منذ إعلان تنحى المستشار مصطفى حسن عبدالله عن نظر قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها الرئيس السابق مبارك، ربط كثير من المحللين والسياسيين بين قرار القاضى وحكمه السابق بالبراءة فى قضية «موقعة الجمل» ، الأمر الذى أثار تساؤلات حول حقيقة هذا الربط، والأسباب التى قد تدفع القاضى للتنحى عن نظر القضية، ودور نيابة النقض فى الحكم، وأسئلة أخرى كثيرة وجدنا أن إجاباتها لدى رجال القضاء باعتبارهم الأكثرة قدرة على ذلك، وهو ما نقرأه فى سطور التحقيق التالى: بداية يرى المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة ورئيس نادى قضاة أسيوط السابق أن نيابة النقض ملزمة بأن تبدى الرأى فى جميع القضايا الجنائية والمدنية والأحوال الشخصية التى تنظرها محكمة النقض سواء كان الطاعن على المحكمة أمام محكمة النقض هو النيابة العامة أو المحكوم عليه والرأى الذى تبديه نيابة النقض - وهى جزء أصيل من تشكيل محكمة النقض ويترأسها أحد نواب رئيس محكمة النقض فهى لا تتبع لا من الناحية الفنية ولا الناحية الإدارية كما أن رأيها استشارى لا يلزم المحكمة أن تأخذ به مثله فى ذلك مثل تقرير المفوضين أمام مجلس الدولة وكذلك تقرير المفوضين أمام المحكمة الدستورية العليا. موضع ثقة وأضاف السيد أن القاضى لابد وأن يتسم بالحيدة والنقاء والشفافية وأن يكون موضع ثقة المتقاضين فإذا ثار شك أو ريبة أو قلق تجاهه من أى من المتقاضين وأحس القاضى بشفافيته أن هذا القلق أو التشكك له ما يسانده ولو كان على غير الحق فإن القاضى يستشعر الحرج من تلقاء نفسه ويمتنع بإرادته عن نظر الدعوى المطروحة عليه كما أن هناك أسبابًا كثيرة يتعين فيها على القاضى أن يمتنع عن نظر الدعوى ولو لم يطلب الخصوم ذلك ولعل من أهم تلك الأسباب أن يكون على علاقة بأى من الخصوم بقرابة أو مودة أو خصومة أو أن يكون قد أفتى فى الدعوى أو أبدى رأيًا فيها أو فى قضية مماثلة أو متشابهة معها من حيث الوقائع والقانون أو مرتبطة بها مما يمكن معه استنتاج الحكم الذى سوف يقضى به والقاضى غير ملزم بأن يذكر فى قراره بالتنحى عن نظر الدعوى والأسباب التى أدت إلى استشعاره الحرج. وقال السيد:إن رئيس المحكمة الذى تنحى عن دعوى الرئيس السابق لاستشعاره الحرج لم يذكر سبب التنحى، مشيرًا إلى أن أية تخمينات أو تحليلات أو استنباط لهذا السبب يكون هو رأى لصاحبه لا يعبر عن مصدر القرار ولا يسأل عنه والخيارات أمام المحللين والمستنبطين متاحة لأنها بداية ونهاية لا قيمة لها بعد أن تخلى رئيس الجلسة بإرادته وشفافيته عن نظر الدعوى رغم أهميتها ورغم الشهرة التى يمكن أن ينالها من رئاسته لهذه الدائرة عبر كافة وسائل الإعلام فى العالم كله ورغم ما قد يحصل عليه من بعض المزايا المتمثلة فى الحراسات والتأمين وغيرها هو ما يثبت للعالم كله أن فى مصر قضاء وقضاة لا يخشون إلا الله ولا يراعون فى حكمهم وقراراتهم إلا ضمائرهم اليقظة والقانون الذى يطبقونه. تحاكم القانون اتفق مع الرأى السابق المستشار الدكتور محمد حامد رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة مؤكدًا أن رأى نيابة النقض استشارى لا يؤثر فى رأى المحكمة وعملها وبالتالى فهو غير ملزم للمحكمة التى ستنظر القضية وأيضا غير ملزم لمحكمة النقض. أن محكمة النقض تحاكم القانون وأضاف لا تحاكم الوقائع وتكشف فى عملها هل القاضى طبق القانون على الوجه الصحيح أم لا؟! فهى ليست محكمة وقائع أى ليست محكمة تنظر فى أدلة الإدانة من عدمه فعلى سبيل المثال لابد فى الجناية أن يكون هناك محام يدافع عن المتهم فإذا فصلت محكمة الجنايات فى الجناية دون أن يكون للمتهم محام يدافع عنه فهو خطأ فى تطبيق القانون وهنا تتعرض محكمة النقض لهذا بنقض الحكم وتقبل الطعن عليه. وهناك مثال آخر.. طلب الدفاع عن المتهم سماع شهود ولم تستجب المحكمة لهذا الطلب فإذا استجابت له لتغير وجه الرأى فى القضية فإغفال محكمة الجنايات سماع شهود الدفاع يوجب على محكمة النقض على هذا نقض الحكم وإعادة المحاكمة من جديد. أسباب صحية ومرضية وذكر حامد أن المستشار مصطفى حسن عبدالله رئيس الدائرة العاشرة الذى تنحى عن نظر القضية وقدم مذكرة للاعتذار لأسباب صحية وحرر طلبًا بمذكرة قبل بدء الجلسة بأكثر من شهر، وما أكده المستشار سمير أبو المعاطى رئيس محكمة استئناف القاهرة، أنه لابد أن تعرض القضية على الدائرة المختصة ثم يعلن التنحى فى الجلسة بطريقة علانية. وأوضح رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة أنه لا يستطيع رئيس محكمة استئناف القاهرة عرضها على دائرة أخرى دون أن تعرض على الدائرة الأصلية وإلا بدا ذلك مثارا لأقاويل وما فعله وقام به رئيس المحكمة هو تطبيق صحيح القانون. ولأن الجمعية العمومية حددت اختصاص كل دائرة فلا يستطيع رئيس المحكمة أن يقوم بتوزيع قضايا بدون عرضها على دائرتها الأصلية. وأكد أنه لم يكن فى استطاعة المستشار مصطفى حسن عبدالله التنحى عن القضية قانونًا قبل نظرها وإعلان ذلك فى جلستها لأن هذا القرار جماعى من أعضاء الدائرة الثلاثة. مختلفة كليا وعن علاقة القاضى المتنحى بموقعة الجمل وحكمه فيها ومدى استشعار الحرج فى قضية محاكمة القرن أكد المستشار محمد حامد أن القضية مختلفة كليا فى الموضوع فموقعة الجمل كان موضوعها قتل المتظاهرين أما موضوع قضية الرئيس السابق فهو الاشتراك فى قتل المتظاهرين أيضًا ولكن هناك اختلاف فى المتهمين وطريقة القتل وهو ما يعنى أن الحكم بالبراءة فى موقعة الجمل لا يعنى البراءة فى قضية الرئيس السابق. الرئيس و «الجمل» أما المستشار إسماعيل البسيونى رئيس محكمة الاستئناف ورئيس نادى قضاة الإسكندرية الأسبق فيرى أن قرار المستشار مصطفى حسن عبد الله رئيس محكمة جنايات القاهرة باستشعار الحرج فى هذه القضية وإحالتها إلى محكمة الاستئناف مرة أخرى كان له علاقة بالحكم الذى أصدره فى قضية موقعة الجمل ولأن قضية الرئيس السابق كانت عبارة عن مجمل الأحداث جميعها منذ 25 يناير وحتى تنحى الرئيس السابق بما فيها أحداث موقعة الجمل وقد حكم المستشار مصطفى عبد الله بالبراءة فى قضية موقعة الجمل فقد أعطى براءة لجميع المتهمين وقد فصل المستشار أحمد رفعت فى الدعوى المدنية بإحالتها إلى المحاكم المدنية المختصة وقد فصل الدعوى المدنية عن الدعوى الجنائية ومطالبتهم بالتعويض وكان المفترض ألا يحضروا جلسة المستشار مصطفى حسن عبد الله ولم يكن حضورهم قانونيًا فى هذه الجلسة ومن أجل هذا حدثت المشاحنات نهاية الجلسة الماضية وهو ما أدى لاتخاذ المستشار مصطفى عبد الله قراره بالتنحى عن نظر القضية وإحالتها إلى محكمة الاستئناف. وأضاف أن محكمة النقض ستنظر فى طعن النيابة العامة وستنظر أيضًا مذكرة نيابة النقض ورؤيتها بعدم الطعن على الحكم وتقرر رأيها فإذا رأت صحة الطعن ستحيلها إلى دائرة أخرى فى محكمة الجنايات أما إذا أخذت بمذكرة نيابة النقض وهى استشارية يمكن أن ترفض الطعن ليصبح الحكم نهائيًا أى لا يجوز الطعن عليه ونؤكد هنا أن رأى نيابة النقض استشارى ولا تلزم المحكمة به. تخوفات المدعين وقال المستشار علاء شوقى رئيس محكمة جنايات الجيزة إن أغلب الظن