يعيشون فى عالم من الهدوء والصمت، احتياجاتهم ومتطلباتهم بسيطة.. يريدون الحصول على الحد الأدنى منها فى ظل إهمال وتجاهل كبير من المسئولين.. إنهم أكثر من 4 ملايين مصرى شاء القدر أن يحرموا من نعمة السمع والكلام ينتظرون دورًا أكبر من الدولة لكى يمارسوا حياتهم الطبيعية دون أن يتسولوا الخدمات والحقوق. أبناء الصمت، أو الصم والبكم،هذه الفئة التى لاتستطيع التعبير عن نفسها الا بالاشارة ،ماهى مشكلاتهم ؟وماذا يريدون من الدولة،وماهى الطقوس التى يمارسونها خلال هذا الشهر الكريم ؟هل يستطيعون الصلاة وممارسة الشعائر الدينية؟ وهل يستمعون إلى الاحاديث الدينية وكيف يفهمونها؟ محمد سليمان أول داعية إسلامى للصم والبكم والمترجم للصم والبكم بالتليفزيون المصرى والمدير السابق لجمعية الاسكندرية للصم والبكم يتحدث عنهم وعن عاداتهم اثناء شهر رمضان وعن مشكلاتهم وسبل حلها. يقول إن الصم والبكم لديهم عادات وطقوس فى شهر رمضان الكريم يحرصون عليها اهمها التجمع يوم الجمعة فى مسجد القائد ابراهيم يصلون العصر والمغرب ويتناولون افطارهم معًا،كما يجرون مسابقات فى كرة القدم بمركز شباب الانفوشى ،وكذلك مسابقات فى الشطرنج والدومينو والطاولة، ثم يتجمعون فى كافيتريات معينة بعد تناول الأفطار وأداء صلاة التراويح، وهى كافيتريات معروفة وخاصة بهم بمناطق المنشية والساعة وكرموز،وبالمناسبة فقد قمت بتعليم العاملين بتلك الكافيتيريات لغة الصم والبكم وكيفية التواصل معهم،كما قمت بتعليم تلك اللغة للعاملين بمحلات منطقة المنشية التى تعتبر مقرًا لتجمع الصم والبكم بالاسكندرية، وجميع الصم والبكم بانحاء مصر حينما يأتون إلى الاسكندرية يحرصون على المرور بالمنشية خاصة انها مقر جمعية الاسكندرية للصم والبكم. ويضيف محمد سليمان: أن الصم والبكم يعانون من العديد من المشكلات التى لاتجد من يستمع اليها أو يستجيب لهم،وأنا أتوجه باسمهم إلى الرئيس محمد مرسى والمسئولين بالدولة للاستماع إلى مشاكلهم ومحاولة التفاعل معهم،وأبرز المشكلات هى توصيل الرسالة الدينية لهم خاصة فى مثل هذا الشهر الكريم، مضيفاً أن العالم كله يحاول الابتكار فى الوسائل التى يمكن ان يساعد بها الصم والبكم، ودول الخليج وفرت امكانات هائلة لمساعدة تلك الفئة ووفرت وسائل حديثة لمترجمى الصم والبكم، أما فى مصر فمازال الصم والبكم يفتقدون أبسط الامكانات التى تساعدهم، فعلى سبيل المثال فى الاسكندرية بدأت منذ عام 1998 بتجربة لمساعدة الصم والبكم على فهم وممارسة شعائر الدين الاسلامى،حيث كنت أقوم بترجمة خطبة الجمعة وصلاة العيدين بمسجد القائد إبراهيم كنت اجلس فى الساحة التى امام المسجد مع الصم والبكم لأقوم بترجمة الخطبة لهم وقد اعترض وقتها بعض المصلين وقال إن ما يحدث هو لغو فذكرت لهم الحديث الشريف الذى يقول (بلغوا عنى ولو آية)،وبعدها قمت بعمل خيمة كبيرة نصفها للرجال ونصفها للسيدات، واستمريت فى العمل حتى عام 2005 ،ثم طلبت من وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية تخصيص مكان للصم لأداء الصلاة ولتوصيل الرسالة الدينية عن طريق القاء دروس ومحاضرات دينية فطلب منى الحصول على موافقة وزير الاوقاف وبالفعل حصلت على موافقة الوزير السابق محمود حمدى زقزوق بتخصيص دار المناسبات لأداء صلاة الجمعة للصم والبكم ولكن لم يتم شىء. وفى عام 2008 قام المهندس محمد رجب بترميم وتطوير المسجد واهدى الصم والبكم حجرتين خلف دار المناسبات للدروس الدينية وتوصيل الدعوة ولكن للاسف لم يتسلم الصم والبكم المكان وتم بيعه لإحدى دور النشر!!