أجريكول سى أى بى» إلى أن تكلفة الأزمة المصرية الراهنة تكلف البلاد ما لا يقل عن‏310‏ ملايين دولار يوميا، وأن قطاع السياحة سيكون أكثر قطاعات الاقتصاد تضررا جراء الأزمة، وأن نحو مليون سائح غادروا مصر فى أعقاب قيام الحكومة بفض اعتصامى رابعة والنهضة.
القطاعات الأكثر تضررا
وعلى المستوى القطاعى يتكبد قطاع النقل خسائر يومية قدرها 15 مليون جنيه، وفقا لتقرير نشره موقع «محيط»، وذلك جراء الأحداث الجارية، وأن الخسائر اليومية لمترو الأنفاق تبلغ مليون جنيه يوميا، أما خسائر السكك الحديدية المصرية فتبلغ 4 ملايين جنيه يوميا، فيما تبلغ خسائر الموانئ المصرية 10 ملايين جنيه يوميا.
وبحسب موقع «العربية»، خسرت البورصة ما بين 40 و50 مليار جنيه من قيمة رأس مال الأسهم المقيدة بها خلال يوليو 2013، بسبب الخروج الجماعى للمستثمرين الأجانب والعرب والمصريين، على خلفية حالة الاحتقان السياسى، التى يشهدها الشارع المصرى.
كما تدنت الإيرادات الحكومية اليومية المحصلة من الضرائب والمرور ورسوم الدمغة وغيرها نتيجة تباطؤ الحياة وايثار الكثير من المواطنين عدم النزول للشارع فى هذا التوقيت الحرج، بمعدلات غير مسبوقة.
وشهدت معدلات الواردات والصادرات تراجعا ملموسا، بحسب فؤاد الخباطى رئيس مصلحة الجمارك المصرية، بسبب تأثير الانفلات الأمنى وتخوف المستوردين من تعرض وارداتهم للسرقة أثناء نقلها، إلى جانب قصر فترة عمل البنوك التجارية، وهو ما يزيد من زمن إصدار موافقات على فتح الاعتمادات المستندية لتمويل حركة التجارة..
ومن الاقتصاد الحكومى إلى الخاص فقد تخطت خسائر الشركات المقيدة بالاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء 30 مليون جنيه، وذلك بسبب توقفها عن العمل خلال أسبوع فض الاعتصامين، بحسب تقرير صادر عن الاتحاد المصرى للمقاولين.
وتكبدت المنشآت الصغيرة والمتوسطة خسائر فادحة قدرها اتحاد الغرف التجارية، فى بيان له، بالمليارات، بسبب استمرار حالة حظر التجول فى أغلب محافظات الجمهورية إلى أكثر من 12 ساعة يوميا، حيث يدلل الواقع العملى أن محلات بيع التجزئة اضطرت أمام هذا الحظر إلى تقليل ساعات العمل إلى نحو 40% من المعتاد، فضلا عن قيام محلات الذهب والصرافة والأدوات المنزلية والملابس وخلافه إلى زيادة خدمات الحراسة والتأمين تخوفا من السطو والسرقة.
جراح الاقتصاد
كل هذه الخسائر عمقت من جراح الاقتصاد المصري، الذى يعانى بالأساس خللا هيكليا منذ ثورة 25 يناير 2011، وتذهب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية المصرية إلى تراجع معدلات النمو إلى مستويات لا يمكن أن تستقيم معها الأمور، وأن معدل النمو المحقق خلال العام المالى 2012- 2013 يقدر بنحو 2.2%، وأن معدل البطالة تعدت 13%، وأن معدل التضخم تعدى حاجز ال10%، مع كل ما يعنيه هذا من زيادة هائلة فى أسعار السلع الأساسية كالغذاء والطاقة.
وكشفت هذه البيانات أن هذه المؤشرات السلبية تتعاظم آثارها فى مجتمع يعيش نحو 50% من مواطنيه تحت خط الفقر، (بنحو أقل من دولارين يوميًّا). ومن مظاهر الخلل أيضا زيادة عجز الموازنة إلى نحو 11% من الناتج المحلى الإجمالى خلال العام المالى 2012-2013، وذلك فى ظل وصول حجم الفجوة التمويلية إلى نحو 20 مليار دولار، وبلوغ نسبة العجز الجارى إلى 3.1% من الناتج المحلى الإجمالى، الأمر الذى يعنى تراجع الاستثمارات الأجنبية تحت وطأة تدهور الوضع الأمنى.
