حادث انهيار عقار الإسكندرية فتح ملف عقارات الموت المخالفة علي مستوي الجمهورية, فالعقار المنكوب لا يختلف كثيرا عن مئات الآلاف من العقارات الأخري المخالفة التي تمثل مقابر جماعية للمواطنين، وتشكل خطورة داهمة علي حياتهم وتنذر بتكرار كارثة عقار حي الجمرك, في أي لحظة. بل اعتبرها بعض الخبراء بداية سلسلة من كوارث البناء الشيطاني في ظل الفوضي السائدة في كل شيء وتحولت الي تجارة للموت والثراء السريع علي انقاض جثث الضحايا, ولعل خطورة هذه الظاهرة التي استفحلت بعد الثورة بسبب حالة الانفلات الأمني التي سادت البلاد, هي ما دفعت الرئيس محمد مرسي إلي متابعة تطورات الحادث الأخير, وشدد خلال اجتماعه الدوري مع مجلس الوزراء علي ضرورة تطبيق القانون بكل حزم فيما يتعلق بمخالفات البناء حفاظا علي أرواح المواطنين والملكيات العامة والخاصة. وطبقا للإحصائيات الرسمية عن مخالفات البناء بمحافظة الإسكندرية يبلغ عدد العقارات المخالفة خلال الفترة من اول يناير2011 وحتي نهاية يونيو2012 نحو12 ألف مخالفة وقرارات الإزالة للمباني بلغت29699 والغريب انه علي رغم حجم هذه المخالفات الا ما تم تنفيذه فقط هو129 حالة بما يعني اننا في حاجة الي295 عاما لتنفيذ باقي القرارات المخالفة! وقد كشفت تحقيقات النيابة في كارثة عقار الإسكندرية عن قيام ثلاثة مقاولين و صاحب الأرض بالبناء علي قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها40 مترا11 طابقا متكرر, و تبين من التحقيقات التي أجراها عبد الجليل حماد رئيس النيابة بإشراف المستشار إبراهيم الهلباوي المحامي العام الأول لنيابة غرب الكلية أن العقار كان قد تم بناؤه قبل الثورة من طابقين و دور أرضي وبعد الثورة قام المقاولون الثلاثة بالارتفاع إلي11 دورا سكنيا مستغلين حالة الانفلات الأمني التي سادت البلاد وقد تم البناء بدون ترخيص نهائيا, وتضمنت التحقيقات استدعاء مسئولين من الحي و كالعادة تبين أن العقار مخالف للاشتراطات الهندسية وصادر بشأنه قرارات إزالة لكن مع وقف التنفيذ من الجهات الرسمية. وقد أمرت النيابة باستمرار حبس المتهمين احمد أكبر و محمد ابراهيم مالكي الأرض وضبط واحضار المتهم الثالث كما استعجلت النيابة تقرير اللجنة الهندسية المشكلة من أساتذة بكلية الهندسة لبيان و فحص العقار. مذكرة للرئيس ومن جانبه أرسل الدكتور أسامة الفولي محافظ الإسكندرية بمذكرة إلي الرئيس محمد مرسي بشأن تلك الظاهرة الخطيرة التي تهدد حياة المواطنين في المحافظة بناء علي طلب الرئيس لتقويم الموقف المتردي وبحث طرق مواجهته, و أعلن المحافظ أن اللجنة المنوط بها حصر كافة المتضررين من أحداث عمارة الإسكندرية المنكوبة بشارع النصر بحي الجمرك انتهت من حصر أعداد المتضررين والبالغ عددهم49 متضررا مؤكدا أن المحافظة ستقوم بتوفير وحدات إيواء عاجل لهم. مشيرا الي أنه تم حصر كافة المتضررين من سكان العقار المنكوب والعقارات المجاورة مؤكدا أن اللجنة قامت بجمع أسمائهم وجار العمل لتسليمهم وحدات الإيواء العاجل. وقد