باستثناء بعض التطويل، وبعض الغموض والإضطراب فى الثلث ساعة الأخيرة، فإن فيلم «The great gatspy» أو جاتسبى العظيم، الذى افتتح مهرجان كان، هو تجربة هامة ولافتة للغاية، بل إنه أكثر نسخ الأفلام المأخوذة عن رواية «سكوت فيتز جيرالد» الشهيرة بنفس الفيلم إبهارًا وثراء من الناحية البصرية، ليس لأنها صورت بتقنية البعد الثالث، ولكن لأن هناك عناية واضحة بالتعبير عن الدراما بالصورة واللون، رغم أن الرواية الأصلية التى صدرت عام 1925 محدودة الأماكن، الملاحظ أيضًا أن «جاتسبى العظيم» فى نسخته الحديثة التى أخرجها الاسترالى «باز لورمان» تنجح إلى حد كبير فى وضع يدها على أهم مفاتيح الرواية، ويرسم بطله كشخصية تراجيدية يكشف فشلها فى تحقيق حلمها الخاص، وفشل الحلم الأمريكى العام، فالصورة اللامعة البراقة تكشف عن مأساة أكثر تعاسة مما تتوقع. رواية «جاتسبى العظيم» صغيرة الحجم، ولكنها مازالت تعتبر من أهم روايات القرن العشرين، قدمتها هولييود فى عدة أفلام أشهرها بالقطع فيلم «جاتسبى العظيم» الذى لعب بطولته «روبرت ريدفورد» و «ميا فارو» فى السبعينيات، الأحداث معروفة للكثيرين، الراوى «نيك كاراواى» (توبى ماكجواير) يروى لنا عن شخصية غامضة هى «جاى جاتسبى» (ليوناردو دى كابريو)، بنى قصرًا ضخمًا وأقام الحفلات الصاخبة لأشهر أثرياء ونجوم نيويورك، كان «نيك» قد أستأجر منزلًا صغيرًا بجوار «جاتسبى»، وقرر «نيك» أن يزور قريبته الجميلة «ديزى» (كارى مورلجان) وهى زوجة وأم لطفلة، وزوجها ثرى بالوراثة هو «توم بوكانان»، تتم دعوة «نيك» لحضور حفلة صاخبة يقيمها «جاتسبى»، وهناك يلتقى الاثنان، هناك كلام كثير يتردد عن كون «جاتسبى» من أبطال الحرب العالمية الأولى، وهناك من يقول إنه قريب قيصر ألمانيا شخصيًا، والبعض يقول إنه قاتل ومجرم ومهّرب للخمور، وعندما يقترب «نيك» من «جاتسبى» يكتشف وراء كل ما يراه قصة حب حزينة. لقدد اختار «جاتسبى» أن يكون صديقًا ل «نيك» حتى يكون الأخير وسيطًا له فى لقاء حبه القديم «ديزى» كان الاثنان على علاقة حب منذ خمس سنوات، ولكن «جاتسبى» ذهب إلى الحرب ولم يعُد، بعث برسالة ل «ديزى» يقول فيها إنه لن يعود قبل أن يصبح ثريًا، ولكنها تتزوج من الثرى الجاهز «توم بوكانان»، الآن وقد نجح «جاتسبى» فى تكوين ثروة هائلة مجهولة المصدر، فقد عاد من جديد لاسترداد حبيبته، وكل الحفلات الصاخبة ليست إلا محاولة لكى يلفت انظارها، يوافق «نيك» على أن يكون رسولًا لاستعادة حكاية حب قديمة، كما توافق «جوردون بيكز» صديقة «ديزى» على أن تقوم بنفس المهمة، وينجح «جاتسبى» بالفعل فى استعادة علاقته القديمة مع «ديزى»، وعندما شعر زوجها «توم» بما يحدث، تحدث مواجهة بينه وبين «جاتسبى»، ويقرر الزوج التفتيش فى ماضى «جاتسبى» ليكتشف أن اسمه الأصلى «جيمس جاتز» وهو من أسرة فقيرة، ولكنه أنقذ أحد الأثرياء من الموت، ثم بدأ فى تجارة تهريب الخمور، والتلاعب فى سندات البورصة فى وول ستريت مع المغامر الثرى الداهية «مايرو ولفيشام» (أمتا باتشان»، ورغم أن «توم