مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    بعد قفزة مفاجئة.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة    «نتنياهو» يمضي وحده| واشنطن تنأى بنفسها.. وبايدن يحجب القنابل الأمريكية عن إسرائيل    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم (فيديو)    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    أحمد سليمان يكشف عن مفاجأة الزمالك أمام نهضة بركان    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    36 ثانية مُرعبة على الطريق".. ضبط ميكانيكي يستعرض بدراجة نارية بدون إطار أمامي بالدقهلية-(فيديو)    «مش هيقدر يعمل أكتر من كدة».. كيف علّقت إلهام شاهين على اعتزال عادل إمام ؟    يوسف زيدان يفجر مفاجأة بشأن "تكوين": هناك خلافات بين الأعضاء    لطيفة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: بحبك ل آخر يوم في حياتي    فاروق جعفر: واثق في قدرة لاعبي الزمالك على التتويج بالكونفدرالية.. والمباراة لن تكون سهلة    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقار حى الجمرك لن يكون الأخير .. الإسكندرية تغرق فى بحر مخالفات البناء
نشر في أكتوبر يوم 22 - 07 - 2012

الأمر الذى لا يختلف عليه اثنان فى الإسكندرية هذه الأيام أن حادث انهيار عقار حارة البقطرية بحى الجمرك والذى أودى بحياة 19 شخصاً، لن يكون الأخير فى هذه المحافظة التى تعوم فوق بحر من فساد المحليات ومخالفات البناء التى باتت تهدد أرواح الآلاف من المواطنين.
وفى ظل توالى كوارث انهيار العقارات فى الثغر خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد ثورة 25 يناير التى وصل عدد المخالفات بعدها إلى أكثر من 60 ألف مخالفة بناء فى الإسكندرية وحدها، يطالب خبراء وأساتذة فى الهندسة بضرورة فرض الدولة للقانون بالقوة، والوقوف فى وجه سيطرة بلطجة البناء فى المحافظة..
«أكتوبر» تفتح هذا الملف الشائك، لعلنا نرى نهاية لحلقات هذا المسلسل الطويل عن كيفية الموت تحت الأنقاض!! الكارثة المروعة التى فوجئ بها أهالى الإسكندرية عصر يوم السبت قبل الماضى حينما انهارت العمارة المكونة من 11 طابقا بمنطقة الجمرك بالإسكندرية وتسبب انهيارها فى انهيار ثلاثة منازل مجاورة لها وما زاد من حجم الكارثة وجود فرن أسفل أحد تلك المنازل، ووصل عدد الوفيات التى تم انتشالها من تحت الأنقاض 19 جثة، هذا بخلاف الإصابات، وما زاد من الكارثة أيضا ارتفاع درجة الحرارة وتحلل الجثث، وضيق الشوارع المؤدية للعمارة والذى صعّب من وصول الإنقاذ حتى اضطر رجال الدفاع المدنى وأفراد القوات البحرية والقوات المسلحة التى ساهمت فى عمليات الإنقاذ إلى هدم منزل مواجه للمبنى المنهار ليستطيعوا إدخال معدات الإنقاذ، كما تم إخلاء ستة منازل آيلة للسقوط بنفس الشارع وتحول المسجد والمستوصف الموجودين بالشارع إلى مأوى لسكان تلك العقارات وقامت بعض الجمعيات الأهلية بتوزيع معونات غذائية وملابس على السكان.
ويوم الثلاثاء الماضى قام سكان العقارات التى تم إخلاؤها بمظاهرات وقاموا بقطع الطريق وغلق باب 10 بميناء الإسكندرية المجاور للمنطقة مطالبين بتوفير سكن بديل لهم بدلا من إلقائهم بالشارع.
العمارة المنهارة وفقا لشهادة أهل المنطقة مالت إلى الأمام ثم انهارت مرة واحدة وبدون مقدمات، والعمارة مملوكة لمسجل خطر اسمه احمد محمد إبراهيم وشهرته أحمد أكبر وكانت عبارة عن محل مساحته 50 مترا اشتراه مالك العمارة ثم قام ببناء عشرة أدوار فوق المحل بدون أساسات وبدون مراعاة لأى قواعد للبناء، وقد فر صاحب العمارة فور انهيارها ولكن المباحث ألقت القبض عليه يوم الثلاثاء الماضى بعد أن أعدت قوات الأمن عدة أكمنة لضبطه.
الصورة المؤسفة كانت انتشار الكثير من الخارجين على القانون فور انهيار العمارات وقيامهم بالتفتيش فى الأنقاض على أية متعلقات ليسرقوها بل إن بعضهم قام بتحميل بعض أثاث المنازل التى تم إخلاؤها على عربات ووضع بعض مخلفات المبانى فوقها لإخفائها والفرار بها من المكان خاصة أن المنطقة مشهورة بانتشار الخارجين على القانون والبلطجية وتجار المخدرات.
مفاجآت كثيرة ظهرت أثناء عمليات الإنقاذ أهمها أن العمارات التى انهارت بعد انهيار العمارة الأولى كانت متآكلة وعبارة عن حوائط مصنوعة من الخشب ومع انهيار العقار المخالف فوقها انهارت فى لحظات حتى تساوت بالأرض، ومن المواقف المحزنة التى يتحدث عنها أهالى المنطقة وفاة أسرة بالكامل، الأب والأم والابنة والحفيدتين، وهى أسرة مساعد الشرطة بالمعاش محمود عبد المنعم عدس (70 سنة) وعثر عليه هو وزوجته السيدة على مرسى فى حجرة واحدة حيث لم يستطيعا الهرب، وفى الحجرة المجاورة عثر على ابنته عبير محمود وابنتاها شيماء (7سنوات) وإيمان (عامان) وقد احتضنت الأم طفلتاها ليموتوا مع بعضهم، ولم يفلت من الموت إلا زوج الابنة الذى لم يكن موجودا بالمنزل وقت الحادث.
ومن المفارقات الغريبة أن العمارة مملوكة للمتهم الأول أحمد إبراهيم وشهرته أحمد أكبر، وهو مسجل خطر وسبق اتهامه فى قضايا مخدرات وشروع فى قتل، بينما الأوراق الخاصة بالعمارة مثل المخالفات التى تم تحريرها كانت تحمل اسم كل من محمد إبراهيم السقعان وتم ضبطه وآخر مازال هاربا ويدعى إبراهيم معوض، وهما من سيتحملان المسئولية الأكبر.
عدد كبير من الجنود الذين شاركوا فى الإنقاذ أصيبوا بحالات إغماء نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وضيق المكان وانتشار الأتربة، ومن المشاكل التى واجهت عمليات الإنقاذ أيضا عدم غلق محابس المياه العمومية عن العقارات المنهارة مما أدى إلى تحول المنطقة إلى برك من الوحل بعد اختلاط المياه بالأتربة.
مفاجأة المحافظ
من جانبه فجّر محافظ الإسكندرية د.أسامة الفولى مفاجأة حينما أعلن أن غرفة عمليات محافظة الإسكندرية رصدت مخالفات بناء بمعدل 20 ألفا و349 مخالفة بناء منها 12 ألفا و300 مخالفة قبل ثورة 25 يناير وعدد 8 آلاف و49 مخالفة بعد أحداث ثورة يناير وحتى اليوم، مؤكدا أنه تم تحرير محاضر مخالفات وقرارات إزالة لتلك العقارات بعدد 29 ألفا و669 قرار إزالة.