تضمنت المذكرة التي تم رفعها للرئيس كافة مخالفات المباني والتجاوزات التي تم حصرها بمدينة الإسكندرية إبان ثورة يناير. وقال الفولي في تصريحات خاصة ل الأهرام إنه تم إرسال المذكرة بناء علي طلب الرئيس لدراسة كيفية التعامل مع الوضع الحالي بالمدينة وبعد تدهور الحالة وزيادة أعداد مخالفات البناء بما يهدد أمن وسلامة المواطن السكندري. ونوه الفولي إلي أن المذكرة تضمنت حصرا شاملا لكافة العقارات المخالفة والصادر بحقها أكثر من29 ألف قرار إزالة بالإضافة إلي حصر شامل لكافة المناطق والفيلات الأثرية والمعرضة من قبل بعض المقاولين لهدمها بما يهدد تاريخ التراث السكندري. وأكد الفولي أنه تم وضع توصيات لكيفية التعامل مع ظاهرة الموت الجماعي تحت أنقاض المقابر السكنية التي تتطلب فرقة للتدخل السريع بالتعاون مع القوات المسلحة ورجال الشرطة والتنفيذيين بالمحافظة لوقف تلك الظاهرة وإزالة كافة العقارات المخالفة خاصة التي تهدد أمن وسلامة المواطن السكندري. وأضاف المحافظ الدكتور أسامة الفولي في تصريحاته للاهرام ان المشكلة لا تتعلق بالمتابعة او اكتشاف المخالفات ولكن تتعلق بآليات تنفيذ قرارات الازالة الصادرة عن الأحياء, مشيرا الي إرسال محافظة الإسكندرية خطابا إلي رئاسة الجمهورية تضمن عددا من التوصيات الواجب تنفيذها عند اصدار تشريع خاص لمواجهة تلك الكارثة و شمل الخطاب16 توصية أهمها رفع العقوبة من الحبس إلي السجن المشدد ورفع قيمة الغرامات إلي4 أمثال القيمة السوقية للمباني المخالفة وضرورة وجود شرطة متخصصة تابعة للمحافظة للتدخل الفوري عند تنفيذ القرارت ومخاطبة المستشار النائب العام للتوجيه بسرعة إجراء التحقيقات اللازمة وإحالة القضايا التي تحرر بالمخالفة للقانون المشار إليه الي المحاكم لنظرها علي وجه السرعة وطلب توقيع أقصي العقوبة ومتابعة ما يصدر من أحكام البراءة والطعن عليها بالطرق المقررة قانونا وضرورة إعادة النظر في عدم سقوط دعاوي مخالفات البناء بالتقادم بالاضافة الي التوصية الاهم التي تطرح حلا عمليا لنهاية تلك الكارثة من خلال إعادة النظر في عملية تداول و صرف مواد البناء كالأسمنت والحديد و قصرها علي صرف الحصص لأصحاب المباني الصادر لها ترخيص بناء وبكميات تتناسب مع قواعد الترخيص, كما تضمنت التوصيات ضرورة التمييز بين حالات المخالفة وأشكالها المتعددة فلا يمكن أبدا معاملة البناء المقام بدون ترخيص اعتداء علي ارض الدولة او أرض الغير ولا تتوافر فيه قواعد السلامة الانشائية ذات المعاملة الخاصة ببناء مرخص ارتفع طابقا او طابقين زيادة علي حد الارتفاع المرخص به وتتوافر فيه قواعد السلامة الانشائية بالاضافة الي وضع حلول مستجدة لبعض صور المخالفات التي يمكن التصالح بشأنها علي ان يكون ذلك مقابل رسوم اضافية تودع في صندوق خاص بالمحافظة وتخصص بشكل مطلق لتطوير شبكة المرافق لمواجهة التوسع العشوائي في البناء المخالف. قوائم سوداء وحول إمكانية تطبيق القوائم السوداء للمقاولين المخالفيين أوضح المحافظ أن المأساة الحقيقية