واضطررنا للعودة إلى دار المناسبات وهى غير مؤهلة اطلاقا فلا توجد بها اية امكانات لتوصيل رسالة الدعوة إلى الصم والبكم،حيث لا توجد سماعة لنقل الخطبة إلى المترجم،ولا توجد سجاجيد او حصر للصلاة عليها ولا شاشة عرض ولا جهاز كمبيوتر لمعاونة المترجم على ايصال رسالته ،حتى إننا نضطر إلى التسول من أحد محلات الفراشة المجاورة للمسجد لتعطينا القماش اللازم لعمل حاجز يفصل بين السيدات والرجال أثناء ترجمة الخطبة، وبالتالى فهناك الكثير لم يبلغ به الصم والبكم لعدم توافر الامكانات رغم أن الأجهزة المطلوبة بسيطة جدا ولا تكلف الكثير بالمقارنة بميزانية وزارة الاوقاف، واتمنى من الوزير الجديد التدخل لحل هذه المشكلة. أزمة المناهج ويشير محمد سليمان إلى أن هناك عدة مشاكل أخرى يعانى منها الصم والبكم اهمها التعليم،فمناهج مدارس الصم والبكم لا تتوافق وعقلية الاصم،كما أن المدارس لا تقوم بتصنيف نسبة الصمم مابين شديد ومتوسط وضعيف ولا تخصص المدرس المناسب لكل فئة وبالتالى يتم التعامل مع الكل بنفس الاسلوب ولا يستفيد الطالب، كما أن معظم المدرسين بتلك المدارس لا يجيدون لغة الاشارة حيث إنه يتم تعيين المدرس دون أن يجيد لغة التعامل ثم تأتيه بعثة داخلية بعد مرور ثلاث سنوات من وزارة التربية والتعليم للحصول على دورة لمدة عام تكون عبارة عن مجموعة مصطلحات لا تعبر عن سبل التدريس لتوصيل المعنى كما أن المدرس يبحث عن فرصة عمل فى الخليج لتحسن دخله مما يفرغ المدارس من الكوادر وتكون النتيجة فى النهاية ان يحصل الكثير من الصم والبكم على شهادات سواء الاعدادية المهنية او الثانوية المهنية ولا يجيدون القراءة والكتابة بعد اهدار 14 عاما من التعليم دون فائدة ،واهدار للمال العام وضياع مستقبل جيل بأكمله. ويشير محمد سليمان إلى أن العديد من الصم والبكم يرهقون عند زيارتهم فى المستشفيات والعيادات ويعانون بسبب عدم وجود مترجم معهم لتوصيل ما يعانىمنه المريض،والخطورة تأتى فى غرف الاستقبال بالمستشفيات حيث لا يعرف الطبيب المختص ما هو المرض او بماذا يعانى الاصم لأنه لا يعرف لغة الاشارة. أما العمل فيمثل مشكلة اخرى للصم والبكم فالمفترض أن الاصم يحمل شهادة مهنية يجيد العمل بها، ومراكز التأهيل فى مصر وقوانين العمل تلزم الشركات العامة والخاصة بتعيين ذوى الاحتياجات الخاصة بنسبة 5% ،ومنهم الصم البكم ولكن الواقع ان الشركات الكبرى فى قطاعات البترول والكهرباء والادوية...الخ ترفض الاستعانة وتقبل دفع الغرامة التى قررها القانون للامتناع عن تنفيذ القرار وهى عبارة عن مائة جنيه!! وينتهى الامر للصم بدون عمل ولا معاش ، أما الشركات الاستثمارية فتأخذ هذه العمالة بأقل المرتبات التى لا تكفى لحياة كريمة ويضاف اليها لائحتها الداخلية بفرض الخصومات حتى ينتهى به الامر إلى ترك هذا العمل، ونساءل اين دور الدولة فى حماية هذه الفئة؟ قوانين خاصة وتأتى القوانين التى تمثل إحدى المشاكل للصم والبكم،فالاصم يتعرض إلى العديد من القوانين التى تعوق مسيرة حياته الاجتماعية منها قانون العمل الذى ذكرته، كما أن الشهر العقارى لا يسمح للأصم بعمل توكيل لمحام لرفع قضية او بيع او شراء أو تسجيل الا بعد سلسلة من الاجراءات القانونية وذلك بتقديم طلب للنيابة لتعيين معين قضائى وينتظر موعد الطب الشرعى لوضع تقريره ومن ثم الرجوع إلى المحكمة لتحكم بذلك والعودة إلى الشهر العقارى. كما أن قضايا الترجمة الفورية سواء فى المحاكم او النيابات والأقسام تبحث عن اى سبيل للترجمة للمواطن الاصم سواء كان متهماً أو مجنياً عليه،وذلك عن طريق المدرسة أو الجمعية دون النظر لاعتماد المترجم رسميا من الدولة،وحتى لايضيع حق الاصم والابكم سواء له أو عليه لابد من أن يكون المترجم معتمداًرسميا من وزارتى التعليم والعدل. وأضاف محمد سليمان أن التليفزيون المصرى اتاح فرصة كبيرة لظهور المترجم على