الأيادى متشابكة.. متشبث بها كأنه طفل صغير يخاف أن يبعد عنها.. يضع حمله الثقيل على كتفها.. سنوات طوال لم تقل يوما آه.. لم تكّل من هذا الحمل أبدًا.. تحمله عن طيب خاطر.. ولكن قلبها يتمزق.. ينزف دما.. دموعها تنساب على خديها.. كانت تضع أحلام حياتها كلها فيه.. كانت تعيش وتسابق الزمن من أجله.. كم تمنت أن يكبر ويقف بجوارها كتفًا بكتف لكى يخفف عنها حملها الثقيل الذى تحمله، ولكن آمالها وأمانيها ضاعت فى الهواء.. استيقظت ذات يوم لتجد كل أحلامها قد تبخرت فى الهواء.. نعم إنه قضاء الله الذى لا راد لقضائه.. وكانت مأساتها التى تحكيها ودموع عينيها تنزل لتحفر أخاديد على وجهها الذى تراه يمتلئ آلامًا وأسى وحزنًا على فراق الغائب ومرض الحاضر.. تبدأ المأساة منذ أكثر من سبعة عشر عاما عندما كان الزوج يعمل وكانت الحياة صعبة ولقمة العيش أصعب.. ومع ذلك كان يكافح ويناضل من أجل أسرته.. ثلاثة من الأولاد مطالبهم تتزايد ومع ذلك هو راض وقانع.. بالرغم من أن الأفواه الجائعة لا تغلق أبدًا.. كانت الزوجة تعيش معه على الحلوة والمُرة، فهذه هى الحياة.. يكبر الأولاد وتكبر مطالبهم وهو يعمل ما فى وسعه.. ولكنه لم يستطع أن يصمد طويلا.. أصابه المرض وفى أسابيع قليلة ترك لها الجمل بما حمل.. ترك لها تركة كبيرة وميراثًا ثقيلًا.. مات وترك الأسرة والزوجة والأولاد الذين مازالوا أطفالا.. الكبير فى ذلك الوقت لم يتعد الرابعة عشرة والصغير ابن خمس سنوات.. تلفتت حولها فلم تجد من يقف بجوارها.. فقد رحل السند والمعين.. عانت الأمرّين وعانى معها ابنها الأكبر.. كانت الكارثة أكبر من أن يتحملها فقد كان شديد التعلق بالأب.. كان يبكى بصفة دائمة.. كانت تحاول أن تخفف عنه، ولكنها فى النهاية تبكى معه.. أصاب الابن صداع وألم مستمرين حتى أن ذلك منعه من مذاكرة دروسه لفترة طويلة.. ولكنه مع ذلك كان يحاول أن يحقق حلم الأب ويحصل على الثانوية العامة ويلتحق بالجامعة.. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. الابن يشكو للأم عدم قدرته على أن يرى حروف الكتاب.. وعندما يحاول ويدقق فى الكلمات تتساقط الدموع من عينيه.. وزادت الشكوى.. لم يسع الأم إلا أن تمد يدها وتستدين لتذهب بالابن إلى طبيب وثان وثالث.. فحوصات كثيرة أكدت إصابته بارتفاع بضغط العين وكان العلاج غالى الثمن كلف الأم ما لا طاقة لها به. حاولت أن تلجأ فى هذا الوقت للعلاج على نفقة الدولة، ولكن للأسف كان علاجا عقيما أدى إلى تدهور الحالة وفقدان الابن للبصر بالعين اليسرى. وهنا أكد الأطباء للأم أن تراعى العين اليمنى خوفا من أن يصاب بفقدان البصر الكلى.. اضطرت الأم أن تتحامل على نفسها وعلى أولادها لتوفير العلاج له، ولكنه باهظ الثمن. وبالرغم من ذلك حاولت توفيره.. حتىوصل بها الأمر إلى أن تبيع أثاث المنزل.. استدانت من أجل عيون «أحمد».. ولكن كما نعلم جميعا العلاج ترتفع تكاليفه يوما بعد يوم وهى تجاهد من أجله ومن أجل عيونه. وفى هذه الأثناء أصابها ما أصابها من الحزن والألم فقد استيقظت فى يوم على نزيف وذهبت للطبيبة وكانت رحلة طويلة من الفحوصات والأشعة التى لا يعلم إلا الله كيف وفرت تكاليفهما.. وظهر المستور.. فهى مصابة بورم ليفى بالرحم والمبيضين، ودخلت المستشفى ليتم استئصاله فقد أكدت الطبيبة عليها أن الإهمال قد يصل بها إلى أورام سرطانية ووقفت فى طريق الآلام وحيدة إلا من ابنها المريض العاجز الذى برغم من الصعاب التى واجهته استطاع أن يحصل على بكالوريوس من أحد المعاهد العليا وحاولت أن تجد له عملًا يناسب إمكاناته.. وكان من الصعب وحاولت أن تجد له بنت الحلال التى تعيش معه وتساعده فهى تخشى عليه من أن تتركه وحيدا عندما ينفذ سهم الله وتذهب لتلقى وجه ربها.. الحياة صعبة والحصول على الدواء ولقمة العيش أصعب، فهل تجد من يقف بجوارها وجوار أسرة ابنها المريض؟ من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية.