حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبداعات من معطف نجيب محفوظ
نشر في أكتوبر يوم 18 - 12 - 2011

نجيب محفوظ بأعماله.. هو الذى شكل حياة شاب لم يبلغ الرابعة والعشرين من عمره بكتابته - لأول مرة - قصتين قصيرتين عن أبطال روايته المبهرة زقاق المدق، الأولى مصرع عباس الحلو فى 1948 والثانية زيطة صانع العاهات فى 1949، ثم جعله يمشى بعد ذلك فى نفس الدرب.. وهو الذى ودفع شيخاً تجاوز الستين، ولم يعرف إلا شاعراً وباحثا بين أبياته وأوزانه إلى ان يكتب رواية لينهض عرفه من قبره بعد أن أماته محفوظ فى اولاد حارتنا.. وهو الذى استفز صحفية محترفة إلى البحث عن الشوارع فى الرواية المصرية بادئه بالزقاق لنرى العجب العجاب.. وهو الذى استولى على أديب شاب وجعله يحتل روايته كلها من العنوان وحتى صفحاتها 470 كواحد من ابناء الجبلاوى».
وسواء احتفلنا بنجيب محفوظ أو ألهتنا الظروف القاهرة وبعيداً عنه وعن رحاب إبداعه، وسواء انشغلنا به أو انشغلنا عنه.. فإن هذا لن يقلل او يضيف إلى نجيب محفوظ الذى تحول إلى معلم راسخ من معالم مصريتنا كالمسلة والفنارة والجامعة والمكتبة.. سيزداد اثره وتأثيره فينا ويتضح كلما مرت السنون وزاد الوعى
والآن مع حوارات سريعة وخاطفة مع من استلوا من معطف نجيب محفوظ بعض الإبداعات المتكئة عليه هو شخصياً أو على بعض شخوصه الروائية.. ونبدؤها بالأديب الكبير يوسف الشارونى الذى ولد عام 1924وكتب قصتيه مصرع عباس الحلو وزيطة صانع العاهات.
?أستاذ شارونى، هذا السؤال تأخر كثيراً، ولكننى لم أقرأ فى حواراتك السابقة ردا عليه، ولهذا أطرحه الآن بعدأكثر من 63 عاماً عن تأليفك لقصتيك مصرع عباس الحلو وزيطة صانع العاهات، لماذا كتبت عنهما ما كتبته؟
** لعلمك ما قمت به فى ذلك الوقت كان شيئاً فريداً ونادرا فى الأدب العربى والأدب العالمى، وأظنها المرة الأولى التى يقوم فيها أديب باستياء قصص قصيرة من رواية لأديب آخر، وأظنها لم تتكرر حتى الآن هناك من كتبوا أكثر من رواية عالجوا فيها عملا واحدا مثلما حدث مع قصة أوديب او قصة كليو باترا، ولكننى قمت بشىء مختلف تماماً.
?ولهذا أسألك عن السبب؟
** زقاق المدق كانت مذاقا جديدا فى عالم الرواية وقتها وفى شغل نجيب محفوظ نفسه بعد رواياته التاريخية الثلاث عبث الاقدار ؟؟ وكفاح طيبة التى تأثر فيها بالتيار القومى الفرعونى.. زقاق المدق مزدحمة بشخصيات متناقصة ومثيرة وليس بينهما رابط حقيقى الإزقاق واحد.. وقد استوقفتنى بشكل خاص زيطة الذى أوقف حياته كلها على صناعة مبتكره أو جد فيها لقمة عيش لفقراء وعاطلين ثم اختفى قجأه من الزقاق، وعباس الحلو القانع الراضى الذى تحول فجأه إلى شخص أخر ومات ارضاء لطموح وجموح حميدةالعايقة.
?هل تذكر أول مرة رأيت فيها نجيب محفوظ؟
** أذكر ذلك جيداً.. وكنت قد تخرجت من قسم الفلسفة بأداب القاهرة وكان فى كازينو الأوبرا بالعتبة وعرفت انه يلتقى فيه بأصدقائه صباح كل جمعة، فذهبت اليه وكان فى السطوح أو الروف جاردن ووجدته مع عبد الحميد جودة السحار والصحفى الفكاهى محمد عفيفى وأنور المعداوى ومجموعة اخرى وبعد عدة لقاءات معه اهدانى روايته الجديدة زقاق المدق وكانت أول ما أهدانى محفوظ من اعماله وظل بعد ذلك يهدينى كل ما يصدر، حتى تعرض للطعنة التى تعرض لها على يد هذا الشاب الطائش، وقد كان له عادة طريفة يجعل مكتبة مصر التى كانت تنشر اعماله.. تبعث كتابه الجديد بإهداء منه إلى مجموعة من الاصدقاء الذى يختارهم لها، وكنت منهم.. وكنت أنوى عمل كتاب يضم بعض من هذه الإهداءات الكثيرة التى كان يبعثها لى كبار الأدباء والكتاب والتى كانت تحتوى على الكثير من الطرائف والغرائب ولكن للأسف لم أستطع إنجازه.
?ولماذا؟
** لإننى تبرعت بأكثر من من خمسة آلاف كتاب من كتبى هذه إلى أكثر من جهة منذ عام مضى، وبعض هذه الكتب عليها مثل هذه الإهداءات التى كنت انتوى جمعها وتسجيلها خلال رحلة عمرى التى وصلت الآن إلى 87 عاماً.
?ولك طولة العمر والصحة ولكن كيف تبرعت بالكتب والمكان حولنا يزدحم بها ويزاحمنا؟
** أنا هنافى هذه الشقة بالمهندسين منذ عام فقط قد اضطررت إلى المجىء هنا بعد ان قضيت اكثر من سبعين عاماً فى حى المعادى فى شقة كبيرة واسعة جداً كانت تستوعب كل ما جمعته من كتب ولكن بعد ان أصبحت العمارة آيلة للسقوط، اضطررت للتبرع إلى مكتبة الاسكندرية بمجموعة كبيرة ونادرة من الكتب الاجنبية بلغات انجليزية وفرنسية وتبرعت إلى دار الكتب بمجموعات اخرى من الكتب العربية والمراجع، واحتفظنا فقط بما ترينه الأن فى الدواليب وعلى الحوائط حولنا وهو الجزء الذى أظنه يساعدنى أعمالى وكتاباتى الحالية فى هذه الفترة، ولعلمك ما ترينه هنا هو جزء فقط فهناك فى الغرف الداخلية اضعاف هذا العدد ، لم أشعر بحجم الثروة التى كانت عندى من كتب الأن الآن بعد ان خسرت الشقة السابقىة التى كانت واسعة جداً وأستوعبتها كلها.
اعود إلى عباس الحلو وزيطة، وأود معرفة كيف استقبلهما محفوظ مثل وقتها؟
قلت لك إننا كنا نلتقى بمحفوظ فى الأوبرا وكان لقاء حراً، مثلما يحدث فى اى اجتماع يضم مجموعة من المثقفين فهو خليط من المناقشات الثقافية والاجتماعية والأمور العامة، كنا نسمعه ونناقشة فى كل ما نريده ونستمتع بقعدته وضحكته المجلجلة وقفشاته ونكاته الذكية.. وبعد ان أهدانى زقاق المدق وكتبت عنها القصتين اللتين نشرتهما فى مجلة الأديب البيروتية، زادت علاقتى به اكثر وتوثقت صداقتنا، وطبعاً كان مبسوطا جدُا مما كتبته وبرغم انه شخص كتوم ولا يتحدث كثيراً عما يداخله، الإ انه كان مبسوطاً واستقبل قصصى بترحاب وفرح.
?وخلال رحلة محفوظ الابداعية ورحللتك انت ايضاً ألم تستفزك شخصية أخرى له تجعلك تكرر التجربة مرة ثانية؟
**لم أكررها مرة أخرى مع نجيب او مع غيره من المبدعين.. وهى جت معى كدة وقتها ولم تكرر.. ولكننى تعاملت مع رواياته التالية بعد ذلك بطريقة نقدية أسميها أنا طريقة إبداعية فى النقد، كما حدث مع رواية السراب التى كتبت عنها ايضاً اولى مقالاتىفى مجلة علم النفس سنة 1950 وكان رئيس تحريرها هود. يوسف مراد، وكتبت عن رواية بين القصرين وربطت بين الحدث الفردى والحدث العام حيث ثورة الابن على العائلة والذى مات فى الآخر (فهمى) وثورة المصريين على الانجليز ، وكتبت عن الشحاذ التى قال فيها محفوظ اكثر من شىء ومعنى كأزمة الفن وأزمة المثقف، كما أننى اجريت حواراً طويلاً مع محفوظ.
?ذكرت لى أن ما قمت به مع ابطال محفوظ لم يتكرر ثانية وأسأل ألم تقرأ رواية عرفة ينهض من قبر؟
** آه،عرفت بها وأهدانيها لى الشاعر حسن توفيق منذ فترة بسيطة وللأسف لم أقراها حتى الآن.. ولكن تذكرى ان نفس التجربة هذه تكررت بعد اكثر من خمسين عاماً على ما قمت به أنا.
?وهل تذكر لنا آخر لقاءاتكم مع محفوظ؟
** محفوظ أصبح له أصدقاء كثر ومريدين أكثر، أنا سافرت إلى مسقط بسلطنة عمان لمدة عشر سنوات فى الفترة من 83 إلى 92. وعندما كنت أجىء فى الأجازات كنت حريصاً على رؤيته وحضور لقاءاتنا الاخيرة كانت فى فندق شبرد وسميراميس، واستعدنا فيها بعض ذكرياتنا القديمة.