وفى تصريحات سابقة للمحافظ عن كارثة المبانى المخالفة فى الإسكندرية قال إن المشكلة لا تتعلق بالمتابعة أو اكتشاف المخالفات ولكن تتعلق بآليات تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة عن الأحياء، وقال إن المحافظة أرسلت خطابا إلى رئاسة مجلس الوزراء تتضمن عدداً من التوصيات الواجب تنفيذها عند إصدار تشريع خاص لمواجهة تلك الكارثة, وشمل الخطاب 16 توصية أهمهما رفع العقوبة من الحبس إلى السجن المشدد ورفع قيمة الغرامات إلى 4 أمثال القيمة السوقية للمبانى المخالفة وضرورة وجود شرطة متخصصة تابعة للمحافظة للتدخل الفورى عند تنفيذ القرارات، ومخاطبة النائب العام للتوجيه بسرعة إجراء التحقيقات اللازمة، وإحالة القضايا التى تحرر بالمخالفة للقانون المشار إليه إلى المحاكم لنظرها على وجه السرعة و طلب توقيع أقصى العقوبة ومتابعة ما يصدر من أحكام البراءة والطعن عليها بالطريق المقرر قانونا وضرورة إعادة النظر فى عدم سقوط دعاوى مخالفات البناء بالتقادم بالإضافة إلى التوصية الأهم التى تطرح حلا عمليا لنهاية تلك الكارثة من خلال إعادة النظر فى عملية تداول وصرف مواد البناء كالأسمنت والحديد وقصرها على صرف الحصص لأصحاب المبانى الصادر لها ترخيص بناء وبكميات تتناسب مع قواعد الترخيص. وناشد المحافظ المجتمع المدنى تكوين قوة مقاومة لمواجهة تلك المافيا من خلال توعية القائمين على عمليات بيع المواد الخام وتغيير ثقافة المواطنين تجاه شراء الوحدات المخالفة ومواجهة الشائعات التى يطلقها المقاولون بأن التشريع الجديد للبناء سيطرح مبدأ التصالح فى المخالفات وأن تلك المخالفات تمثل ثروة عقارية لن تقوم الجهات التنفيذية بإزالتها وأن رئيس الجمهورية القادم سيضع ثقافة التصالح كأساس. مؤكدا أن تلك الشائعات غير صحيحة وتحتاج إلى مبادرة مجتمعية لمواجهتها.
القضية الأخطر التى تعقد الحل من وجهة نظر المحافظ هى شركات المياه والكهرباء التى تسمح بإدخال عدادات كودية بالمرافق للشقق والعقارات المخالفة، والأغرب هو إصرار شركات المرافق على الاستناد إلى قرار صادر عن مجلس الوزراء بإدخال المرافق مما يشير إلى ازدواج المعايير لدى الدولة وعدم وجود خطة واضحة لمواجهة الظاهرة بجدية، وقال نحن إدارة محلية وليست حكما محليا.
وأضاف المحافظ أن الأحياء تتعامل مع مافيا منظمة تعتمد على البلطجية والأسلحة الآلية والنارية فى البناء، وأن الأمر يحتاج إلى إرادة من الداخلية والقوات المسلحة لتنفيذ قرارات الإزالة، بالإضافة إلى دراسات أمنية حول الظاهرة.
وعمارة الجمرك المنهارة لم تكن الأولى ولكن سبقتها العشرات ومن أشهر العقارات المخالفة التى أثارت جدلا فى السنوات الأخيرة عقار رأس التين الذى تم إخلاؤه بالقوة الجبرية بعد جدل ورفض من قاطنيه.. وعمارة النبى دانيال التى تسببت فى مشكلة خطيرة فى الشارع الحيوى بعد ميلها بشكل خطير وإصابة السكان بحالة من الفزع وقرر المحافظ إخلاءها الفورى وإغلاق مسجد النبى دانيال الذى يعتبر من أهم المساجد الأثرية فى المحافظة.. وكان صاحب العمارة قد قام ببناء 12 طابقا بالمخالفة لقانون وتراخيص البناء رغم إنها فى قلب المدينة وعندما مالت تم إخراج سكانها بالقوة خوفا على حياتهم كما تم غلق شارع النبى دانيال لمدة تزيد على 4 أشهر حتى لا تنهار العمارة فجأة على رؤوس المارة.. وأيضا مصنع الملابس بمنطقة الحضرة والمكون من خمسة طوابق والمسمى بمصنع الموت الذى انهار على رؤوس العاملين به عام 2010، وعمارة لوران الشهيرة التى كانت تتكون من 12 طابقا وانهارت عام 2007، وفى فصل الشتاء من كل عام ومع بداية موسم الأمطار يفاجأ أهل الإسكندرية بانهيار عقارات قديمة ومتهالكة بأماكن مختلفة ومنها كرموز وكوم الدكة ومحطة الرمل وغيرها، ولكن المشكلة الأكبر هى فى العمارات الحديثة التى تبنى بدون تراخيص وبالتالى بدون مراعاة لأى أسس أو قواعد للبناء وتكون النتيجة هى الانهيار.