تتعلق بالتلاعب القانوني الذي يمارسه أصحاب القلوب المريضة بالتحايل علي القانون من خلال فكرة الكحول وهو الشخص الذي تسجل باسمه جميع المعاملات القانونية الخاصة بالعقار وغالبا ما يكون متوفي او احد البسطاء الذي يتقاضي مبالغ زهيدة من المقاولين لتحمل التباعات القانونية للمخالفات. وناشد الفولي المجتمع المدني تكوين قوة مقاومة لمواجهة تلك المافيا من خلال توعية القائمين علي عمليات بيع المواد الخام و تغيير ثقافة المواطنيين تجاه شراء الوحدات المخالفة ومواجهة الشائعات التي يطلقها المقاولون بأن التشريع الجديد للبناء سيطرح مبدأ التصالح في المخالفات وان تلك المخالفات تمثل ثروة عقارية لن تقوم الجهات التنفيذية بإزالتها وأن رئيس الجمهورية سيقر ثقافة التصالح في البناء المخالف كأساس, مؤكدا ان تلك الشائعات غير صحيحة وتحتاج الي مبادرة مجتمعية لمواجهتها مشيرا الي توجيه المحافظة خطابات الي شركات المياه و الكهرباء لإيقاف السماح بادخال عدادت كودية للشقق والعقارات المخالفة والاغرب هو اصرار شركات المرافق علي الاستناد الي قرار صادر عن مجلس الوزراء بأدخال المرافق, مما يشير الي ازدواج المعايير لدي الدولة وعدم وجود خطة واضحة لمواجهة الظاهرة بجدية, وجاء تعليق المحافظ عن دور المحليات والمحافظة باعتبارها السلطة التنفيذية لوقف أدخال المرافق الي ان الوضع في مصر ادارة محلية وليس حكما محليا. و أضاف المحافظ أن الأحياء تتعامل مع مافيا منظمة تعتمد علي البلطجية والأسلحة الآلية والنارية في البناء وان الامر يحتاج الي ارادة من الداخلية والقوات المسلحة لتنفيذ قرارات الأزالة وسرد عدد من الأرقام الفاجعة حول الظاهرة والتي تمثلت في رصد حي المنتزة400 مخالفة يومية و ان عدد العقارات المخالفة سواء بالتعلية بدون ترخيص او البناء بدون ترخيص18 الف عقار صدر بشأنهم50 ألف قرار اداري بالمخالفات سواء بايقاف الاعمال او الازالة وان التنفيذ يحتاج الي دراسات أمنية وقوات شرطية وتدخل من القوات المسلحة. كوارث جديدة ومن جانبه أكد الدكتور رأفت شميس مقرر لجنة اعداد قانون البناء ورئيس لجنة مراجعة المشروعات الكبري بمركز بحوث الإسكان والبناء بوزارة الإسكان أن كارثة عقار الإسكندرية هي بداية لسلسلة من الكوارث إذا لم نتدخل, حيث سنجد انفسنا امام كارثة ضخمة وأكبر والضحايا أكثر فتخيل عقار11 طابقا ويسكن به نحو30 أسرة, فعدد العقارات الذي يسقط حاليا أقل من المتوقع, مشيرا الي اننا عشنا فترات كثيرة من الخلل في كل شيء, سواء في الصحة أو التعليم وغيرهما ولكن الفرق أن العمران جريمة لا تدفن فالبناء خلال سنوات طويلة كان بعيدا عن أي نوع من الإشراف العمراني وخلال دراسة قمت بها أثبتت أن المخالفات تبلغ نحو88% من حجم العمران المصري بداية من مخالفات صارخة وحتي الخروج وبناء بلكونة مخالفة. فمنذ40 عاما والبناء المخالف لا يتوقف وخلال فترة في الستينيات الدولة لم تكن تتدخل نهائيا في ايقاف العمران المخالف ولكن الأكثر من ذلك أن الدولة تساعد علي ذلك بتوصيل