وزاد من تداعيات الخلل الهيكلى الذى يعانيه الاقتصاد منذ بداية 2011، التفاعلات غير المحسوبة أو المتوقعة فى المشهد السياسى، تحت مظلة حالة عدم الاستقرار الأمنى، مما ترتب عليها زيادة حدة الصعوبات المالية، التى تتمثل فى تراجع أداء البورصة، وتدهور التصنيف الائتمانى (قامت مؤسسة مودز بتخفيض تصنيف مصر الائتمانى إلى أكثر من ثلاث مرات)، وتزايد الضغوط على الجنيه (فقدت العملة الوطنية خلال الشهور الأخيرة من 2012 والأولى من 2013 أكثر من 20% من قيمتها الشرائية)، مما يهدد السوق بموجات تضخمية جديدة ذات آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية وخيمة.
خطة الاحتياجات العاجلة
وبالفعل بدأت حكومة الببلاوى فى تنفيذ خطة الاحتياجات العاجلة لإنقاذ الاقتصاد، التى تستهدف تحسين مستوى الخدمات، التى تمس الحياة اليومية للمواطنين، بما يخدم تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية, وتوفير فرص عمل للشباب، وتحسين مناخ الاستثمار لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وتعمل الحكومة، وفقا للبيان الصادر عن مجلس الوزراء المصرى فى النصف الأول من أغسطس 2013، على توفير التمويل المطلوب لتنفيذ هذه الخطة من خلال جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية مع التركيز على الاستثمارات العربية, والإسراع فى تنفيذ مشروعات المشاركة بين القطاعين العام والخاص، وخاصة تلك المدرجة فى الخطة الاستثمارية للدولة للعام المالى 2013-2014 فى مجالات الطرق والصرف الصحى والمستشفيات.
وعلى الرغم أن الحكومة من أولوياتها الأمن والاستقرار الاقتصادى إلا أنه حتى كتابة هذه السطور لم يصدر قرار عنها يفعل هذا التوجه، وإن كان ذلك بسبب تزايد حالة العنف والاحتقان السياسى فى الشارع المصري، مما يتعذر معه البدء فى إجراءات فعلية لانتشال الاقتصاد من هوة السقوط.
ويجدر بالحكومة فى ظل هذه الظروف الكارثية عند تنفيذ خطتها الاستثمارية أن تعطى المشروعات القائمة التى أوشكت على الانتهاء، والمشروعات كثيفة العمالة أولوية، للتخفيف من مشكلة البطالة، دون إغفال المشروعات التى تمس الحياة اليومية للمواطنين، والمشروعات، التى ترفع من نسبة المكون المحلى من أجل إحلاله محل الواردات وتخفيف الضغط على الميزان التجارى.
المشكلات الملحة
وتتحرك الحكومة أيضا لمواجهة التأزم الاقتصادى باتخاذ القرارات مع المشكلات الملحة، التى لا تحتمل التأجيل وتحاول الإصلاح فى مجالات مختلفة فى نفس الوقت، وذلك لكونها حكومة تأسيسية تعد الملعب، كما قال د. أحمد جلال وزير المالية، للحكومات القادمة، فالحكومة تقدم نوعا من أنواع العمل التأسيسى، كونها تشارك فى وضع لبنات مؤسسية تعمل على أساسها كثير من الحكومات القادمة. وبالفعل تعمل الحكومة الحالية على وضع خطة لتقليل عجز الموازنة المزمن حاليا ومستقبلا، لأن هذا العجز أصبح خارج السيطرة، وهو أمر فى غاية الخطورة، وبخاصة على محدودى الدخل، لأنه يزيد من الضغوط التضخمية، والفقير أول من يتأثر بالتضخم.
وبحسب وزير المالية فإن توجه الحكومة فى الفترة القادمة يركز على ثلاثة محاور، هى الانضباط المالى, وتنشيط الاقتصاد، والعدالة الاجتماعية، وذلك كله للمساهمة فى تغيير المشهد الاقتصادى.