فساد المحليات
وفى محاولة للتعرف على أبعاد المشكلة وأفضل الأساليب للقضاء عليها حاولت «أكتوبر» استطلاع آراء بعض المختصين، ويشير د. طارق القيعى رئيس مجلس محلى الإسكندرية السابق إلى أن عدد مخالفات البناء كان قبل ثورة يناير حوالى 55 ألف مخالفة بناء بدون ترخيص أو تعلية بدون ترخيص وقد زاد عدد المخلفات بعد الثورة بشكل غير طبيعى، كما كان هناك حوالى 5500 مبنى آيل للسقوط ومطلوب نقل السكان منه والإزالة الفورية له، ولكن لا حياة لمن تنادى.
ويضيف قائلا: كان يحدث يوميا بالإسكندرية حوالى 115 مخالفة بناء وإمكانيات الإزالة بالمحافظة لا تتجاوز سبع أو ثمانى إزالات فى اليوم، هذا بالإضافة إلى حالات التواطؤ من مسئولى الأحياء ومن مقاولى الإزالات بالأحياء الذين تواطئوا مع أصحاب العمارات وحددوا تسعيرة لكل طابق لا يتم إزالته ب 50 ألف جنيه، وكانوا يتحججون بوجود بلطجية يتصدون للإزالة وذلك لكى لا ينفذوا الإزالة، ويضاف إلى ذلك اللعبة الشهيرة التى مارسها بعض مهندسى الأحياء الذين كانوا غالبا ما يحررون محاضر المخالفات يوم الأربعاء ويعرضونه على رؤساء الأحياء ليوقعوا عليه بالإزالة يوم الخميس ولكى يتحدد يوم الإزالة يوم الأحد وطبعا هذا كان مقصودا وذلك لكى يعطوا فرصة لصاحب العقار المخالف والذى تواطأ مع المهندس أيام الخميس والجمعة والسبت لكى ينتهى من بناء الدور المخالف بل ويقوم بتسكينه أيضا لكى لا تتمكن السلطات من إزالته.
ويقول د. طارق القيعى إن هناك مقاهى معروفة بالاسم فى الإسكندرية يجلس بها مهندسو الأحياء للاتفاق مع المقاولين على تلك العمليات المشبوهة، وكل ذلك أدى إلى تفاقم تلك الكارثة، ويضاف إلى ذلك أن كل حى كان لديه فرقة من الشرطة متخصصة فى تنفيذ الإزالة، تلك الفرق تم سحبها من الأحياء، وبالطبع ساهمت حالة إيقاف تراخيص البناء والتعقيدات والرشاوى التى تواجه من يريد الحصول على ترخيص كل ذلك أدى إلى تفاقم المشكلة، فهل يعقل أن يوقف محافظ الإسكندرية السابق عادل لبيب تراخيص البناء لمدة عام كامل انتظارا لصدور قانون البناء الموحد؟ طبعا فى هذا العام تم بناء مئات المبانى بدون ترخيص انضمت إلى سابقاتها وساهمت فى تفاقم المشكلة.