المرافق للمباني المخالفة ولا يتم ذلك لعقارات فقط ولكن مناطق بكاملها مخالفة وبعيدة عن التخطيط العمراني. ويضيف د. رأفت: كان هناك نوع من الصفقات خلال الانتخابات في شكل رشوة مجتمعية لتوصيل المرافق للمناطق المخالفة للحصول علي الأصوات الانتخابية واكتساب شعبية وهنا بعد سياسي يتجاهل الابعاد الاجتماعية والاقتصادية والصحية والعمرانية المترتبة علي ذلك فالفكرة اكبر من سقوط عقار ولكن انهيار مجتمعي. حجم المخالفات العمرانية في مصر ينذر بكارثة اكبر فمنذ اوائل السبعينيات والثمانينيات وقد اختفي الدور الفعلي للرقابة والإشراف من جانب المحليات وكان دور مهندسي الاحياء يقتصر علي شهرية عن كل طابق مخالف, فلدينا قانون119 لعام2008 وهو قانون رادع وعقوبة المخالف تصل الي السجن المشدد ولكن المحليات لا تطبقه فالمحليات قتلت قانون البناء نظير الرشوة العامة ايام الفاسدين المتدخلين في كل مكان ويديرون كل شيء لمصلحتهم الخاصة. فقانون البناء وإزالة المخالفات قرار إداري لا يحتاج لقرار محكمة او اجراءات وينص علي وجوب الإزالة علي الفور. والمشكلة في الإسكندرية أكبر لأن ظروفها أصعب من حيث المناخ والبيئة وعوامل البحر التي تتسبب في ظهور هذه الآثار بشكل أسرع, بالإضافة الي أن المخالفات بالإسكندرية اخذت شكل فخ. ويستنكر د رأفت حديث بعض المسئولين عن احتياجنا ل200 عام لحل مشكلة العقارات المخالفة قائلا: إذا كان لدينا الإرادة في فعل ذلك فسنقضي علي المخالفات خلال شهور معدودة ولمصلحة من هذا الكلام علينا التدخل الفوري لوقف المخالفات نهائيا والمهم أن يكون لدينا ارداة مجتمعية لوقف المخالفات وتطبيق القانون دون أي نوع من التصالح فيما يخص المخالفات والقيام بعمل إعادة تخطيط للمناطق المخالفة. واذا افترضنا ان لدينا نحو14 مليون عقار يحتاج الي معاينة فهذه المخالفات اكبر من امكانيات وزارة الإسكان ويجب أن يكون هناك دور للناس والدولة الجميع يجب ان يشارك في اشكالية العقارات المخالفة والعمارات التي يثبت انها غير آمنة علي سكانها, يتم ازالتها علي نفقة صاحب المصلحة او المسئول عن المخالفة فورا. فاذا توافرت البيئة الصادقة فسيتم الانتهاء من ذلك خلال شهرين بالتعاون مع نقابة المهندسين للكشف والمعاينة والكثير من العقارات لا يحتاج سوي الي كشف ظاهري فقط دون تكلفة كبيرة, فنحن في حاجة الي تحرك عام لنعيد بناء الوطن. ولابد ان يكون هناك وعي لدي الناس في التعامل مع مخالفات البناء فالقانون يمنع التعامل علي الوحدات المخالفة ومن يضع فلوسه في وحدات مخالفة لن يستطيع تسجيلها بالشهر العقاري. أما فيما يتعلق بمالك العقار الوهمي وهو القاسم المشترك في معظم مخالفات البناء يقول د. رأفت في الغالب يكون العقار المخالف باسم البواب مثل اغلب ما يحدث في مدينة نصر ويقوم بعمل توكيل للمالك الأصلي الذي يبيع الوحدات ويختفي واذا حدث شيء يدان فيها البواب, لذلك فان75% من العمارات المخالفة ليس لها مالك فعلي فالمشتري الأصلي ليس هو من يقوم بالمخالفة ويبيع الشقق للناس.