أن المحكمة التى عرضت عليها قضية المتظاهرين المتهم فيها مبارك رأت أنه وباعتبار أنه سبق لها إصدار حكم قضائى فى قتل المتظاهرين أيضا فيما سمى بموقعة الجمل، سيصيب المدعين بالحق المدنى وأسر الشهداء بالمخاوف والقلق من تكرار حكم البراءة مما كان سيكون له أبلغ الأثر فى مسلكهم تجاه المحكمة والذى كانوا سيجدون عرينًا له فى المواد من 148 وما بعدها من قانون المرافعات و247 وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية والتى تدور نصوصها حول الاسباب التى يكون للخصوم إبداء طلبات الرد بسبببها وكانت أى محكمة سيعرض عليها طلب الرد وخلافًا لنتائج قضايا الرد عامة كانت أى محكمة ستقضى لهم بالاحقية فى الرد فالدائرة التى قررت استشعار الحرج وعرضها وإعادتها مرة أخرى إلى رئيس محكمة الاستئناف أبت أن تضع نفسها فى موضع الريب والشكوك وأرادت أن تربأ بنفسها من التقول عليها من قبيل ما يمكن أن يقال عليه «بيدى لا بيد عمرو». نيابة قانون أضاف شوقى أن نيابة النقض هى نيابة قانون إن صح ما قيل فى مذكرتها ورأيها بطلب تأييد الحكم المطعون عليه ورفض الطعن فهو يمكن أن يندرج تحت مظلة أن النيابة العامة هى خصم عادل وشريف دائمًا وليس خصمًا عنيدًا هذا فضلًا عن أن نيابة النقض باعتبارها تقوم بتجهيز وإعداد مذكرة برأيها القانونى بصدد الطعن المعروض على محكمة النقض فهى تكاد أن تكون محكمة نقض مصغرة فهى بهذه المثابة والتى تقوم فيها بتشريح الحكم المطعون عليه باعتبارها نيابة قانونية أو نيابة البحث فى ثنايا الحكم ومدى توافقه مع القواعد القانونية المعروفة باعتبار أن النيابة العامة فى مثل هذه الأمور لا يمكن أن تطلب رد الطعن باعتبارها الجهة الطاعنة وإنما تطلب تفويض الرأى والأمر النهائى للمحكمة وهو أيضا ما يعد طلبا برفض الطعن أيضًا لكن بصيغة مختلفة. للمحكمة فقط أما المستشار عادل الشوربجى نائب رئيس محكمة النقض فقد أرجع طلب اعتذار القاضى عن القضية لأسباب صحية بسبب عينيه وقدرته على الإبصار حيث إن عدد أوراق القضية أكثر من 50 ألف صفحة فطلب منه رئيس المحكمة إعلان ذلك فى جلسة المحكمة لتكون لها صفة العلانية على الجمهور ثم تحيلها محكمة الاستئناف إلى دائرة أخرى طبقا للنظام المتبع فى التوزيع للقضايا. ويضيف الشوربجى أن نيابة النقض تركت الرأى النهائى فى موقعة الجمل لمحكمة النقض وأكدت أن القضية تحتمل النقض وتحتمل الرفض وبلغة القضاء ورجاله فإنها علقت الأمر ولم تأخذ قرارًا والقرار النهائى فى يد محكمة النقض والذى ستنظره يوم 9 مايو القادم. مسألة نفسية متعلقة بضمير القاضى ورأى الفقيه القانونى المستشار محمد إبراهيم خليل نائب رئيس محكمة النقض أن قضية موقعة الجمل ليس لها علاقة بقضية الرئيس السابق، فهما واقعتان منفصلتان وإن كان يمكن إدخالها فى وقائع قتل المتظاهرين وما دامت وقائع سابقة على هذا التقديم وأى متظاهرين خلال الثورة يمكن أن تدخل فى هذه القضية. وأضاف أن استشعار الحرج هى عملية نفسية تتعلق بضمير القاضى لأنه إذا رأى أنه فى هذه القضية الجديدة قد يجد نفسه مضطرًا إزاء الثورة التى قامت تجاهه بسبب حكم البراءة من جانب الجماهير أن ينفى عن نفسه أنه ضد الثورة فيضطر إلى أن يصدر أحكامًا لا تتفق مع الحقيقة وإرضاءً للجماهير واستردادًا لثقتها فيه ودرءًا للاتهامات التى وجهت إليه ولو أن هذا فى خلق القضاة أمر مستبعد لذلك ترك المشرع استشعار الحرج للقاضى وحده وهو نفسه الذى يقرر بمفرده ولا تعقيب عليه فى ذلك إذا قال إنه يستشعر الحرج لأن القاضى لا يقضى وهو محرج أو وهو غضبان.