ويقول إن كل العمارات الجديدة التى تم بناؤها بالإسكندرية بعد الثورة لم يراع فيها أى قواعد معروفة للبناء وكلها بنيت بدون عمل أساسات سليمة (الخوازيق) والتى تتحمل الارتفاعات الهائلة التى تتكون منها تلك المبانى، ولكن أساساتها كانت ما يسمى (لبشة) والتى تتحمل أربعة أدوار فقط، بل إن الأخطر من ذلك أن هناك عمارات بمنطقة المنشية والجمرك وصلت ارتفاعاتها إلى 18 دورا ولم يتم عمل أعمدة خرسانية لها بل أعمدة من الطوب وهو ما يهدد بخطر أكبر.
فتش عن الكَحول
ويشير د. طارق القيعى إلى أن هناك شخصية مريبة تسمى (الكَحول) وهو شخص مجهول الهوية وليس له عنوان محدد و«الكحول» هو الشخص الذى يستعين به مالك العقار المخالف ليستخرج الترخيص باسمه ليتحمل هو المسئولية إذا انهار العقار وفى هذه الحالة لا تستطيع السلطات العثور على هذا الكحول وتضيع القضية والمسئولية وتتكرر المأساة.
ويضيف قائلا إن الحل هو ثورة شاملة للقضاء على هذه الجريمة التى تكررت وستتكرر مرات أخرى، ولابد من منع الداء قبل وقوعه ويجب ألا ننتظر حتى يتم بناء المبنى المخالف لنزيله ولكن لابد من منع البناء من البداية وإلقاء القبض على المالك والمقاول ومصادرة كل معدات البناء ولابد أن يكون للناس دور فى التصدى لهذه الجرائم عن طريق إبلاغ السلطات عن أى مخالفة يرونها مثلما حدث بالإسكندرية وقت الثورة حينما قام مالك إحدى الفيللات الأثرية بهدم جزء منها وقبل أن يستكمل الهدم ألقى الأهالى القبض على المالك وسلموه للشرطة العسكرية التى حبسته وأجبر المالك على إعادة بناء الجزء المتهدم من الفيللا وإعادتها إلى ما كانت عليه.
ويضيف أن هناك مشكلة أخرى تساعد على تفاقم المشكلة وهى أن القوانين التى تعاقب على مخالفات البناء غير رادعة فالبناء بدون ترخيص عقوبته مجرد جنحة، وفى وجود الكَحول وألاعيب بعض المحامين تضيع المسئولية والعقوبة فلابد من تغليظ القانون وفرض غرامات باهظة على المخالفين لردع المسئول عن هذه الجريمة.
ويقول د. هشام سعودى أستاذ العمارة وعميد كلية الفنون الجميلة بالثغر إن الإسكندرية من أكثر المحافظات التى تعانى من مشكلة البناء المخالف وهناك بعض الإحصائيات قدرت عدد مخالفات البناء بالإسكندرية بستين ألف مخالفة سواء كانت بناء بدون ترخيص أو تعلية بدون ترخيص وهو ما ينذر بكوارث كثيرة قادمة بدأت بكارثة عمارة الجمرك، ويضيف أن أراضى البناء بالإسكندرية قليلة وحجم الطلب أكثر بكثير من العرض وكان هذا من ضمن الأسباب التى شاركت فى جريمة البناء المخالف والتعلية بدون ترخيص، كما أن الفساد المنتشر فى كل المناحى من ضمن الأسباب الأخرى التى ساهمت فى المشكلة، ولابد من قطع دابر هذا الفساد.
ويضيف قائلا ما حدث فى أسلوب البناء فى العمارات المخالفة هو جريمة بكل المقاييس، فالبناء كان يتم بدون مراعاة لأى اشتراطات للبناء فالأسقف التى يجب أن يظل الخشب بها لمدة 28 يوما كانت لا تستغرق أكثر من 24 ساعة ويبنى السقف الذى يليها، وحتى لو تم وضع مواد لاستكمال البناء فى مدة اقل فهذه المواد لها قواعد ونسب مقننة وهذا لم يحدث تماما، كما أن هذه العمارات التى بنيت بعد ثورة 25 يناير بصفة خاصة لم يتم إعداد تقارير تربة ولم تعد لها خوازيق فى الأساسات وكل ذلك يقصر من عمر المنشأة.