ويلعب القائمون من الحكومة على الشأن الاقتصادي، وفقا ل»د. جلال»، كفريق واحد لانتشال الاقتصاد من عثرته والخروج به إلى منطقة آمنة، وهذا يتطلب انجازا فى الجانب السياسى، لأن الاستقرار الأمنى سيؤدى لتدوير عجلة الاقتصاد بشكل كبير، فالسياحة، وهى مصدر مهم من مصادر النقد الأجنبى فى مصر ستنشط فى حالة عودة الأمن, بالإضافة إلى كافة نواحى العمل الاقتصادى.
ولن تكون السياسات التقشفية حلا وحيدا لتقليل عجز الموازنة، فالعدالة الاجتماعية تتطلب إعادة النظر فى منظومة الحماية الاجتماعية ومبادرات الخدمات الصحية والسياسات الاقتصادية ذات الطابع الاجتماعى.
لكن الاستخدام الكفء للأموال المقدمة كدعم من دول مجلس التعاون الخليجى وبخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت وقطر، التى تتعدى نحو 12 مليار دولار ما بين مساعدات لتأمين الاحتياطى النقدى الأجنبى أو دعم للموازنة العامة أو برامج دعم سلعى .. هذا الدعم يساعد فى تنشيط الاقتصاد.
معجزة الإنقاذ
وبدأب؛ فإن الحكومة تبذل جهدها للعمل على تثبيت الأوضاع قدر الإمكان، لكن الشارع المصرى يترقب المنقذ، الذى يمتلك القدرة على إخراج الاقتصاد من هذه الكبوة إلى أفاق رحبة من النمو المستدام، وهذا ما يحتاج، فى رأى د. سمير رضوان، الخبير الاقتصادى وزير المالية الأسبق، إلى «معجزة»، وأنه بالنظر إلى هذا الواقع يبدو أن معجزة وحدها قادرة على إنقاذ الاقتصاد من المستقبل القاتم الذى يواجهه.
والتاريخ يشى بأن المعجزات لا تقع هكذا، بل تصنع عن سابق تصور وتصميم، وأنه فى العديد من «المعجزات» المهمة، كان ثمة رؤية، وأن مصر فى عهد محمد علي، وفترة مييجى فى اليابان، وتعافى الولايات المتحدة وأوروبا فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومعجزة النمو الآسيوية، التى انتشلت الملايين من الفقر فى وقت قياسي، وبروز مجموعة البريكس كقوة اقتصادية عالمية، كانت جميعها معجزات مخطط لها.
ونصح د. رضوان القائمين على إدارة الاقتصاد فى مصر الآن أن يحرصوا على أن يحذو بالاقتصاد حذو هذه الدول، وأن يسعوا إلى إرساء رؤية خاصة بها، على أن تأخذ هذه الرؤية بعين الاعتبار أوضاعه الأولية، والتبدلات الاقتصادية التى تجرى حالياً على المستوى العالمي، والسعى الجاد لمعالجة مجموعة من القضايا، التى يمكن أن تضمن انتقالا اقتصاديا ناجحا، وتوفر حلولا ملموسة على المدى القصير (قرابة عام)، والمدى المتوسط، حتى 2020.
معطيات الخطة
ويجدر بالقائمين على تنفيذ خطة المعجزة، أن يضعوا فى اعتبارهم أن الاقتصاد المصرى قبل 2011، وفقا للبيان المالى للموازنة العامة المصرية 2011 /2012، كان ينمو بنحو 7.2% سنويا، وأن الناتج المحلى تضاعف من 100 مليار دولار إلى 200 مليار فى الفترة (2000 -2010)، وارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى من 1600 دولار إلى 2800 دولار، إلا أن ثمار هذا النمو لم «تتسرّب» إلى المجموعات ذات الدخل الأدنى.
ووفقا ل «رضوان»، كانت نسبة 20% من السكان دون خط الفقر بين عامى 2000 و2010، فى حين كان 22% منهم مهدداً بالهبوط إلى مستويات أدنى فى حال وقوع أى صدمات اقتصادية داخلية أو خارجية، وأنه فى الوقت الراهن، يبلغ معدل البطالة 12.6% (25% منها بين الشباب).