?وهل لك ان تستعيدها معنا؟
** سأقول لك شيئاً ما عن محفوظ كان رئيساً لنادى القضاة لأكثر من عشرين عاماً، ولكن مع بداية عام2000 طلب اعفاءه من هذا المنصب وحتى عندما ذهبوا إليه وألحوا على استمراره قال لهم أنا أرى أن يكون رئيس نادى القضاة هو يوسف الشارونى ولهذا أصبحت رئيساً للنادى بترشيح محفوظ لى واستمرت هذه الرئاسة طوال هذه الفترة وحتى الاسبوع الماضى.. فقد حدث أمر مهم فى أول يناير الماضى وقبل قيام الثورة ، حيث رفضت أن أرشح نفسى للانتخابات وأصررت على ترك الرئاسة وعملت كما فعل محفوظ بالضبط وقلت لم كفاية على هكذا أو يجب ان تبحثوا عن رئيس جديد، ولكن نتيجة بعض الأخطاء والمشاكل قررت الشئون الاجتماعية اعادة الانتخابات مرة أخرى، وأصروا على بقائى فى المنصب حتى الاسبوع الماضى فقط وتمت الانتخابات الجديدة وفاز فيها الأديب نبيل
عبد الحميد بالتزكية.
? هل أنت راض عن احتفالاتنا وتعاملنا مع نجيب محفوظ؟
** أرى أن الجهد الأكبر والأعظم للاحتفاء بنجيب محفوظ سواء من خلال النشر والجوائز والندوات هى من نصيب الجامعة الأمريكية.. بينما لم أر جامعة من جامعتنا العديدة تفعل نفس ما تفعله الجامعة الامريكية أو حتى نصفه... أيضا يحزننى أن مؤسسة الشروق التى أخذت جميع كتب محفوظ من مكتبة مصر لم تقم بشىء مماثل للاحتفال بمحفوظ، فلا جائزة كبيرة عنه أو عن الكتابات الحديثة عنه ولا طبعات شعبية رخيصة لأعمال محفوظ ورواياته وقصصه.
? سؤال افتراضى أطرحه عليك، لو أن نجيب محفوظ عاصر هذه الثورة ماذا كنت تتوقع رد فعله إزاءها؟
** كما عمل سابقا مع ثورة 1952، كان أسلوبه فى الكتابة وفى الابداع سيتغير ويدخل مرحلة جديدة، كما تغير بعد ثورة 1952 عما كان عليه من قبل، فمحفوظ هو عدسة رائعة للأحداث والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فأظن أنه لو عاصر هذه الثورة كان سيغير اتجاهه كلية ويكتب بطريقة جديدة ومختلفة، لأن محفوظ كان متطورا جدا ويخرج من مرحلة ليدخل مرحلة اخرى جديدة.
? كنت أسأل هل كان سيدعم هذه الثورة؟
** وهل هو دعم ثورة 1952، هو عمل لها نقدا وتعامل معها بطريقة نقد الصديق وليس نقد العدو، موقفه كان حاسما من ثورة 52 بالتزامه بالنقد البناء لها الذى يرى الأخطاء ويعين الصديق وينبه إليها حتى يستطيع أن يتعامل معها.
? وماذا عن رأيك أنت من هذه الثورة؟
** رأيى إن ربنا يستر.. أنا عاصرت كلا من فؤاد وفاروق ومحمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك.. وللأسف نحن نبدأ كويس ثم سرعان ما تقلب ونرجع للوراء... والسبب هو الأمية التى تزيد على 40% من تعداد الشعب، لأن أى حاكم لنا يكون عنده إغراء يسِّهل له أن يحكم هذا الشعب الأمى حكما ديكتاتوريا.
***
واللقاء الثانى كان مع الشاعر المميز حسن توفيق الذى فاجأنا بأولى رواياته، بعد عمر مديد مع الشعر والدراسات الشعرية وهى رواية «عرفة ينهض من قبره» الصادرة هذا العام عن مؤسسة الرحاب الحديثة ببيروت، وفيها عزّ عليه أن يتخلص محفوظ من شخصية عرفة الساحر الذى أرداه قتيلا هو وزوجته فى نهاية روايته التى تطاردها الأزمات حتى الآن «أولاد حارتنا».