ويضيف د.هشام سعودى قائلا: إن أمامنا الآن طريقين إما أن القانون يستطيع إيقاف البلطجة التى تحدث فى عمليات البناء المخالف، وإما أن تتغلب البلطجة على القانون، وما نراه الآن أن البلطجة هى التى تفوز، ولا يستطيع المحافظ ولا أى مسئول فى الدولة أن يحل هذه المشكلة، والحل فى وجهة نظرى هو ضرورة إصدار قوانين استثنائية للمرحلة الحالية لنقضى على تلك الجريمة، فالقوانين الحالية غير رادعة، ولابد من مصادرة جميع المنشآت المخالفة لصالح المحافظة وتشكيل لجان هندسية لفحص الحالة الإنشائية لكل مبنى فلو كانت حالة المبنى سليمة بالكامل يصادر لصالح المحافظة ويتم التصرف فيه وفقا لما تراه الدولة وإذا كانت حالة المبنى متوسطة يتم تقرير ما يحتاجه من هدم مجموعة أدوار أو تدعيم أو غيره ثم يصادر أيضا لصالح المحافظة، ولو كانت حالة المبنى سيئة يهدم بالكامل، ويجب أن يعاقب مشترو الشقق فى المبانى المخالفة وليس المالك فقط لأنه شارك فى الخطأ، وفى حالة مصادرة المبنى يرد للمالك جزء فقط من الأموال التى دفعها فى المبنى وليس كل المبلغ، ومنظومة الإسكان بكاملها فى مصر لابد أن يعاد فيها النظر للقضاء على الفساد فيها، ولن نستطيع أن نقضى على الفساد إلا بالردع.
كوارث محتملة
ويشير د. محمد بهاء الدين المنوفى أستاذ الخرسانة بكلية هندسة الإسكندرية إلى كارثة أكبر قد تحدث إذا حدث زلزال فإذا كانت عمارة الجمرك انهارت قبل أن ينتهى البناء فيها فماذا سيحدث فى حالة حدوث زلزال؟ ويقول إن العمارات التى بنيت بالإسكندرية بعد الثورة بصفة خاصة تم تصميمها على المقاهى ولم تراع فيها أى اشتراطات ولا أكواد للأساسات ولا للمبانى وخاصة فى الأسقف التى لم تكن الخرسانة الخاصة بها تستغرق أكثر من 24 ساعة فى حين أنها تحتاج على الأقل 12 يوما للوصول إلى الصلابة الكافية، وإذا أردنا الوصول بها إلى الإجهاد الكامل فهى تحتاج إلى 28 يوما، وحتى فى حالة المشروعات القومية العاجلة والحاجة للاستعجال فى البناء يتم وضع مجلات للخرسانة ولكن بنسب وشروط معينة، فهل هذا يعقل؟ فهذه العمارات بنيت بدون أى سيطرة ولا شروط هندسية بالإضافة إلى مخالفتها لاشتراطات التنظيم.
ويضيف د.بهاء المنوفى قائلا لابد أن تتدخل الدولة بقوة لمنع المخالفات من اليوم، أما ما تم بناؤه بالفعل فلابد من تشكيل لجان هندسية لفحصها كلها وفى حالة العمارات المخالفة الآمنة تتعامل معها الدولة وفق ما تراه سواء من مصادرة أو بتوقيع غرامات، أما العمارات المخالفة غير الآمنة فلابد من تنفيذ ما تقرره اللجنة سواء كان إزالة للمبنى كله أو إزالة عدد من الأدوار أو تدعيم المبنى، ويقول إننا تكلمنا كثيرا وحذرنا كثيرا فى ندوات ومؤتمرات ولكن لم يستمع إلينا احد، وأكرر محذرا أن العمارات المخالفة فى الإسكندرية عمرها قصير جدا وتنبئ بكوارث ضخمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.