وفى ظل هذه الأوضاع المتردية، يجب أن تكون نقطة الانطلاق بالنسبة لمصر، هى السعى لتوليد الطلب من خلال زيادة فرص العمل، خاصة أنه بحلول 2020، سيبلغ عدد سكان مصر نحو 100 مليون نسمة، منهم 33 مليوناً من قوة العمل، وأنه لتوفير فرص عمل لهذا العدد من اليد العاملة، يحتاج الاقتصاد لأن ينمو بنسبة 7% على أساس سنوى لفترة لا تقل عن 10 سنوات، مما يستدعى زيادة الاستثمارات من 15% إلى 25% من الناتج المحلى الإجمالي.
المساعدات الخليجية
ومن الخبرة المصرية السابقة يتضح أن الوصول إلى معدل استثمار يدور حول نسبة 25% ليس بالأمر الهين، بل تحد، لا يمكن ادراكه، كما قال د. رضوان، إلا عبر تطوير استراتيجية لحشد الموارد على المستويين المحلى والدولي، وأن الحكومة مطالبة فى هذا الشأن بالبدء فوراً فى تطبيق حزمة تحفيز مهمة للاستثمار فى قطاعات لا تساهم بالتضخم، على غرار البنى التحتية والتعليم والصحة والاسكان الاجتماعى، بالتزامن مع اقرار حزمة من حوافز الاستثمار لتحفيز القطاع الخاص للمشاركة فى العملية.
ولا مانع من أن توظف الحكومة حزمة المساعدات الخليجية (نحو 12 مليار دولارا) فى زيادة معدلات الاستثمار، خاصة فى ظل عجز الاقتصاد القومى عن تمويل حزمة الحفز، بسبب زيادة عجز الموازنة الذى يقدر بنحو 200 مليار جنيه، وارتفاع حجم الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يقدر بنحو 1.5 تريليون جنيه.
ويجدر بالحكومة، أيضا التخلّى عن نظام الدعم غير العادل، الذى يخصص بمعظمه للوقود (يستحوذ على نحو 30% من النفقات العامة)، وأخيرا، اطلاق حملة لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية، وترقية روح مبادرة تنظيم المشاريع، عبر إنشاء هيئة فريدة تعمل على دعم هذا النوع من الأعمال.
الحل السياسى
هكذا يستوجب انقاذ الاقتصاد جهودا مدروسة قادرة على تحقيق المعجزة، لكن تحقيق هذه المعجزة، كما يرى هانى توفيق، رئيس الاتحاد العربى للاستثمار المباشر مرهون بالقدرة على مواجهة المشكلة السياسية، لأن الأزمة الحالية ليست اقتصادية، وإنما سياسية وأن خروج الاقتصاد من أزمته يرتبط بالحل السياسى.
وانقاذ الاقتصاد، وفقا ل «توفيق»، ينطلق من القدرة على الوصول إلى مصالحة شاملة، يمكن أن يترتب عليها دفعة قوية لمعدلات أداء الاقتصاد، خاصة مع وجود الحكومة الحالية، التى تتمتع بكفاءات متميزة، بالإضافة إلى حزمة المساعدات السعودية والإماراتية والكويتية، التى ساهمت فى دعم الاحتياطى النقدى، ومواجهة أزمة السيولة النقدية، التى كانت تهدد قدرة الحكومة على توفير المستلزمات الأساسية وعلى رأسها المواد البترولية.
القطاع العام
يبدو أن اختلاف خبراء الاقتصاد رحمة أيضا، فالبداية، فى رأى السفير جمال البيومي، الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، مغايرة، تتمثل فى ضرورة إعادة النظر فى شكل ملكية الدولة للمؤسسات والأنشطة التجارية، خاصة أن الشكل الحالى القائم فى مصر سقط عالميا، وبالتالى لا يوجد مبرر لوجود القطاع العام، الذى يكبد الدولة 8 مليارات جنيه خسائر سنوية.