* أريد أن أفهم لماذا أعدت عرفة الساحر للحياة مرة أخرى، بعد موته، هكذا بادرت الشاعر حسن توفيق فور وجوده أمامى قبل أى ترحيب أومقدمات؟
** أعترف لك أننى أصابنى الحزن الشديد واحسست بالضيق لمقتله، عرفه قدمه محفوظ رمزا للعلم الحديث، فكيف يدفن هذا الرمز.. معنى ذلك أننا سنظل متخلفين إلى الأبد، وفكرة إعادته وبعثه من جديد كانت تراودنى منذ سنوات كثيرة، ولكننى كنت متهيبا أن اتعرض لعمل من أعمال أستاذنا العملاق، ولكن فجأه شيئا فشيئا بدأت أحس أنه لابد أن يظهر عرفة والآن.
ولكن عزلة حارة الجبلاوى عن العالم الخارجى حكم عليها أن تكون معزولة فى فترة زمنية معينة حتى لا يتعرف أحد منها على الآخر... ربما يكون الحوارى الأخرى القريبة والبعيدة متقدمة عن حارة الجبلاوى، وفيها الكثيرون العلماء أمثال عرفة وقد يكونون متفوقين عليه وقد يكونون فى مستواه وما إلى ذلك، ولهذا لابد أن تخرج من عزلة حارتنا إلى الحوارى الأخرى كى نتعرف على الآخرين، وقد كتبت فى هذه الرواية حوارى أخرى كثيرة بحكم شخصية المجنون الذى يحب الرحلات وجعلت هناك حارة النمل الأصفر وحارة النحل وحارة البقرة المقدسة وحارة الطوفان وحارة الخزف وهكذا، بينما اكتفى الأستاذ نجيب محفوظ بحارة الجبلاوى فقط.
* وألم تسأل نفسك لماذا قتل نجيب محفوظ بجلالة قدره العلم وأخفاه فى الرواية؟
** هو فعلا أخفى العلم، ولكنه أيضا بشر بميلاد العلم مرة أخرى من جديد فى نفس الرواية، بدليل إن نهايتها تحمل هذه الجملة «فلننتظر مصرع الظلم ومشرق العدالة فى حارتنا» فهو إذن لم يفقد الأمل.
* حدثنا عن علاقتك الشخصية بنجيب محفوظ؟
** أنا تخرجت فى الجامعة سنة 1965، وكنا نعرف نحن شعراء وأدباء الستينيات وكل أبناء جيلى أن نجيب محفوظ يذهب إلى مقهى ريش كل يوم جمعة من الساعة السادسة مساء بالضبط إلى الثامنة، يشرب خلال هذه الجلسة فنجانين من القهوة ويقوم بمسح حذائه عند عم حسين وكان يدفع له خمسة قروش مرة واحدة، فى حين أننا كنا ندفع لعم حسين قرشين فقط، وقد تعرفت عليه جيدا فى هذه الجلسات التى استمرت حتى بداية السبعينيات وحتى عندما غير هذه القعدة إلى أماكن ومقاه أخرى كفندق شبرد مثلا كنا نواظب عليها وعلى حضورها.. إضافة إلى ذلك أن الأستاذ كان يسكن على النيل فى العجوزة فى الشارع الذى أصبح يحمل اسمه الآن وكان يسمى من قبل شارع الدكتور عيسى حمدى، كان يسكن فى أول الشارع، وقد أتيح لى فى منتصف السبعينيات أن أسكن فى شقة صغيرة فى نهاية نفس الشارع مع الشاعر أمل دنقل بحيث يدفع هو نصف الإيجار وأدفع أنا النصف الثانى وكثيرا ما كنت أقابل الأستاذ فى هذا الشارع وهو يتمشى على الكورنيش أمام بيته، ولأنه كان منضبطا فى مواعيده، وقد عرفت بميعاد تريضه، فقد حرصت على مشاركته المشى معه.
* أصررت على إعادة الحياة إلى عرفة ولكن...؟
** قاطعنى... أهل حارة الجبلاوى كان عندهم تصور غريب إن هذه الحارة هى أصل الدنيا، وهذا كلام غير صحيح، والقول باستمرار إن مصر أم الدنيا ورائدة وغير هذا من الكلام يحرق الدم، رائدة كيف دون أن نتقدم، ونحن ننعزل عن العالم،كانت رائدة فى مرحلة تاريخية، نعم ولكن هذا انتهى... طيب نحن نستطيع أن نقول إن الحضارات القديمة كلها حضارات عظيمة جدا..الحضارة الفرعونية هى التى انقطعت، بينما الصينية القديمة مازالت متصلة حتى الآن وحتى اللغة الصينية القديمة موجودة للآن، بينما تغيرت لغتنا نحن من الهيروغليفية إلى القبطية إلى اليونانية إلى العربية، كما أن هناك فترات انقطاع، ثم تجدين من يتشدق بالريادة والعظمة، وتجدين مشاهد كوميدية كأن يقعد بعض العمال الجهلة وراء الهرم ويقولون أجدادى هم بناة الهرم وهم لا يعرفون كتابة اسمهم، أليست هذه كارثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.