بوكانان» له عشيقة هى زوجة الميكانيكى الفقير «ويلسون»، إلا أنه مازال متمسكًا ب «ديزى»، ورغم أن «ديزى» تصطدم بالسيارة بزوجة «ويلسون» فتقتلها، إلا أن «جاتسبى» يتحمل المسئولية ويجهز للهرب مع «ديزى» التى سرعان ما تتأثر بكلام زوجها عن ماضى «جاتسبى»، وينتهى الفيلم بمقتل جاتسبى على يد «ويلسون» الميكانيكى بعد أن ابلغه «توم» أن «جاتسبى» هو الذى صدم زوجة الميكانيكى فقتلها! أحداث الفيلم والرواية فى العشرينيات من القرن العشرين، بعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى، شهدت الولاياتالمتحدة رواجًا اقتصاديًا مذهلًا، انتعشت بورصة وول ستريت، ورغم تحريم الخمور إلا أن طبقة من الأثرياء ظهرت بسبب تهريب الخمور والتجارة فيها، أعظم ما فى رواية «سكوت فتزجيرال» رسمها البارع لشخصيات تبدو فى الظاهر سعيدة وبراقة فيما هى أقرب إلى التعاسة، «جاتسبى» وهو بطل تراجيدى بإمتياز، مشكلته أنه اعتبر طموحه الشخصى فى الثراء وحبّه للفتاة «ديزى» شيئًا واحدًا، ولكن المال لم يستطع أن يمنحه الحب الضائع، هو أيضًا فشل فى أن يعيد الماضى من جديد، عندما عاد لم يستطع أن يتجاوز السنوات الخمس التى غاب فيها عن أمريكا، أما «توم بوكانان» فهو غنى بالوراثة، كل نجاحه فى تحقيق كؤوس فى رياضة البولو، وخائن لزوجته، «ديزى» أيضًا تبدو شخصيته مترددة بين المال والحب، فوافق على الزواج، ولكنها تشعر بتعاسة مع «توم»، وتقول إنها سعيدة لأنها أنجبت طفلة جميلة وغبية، إنها الوسيلة الوحيدة للحياة فى نيويورك، حتى «جوردون بيكر» صديقة «ديزى» ليست إلا فتاة تعرف كيف تفوز فى مباريات الجولف، والراوى «نيك كاراون» حائر كذلك بين أن يشتغل فى وول ستريت، وبين أن يكون كاتبًا، ونراه فى بداية الفيلم فى إحدى المصحّات هناك استيحاء واضح من معاناة «سكوت فيتزجيران» نفسه، نيك كاراون هو الذى سيكتب فى النهاية حكاية جاتسبى، ورغم أنه يعتبر «جاتسبى» أكثر ثقافة من «توم» و«ديزى» لأنه لم ينس حكاية حبه، إلا أن «جاتسبى» استحق موتًا عشوائيًا، لأنه أعتقد أن المال يمكن أن يعيد الزمن إلى الوراء، ويمكنه أن يشترى الحب من جديد. لم أشعر بالمضايقة المعتادة فى أفلام البُعد الثالث ربما لأن فكرة الرواية نفسها قائمة على إزدواجية الصور والمعانى والشخصيات، كما أن تلك «الزغللة» فى مشاهد الحفلات الملونة هى هدف «جاتسبى» المحورى لاسترداد «ديزى»، «بازلورمان»المفتون دومًا، بالألوان الصاخبة كما شاهدنا فى فيلمه الشهير «الطاحونة الحمراء» نجح بجدارة فى تحويل عالم الاثرياء إلى كرنفال مزيف سرعان ما تغلب عليه فى النهاية الألوان السوداء والزرقاء بعد سيادة الألوان الحمراء النارية البرتقالية، أداء الممثلين بصفة عامة كان جيدًا وخصوصًا «ليوناردودى كابريو» هناك استخدام رائع للموسيقى خاصة بعض المقطوعات الحديثة للإيحاء بأن قصة «جاتسبى» معاصرة تمامًا وإنها مأساه أن تحقق حلم الثراء دون أن نحقق حلم القلب، ولكن «جاتسبى» يثير التعاطف لأنه كان يحلم بضوء أخضر وسط الضباب لم يصل إليه على الإطلاق!.