وأمام هذا الوضع المؤسف، الذى لا تتمكن فيه الدولة من إدارة مطعم للفول والطعمية، يجب البحث عن صيغة جديدة تقوم على الاستعانة بإدارة قوية لهذا القطاع الكبير، لما تمثله هذه الإدارة القوية من مكاسب للدولة وللعاملين أيضا، خاصة أن هذا القطاع كان دوما بابا خلفيا للفساد الإدارى والبيروقراطية، وأنه يكفى للدولة أن تمتلك مؤسسات كبرى غير تجارية كقناة السويس ومصر للطيران والسكك الحديدية، لأنها تحتاج لانفاق كبير والفساد فيها قليل.
وكذا المطلوب العمل على تحسين المناخ الاقتصادى، لأن ذلك سيساهم بقوة فى فض الاحتقان السياسى، لأن جزءا كبيرا منه قائم بالأساس بسبب مشكلات اقتصادية، وهذا أمر ما يزال فى الإمكان، لأن الاقتصاد المصرى قوى ومتين للغاية، ويعد الأكبر فى شمال أفريقيا، والثالث عربيا بعد السعودية والامارات، وأن هذه القوة يستمدها من وجود موارد وثروات وإمكانات كبيرة، تتمثل فى 30 مليون يد عاملة وسوق ضخم وأرض ثرية وثروة مائية وكهربائية، وأن ما ينقص الاقتصاد هو فقط العمل على استغلال هذه المقدرات.
وأزمة الاقتصاد الحالية، وفقا ل «البيومى»، تتمثل فى أن الدولة تعيش بأكثر مما تنتج، وبالتالى تعانى عجزا، وأن الخروج من هذا المأزق يتحقق من خلال زيادة الانتاج وتقليص الاستهلاك حتى يتحقق التوازن بين الجانبين، وأنه بالعمل على تحقيق هذه المعادلة يمكن خلال عامين أن يستعيد الاقتصاد عافيته، التى لن تأتى إلا بالإنتاج عن طريق سواعد وعقول أبناء الوطن وليس بالاعتماد على المعونات أو المساعدات.
زيادة الإيرادات
زيادة الايرادات العامة أحد أهم مداخل إنقاذ الاقتصاد، خاصة أن الدراسات الاقتصادية تذهب إلى أن المنظومة الضريبية تحتاج إلى تدخل سريع لإصلاح ما بها من عوار ناتج فى مجمله عن وجود عدد من التحديات، تتمثل فى اتساع حجم القطاع غير الرسمى، وانتشار التهرب الضريبى، وتفشى الفساد فى المؤسسات الإيرادية.
وعلى الرغم من أن الإدارة الضريبية تبذل منذ ثورة 25 يناير جهودا على طريق إصلاح المنظومة الضريبية، كما تقول د. منال متولى، مدير مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، تمثلت فى بدء تنفيذ إجراءات منع التهرب من ضريبة المبيعات بقطاع السجائر ومنتجات التبغ، وإصدار القانون رقم 11 لسنة 2012، الذى يمنح حوافز أداء عن سداد المتأخرات الضريبية، إلا أن هذه الجهود ما تزال قاصرة عن تحقيق الطموحات المرجوة.
ومن واقع الدراسات الميدانية يتضح جليا أنه لكى تتحقق الأهداف المرجوة من جهود الإصلاح الضريبى، يجب العمل وفقا لعدد من الضوابط، أهمها أن يكون الاصلاح شاملا، وأن يتم التفرقة بين الضرائب على الدخل الشخصى والضرائب على الشركات، وأن تكون الضرائب على الدخل الشخصى أكثر تصاعدية، والعمل على تدعيم الاهتمام بالضريبة غير المباشرة، لأنها أكثر دعما للاقتصاد، فضلا عن ضرورة الأخذ بالضريبة الافتراضية فى القطاع غير الرسمى.
لكن قدرة الحكومة على إصلاح هذه المنظومة، وفقا ل «د. منال»، يرتبط بمدى قدرتها على تحويل ما يتم تحصيله من إيرادات ضريبية إلى مشروعات خدمية على الأرض يشعر بها المواطن، وبالتالى يقبل على دفع المزيد من الضرائب، لأنه ما دام المواطن لا يشعر بمردود إيجابى للضرائب، التى يقوم بدفعها، فإنه سوف يجتهد بل ينفق ما باستطاعته لكى يتمكن من التهرب من دفع الضرائب المستحقة عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.