الشاشة ولكن كان هناك بعض السلبيات مثل ظهور المترجم أسفل الشاشة على شكل دائرة مستديرة صغيرة جدا على الاصم معرفة ما هى الاشارة، واذا كان ضعيف النظر فهو لايراها فلابد من أن تكون اكبر مرتين وأن تكون على شكل مربع لأن الاشارة ليست بالكفين فقط ولكن بالذراعين ،كما ان الموضوعات التى تتناولها البرامج المترجمة لا يراعى فيها ثقافة الأصم المحدودة والتى من المفترض أن تنهض به وليس مجرد برنامج يترجم سواء كان دينيا او سياسيا أو اجتماعيا، فهى شمولية لجميع المجتمع علما بأن وجود المترجم على الشاشة يعنى أن البرنامج معد خصيصا لهم ، كما أن وجود المترجم لا يؤدى الغرض منه لهذه الفئة ،ويحسب للتليفزيون انه يهتم بهذه الفئة ولكن دون جدوى فعلية. ويطالب محمد سليمان الحكومة بإنشاء مركز ابحاث لتطوير التعليم وتعديل القوانين والتصدى للعديد من المشكلات للنهوض بهذه الفئة ومواكبة التطور العلمى،وايضا انشاء مركز خدمى لفئة الصم والبكم وضعاف السمع فى شتى المجالات. وحول تجربته فى العمل كمترجم وأول داعية إسلامى للصم والبكم يقول محمد سليمان إننى نشأت فى أسرة تتكون من الاب والام وثلاثة أشقاء من الصم والبكم،وبالتالى كان لابد من تعلم لغة الاشارة لاستطيع التواصل مع والداى واللذين علمانى لغة الاشارة فى سن أربع سنوات وهى نفس السن التى علمتنى فيها جدتى الكلام العادى،وكان والدى حريصا على ان يصحبنى إلى جمعية الصم والبكم وكنت فى سن خمس سنوات اقوم بترجمة برامج التليفزيون لهم. وأضاف قائلا: استمريت على ذلك لفترة طويلة وكانت مهمتى أولا واخيرا هىالاهتمام بلغة الاشارة وقمت بتطوير تلك اللغة لأن مساحتها صغيرة جدا،وعملت بجمعية الإسكندرية للصم والبكم حتى أصبحت مديرا للجمعية التى تنظيم دورات فى لغة الاشارة لخلق كوادر قادرة على التعامل مع الصم والبكم وانتشرت الدورات وبدأت الجمعيات المشابهة فى تقليدها،كما قامت جامعة عين شمس بعمل مثل تلك الدورات. بداية الدعوة أما عن العمل بمجال الدعوة فقد بدأت الفكرة عام 1998 حينما كنت أصلى العيد بمسجد القائد ابراهيم بالإسكندرية وكان معى شخص اصم وسألنى ماذا يقول الإمام، فقمت بترجمة الخطبة له وسط المصلين، وبعدها جلست مع نفسى وفكرت وحكيت لزوجتى ما حدث فاقترحت على ترجمة خطبة الجمعة، وبدأت استقطب الصم والبكم إلى المسجد وبدأت مع ستة افراد منهم فى اول جمعة والجمعة التالية انخفض العدد إلى اثنين،وبعدها زاد العدد. وبدأت بعد ذلك العمل فى التليفزيون المصرى فى ترجمة البرامج الدينية وكان اول برنامج اعمل به هو برنامج رب اشرح لى صدرى،وكنت اترجم احاديث د.عبد الله شحاته، وسألنى الصم والبكم الذين كنت اترجم لهم الخطبة لماذا لا اعمل بالتليفزيون،فحاولت الوصول إلى قطاع الاخبار وقالوا لى لابد من واسطة،فأقسمت بعدها ان ادخل التليفزيون وان يكون الله هو واسطتى،فقمت بجمع حوالى ستة الاف توقيع من الصم والبكم بجميع محافظات مصر لمطالبة الوزير بالموافقة على عملى بالتليفزيون وارسلت خطاب للوزير وقلت له فيه ان لم توافق على عملى ساقوم رفع دعوى قضائية ضدك لأن عملى هذا حق لفئة كبيرة من المواطنين،وفوجئت بعد اسبوع بالمكتب الفنى للوزير يتصل بى وذهبت اليهم وفوجئت انهم ادخلونى مباشرة إلى البرنامج لتسجيل حلقات لشهر رمضان،وعملت بعد ذلك بعدة برامج دينية ولكن توقفت بعد فترة لأن العائد المادى من عملى كان لايكفى حتى الانتقالات،كما كنت وقتها امر بظروف نفسية سيئة نظرا لحدوث عدة حالات وفاة بأسرتى فى وقت واحد،وكنت قد طلبت زيادة مساحة ظهور المترجم على الشاشة حتى تكتمل الفائدة للصم وكذلك عمل برنامج دينى مخصص للصم والبكم ولكن لم يستجب احد لطلباتى،وهى فى نفس الوقت طلبات الآلاف من الصم والبكم.